خُذوا السياسةَ.. من فَمِ لافروف!
بفضل السياسة (الحكيمة!) لعباقرة الدبلوماسية الروسية، خسرت روسيا حتى اليوم معظمَ ما بقي من مرتكزاتها ونفوذها في منطقتنا العربية، لا سيما في العراق وليبيا، ولم يبق لها من نفوذٍ إلا في سورية..
بفضل السياسة (الحكيمة!) لعباقرة الدبلوماسية الروسية، خسرت روسيا حتى اليوم معظمَ ما بقي من مرتكزاتها ونفوذها في منطقتنا العربية، لا سيما في العراق وليبيا، ولم يبق لها من نفوذٍ إلا في سورية، التي يحكمها طغاة لم يُنجِب التاريخ الحديث للبشرية مِثلَهم أو شبيهَهم في الطغيان والفساد!
لا غرابة ولا عَجَب، أليست هذه السياسة (الفذّة) لعمداء الدبلوماسية الروسية، مُستَمَدَّةً من العمق الإستراتيجيّ التاريخيّ، لعباقرة الدبلوماسية الستالينية؟ التي انقرض -بفضلها- ما كان يُسمى بالاتحاد السوفييتي، وتبعثرت دوله الخمسة عشر إلى شظايا، ووصلت (برَكَاَتها) إلى دول أوروبا الشرقية وحليفاتها في العالم كله؟! أوَلَم تخسر الدولة السوفييتية المنقرضة: مصرَ والسودان، وهي في أوج قوّتها؟! ثم اليمنَ الجنوبيَّ والجزائر، وهي في حضيض ضَعفها؟! ألَم ببرهن الروس من خلال هذا التاريخ (العريق الـمُشرق) كله أنهم في غاية البراعة السياسية؟! التي يزعمون أنهم يُتقنون فنونها من ألِفِها إلى يائها، فلا هم يستفيدون من التجارب في أوج قوّتهم، ولا هم يَغنمون في حضيض ضَعفهم! وذلك كله، بفضل خبراتهم السياسية المتراكمة! التي لم تعلِّمهم الدروسَ السياسية البنّاءة، خارج نطاق الأيديولوجيا والقوالب الشيوعية الحمراء!
بَدءاً من عام 1960م، اشتهر السوفييت بسياسة (الحذاء) حذاء (خروتشوف) رئيس وزرائهم في ذلك الوقت، الذي خلعه في جلسةٍ رسميةٍ للجمعية العامة للأمم المتّحدة، وضرب به الطاولةَ التي أمامه، مُثيراً ضحك الزعماء الحاضرين وقهقهاتهم، بينما علّق -بخُبثٍ- رئيس الوزراء البريطاني (هارولد ماكميلان) الحاضر في القاعة نفسها آنذاك: "هل لكم أن تُتَرجِموا لي ما يقوله الروسيّ خروتشوف، فأنا لا أفهم اللغة الدبلوماسية الروسية"!
وهو الأمر الذي دفع علماء النفس، ليضيفوا إلى قاموس المصطلحات النفسية، مصطلح: (دبلوماسية الحذاء السوفييتية)، وعرّفوها بأنها: "أقصر السبل لخسارة تقدير الناس الأصحّاء"!
منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة الشعبية السورية حذّر عميد الدبلوماسية الروسية من قيام دولةٍ (سنيّة) في سورية! ولم نكن قد اكتشفنا في ذلك الوقت أنّ (لافروف) العلمانيّ الأرمنيّ، يهتمّ بإحصاء أعداد السوريين من كل طائفة، وبِــنِسَبِها في المجتمع السوريّ، فسياسته (الحاذقة) تقتضي، أن تبقى الأقلية الأسدية مستمرّةً في حكمها وطغيانها ودكتاتوريّتها وفسادها، ولا يحق للأكثرية الكاثرة -حسب السياسة الديمقراطية الروسية- أن تحكم البلاد! ولعل هذه (الحكمة) قد استمدّها من أصدقائه الإيرانيين الاثنا عَشريّين، فأضاف إلى فنونه السياسية باباً من أبواب الحماقة الصفوية الفارسية!
ثم أمعن (النجيب) لافروف، في اتهام الشعب السوريّ وثورته، فأطلق على الثوار ألقاباً عدّة، لعلّ أشدّها (نبوغاً) لقب: (العصابات المسلَّحة) وهي العصابات نفسها التي يدعوها اليوم لحوار (الطرشان)! فأضاف إلى مهاراته السياسية العظيمة بُعداً جديداً، مُستَمَدّاً من غباء المنطق الأسديّ، المغروف من مفاهيم العصور الوسطى الأوروبية!
وما يزال (لافروف) يحدِّثنا عن الحلّ السلميّ والسلام، حتى كدنا نكتشف بأنّ السلاح الذي يقتلنا به صاحبه الحميم وحليفه بشار، ويُدمِّر به سورية، ويُهلِك الزرع والضّرع مصنوع في كوكب بلوتو، ومشحون بسفنٍ مستأجرةٍ من كوكب عطارد، تمخر مياه البحر الأبيض المتوسّط، ثم (تهبط) في القاعدة الروسية بميناء طرطوس!
وما يزال (النابغة) اللافروفيّ يهدِّدنا -كَصاحبه (النـزيه) الأخضر الإبراهيمي- بقتل المزيد من آلاف السوريين، إن لم نستسلم لحلوله السياسية (العظيمة)، المصنَّعة في موسكو و(جنيف) ظاهرياً، وفي واشنطن ولندن باطنياً.. حتى ظننا أنّ أبطال جيشنا الحر، وثوارنا الأماجد لم يصلوا بعد، إلى مطار دمشق الدوليّ، ولم يَتَسَلّوا حتى اللحظة بِدَكّ القصر الأسديّ، (العامر) بالرعب والهزيمة والجلطات الدماغية والقلبية والرئوية لسكّانه!
العبقرية السياسية الروسية، لم تكتشف بعد أنّ أنقذ ما يمكن إنقاذه من مصالح روسيا وهيبتها في القلعة الأخيرة لها بالمنطقة العربية، التي داسها أبطال سورية بنعال أطفالهم ونسائهم لا يكون بالسياسة القاتلة نفسها، التي جعلت مُلْكَ روسيا ونفوذها ومصالحها في ليبيا قاعاً صفصفا! لكنّ المكابرة الفارغة هي عماد السياسة بالمفهوم الروسيّ، ودبلوماسية (الحذاء) هي أعظم ما لديهم من فنون، فهم لا يكترثون بألف باء السياسة (لا نقول الأخلاق) التي تدعوهم للاصطفاف إلى جانب الشعوب الباقية، التي تنشد التحرّر والحرية، بل يستمرّون في دعمهم للطغاة الزائلين على أعين الناس أجمعين، فلا يقبضون إلا الريح التي حصدوها -بجدارةٍ- في ليبيا!
ربما نقول: ربما يفهم الروس فنون السياسة التي يتمتع بها الأسوياء من البشر، عندما يَرون -بأمهات عيونهم- جنودَهم الصناديد، وهم يُطلِقون سيقانهم لريح طرطوس، فيغرق منهم حتى مَن يُجيد السباحة، في مياهنا الإقليمية تماماً كما أغرق السوريون -بدمائهم- السلاحَ الروسيّ المتطوِّر، ودفنوا حُطامَه -بعد أن بَـهدلوه- في أعماق ترابهم الوطنيّ السوريّ!
لم تعد روسيا (العظمى) بحاجةٍ للاعتذار إلى الشعب السوريّ فحسب، كما صرّح السياسيّ السوريّ الأصيل (عديم الخبرة!) أحمد معاذ الخطيب، بل صار شبّيحُ دبلوماسيّتها لافروف مَديناً بالاعتذار إلى الأستاذ الخطيب نفسه أيضاً! وهنا يمكننا أن نلمسَ بوضوح، حماقةَ السياسة الروسيا التي يقودها الوزير لافروف في القرن الحادي والعشرين، وهي سياسة تبدو -ولا فخر- مستمدّةً من (الخبرة) السياسية لمخلوقات العصر الطباشيريّ!
د. محمد بسام يوسف
20/2/1434 هـ
- التصنيف:
- المصدر: