ائتلاف القوى الإسلامية.. والبناء التراكمي

منذ 2012-12-18

"..أربعة.. أربعة.. إخوان وسلفية.. إخوان وسلفية.. خمسة.. خمسة.. وجماعة إسلامية.. وجماعة إسلامية.."، كان شباب جماعة الإخوان المسلمين يصدحون بأهازيجهم في واحدة من كبريات المظاهرات التي شهدتها مصر بمدينة الإسكندرية قبل أيام من التصويت على استفتاء دستور مصر..


"..أربعة.. أربعة.. إخوان وسلفية.. إخوان وسلفية.. خمسة.. خمسة.. وجماعة إسلامية.. وجماعة إسلامية.."، كان شباب جماعة الإخوان المسلمين يصدحون بأهازيجهم في واحدة من كبريات المظاهرات التي شهدتها مصر بمدينة الإسكندرية قبل أيام من التصويت على استفتاء دستور مصر..

أجواء التنافس بين القوى "الإسلامية" في مصر تحول عادة بين ذيوع مثل هذه الهتافات التضامنية بين تلك القوى في مظاهراتها أو مهرجاناتها وندواتها، فتلك الأجواء لا توفر البيئة الحاضنة لتنسيق عالي المستوي بينها، غير أنه الآن في أوج ازدهاره وسط حال توتر شديدة تمر بها البلاد منذ أسابيع.

"ائتلاف القوى الإسلامية"، الذي يضم عدداً من تيارات العمل الإسلامي بمصر، وأبرزها جماعة الإخوان، والتيار السلفي بتنوعاته، والجماعة الإسلامية، هو أحد تجليات هذا التنسيق الذي يظهر حالة تكاد تجسد وحدة كاملة في ظاهرها بين فصائل العمل الإسلامي المصري، حيث تبدو كل الفصائل متحدة المواقف حالياً حيال شرعية الرئيس والدستور، والعديد من المواقف السياسية التي لا تكاد تفرق فيها بين أطياف هذا التنوع القديم الذي عرفته مصر منذ عقود.

والحقيقة أن جملة من الأسباب أدّت إلى التقريب الواضح بين مكونات الطيف الإسلامي إلى الحد الذي أوجد تناغماً وانسجاماً غير مسبوق في المواقف وتطابقاً في الرؤى، وأصاب القوى العلمانية بالارتباك بعد أن عولت على فكرة "الوقيعة" بين التيارات "الإسلامية" كأداة يمكن استخدامها في كسر التفوق الشعبي والتأثيري للقوى "الإسلامية"

من هذه الأسباب على سبيل المثال، قوة الهجوم العلماني على "الإسلام" نفسه وشعور جميع هذه الفصائل بأنها ليست مستهدفة لذاتها، وأن فرصتها الوحيدة في تقويض خطط استهداف الإسلام ذاته يكمن في وحدة القوى "الإسلامية"..

كذلك، ترى تلك الفصائل أن إخفاقها في التنسيق و"خَلق" التناغم البيني سيُودي بها في النهاية وستخرج من معركة مصيرية وهي خاسرة، ولذا حتمت وحدة المصير عليها قدراً عالياً من التنسيق..

أيضاً؛ لا يمكن تجاوز الجهد الكبير الذي قامت به الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في تهيئة المناخ لهذا التنسيق، ولم شمل رموز الحركة الإسلامية بتنوعاتها، ومحاولة البناء على القواسم المشتركة، وتعلية المصلحة العليا لكل هذه الفصائل على المصالح الجزئية..

يضاف أيضاً؛ أن الطرف الآخر قد أوجد مساحة واسعة للتفاهم لم يسبق لها مثيل بين تنوعات التيارات السياسية العلمانية من أقصاها إلى أقصاها، بما حتم في المقابل التكتل الموازي..

وفي الجملة؛ فإن المحنة كثيراً ما تلجئ أطرافاً متقاربة فكرياً إلى فكرة التوحد أو التنسيق الكبير، والمحنة هنا لها أبعادها غير المسبوقة، سواء على الصعيد السياسي أو الإعلامي.. الخ

ولا يمكن تجاهل حقيقة أخرى أثرت بشكل مباشر على فكرة التنسيق، وهي مسألة المعاناة السياسية، حيث أدركت بعض قيادات هذه الفصائل ما لم تكن تدركه عن معاناة رفيقاتها؛ فالتيار السلفي تفهم أحياناً ما قد ألجأ الإخوان إلى تقديم بعض التنازلات، بما لم يكن يمكن تفهمه دون الانخراط في الواقع السياسي المصري المرير، وكذلك على الجانب الآخر، يمكن النظر إلى أن جماعة الإخوان ذاتها قد أدركت في بعض المراحل أنها لا يمكنها أن تقيم تحالفات حقيقية مع بعض الأطراف العلمانية (أو المدنية)، وأن معظم ما نسجته من تحالفات بدا هشاً مؤخراً، وتبين في النهاية أن حاجة الجماعة إلى توثيق علاقاتها بالقوى "الإسلامية" المتوافقة في الأهداف الكلية معها أبقى وأنفع لها حتى على المستوى السياسي المجرد.

وكذلك قد أدركت جماعة الإخوان قوة التيار السلفي وقدرته على التأثير في الشارع ونجاحه في تطوير الموقف السياسي للإخوان أحياناً عبر رفع سقف المطالب، وحيث بدت قوى إسلامية مختلفة عن السابقين أكثر حماسة في الدفاع عن الفكرة الإسلامية برغم عدم إشراكها في الحكم بأي صورة من الصورة، كالجماعة الإسلامية، وحازمون، وحتى حزب الوسط الذي أبلى في الفترة الأخيرة بلاء حسناً لم تتوقعه كل القوى الأخرى لاسيما جماعة الإخوان نفسها.

في كل ما تقدم، نحن نشهد مرحلة مختلفة، وتاريخية، وهي من جميع جنباتها تدعو إلى التفاؤل والأمل، إلا أنها مع ذلك لا ينبغي أن تترك نبتتها دون ريّ مستمر، ومتابعة متلاحقة لئلا تخسر مكتسبها هذا فور تبدل المناخ الحاضن له، وعليه؛ فإن على كل هذه الفصائل أن تدرك أنها ما زالت تقوم بنوع من التنسيق لا يجاوز كثيراً حجم تنظيم التظاهرات، والتطابق في مواقف سياسية محددة، ولم يتعد ذلك بعد إلى فكرة البناء التراكمي على هذا السلوك الذي انتهى بهذه التيارات إلى هذا النمط من التنسيق العالي..

والبناء التراكمي هذا، لابد أن ينسحب على فكرة الإعلام "الإسلامي" الحالي الهزيل، وفكرة تطويره بشكل جماعي يكتل الاستثمارات الإعلامية ويدفع بها إلى إنشاء أو دمج قنوات كرتونية، ونقله إلى دائرة الاحتراف والتأثير، والخروج من دوائر الفصائل الضيقة إلى رحابة العمل الإسلامي الموحد..

لابد كذلك أن ينسحب على فكرة التطوير المجتمعي والاقتصادي، ومنظمات ومؤسسات المجتمع الأهلي وضرورة تكاملها لا تعارضها، بحيث تبنى تكتلات قوية ويتم تجاوز فكرة التكرار والنمطية غير المجدية، وأيضاً يمتد ذلك إلى فكرة التعليم والمعاهد العلمية وغيرها.

كذلك، فإن العمل السياسي في حقيقته لا يمكن اختزاله في تنسيق داخل تأسيسية دستور أو تنظيم تظاهرات، وما نحوها، بل لابد أن يمتد أفقياً ورأسياً للبحث الجدي في مسائل تتعلق بفكرة النهوض السياسي وتبادل الأدوار، وتنسيق المواقف فيما يخص القوائم الانتخابية والتشكيل الوزاري وجهود مؤسسات الرقابة والتقنين وما إلى ذلك، بحيث يتخصص كل فريق بما يعود بالنفع العام على مصر، وتشكل الحركة "الإسلامية" منظومة عمل سياسي متناغمة ومتكاملة، وليست متعارضة أو متنافسة..

المعنى العام، أنه في تلك اللحظة قد لاحت فرصة نادرة للحركة "الإسلامية" عليها انتهازها، عبوراً إلى فكرة التوحد أو التكامل الذي يعززه نضخ متنام للحركة ورموزها في استيعاب تحديات المرحلة، وإطلاع الجميع على صعوباتها وضرورة العمل التنسيقي الفاعل في تجسير المسافات بين أفكارها وتصوراتها ورؤيتها في الإصلاح والتغيير..

إن القوى "الإسلامية" ربما قد شهدت بعض التنسيق والتقارب تفرضه المحنة سواء أكان في سجون أو ما نحوها فيما سبق، لكنها الآن تعاين لحظة مغايرة، وتقارباً ملموساً في الأفكار والآليات بما جعل الباب مشرعاً أمام قفزة التطوير والبناء التراكمي على ما سبق..

والفصائل "الإسلامية" صارت اليوم على موعد لا يتكرّر في التاريخ كثيراً، وتمرّ بلحظة حاسمة؛ إذا أمكنها استغلالها فلن تعود بسهولة إلى مراحل التناحر والتدابر مرة أخرى، وإذا استغرقتها اللحظة واكتفت منها بهذا المشهد الباهر فستفقد فرصتها الأخيرة..
 

  • 6
  • 0
  • 2,274

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً