خطة فصل إسرائيلية عن قطاع غزة وليس انسحابا
ملفات متنوعة
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
ليس جهلاً بدلالة التسمية ما يردده الإسرائيليون عن خطة الفصل عن قطاع غزة، فلم ترد في وسائل الإعلام الإسرائيلية كلمة واحدة عن الانسحاب، تلك الكلمة التي يرددها العرب عن قصد بوسائل إعلامهم، ومن المؤكد أن للتسمية دلالة على التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي للمنطقة، والتكتيك السياسي لتحقيق ذلك.
فهل للعرب تخطيطهم وتكتيكهم؟ أم هو تحايل سياسي عربي فلسطيني للتجاوب مع خطة الفصل الإسرائيلية كما هي، وعلى حالها؟ وهل ذلك التجاوب يخدم القضية الفلسطينية، أم يخادع الرأي العام العربي والفلسطيني، ويوهم بمستقبل قد يكون أسوأ من راهن الاحتلال المباشر؟.
إن في الإصرار الإسرائيلي على ترديد لفظة الفصل عن قطاع غزة ما يوحي بعدم التخلي التام عن السيطرة على مجريات الأمور في قطاع غزة، ولكن إسرائيل تسعى لأن يتم ذلك دون الاحتكاك اليومي المباشر مع المواطنين، وهذا يتحقق لإسرائيل من خلال الابتعاد عن مكان لم يعد فيه موطئ قدم لتحرك جندي إسرائيلي دون حدوث مجزرة، والاكتفاء بإدارته من خلال التحكم عن بعد (رومت كنترول)، بينما في الإصرار الفلسطيني على لفظة الانسحاب من قطاع غزة ما يؤكد على الرغبة الفلسطينية في السيطرة التامة على كل قطعة أرض تنسحب منها إسرائيل، حتى ولو كانت أرض قطاع غزة التي تمثل 4% فقط من أرض فلسطين، وإعلان دولة مستقلة ذات سيادة، على أمل تحرير ما لم يسيطر عليه اليهود بعد من أراضي الضفة الغربية.
الفصل بالمفهوم الإسرائيلي يعني حل من جانب واحد يضمن تواصل السيطرة على قطاع غزة، مع العمل على تقليل الخسائر السياسية والعسكرية التي تلحق بالإسرائيليين، إنها خطة إسرائيلية تم سحبها من الأدراج، ولم تكن ردة فعل غير مدروسة مجردة من الأبعاد السياسية، وإحدى الحلول الاستراتيجية للصراع مع الفلسطينيين.
وقد نجحت إسرائيل وشارون تحديدًا في توظيف المتغيرات السياسية على الساحة الدولية، وتسخير الجهد الدولي لتمريرها وتسويقها في الساحة العربية، وهذا ما يؤكده أحمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني في كلمة ألقاها أمام المجالس البلدية المنتخبة في رام الله الثلاثاء 26/7/2005، عندما قال: "لا أخفيكم أن اللجنة الرباعية الدولية التي شُكلت بقرار دولي ـ ومدعومة في صلاحياتها بقرار من مجلس الأمن بتطبيق خطة خارطة الطريق ـ هي التي مارست علينا الضغوط للتعاطي مع خطة الانسحاب الأحادي"، أي أن القيادة الفلسطينية تدرك خطيئة التعاطي مع خطة الفصل، ولكنها مجبرة ـ في ظل انعدام البدائل ـ على التعاطي مع هذا المنكر؛ وهو الذي يجعلنا نستنتج أن كل لقاء يتم بين قيادات في السلطة الفلسطينية مع الإسرائيليين للتنسيق يندرج ضمن التعاطي مع الإكراه وخيار الضرورة، وتحت هذا المدلول يندرج اللقاء الذي عُقد بين محمد دحلان وزير الشئون المدنية وشاؤول موفاز وزير الحرب الصهيوني يوم الثلاثاء 26/7/2005، وما تم خلاله من تنسيق خطوات عمل مستقبلية تهدف إلى إنجاح خطة الفصل الإسرائيلية عن قطاع غزة، بل وتؤكد عليها، وهو ما يمكن أن يندرج تحت مسمى خطأ التكتيك الفلسطيني في إيهام النفس، والإيحاء للمجتمع العربي والفلسطيني بأن الذي سيتم هو انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة على طريق تطبيق خارطة الطريق.
لقد كشفت وسائل الإعلام عن المواضيع التي ناقشها الوزيران الفلسطيني دحلان والإسرائيلي موفاز، وجميعها تؤكد أن الأمور بين الطرفين تسير وفق الرؤية الإسرائيلية للفصل، وليس وفق المنطق الفلسطيني للانسحاب، (الفصل عن قطاع غزة)، وليس (الانسحاب من قطاع غزة)؛ لأن الانسحاب قد يتم دون حاجة إلى تنسيق، بينما الفصل هو الذي يحتاج إلى تنسيق، ويحتاج إلى الاتفاق على بعض القضايا التي تؤكد المفهوم الإسرائيلي للفصل، وهو ما تأكد من تصريحات وزير الشئون المدنية محمد دحلان عندما نوّه: (إلى أن بناء الميناء سيكون في مكانه الحالي، مشيرًا إلى أن إسرائيل وافقت على أن تسمح لكل الفنيين والأطقم العاملة فيه بمواصلة عملها)، فلو كان اللقاء بين الطرفين يدور عن الانسحاب من قطاع غزة لما استوجب التطرق لبناء الميناء الذي سيكون شأنًا فلسطينيًا صرفًا، ولا علاقة لإسرائيل به من قريب أو بعيد.
أضاف دحلان ما يؤكد على أن اللقاء مع الإسرائيليين يدور ضمن أفق الفصل وليس الانسحاب، فقال: "تم التطرّق إلى تصاريح الزيارة للمستثمرين والحالات الإنسانية من الخارج وتغيير العنوان بين الضفة وغزة، وكل القضايا المتعلقة بالحياة اليومية لأبناء شعبنا الفلسطيني، وعودة موظفي السلطة الذين طُردوا بأمر إسرائيلي خلال فترة الانتفاضة من المعابر سواء من معبر الكرمة مع الأردن أو من معبر رفح مع مصر، وذلك في أقرب وقت ممكن".
وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى أن هذه المواضيع ذات شأن فلسطيني خالص لا يجدر التطرق لها مع شاؤول موفاز لو أن إسرائيل تتحدث عن انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة، بل مناقشة هذه المواضيع تؤكد تواصل التدخل الإسرائيلي في الشئون الداخلية الفلسطينية، وعدم استقلالية القرار الفلسطيني.
لقد أضاف دحلان ما يؤكد فكرة الفصل الإسرائيلي وليس مفهوم الانسحاب الفلسطيني؛ فقال: "تسلمنا بعض الموافقات فيما يخص القضايا الرئيسية في تسوية بعض الحالات من المواطنين الذين جاءوا بزيارات إلى مناطق السلطة الوطنية ولم يخرجوا، موضحًا أنه سيتم وضع آلية لذلك مع المنسق ميشليك".
ما سبق من تصريح يعني أن السيطرة الإسرائيلية باقية غير منقوصة على مناحي الحياة في قطاع غزة حتى بعد الفصل الإسرائيلي، وأن إقامة أي مواطن فلسطيني في قطاع غزة وعدم إقامته مرتبطة بالموافقة الإسرائيلية، ومنح الهوية الفلسطينية مشروط لمن حمل الهوية الإسرائيلية، أو من ستوافق إسرائيل على منحه الهوية، وحق الفلسطينيين بالعودة إلى قطاع غزة متصل بالتنسيق مع الطرف الإسرائيلي، وكل ما سبق يتنافى مع فكرة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ويعزز السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة عن بعد.
يؤكد ذلك ما جاء من موافقة فلسطينية على وجود مراقبين أجانب على المعبر الفاصل بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، ومهمتهم ستكون التدقيق بهوية كل قادم إلى قطاع غزة، مثلما يدققون بكل جسم ومادة غذائية تعبر إلى القطاع.
إن الفرق كبير بين الانسحاب من قطاع غزة، والفصل عن قطاع غزة، وبموجب التسمية يكون الالتزام الفلسطيني، ففي حالة تطبيق إسرائيل للانسحاب التام تقع على السلطة الفلسطينية مسئولية كاملة في إدارة دقائق الأمور، وهذا يختلف عن الالتزام الفلسطيني في حالة الموافقة على خطة الفصل التي تحمّل إسرائيل ما ينجم عن خرق لاستقرار حياة المجتمع الفلسطيني، فلماذا لا تسمي القيادة السياسية الفلسطينية الفصل بمسماه الحقيقي؟!!
لماذا لا تكون القيادة السياسية الفلسطينية واضحة مع شعبها في التعامل مع التسمية الإسرائيلية لخطة الفصل، كي لا تقع القيادة نفسها بعد فترة من الزمن في دائرة الإحراج من عدم الانسحاب الإسرائيلي، والاستحقاق الذي يتوقعه الشعب العربي الفلسطيني من هذا الانسحاب، ولا تقوى عليه القيادة السياسية.
المصدر: د. فايز صلاح أبو شمالة - مفكرة الإسلام