الفكر العربي في القرن العشرين
ملفات متنوعة
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
8/7/2005 م
يجد شاكر النابلسي أن المحاور والقضايا الفكرية السياسية التي شغلت المفكرين والأنظمة والحركات السياسية والإصلاحية في النصف الثاني من القرن العشرين هي: القومية العربية، والديمقراطية، والوحدة، والاشتراكية، والعلمانية، والحداثة، والعولمة، والاستشراق، والدين والدولة، والإسلام والغرب، والتقدم الفكري، والغزو الثقافي، وعودة الاستعمار.
وفي تفكيكه للخطاب العربي في المحاور السابقة يعتقد أن العرب خسروا في النصف الثاني من القرن العشرين أكثر مما ربحوا، ولو توقف الزمن عند العام 1950 لكان حال الأمة أفضل بكثير مما كانت عليه.
القومية العربية
بدأت الحركة القومية العربية في أواخر القرن التاسع عشر وشغلت بالتحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال، ويبدو أنها بتحقيقها هذا الهدف قد استنفدت أغراضها، فقد بدأت بالتراجع والتلاشي. وفشلت مشاريع الوحدة العربية وحلت مكانها الدعوة الوطنية، ولم يعد للقوميات مكان في العالم كله وحلت مكانها دعوات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والتفت العالم إلى قضايا البطالة والتعاون الدولي وتبادل الخبرات والتقنية والتقدم الزراعي والصناعي والاقتصادي.. ولم تكن الدعوة القومية نتيجة نهضة صناعية وبروز طبقة برجوازية كما هو الحال في القوميات الأوروبية.
الحرية
ماذا قدمنا لمفهوم الحرية العربية في هذا العصر وإلى أي مدى تقدم مشروع الوحدة العربية في هذا العصر مقارنة بما كان عليه في النصف الأول من القرن العشرين وفي مرحلة الصراع مع الاستعمار ونيل الاستقلال السياسي؟
لقد تعثر مشروع الحرية العربية في هذا العصر وتأخر خطوات كثيرة عما كان عليه في النصف الأول من القرن العشرين، وعاد المجتمع العربي إلى ما كان عليه في العهد العثماني من استبداد وفشل وهيمنة للعسكر على الحياة العامة وهيمنة المؤسسة الدينية على التعليم والثقافة، وكانت مظاهر هذا التأخر والتراجع في الحرية شاملة للمستويات السياسية والثقافية والاجتماعية، فقد نصت معظم الدساتير العربية على أن للحاكم الحق الإلهي المطلق في الحكم وحل المجالس النيابية، وظهرت أنظمة حكم عسكرية عائلية وعشائرية، وأممت الصحافة، واعتقل المثقفون وعذبوا وأعدموا وتراجع النشر والبحث، وهيمنت الأمية، وهرب الكثير من العلماء والمفكرين والصحافيين إلى خارج العالم العربي.
وهو استبداد يراه شاكر النابلسي ضارب الجذور في الحياة العربية وكان هو الوضع السائد طوال التاريخ العربي الطويل.
الاشتراكية
بدأت الاشتراكية والأحزاب الشيوعية العربية في الظهور والتأسيس فيما بين عشرينيات القرن العشرين وأربعينياته، وفي العام 1950 عقد في بيروت مؤتمر للأحزاب العربية الاشتراكية، واستطاعت الأحزاب القومية الاشتراكية الوصول إلى الحكم في عدة دول عربية وشاركت الأحزاب الشيوعية في الحكم. وتكون خطاب اشتراكي طاغ ومهيمن يصفه المؤلف بالعاصفة الاشتراكية، وخلف هذا الخطاب بعد العاصفة فرقة دكتاتورية وتبعية اقتصادية وهجرة لرؤوس الأموال وصدا للاستثمارات الخارجية وفوضى في الإنتاج والأسعار وزيادة في الاستيراد وقولبة في الثقافة وإقصاء للآخر.
الديمقراطية
كان لبنان هو مركز الإشعاع الديمقراطي في العالم العربي فانطفأ هذا القلب، وضعفت الأحزاب السياسية العربية، وحدث اشتباك عنيف أحيانا وسلمي أحيانا أخرى بين المد الإسلامي المتصاعد وبين الديمقراطية، ويرى النابلسي أن الديمقراطية تواجه عوائق سياسية واجتماعية وثقافية وعلمية وأن تحقيقها يحتاج إلى إصلاح التعليم والمؤسسات الدستورية، ويرى أن عدم تحقيق الديمقراطية يعود إلى مجموعة كبيرة من الأسباب تزيد على الأربعين منها: الصراعات الطائفية والقبلية، واختفاء الطبقة الوسطى، وافتراق التطور الاجتماعي عن التطور الاقتصادي، والفكر الديني المناهض للديمقراطية، وعدم إيمان الأحزاب والنخب السياسية بالمشاركة والديمقراطية، وقيام دولة إسرائيل، وتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي، وغياب الآليات الفنية لتطبيق الديمقراطية، والنفوذ الأجنبي.
العلمانية
المنهج العلماني المستمد من العلم والعقل بمعنى الاجتهاد في الحكم والإدارة ورد المواقف إلى العلم والعقل هو المتبع عمليا في الواقع العربي طوال تاريخه، فليس في الإسلام دولة دينية، ولكن هذه العلمانية الإسلامية إن صح التعبير تختلف عن العلمانية الأوروبية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، فالعلمانية الإسلامية لا تسعى للفصل بين الدين والمجتمع ولكنها لا تقحمه في السياسة، والعلمانيون قد يكونون مؤمنين ومتدينين.
الحداثة
الحداثة تضرب بجذورها في الحياة العربية والإسلامية، فالإسلام بحد ذاته حداثة، ومحاولات التحديث وتطبيقاته في الحياة السياسية والفكرية قائمة ومستمرة طوال التاريخ.. وتبدو خريطة الحداثة في نهاية القرن العشرين كما يراها المؤلف تمتلك السمات والملامح التالية: وعي ممزق للنهضة، وحيرة في التراث بين ما يمكن أخذه وتطبيقه وبين الرفض، والثقافة العربية السائدة هي ثقافة تراثية ومن ثم فإن واجب الحداثة هو إعادة قراءة التراث.
العولمة
كان مصطلح العولمة في نهاية الثمانينيات غير معروف في الغرب في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، وهو في نهاية التسعينيات يتردد في كل المجالات السياسية والاقتصادية والأكاديمية والإعلامية مع أنه لا جديد في العولمة، فالعالم القديم كان متعولما منذ القدم وكانت الثقافة العربية الإسلامية تمثل العولمة وكان العرب مركز العلم كما يلاحظ حسن حنفي.
ويبدو أن بعض الباحثين يخلط بين العولمة والعالمية، فهذه الأخيرة بدأت بمرحلة ما بعد الصناعة وهي دعوة ليبرالية تتجاوز الحدود والأيدولوجيات، ولكن العالمية مرتبطة بالثورة الصناعية والإمبريالية.
وقد تتضرر برأي المؤلف -نسبة إلى بعض الباحثين في المجتمع العربي- من العولمة ثلاث فئات هي: الحكومات والمتدينون والتراثيون، وكان للعولمة مظاهر وآثار إيجابية مثل: ازدياد الكتب المترجمة من اللغات الأوروبية إلى العربية ومن العربية إلى اللغات الأوروبية، وازدياد عدد المدرسين والأساتذة العرب العاملين في الجامعات الغربية، وازدياد عدد الطلبة الدارسين في المعاهد الغربية، وازدياد عدد المعاهد المتخصصة في جامعات الغرب لدراسة الحضارة العربية الإسلامية، وازدياد عدد المهاجرين إلى الغرب من النخب الثقافية العربية.. وأصبحت تحديات الدولة داخلية من الفرق العرقية والدينية والقومية ولم تعد تحديات خارجية.
الاستشراق
يرتبط الاستشراق بالعلاقة العلمية والمعرفية بين الشرق والغرب، ويراه البعض قديما يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد عندما زار المؤرخ اليوناني هيرودوتس العراق والشام ومصر.
وقد ترجم القرآن إلى اللاتينية عام 1143 وتطورت فكرة الاستشراق في القرن الثالث عشر، وكانت الأندلس من أهم الحلقات الاستشراقية، وترجمت إلى اللاتينية مجموعة كبيرة من الكتب العربية كما أقيمت معاهد لتعليم اللغة العربية.
واتخذ الاستشراق اتجاها تخصصيا: الدين والفلسفة والتصوف والتاريخ واللغة والأدب والفن والعلوم والجغرافيا، كما انقسم جغرافياً إلى ألماني وإيطالي وروسي وبريطاني وفرنسي وأمريكي وهولندي، وقد اختلفت اتجاهات ومواقف المستشرقين حسب بلدانهم، فالاستشراق الروسي كان متعاطفا مع العرب والمسلمين، والألماني غير منحاز، والإيطالي منهجي استقصائي، وأما البريطاني والفرنسي فكان منحازا.. وقدم الاستشراق خدمات علمية مهمة للتراث والفكر العربيين وكان له أيضا دور استعماري وكان أداة في الغزو الفكري والثقافي.
الدين والدولة
لقد أقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم دولة سياسية مدنية مكتملة الأركان والشروط، فكانت هذه الدولة ذات إدارات وسياسات ودواوين وإجراءات تتفق تماما مع مواصفات الدولة الحديثة، فلم يكن الإسلام دعوة دينية فقط وكان الدين والدولة متلازمين منذ نشأة الدعوة الإسلامية وليس الأمر كما في المسيحية واليهودية والأديان الأخرى التي بدأت دينية ثم تحولت إلى سياسية.
وأما الدولة العربية الحديثة فقد استغلت الدين استغلالا كبيرا لخدمة أغراضها وتحقيقها، فهي إن رفضت فصل الدين عن الدولة فذلك كان لمصلحتها السياسية، وهي إن فصلت الدين عن الدولة فذلك لمصلحتها السياسية أيضا.
وقد انقسم الفكر العربي المعاصر إزاء مسألة العلاقة بين الدين والدولة، حتى الإسلاميين منهم اختلفوا في ذلك، ثم تطور مفهوم بعض الإسلاميين إلى درجة كبيرة من المغالاة حتى اعتبرت مسائل الحكم من العقيدة وأصولها واعتبر الحكام الذين لا يطبقون جزءا من الشريعة كفارا.. ويرى المؤلف أن علاقة الدين بالدولة فصلا أو وصلا هي قضية ثقافية وليست عقائدية نزلت من السماء ولكنها من اختراع الإنسان.
الإسلام والغرب
هل من المحتمل أن ينشب صراع بين الإسلام والغرب؟ إن الصراع يقع بين حضارتين متكافئتين متنافستين، ولكن الحضارة الإسلامية لا تشكل في واقعها الراهن تهديدا للغرب، فلا الصناعة ولا التجارة ولا الاقتصاد ولا التعليم ولا الثقافة في المنظومة العربية الإسلامية تنافس أو تهدد الحضارة الغربية. إن الصراع ليس في حقيقته بين الإسلام والمسيحية ولكنه صراع على المصالح، وهذا يبدو واضحا في البوسنة وفلسطين والخليج وإيران والعراق وأفغانستان.
التقدم الحضاري
كانت للدولة العربية الحديثة مفاهيم مختلفة للتقدم الحضاري لعل أكثرها تأثيرا وتطبيقا ما ورثته عن الدولة العثمانية التي كانت تعتبر التقدم هو امتلاك قوة عسكرية ضاربة وجيش قوي، ولم تضع الدول العربية خططا ناجعة لمحاربة الأمية، واهتمت بالكم على حساب الكيف في التعليم، ولم تهتم بالإنجاز الثقافي، وفرضت رقابة شديدة على الكلمة المسموعة والمرئية والمكتوبة، وطاردت المثقفين.. ويرى المؤلف أن التقدم الحضاري العربي يعتمد على الخروج من مرحلة نهضة القرن التاسع عشر والدخول في المرحلة التالية.
الغزو الثقافي
يعتبر شاكر النابلسي أن أكثر وسائل الغزو الثقافي لبلاد العالم الثالث فعالية وإن اتخذ صورة بريئة هي إصابة مثقفي هذه البلاد بالشلل عن طريق استغراقهم في أعمال لا تسهم في التطور الفكري المستقل بهذه البلاد وتربط مثقفيها بعجلة الفكر الغربي تحت شعار التنمية.. وتبقى المشكلة قائمة وكامنة في كيفية حل المعادلة الكيميائية المكونة من التراث العربي والثقافة العالمية المعاصرة والمتطلبات الثقافية المرغوبة للمجتمع العربي المتطور.
المصدر: إبراهيم غرايبة