الانسداد الليبرالي العربي والانتخابات الأمريكية
ما يفاخر به ليبراليونا لا يجدون أنفسهم قادرين على اللحاق به أو الاقتداء به؛ فهم منتوجات تسلطية استبدادية ورثت أنظمة تشابهها في الرغبة في الإقصاء والانفراد، ولكن بشكل أكثر "أناقة"، وهذا بحد ذاته معيب، ويستأهل أن يخجل ليبراليونا من الانتخابات الأمريكية عوض أن يطالبوا غيرهم بتقليدها.
ما إن أعلنت نتائج الانتخابات الأمريكية حتى أمطرت الصحف والفضائيات بكثير من التحليلات والمقالات و"الاستكشافات" الليبرالية العربية، وظهر العديد من "النخبويين"، وهم يعلمون أبناء شعوبهم أصول الليبرالية الحديثة مثلما انبهروا بها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
أولى تلك "الاستكشافات" الليبرالية التي "فأجأنا" بها هؤلاء عن الانتخابات، أنها "حررت" الرئيس الأمريكي باراك أوباما من ضغوط اليهود أو "الإسرائيليين" وأنه سيمكنه أن يباشر من جديد جهوده من أجل إحياء "عملية السلام"، ويمارس ضغطاً على الصهاينة من أجل الموافقة على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بقدر من المرونة!
والحق أن هذه الترهات الليبرالية التي ما زال يدمن عليها كتاب ومحللون عرب منذ عقود لم يعد يؤمن بها حتى مرددوها الذين باتوا يدركون أنهم يتقاضون أجورهم على ترويج هذه الأكاذيب، وهم متيقنون أنها محض خبال يزيدون به الشعوب تخديراً وتنويماً، لكن لأنهم مستفيدون فإنهم يظلون يرددون الكلام ذاته برغم إدراكهم على سبيل المثال أن عادة الأمريكيين هي إعادة انتخاب الرئيس مرة أخرى، والاستثناء عن ذلك ليس إلا شذوذاً، وبالتالي فقد مر العديد من الرؤساء "المتحررين" من الضغوط ـزعماًـ على حكم الولايات المتحدة لكنهم أبداً لا يدفعون "إسرائيل" باتجاه المرونة قيد أنملة.
وثاني تلك التحليلات، هو ما يدور حول فكرة "روعة" الأداء الديمقراطي الأمريكي، وطريقة المناظرات، و"شفافية" التمويل، والتهنئة والاعتراف من المنهزم والإشادة من الفائز لخصمه، و"نزاهة الانتخابات".. إلخ.
والحق كذلك، أن معظم هؤلاء يفهمون أن البناء الديمقراطي في بلد الديمقراطية لم يكتمل ولن يكون بالمرة، وأن ما يرى من هذه الانتخابات يجسد طبيعة "الحضارة" الغربية التي تبدو في ظاهرها جميلة لكن جوهرها يصادم كثيراً ما تبدو عليه من بهاء.
نعم، بالتأكيد هناك ما يمكن الإشادة به، لكنه قليل بالفعل قياساً بما يتبدى من زيف العملية الانتخابية لجهة تحكم الإعلام والمال بها، إذ الظاهر دوماً أن الناخب يذهب بنفسه إلى وسيلة الانتخاب ويصوت على اختياره دون إملاء واضح من أحد، غير أن الباطن ليس كذلك؛ فأمام الناخب جملة من التحديات، وفوقه الكثير من الضغوط غير المرئية التي تحرف إرادته باتجاه آخر غير الذي يتمناه، ومنها على سبيل المثال، القدرة الإعلامية الهائلة على تغيير المزاج العام والشخصي، وتحكم أصحاب الإرادات الكبيرة في الولايات المتحدة من أباطرة السلاح والنفط والصناعات الثقيلة، وغيرها في مسار الانتخابات، وجريان المال من يديهم في تمويل هذا الطرف أو ذاك في الانتخابات لحساب مصالحهم وبما يتم تسويقه لاحقاً للناخب البسيط.. بل إن حجم التزييف والتمثيل لا يمكن أن يصب في التأكيد على نزاهة وموضوعية والروح التصالحية الليبرالية بين المتنافسين.. فمساحيق التجميل التي يضعها المرشحان حقيقة على وجوههم لا تعبر فقط عن تزييف الشكل، بل جوهر البرامج كثيراً ما يكون كاذباً ويتم التراجع عنه.
الأهم ثالثاً، هو أن ما يفاخر به ليبراليونا لا يجدون أنفسهم قادرين على اللحاق به أو الاقتداء به؛ فهم منتوجات تسلطية استبدادية ورثت أنظمة تشابهها في الرغبة في الإقصاء والانفراد، ولكن بشكل أكثر "أناقة"، وهذا بحد ذاته معيب، ويستأهل أن يخجل ليبراليونا من الانتخابات الأمريكية عوض أن يطالبوا غيرهم بتقليدها.
25/12/1433 هـ
- التصنيف:
- المصدر: