الثورة السوريّة تتحدّى!
لم يكن أحد من السوريّين الثائرين على هذا النظام، من شباب، وسياسيّين، وعسكريّين، ومفكّرين يتصوّرون بوضوح مدى التصاق رأس هذا النظام المجرم، القابع في دمشق بالنظام العالميّ، وكان قصارى الظنّ به أنّه عميل من جملة العملاء، وأجير من الأجراء، عندما ينتهي دوره يتخلّى عنه أسياده أسوة بغيره، ويلقون به إلى مزبلة التاريخ. ولكنّ الواقع أثبت أنّه جزء من النظام العالميّ لا يتجزّأ، وركن منه ركين...
لم يكن أحد من السوريّين الثائرين على هذا النظام، من شباب، وسياسيّين، وعسكريّين، ومفكّرين يتصوّرون بوضوح مدى التصاق رأس هذا النظام المجرم، القابع في دمشق بالنظام العالميّ، وكان قصارى الظنّ به أنّه عميل من جملة العملاء، وأجير من الأجراء، عندما ينتهي دوره يتخلّى عنه أسياده أسوة بغيره، ويلقون به إلى مزبلة التاريخ.
ولكنّ الواقع أثبت أنّه جزء من النظام العالميّ لا يتجزّأ، وركن منه ركين، فهو بلا شكّ سيستميت في دعمه وتأييده، وخذلان الثائرين عليه إلى أبعد مدى، ومن هنا فإنّ انتصار الثورة السوريّة سيخلخل النظام العالميّ كلّه، ويحدث زلزلة كبرى في مخطّطاته، تجعله يعيد النظر في استراتيجيّته وأساليب عمله.
ويوماً بعد يوم تتّضح لنا الصورة أكثر: إرادة عالميّة مجمعة ومصرّة على ألاّ تنتصر هذه الثورة، وتتنوّع أساليبهم، وتتوزّع الأدوار بينهم، وتختلف مواقفهم في ظاهر الأمر وتصريحاتهم. ولكنّها تتّفق كلّها على هدف واحد، تخطّط له تلك الإرادة العالميّة، في أوكارها القذرة، وبكلّ مكر ودهاء، وتعمل له بكلّ قوّة سرّاً وجهراً، علينا ومع عدوّنا، هو ألاّ تنتصر هذه الثورة، وألاّ يسقط هذا المجرم ونظامه، لأنّه بكلّ وضوح جزء من نظامهم الخبيث، وأداة من أدواته، بل وركن من أركانه، وإنّ مَثَل هذا النظام منهم كمثل آلة القتل في يد القاتل، فهل تحاسب آلة القتل أم يد القاتل؟
الرؤية الصحيحة لمحطّات الطرح السياسيّ، بعيداً عن الغبش والتشويش، فمنذ أن قامت الثورة السوريّة وإلى يومنا هذا وقف الغرب منها مواقف متذبذبةً، من خلال تصريحاته الداعمة بالكلام للثورة، إلى التشكيك بنجاحها، والتخوّف من عواقبها، إلى التعلّل بتفرّق المعارضة، وعدم اجتماع كلمتها، لتبرير عدم دعمها، إلى الدعوة السخيفة للطاغية أن يتنحّى، وهم يعلمون أنّه يعضّ على كرسيّه أكثر ممّا يعضّ الكلب العقور على فريسته.
ثمّ ظهر المجلس الوطنيّ ممثّلاً للمعارضة، فلم يلق له الغرب بالاً، بحجّة أنّه لا يجمع المعارضة كلّها، واشتدّ عود الثورة على الأرض، وقطع الثوّار الشوك بأيديهم، وتطلّعوا إلى شيء من الدعم الخارجيّ، يتناسب مع التصريحات الخلّبيّة التي يسمعونها، فلم يرجعوا من ذلك بطائل، وبالغ النظام في إجرامه الممنهج، تحت سمع العالم وبصره، فلم يسمع إلاّ أقلّ القليل من النكير.
وقامت سوق المبادرات عربيّة ودوليّة، واحدة بعد أخرى، ولم تكن كلّها إلاّ ذرّاً للرماد في العيون، وبالونات اختبار لإرادة الشعب: هل يقبل المساومة على ثورته بشيء من أنصاف الحلول؟ وهل ملّ البذل والتضحيات؟ وهل ندم على ما أقدم عليه؟ وتوجّه سيل الاتّهامات إلى المجلس الوطنيّ بالحقّ وبالباطل، والقصد الأوّل والآخر ليّ الذراع، وكسر سقف المطالب، واتّضحت مواقف المجلس الوطنيّ أنّها لن تتخلّى عن مطالب الشعب، فأعلن الغرب بكلّ صفاقة عن رفضه لهذا المجلس، والسعي إلى العمل مع بديل عنه.
وظهر "الائتلاف" بين عشيّة وضحاها، وسلّطت عليه أضواء الإعلام، وأحيط بالوعود والأحلام، وتزامن مع ظهوره حديث الغرب عن "جبهة النصرة"، وتصنيفها مع المنظّمات الإرهابيّة، وكان أوّل اختبار للائتلاف، لاستجراره للدخول في خصومة مع الثائرين على الأرض، ونجح الائتلاف وسقط الغرب.
كما أعلن الثوّار بكل أطيافهم واتّجاهاتهم، والمنظّمات المؤيّدة للثورة وقوفهم مع "جبهة النصرة"، ودفاعهم عنها، وأخذت تتبخّر الوعود والأحلام، وخبا بريق الائتلاف أسرع من بريق المجلس الوطنيّ، وكلّ ذلك يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أن الغرب لا يريد لهذا النظام المجرم أن يسقط، ويعمل بكلّ ما أوتي من قوّة لإجهاض هذه الثورة.
فهل وعينا هذا المكر الغربيّ؟! وماذا أعددنا له؟!
إنّ شعبنا بكلّ مدنه وقراه، وأريافه وأطيافه، قد حزم أمره، وأمضى عزمه: ألاّ تراجع عن هذه الثورة: "ننتصر أو نموت"، وأعلن بكلّ إيمان وقوّة يقين: "يا الله! ما لنا غيرك يا الله!"، وجعل شعاره في كلّ حركة: "الله أكبر!".
فهل يكفي ذلك؟ إنّه ولا شكّ خير كبير، وعدّة للنصر عظيمة، ولكنّها غير كافية، فلابدّ مع كلّ ذلك من اجتماع الكلمة، وحسن التخطيط، وحشد الطاقات، وإحكام الأسباب، وإدخال البعد الإسلاميّ بقوّة، ما دام عدوّنا يدعمه النظام العالميّ ويؤيّده، ويمدّه بأسباب القتل والتدمير. ولن تبلغ عندئذٍ قوى المكر كلّها أن تكون بوزن هباءة أمام قوّة الله وتأييده:{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِين} [البقرة: من الآية 249]، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: من الآية 21].
أيّها العالم من شرقه إلى غربه، بعجمه وعربه، الثورة السوريّة تتحدّى، ليس تحدّيات فارغة، كتحدّيات النظام العفن لإسرائيل، ولكنّها تحدّيات بقوّة الله جلّ وعلا، بقوّة الحقّ الذي تؤمن به، وتدافع عنه، بقوّة الوعد النبويّ الصادق، للطائفة القائمة على الحقّ أنّها منصورة بإذن الله، بوعد الله لجنده ورسله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]، {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].
د. عبد المجيد البيانوني-19/2/143 هـ
- التصنيف:
- المصدر: