هيئة الأمر بالمعروف والعلماء في مواجهة وزير العمل
مرة أخرى؛ يتوجه الدعاة والمحتسبون للقاء وزير العمل للقيام بما يمليه عليهم واجبهم الشرعي من مناصحة للوزير، ومواجهته بتبعات قراراته المتعلقة بتوظيف النساء على نحو أدى إلى نمو متزايد للجرائم الأخلاقية المترتبة على تلك القرارات، وذلك من واقع ما يُشاهد ويُسمع وما تنقله وسائل الإعلام وما تصدره هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تقارير بحكم اختصاصها في هذا الجانب.
مرة أخرى؛ يتوجه الدعاة والمحتسبون للقاء وزير العمل للقيام بما يمليه عليهم واجبهم الشرعي من مناصحة للوزير، ومواجهته بتبعات قراراته المتعلقة بتوظيف النساء على نحو أدى إلى نمو متزايد للجرائم الأخلاقية المترتبة على تلك القرارات، وذلك من واقع ما يُشاهد ويُسمع وما تنقله وسائل الإعلام وما تصدره هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تقارير بحكم اختصاصها في هذا الجانب.
وإضافة إلى تلك الأخبار والمشاهدات التي صارت معلومة لدى الجمع، فقد أكد ذلك كله، ما جاء على لسان الرئيس العام للهيئات "د. عبداللطيف آل الشيخ" حين صرّح بأن وزارة العمل خالفت الأمر الملكي حول قرار عمل المرأة ولم تطبقه بشكل سليم يحقق لها عملاً كريماً تكتسب منه رزقاً حلالاً من غير أن تُمس كرامتها وعفتها وإنسانيتها بسوء.
ولم يكن سوء التطبيق هذا لقرار عمل المرأة، إلا لتقع معه العديد من المخالفات الشرعية والقضايا الأخلاقية، التي فيها تعديات وظلم للمرأة كما قال بذلك الرئيس وذلك من خلال ما يقع لها من ابتزاز وتحرّش وتغرير من قبل مرؤوسيها والعاملين معها في هذه المحلات التجارية.
ومع أن الهيئة قد أبرمت اتفاقاً مع وزارة العمل على حلول تكفل للمرأة كرامتها وعفتها، وتكفل لها البيئة الصالحة المنضبطة بالضوابط الشرعية التي اشترطها الملك الصالح، إلا أن آل الشيخ كشف أن هذا الاتفاق لم ينفذ منه شيء سوى التقدم للهيئة بأعذارٍ واهية من أجل المماطلة وضياع الوقت والخروج من الإحراج والاحتجاجات من المواطنين والمواطنات.
كما أن الظلم والإساءة تجاه المرأة السعودية والتضييق عليها في هذه البيئة التي لا تحقق لها الأمن والسلامة، بل جعلتها في مكان لا تحسد عليه، حدا برئيس الهيئات أن يبرأ إلى الله باسمه وباسم منسوبي الهيئات من هذا كله.
وقد سبق هذه التصريحات تقرير صادر عن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن قيام الهيئة برصد ما يزيد عن 200 قضية ما بين ابتزاز وخلوة محرمة خلال العامين الماضيين بسبب بيئة العمل المختلطة. وذلك بسبب التعارف بين زملاء العمل، أو استغلال مديري ومسؤولي الفتيات لسلطتهم الإدارية لابتزازهن.
وجاء في التقرير أيضاً ما يؤكد ازدياداً في تلك القضايا بعد قرارات وزارة العمل الداعية إلى إلزام محلات بيع المستلزمات النسائية بإحلال موظفات في محلات لا يقتصر العمل فيها على النساء.
ضوابط عمل المرأة:
ولم يكن اعتراض المحتسبون على أصل عمل المرأة وتوظيفها، بل على مخالفة الوزارة للقرارات السامية التي حرصت على أن يكون عمل المرأة ضمن بيئة تتماشى مع طبيعتها وتحكمها ضوابط شرعية تضمن لها عدم اختلاطها بالرجال.
فقد نص نظام العمل الصادر في العام 1426هـ، بأن على صاحب العمل (إذا كانت هي المرأة المستثمرة) التقيد بإحكام الشريعة الإسلامية.
كما أن قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1425هـ الذي يقضي بتوسيع مجالات عمل المرأة وزيادة فرص توظيفها، نص على أن يتم ذلك وفقاً للأنظمة والضوابط الشرعية، وطبقاً لما جاء من محددات في القرار.
وهذه الأنظمة والضوابط قد حُددت مسبقاً بالأمر السامي بتاريخ 1421هـ، والذي ينص على منع الاختلاط في الأعمال والوظائف بين الرجال والنساء.
كما أن هذا القرار جاء مؤكداً على الأمر السامي الذي صدر عام 1403هـ، والذي نص على عدم السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال، سواءً في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة والخاصة، أو الشركات أو المهن، سواءً كانت سعودية أو غير سعودية، لأن ذلك محرمٌ شرعا.
وهذه الضوابط الشرعية أيضاً حددها قرار مجلس القوى العاملة بتاريخ 1408هـ والذي صدر بعد دراسات عديدة ومشاورات مع لجنة من كبار العلماء تم تشكيلها بموجب توجيهات سامية وذلك للنظر في الضوابط الشرعية لعمل المرأة.
فقد اشترط القرار الضرورة لعمل المرأة وهي (حاجة المجتمع أو حاجة المرأة نفسها)، وموافقة ولي أمرها، وان يكون العمل ملائماً لطبيعة المرأة، ولا يعوقها عن أداء واجباتها المنزلية والزوجية، أو يؤدي إلى ضرر اجتماعي أو خلقي، وان تؤدي المرأة عملها في مكان منفصل عن الرجال، وان تلبس طبقاً للحجاب الشرعي.
وزارة العمل والضوابط الشرعية:
وبرزت مشكلة سوء تطبيق الأوامر الملكية لعمل المرأة وما ترتب عنه من مفاسد، بعد تعيين وزير العمل الجديد عادل فقيه، فقد وضعت الوزارة على موقعها الإلكتروني ضوابط جديدة لعمل المرأة تحت عنوان: "تنظيم عمل المرأة في محلات بيع المستلزمات النسائية".
هذه الضوابط الجديدة لم تشترط لتوظيف النساء في محلات المستلزمات النسائية الحصول على تصريح من وزارة العمل أو من أي جهة أخرى. كما أتاحت توظيف العاملين والعاملات في المحلات متعددة الأقسام، وسمحت للعاملة بكشف الوجه واستبدال العباءة بزي الجهة التي تعمل لديها.
كما أن الوزارة شيئاً فشيئا، بدأت في إلغاء الشروط والضوابط التي كانت منصوص عليها في النظام مثل موافقة ولي الأمر للمرأة وعدم اشترط الإذن لتوظيف النساء.
فقد نقلت صحيفة "عكاظ" عن وكيل وزارة العمل المساعد للتطوير الدكتور فهد التخيفي تأكيده بعدم اشتراط موافقة ولي الأمر في توظيف المرأة في المنشآت الصناعية أو غيرها، وأن نظام العمل الجديد ألغى مثل هذا الشرط المعمول سابقاً.
وفي تصريح آخر له أكد أن عمل المرأة في منشئات القطاع الخاص، لم يعد بحاجة إلى إذن رسمي من جهات ما بهدف التوظيف، وهذا ما يؤكده أيضاً قوله: "طالما تم توظيف المرأة مع تحقق شروط عدم الخلوة لا الاختلاط، بالإضافة إلى تحقق شرط تأمين جزء مخصص لهن فيمكن لهذه الجهات توظيف المرأة مباشرة".
مواجهة الوزير:
ولقد سعى الدعاة والمحتسبون إلى تجنيب المجتمع تبعات التطبيق الخاطئ لقرارات عمل المرأة، وفرضها لتأنيث المحلات النسائية دون توفير بيئة شرعية، وذلك من خلال التحذير مما قد يجره ذلك من مفاسد وآثار لا يحمد عقباها.
ونظم نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" عدداً من الحملات ضد وزير العمل بعد سلسلة القرارات التي أصدرها، حملت اسم "أقيلوا وزير العمل، وحاسبوا وزير العمل"، وقد شارك في تلك الحملات عدد من الدعاة والإعلاميين والأكاديميين.
وبدأت المساعي في مقابلة الوزير شخصياً بتوجه 20 من الدعاة إلى مقر الوزارة لمواجهته بتجاهل فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في تحريم عمل المرأة "كاشيرة" في الأسواق المختلطة، وامتناعه عن توظيف المرأة في مئات الآلاف من الوظائف كالأسواق والمستشفيات النسائية وعمل المرأة عن بعد.
كما واجهوا الوزير بإصراره على أن يكون دعمه فقط لأعمال المرأة المختلطة بالرجال. وانتقدوا موقفه الرافض من الأسوق النسائية المغلقة على الرغم من النجاح الباهر لتلك المجمعات وسهولة تحويل أي سوق مغلق إلى سوق نسائي وتوفيرها أكثر من 100 ألف وظيفة.
وقال الدعاة حينها بأن الحل يتمثل في جعل هذه المحلات خاصة بالنساء ولا يدخلها الرجال بتاتاً، وذكروا أن ما ادعته وزارة العمل باعتبار جدة مدينة مناسبة لبيئة العمل المختلط، قد أسفر عن تصدرها للنسبة الأعلى من القضايا الأخلاقية المضبوطة من الجهات المعنية.
وبعد أن توالت الأخبار عن حالات الخلوة، والتحرّش، والأوضاع المخلّة، التي تم ضبطها بين عاملات في المحلات النسائية، وبين زبائنهن أو زملائهن في العمل، توافد حشد آخر من العلماء والدعاة على وزارة العمل للتأكيد بخطورة مثل هذه الوظائف على المرأة، وما نجم عنه من تلك الحوادث، كما أكدوا على أهمية أن تتهيأ للمرأة الأعمال التي تتناسب مع طبيعتها دون إقحامها وسط الرجال.
ومع أن الوفد لم يتسن له مقابلة الوزير إلا أن الوفد واجه مسؤولي الوزارة بضوابط عمل المرأة التي نشرتها الصحف وهي عدم التلاحم الجسدي، وعدم الخلوة وعدم الزينة وبينوا له حنها أن ما ذكر من ضوابط في حقيقتها إقرار للاختلاط المحرم.
ومرة أخرى؛ ومع تزايد الجرائم الأخلاقية التي يتم القبض عليها بشكل شبه يومي، ومع إصرار الوزارة على المضي في تنفيذ قراراتها على نفس الوتيرة، توجه 200 من الدعاة إلى مقر الوزارة قادمين من جميع مناطق المملكة لتقديم النصح للوزير، ومواجهته بمخالفات الوزارة المتعلقة بتوظيف المرأة وتزايد حالات التحرّش بالنساء وحالات الابتزاز من واقع قضايا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومع اعتراف الوزير بوجود بعض الأخطاء والملاحظات حول آلية توظيف النساء إلا أنه حمّل مسؤولية تلك المخالفات للعاملين في هذا القطاع، ونأى بوزارته عن المسؤولية في ذلك، وقال: "نحن لا نتحمل تلك الممارسات الخاطئة من أصحاب الأعمال".
وكما حدث في اللقاء الأول، لم يخرج المشايخ بنتيجة من لقاء الوزير؛ حيث قال لهم بعد مضي ساعة من الاجتماع إن لديه اجتماعاً، ولا يستطيع مواصلة اللقاء معهم وذلك بعد أن أكد بأن الوزارة ماضية في تنفيذ خططها الرامية إلى سياسة التأنيث.
الصحف المحلية:
ولقد حرصت الصحف المحلية على تغطية لقاء المشايخ الثاني مع الوزير، لكنها صورت موقف الدعاة والمحتسبين على أنهم معترضون على أصل عمل المرأة وتوظيفها من الأساس، وليس للمخالفات التي صحبت عملية التوظيف.
وجاء في عنوان لإحدى تلك الصحف: "وزير العمل في مقابلة ساخنة يواجه 200 معترض على توظيف المرأة وعملها ويؤكد" "لا تراجع".
كما جاء في عنوان آخر لإحدى الصحف: "وزير العمل للمحتسبين .. كيف نمنع بيع المرأة للمرأة ولا نغار عندما يبيع لها مستقدم". في حين أن المحتسبون لم يطالبوا أن يبيع الرجل للمرأة مسلتزماتها الخاصة، وإنما ألا يشاركها الرجال في بيع تلك المستلزمات، وألا تبيع المرأة تلك المستلزمات للرجال.
وعلى الرغم من المحاولات التي يسعى إليها البعض، لتبرير موقف وزارة العمل، والظهور بمظهر المدافع عن حق المرأة في العمل متجاهلاً ما يلزم لذلك، من وجود ضوابط شرعية وبيئة نظيفة، إلا أنه من غير الممكن تجاهل الواقع الذي طرأ على المجتمع السعودي المحافظ من تزايد الجرائم الأخلاقية التي سببتها بيئات العمل المختلطة والتي يكون ضحيتها أبناء المجتمع وبناته.
محمد لافي - 19/2/1434 هـ
- التصنيف:
- المصدر: