التخاذل الإسلامي بمواجهة (البلطجة) والابتزاز العلماني
الإسلاميون الآن أمام رهان صعب وحرج بين أن يطبقوا قناعاتهم التي انتخبهم الشعب عليها، أو يتخاذلوا لإرضاء ثلة من المشبوهين والموتورين وأصحاب الأجندات الخاصة..لا يمكن أن يتفق المشروع الإسلامي مع المشروع العلماني لنهضة الأمة فالمنطلقات مختلفة تمامًا.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
منذ أن صعد التيار الإسلامي بعد الربيع العربي ـانطلاقًا من إرادة شعبية حقيقية وليست زائفة مثلما كان يحدث من قبل في ظل الانظمة القمعيةـ وحالة عبثية تعتري المشهد السياسي العربي بين تحذير وتهويل وابتزاز وتخويف وصراخ، وكأنما سيطر "الشيطان" على مقاليد الحكم ولا مفر من إعلان "الحرب المقدسة". خليط عجيب من اليسار واليمين والفاسدين وأتباع اللصوص الذين نهبوا الشعوب طوال عشرات السنين، لا أحد فيهم يفكر في مصلحة المواطن البسيط بل الجميع يستغله ويضغط على جروحه لكي تستمر الحرائق مشتعلة أطول فترة ممكنة وليذهب الوطن إلى الجحيم...
في تونس ترى اليسار يحرك العمال في اتجاه الاحتجاجات ويهاجم الإسلاميين ويصفهم بأبشع الاوصاف، وترى اليمين يحذر من "التطرف" ويستفز النساء ويدّعي تعرضهن للظلم تحت حكم "النهضة"، رغم أن النهضة لا يحكم منفردًا واستجاب لمطالب كثيرة للقوى العلمانية ولم تحصل حكومته على الفرصة الكاملة بعد، والسؤال أين كان هؤلاء في عهد زين العابدين عندما كان يجبر النساء على خلع الحجاب في المدارس والجامعات والمصالح الحكومية، ويطارد المتدينيين في المساجد؟! أم أن الحرية ينبغي أن تكون ضد الدين حتى تصان؟!
والوضع نفسه يتكرر في مصر على يد حفنة لا تعرف من الحرية إلا حرية التعري في الفن والادب، والضغط على هذه النقطة لمهاجمة التيار الإسلامي، رغم أن الحريات في جميع أنحاء العالم تنطلق من ثقافة المجتمعات وتحددها أعراف هذه المجتمعات وقيمها، والشعب المصري بطبعه ينفر من كل ما هو مخالف للدين ويحتقره حتى لو أقبل على مشاهدته أو سماعه أحيانًا فهذا ليس دليلًا على قبوله. الغريب أن هذه الامور حتى الآن لم يتم الاقتراب منها في ظل حكم الرئيس مرسي المنتمي للتيار الإسلامي، والذي لم يجلس على مقعد الحكم إلا منذ أقل من شهرين قضى معظمها في مواجهة المجلس العسكري وتشكيل الحكومة ومحاولة ضبط الوضع الأمني المتردي، ومع ذلك تجمع عدد من أنصار النظام السابق وبعض العلمانيين والأقباط في محاولة لإسقاطه في مظاهرات هزيلة تطالب "بإسقاط حكم الإخوان" ـ على حد زعمهم ـ رغم أنه لا حكم للإخوان حتى الآن رغم أكثريتهم في برلمان الثورة؛ فالحكومة أغلبيتها من الشخصيات المستقلة، والمحافظون كذلك، وقيادت الجيش والشرطة من داخل الجهازين ولا يوجد في هذين الجهازين أية عناصر من أي تيار إسلامي كما هو معلوم.. فأين حكم الإخوان؟!
هل يكفي أن يكون الرئيس من الإخوان حتى يكون الحكم للإخوان؟ وحتى ولو سلمنا جدلًا بصحة هذا الكلام أوليس ذلك ما أراده الشعب؟ لقد خرج الكثيرون ليرتدوا أثواب البطولة رغم صمتهم سنوات طوال على الاستبداد والقمع، وكانو يجاهرون قائلين "أن الرئيس خط أحمر لا يجوز النيل منه لأنه رمز البلاد" أما الآن فالرئيس "ملطشة" للجميع يجوز القول عنه والافتراء عليه كما يشاءون حتى لو أدى ذلك لإثارة الفتن التي لم تخمد بعد في ظل أوضاع غير مستقرة تمر بها البلاد. يفعلون ذلك لعلمهم أنهم لن يتعرضوا لجزء ولو يسير مما كانوا يتعرضون له في العهد السابق، ومع ذلك يصرون على التحذير من "الدكتاتورية والاستبداد الإسلامي". ضحكت كثيرا وأنا أستمع لبعض من كانوا يعملون في حملة الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال آخر "مسرحية" أقصد آخر انتخابات رئاسية خاضها قبل خلعه، عندما وجدتهم يحرضون الضيوف على النظام الحالي ويؤكدون أنهم لن يتنازلوا أبدا عن "مبادئهم وقناعاتهم" مهما حدث وأنهم "سيحاربون" من أجلها.. فأين كانت هذه المبادئ والقناعات يومها؟ أم أن البطولة اليوم في أن تقف أمام خيار الشعب وتتباهى بذلك وفي وقت سابق كنت تقف ضد هذه الإرادة وتكسب من ورائها...
على الجانب الآخر لا يمكن أن ننفي أن الإسلاميين تخاذلوا أحيانا أمام هذه الهجمة؛ ففي تونس انصاعوا للعلمانيين عند صياغة بند تحكيم الشريعة في الدستور، وفي مصر وقفوا مدافعين مطمئنين في وضع استضعافي لا يليق بمن نالوا ثقة الشعب في أربع انتخابات نزيهة متتالية ألصقت بالعلمانيين الهوان والمذلة.
الإسلاميون الآن أمام رهان صعب وحرج بين أن يطبقوا قناعاتهم التي انتخبهم الشعب عليها، أو يتخاذلوا لإرضاء ثلة من المشبوهين والموتورين وأصحاب الأجندات الخاصة..لا يمكن أن يتفق المشروع الإسلامي مع المشروع العلماني لنهضة الأمة فالمنطلقات مختلفة تمامًا.
صحيح يمكن أن يتفقا في جزئيات تتعلق بالتنمية الاقتصادية والصحية والاجتماعية والاستقرار الأمني، ولكن العلمانيين حسموا خياراتهم تمامًا فهم لن يتعاونوا مع الاسلاميين لينجحوا أبدًا ما داموا يختلفون معهم في ثوابت عديدة يعتبرونها عائقا فيما يسمونه "التقدم الحضاري"؛ لذا على الإسلاميين الإتحاد لتحقيق مشروعهم الخاص بنهضة الأوطان وليتركوا الباب مفتوحًا لكل من عنده حب حقيقي لهذه الأوطان.
خالد مصطفى - 8/10/1433 هـ