قرار هيئة كبار العلماء بشأن موضوع التأمين

منذ 2013-01-05

الأدلة التي جعلت المجلس يقرر بالأكثرية أن التأمين التجاري محرم.


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبناء على ما ورد من جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله بخطابه رقم (22310) وتاريخ 4/11/1391هـ الموجه إلى سماحة رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء بأن ينظر مجلس هيئة كبار العلماء في موضوع التأمين، وبناءً على ذلك تقرر إدراجه في جدول أعمال الدورة الرابعة.

وأعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثاً في ذلك يتضمن أمرين:

الأول: تعريفه وبيان أسسه وأنواعه وأركانه وخصائص عقده وأنواع وثائقه وما إلى ذلك مما يتوقف على معرفته الحكم عليه بالإباحة أو المنع.

الثاني: ذكر خلاف الباحثين في حكمه وأدلة كل فريق منهم مع المناقشة، وفي الدورة السادسة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الرياض ابتداء من 4/2/1395هـ استمع المجلس إلى ما يأتي:

1- صورة قرار صادر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية ورئيس القضاة رحمه الله برقم (570/2) في 18/8/1388هـ بشأن حكم صادر من محكمة جدة في موضوع التأمين بين شركة أمريكان لا يف وبين بدوي حسين سالم ومذكرة اعتراضية للشيخ على الخفيف عضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر على الحكم المشار إليه.

2- البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

3- قرار صادر من المستشارين بمجلس الوزراء وهما: الدكتور ظافر الرفاعي، وإبراهيم السعيد برقم (449) وتاريخ 26/11/1390هـ.

4- البحث المختصر الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1392هـ، من إعداد فضيلة الشيخ: محمد أحمد فرج السنهوري عضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر، يشتمل هذا البحث على بيان مراحل بحث التأمين بجميع أنواعه، وبيان آراء جماعة كبيرة من فقهاء العالم الإسلامي والخبراء والاقتصاديين والاجتماعيين.

5- ما لدى كل من الدكتورين: مصطفى أحمد الزرقاء وعيسى عبده عن هذا الموضوع، وقد استدعاهما المجلس بناءً على المادة العاشرة من لائحة سير العمل في هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة المتفرعة عنها الصادرة بالمرسوم الملكي رقم (1/137) وتاريخ 8/7/1391هـ؛ وبعد استماع المجلس إلى ما سبق استمرت المناقشة لأدلة القائلين بالجواز مطلقاً، وأدلة القائلين بالمنع مطلقاً، ومستند المفصلين الذين يرون جواز بعض أنواع التأمين التجاري ومنع أنواع أخرى، وبعد المناقشة وتبادل الرأي قرر المجلس بالأكثرية: أن التأمين التجاري محرم؛ للأدلة الآتية:

الأول:

عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن، وقد لا تقع الكارثة أصلاً فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً، وكذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الغرر.

الثاني:

عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها ومن الغنم بلا مقابل و مقابل غير مكافئ فإن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، والآية بعدها.

الثالث:

عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسأ فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة من العقد فيكون ربا نسأ، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

الرابع:

عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم؛ لأن كلاً منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة الإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقول صلى الله عليه وسلم: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» [أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه]، وليس التأمين من ذلك ولا شبيهاً به فكان محرماً.

الخامس:

عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، والأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم؛ لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].

السادس:

في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً، فإن المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمن لم يبذل عملاً للمستأمن فكان حراماً.

وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقاً أو في بعض أنواعه:

فالجواب عنه ما يلي:

أ- الاستدلال بالاستصلاح غير صحيح، فإن المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام:

- قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة.

- وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة،وهذا محل اجتهاد المجتهدين.

- والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه، وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار وربا فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه؛ لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة.

ب- الإباحة الأصلية لا تصلح دليلاً هنا؛ لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة، والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم الناقل عنها، وقد وجد فبطل الاستدلال بها.

ج- الضرورات تبيح المحظورات لا يصح الاستدلال به هنا، فإن ما أباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافاً مضاعفة مما حرمه عليهم فليس هناك ضرورة معتبرة شرعاً تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين.

د- لا يصح لاستدلال بالعرف فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام وفهم المراد من ألفاظ النصوص ومن عبارات الناس في أيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من الأفعال والأقوال فلا تأثير له فيما تبين أمره وتعين المقصود منه، وقد دلت الأدلة دلالة واضحة على منع التأمين فلا اعتبار به معها.

هـ- الاستدلال بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة أو في معناها غير صحيح فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه، وما يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضي به نظام التأمين، وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته، وفي التأمين قد يستحق الورثة نظاماً مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم، إلا قسطاً واحداً، وقد لا يستحقون شيئاً إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته، وأن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين نسباً مئوية مثلاً بخلاف التأمين فربح رأس المال وخسارته للشركة، وليس للمستأمن إلا مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدود.

و- قياس عقود التأمين على ولاء الموالاة عند من يقول به- غير صحيح، فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق بينهما: أن عقود التأمين هدفها الربح المادي المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة بخلاف عقد ولاء الموالاة فالقصد الأول فيه التآخي في الإسلام والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الأحوال وما يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع.

ز- قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به – لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، ومن الفروق: أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل خسارة مثلاً من باب المعروف المحض فكان الوفاء به واجباً أو من مكارم الأخلاق بخلاف عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.

ح- قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب – قياس غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضاً، ومن الفروق: أن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض بخلاف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية يقصد منها أولاً الكسب المادي فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه والأحكام يراعي فيها الأصل لا التابع ما دام تابعاً غير مقصود إليه.

ط- قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق – لا يصح، فإنه قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله.

ي- قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد – غير صحيح فإنه قياس مع الفارق أيضاً؛ لأن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولي الأمر باعتباره مسئولاً عن رعيته وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظاماً راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظراً إلى مظنة الحاجة فيهم فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها، وعلى هذا لا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة؛ لأن ما يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقاً التزم به من حكومات مسئولة عن رعيتها وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة، مكافأة لمعروفه وتعاوناً معه، جزاء تعاونه معها ببدنه وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة.

ك- قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة – لا يصح، فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق: أن الأصل في تحمل العاقلة لدية الخطأ وشبه العمد ما بينها وبين القاتل -خطأ أو شبه العمد- من الرحم والقرابة التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف ولو دون مقابل، وعقود التأمين تجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة لا تمت إلى عاطفة الإحسان وبواعث المعروف بصلة.

ل- قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة – غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضاً، ومن الفروق: أن الأمان ليس محلاً للعقد في المسألتين وإنما محله في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين، وفي الحراسة الأجرة وعمل الحارس، أما الأمان فغاية ونتيجة وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس.

م- قياس التأمين على الإيداع لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضاً فإن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخلاف التأمين فإن ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمن يعود إلى المستأمن بمنفعة إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة وشرط العوض عن الضمان لا يصح، بل هو مفسد للعقد وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جهل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف عن عقد الإيداع بأجر.

ن- قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحركة – لا يصح والفرق بينهما: أن المقيس عليه من التأمين التعاوني وهو تعاون محض، والمقيس تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية، فلا يصح القياس.

لكن أُجِل إصدار القرار بأكثرية الأصوات حتى يبحث البديل عن التأمين التجاري، وفي الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء اطلع المجلس على ما أعدَّه بعض الخبراء في البديل عن التأمين التجاري، وقرر المتفقون على تحريم التأمين التجاري إصدار القرار، كما قرر المجلس -ما عدا فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع- إصدار قرار خاص يتعلق بجواز التأمين التعاوني بديلاً عن التأمين التجاري.

وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.


هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية | 9/2/1434 هـ

قرار رقم (5\10) وتاريخ 4 -4 -1397هـ
 

  • 4
  • 0
  • 23,897

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً