(جَنَّات) قصة من آراكان
من جنات؟ وما حكايتها؟
وَمَضتْ (جَنَّات) إلى بارئها، ثم ماذا؟
جنات، لطالما عشقنا هذا الاسم، لطالما تغنينا بهذا الاسم، لطالما عشناها قصة مطربة، قصة جميلة، كلما فترنا عن طاعة الله تذكرنا جناتٍ أعدها الله لنا فترقص قلوبنا طربًا، وتنتعش أرواحنا لنقوم من جديد، جنات تلك القصة التي قرأنا عنها في القرآن كثيرًا، تحدو أرواحنا لتسير على الحق، جنات هي هدفنا الأسمى وماذا يريد المرء غير جنات عرضها السموات والأرض، تلك هي جنات أعدها الله للمؤمنين..
ولكن ثمت (جنات) هنا في الأرض..! قصتها محزنة، مبكية، مؤلمة، تدمي القلب وتدمع العين..
من جنات؟ وما حكايتها؟
جنات: هي امرأة مسلمة، هي امرأة تتقاسمنا دين واحد، هي امرأة سخرها الله لتتكلم عن لسان آلاف النساء في آراكان، جنات وُلدت بين أبوين رحيمين، عاشت طفولتها في أمان، تربت في حنان، كبرت في طهر وعفة، كانت تعيش حياة هانئة رغيدة، رغم ما تعاني من ضنكٍ في معيشتها، ولكن كغيرها من أبناء شعبها، همهم الأكبر هو هذا الدين وهذه العقيدة.
عاشت جنات لترى بأعينها فاجعة لم تكد تصدقها قُرى تُحرق، شعبٌ يباد، مقابر جماعية، مذابح بشعة منذ أن اندلع هذا العدوان البوذي وهي تعيش حالة لا يعلمها إلا الله، حالة حب وخوف !حبٍّ لقريتها فلا تريد أن تفارقها، وخوفٍ من هذا العدوان الغاشم على نفسها وأهلها وشعبها، حتى جائت تلك الليلة، كانت مظلمة، هادئة، لا يعلم أحدٌ الغيب.
جاء البوذيون، هجموا على القرية، أحرقوا مافيها، قريتها الحبيبة، مراتع صباها، ألعابها، أحلامها، كل ذلك يهون، ولكن! أخذوا أغلى مالديها، أخذوا عفتها، شرفها..
تتكلم وهي تصرخ من قلبها: "هجموا علي واغتصبوني ولم أفق إلا وأنا في المستشفى". هجم عليها عشرون نجسًا ليغتصبوها، دنسوا طهرها بنجاستهم، أبقاها الله حية في ذلك الوقت لتنقل لنا معاناة أمة، لتنقل لنا كم نحن خذلناها، كم نحن تركناها، كم نحن نترفه بالدنيا ونسينا أخواتنا..
لتنقل لنا معاناة امرأة واحدة، وغيرها في آراكان كثير، كم من أمثال جنات في آراكان؟! كم من امرأة تغتصب؟!، أو ما سمعت بامرأة اغتُصبت سبع سنين، أو ما سمعت بامرأة حامل تغتصب حتي يسقط جنينها، أي خير في رجولتنا إن لم نستطع أن نحمي عرض أخواتنا من هؤلاء، أي خير فينا إن لم نستطيع أن نحافظ على طهر أخواتنا وأمهاتنا..
هل تتخيل أن تُغتصب أختك أو ابنتك أمامك، تلك قصة يعيشها الأركانيون كل حين، ونحن هنا لاهون، نحن هنا فتنا بالغانيات، انشغلنا بالتوافه من الدنيا..!
هذه جنات تستصرخكم..
أو ما سمعت يا مسلم بأن امرأة مسلمة حاول اليهود أن يستهزؤوا بها فهب لها المسلمون.
أو ما سمعت أن امرأة مسلمة صرخت (وامعتصماه) فجيَّش لها المعتصم جيشا جرارا حتى فتح عمورية.
واليوم هؤلاء أخواتنا، هؤلاء أمهاتنا، ما بالنا سلمناهم لأناس أنجاس يفعلون بهن ماشاؤوا، هل ماتت فينا الغيرة؟ هل مات فينا الإسلام؟!
وأخيرًا:
تلك هي (جنات) المرأة الطاهرة، المحجبة،المسلمة..
جنات لم تعد قادرة على تحمل تلك الآلام، لم تعد قادرة على كتم تلك الآهات، عذابها النفسي طغى على آلامها الجسدية فسلمت روحها إلى بارئها.
نعم (جنات) ماتت.
ماتت وهي تاركة خلفها أشباه رجال لا رجال.
ماتت وهي شاهدة على ذلنا وهواننا.
ماتت وهي شاهدة على خذلاننا لها وأمثالها من أخواتنا.
ماتت وهي ترى أمتها لاهية، وشباب أمتها غافلون.
ماتت لتبصم علينا بصمة عارٍ ستلاحقنا مدى الدهر.
ماتت وقد أدت رسالتها، ونقلت أمانتها.
ماتت وهي تلقي علينا أمانة ثقيلة أن ننتصر لها، أن نمنع ماوقع لها، أن ننقذ أخواتنا الطاهرات، أن نستفيق من غيبوبتنا، ماتت وهي مؤملة فينا أمة الإسلام، ماتت فيا قوم، هناك المئات يعيشون حالتها، هناك أخواتنا تستصرخن بنا، فهل فينا من مجيب؟
إبراهيم محمد صديق الآراكاني
[email protected]
@abuobaid100