في ذكرى (خمسة وعشرين يناير) ... الثورة مستمرة، ولكن الميدان قد استنفد أهدافه
عبد المنعم الشحات
إن أعجب ما تسمعه بشأن المبررات التي يسوقها البعض لتبرير دعوته للنزول هي قولهم: "إنهم سيتظاهرون ضد الدستور!"، وهم يعلمون علم اليقين أن الدستور قد تم الاستفتاء عليه مما يجعله الآن ملك للشعب وليس ملكًا لرئيس البلاد ولا حتى للجمعية التأسيسية التي وضعت مسودته، وهم يعلمون أن الدستور قد نص على آلية تعديله وأن هذا لا يأتي إلا عبر البرلمان.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقبل أن نتحدث عن ذكرى الثورة فلنتحدث عن الثورة... وأول ذلك أن نستعرض بإيجاز شديد النظام السياسي الذي ثُرنا عليه.
حول النظام السياسي لـ"مبارك":
تشتمل السياسة على بابين أساسيين، هما:
1- الدفاع عن الهوية.
2- إدارة الموارد.
فقد كان نظام "مبارك" بالنسبة للإسلاميين ابتدأ بوضع مقبول مقارنة بغيره أو بما يُنتظر منه بالنسبة للموضوع الأول، ثم أخذ يزداد سوءًا يومًا بعد يوم؛ لا سيما فيما يتعلق بالتبعية للغرب ومناصرة كل صور التغريب في الداخل.
وأما القوى العالمانية فقد كانت مؤيدة لنظام "مبارك" فيما يتعلق بهذه الجزئية، وإن كان بعضهم لا سيما القوميين وبعض الناصريين قد أبدوا انزعاجًا من الهرولة المصرية للذوبان في الفلك الأمريكي الصهيوني والتي ارتفعت وتيرتها جدًّا بعد حرب الخليج.
وفيما يتعلق بإدارة الموارد فقد بدأ "مبارك" حكمه بمحاولات إصلاح اقتصادي متحفظ لا يلقي بالتبعة كلها على الفقراء، وبدأ حكمه محايدًا تجاه القطاع العام غير حريص لا على التوسع فيه ولا على تصفيته في حين بدا مشجِّعًا للقطاع الخاص أكثر.
وتزامنا مع الذوبان السياسي في المنظومة الغربية كان الذوبان الاقتصادي أيضًا، وتمت تصفية القطاع العام بطريقة مَن يبيع جواهر البيت إلى "الروبابيكيا"؛ لمجرد وجود قدر من الأتربة عليها!
ولكي يتم تذويب الهوية كان لابد من قانون للطوارئ "لم يستخدم إلا ضد الإسلاميين" متذرعًا بأن منهم من يمارس العنف ضد الدولة، في حين أن نطاق "قانون الطوارئ" استخدم ضد الإسلاميين بصورة لم يسلم منها شيخ مسن ليس له نشاط في الحياة إلا رفع الأذان، ولم يسلم منه طفل صغير كل جريرته أن أهله أرسلوه لحفظ القرآن فتصادف أن المحفظ ذو لحية! إلى آخر تلك المآسي التي يعرفها الجميع.
وفي ذلك الوقت كانت معظم القوى العالمانية تلعب دور "المدفعية الإعلامية" التي تبرر للحاكم بطشه ظنًا منهم أنه لا ينال إلا الإسلاميين؛ ولينعم العالمانيون بخلو الجو الفكري والثقافي لهم على ما يظنون، إلا أن النظام حينما باع القطاع العام بثمن بخس وباع "العمالة" علاوة فوق المصانع يتسلمهم المشتري بنفس عقودهم مع القطاع العام "ولكنه يطالبهم بالعمل والجهد وفق معايير القطاع الخاص" لم يتحمل الكثيرون منهم، وبدأت قوى من الشعب تتملل وانضم إليهم بعض الشباب الذي استثارت صور الاعتداء الوحشي على العمال غيرتهم "كانت هذه بداية معظم الحركات الشبابية وما زال هذا هو حال معظم أعضائها حتى الآن، ومن أجلهم لن أستطرد فوق هذا الكلام، وكل لبيب بالإشارة يفهم".
لقد فوجئ المجتمع بأن النظام يرفع شعار: "الطوارئ للجميع"، وهو الذي بقي سنوات يرفع شعار: "الطوارئ لن يوجه إلا ضد الإسلاميين"... هكذا كان يُقال في كل جلسة تجديد لقانون الطوارئ في مجلس الشعب، وكان أحيانًا يضاف إليهم تجار المخدرات من باب "التسكين والتلطيف"؛ وإلا فإن مواجهة تجار المخدرات لم تكن في حاجة إلى قانون الطوارئ، بل كان يكفي تفعيل دور الشرطة في ملاحقتهم، وقد فعل اللواء "أحمد رشدي" ذلك إبان توليه وزارة الداخلية فـَدبَّر له لهو خفي تمردًا "أكثر خفاء" داخل صفوف الأمن المركزي "لم يكن قد اخترع وقتها مصطلح الطرف الثالث وإن كان الأسلوب هو نفس أسلوب من سميناهم نحن الطرف الثالث".
ومصداقًا لقوله تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: من الآية 54]، وهو الذي يعبَّر عنه بالمثل العامي: "قالوا يا فرعون إيش فرعنك؟ قال: ما لقيتش حد يقف قصادي"، فعلا سقف طموحات "مبارك" إلى أن يستعبدنا ميتًا كما استعبدنا حيًّا طالما أن في البلاد قانون طوارئ! ومن هنا... ظهرت "فكرة التوريث"؛ تلك الفكرة التي استدرج الله بها المخلوع إلى أن يقوض أركان عرشه بنفسهم مصداقًا لقوله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: من الآية 182]، ويبدو أن التوريث قد فتح شهية الحاشية والمساعدين لأن يطالبوا بنصيب من "الكعكة" حتى لو لم يبقَ للشعب منها شيئًا!
وفي كل مرة يزداد الغضب الشعبي ويتحرك "ضمير" أفراد جدد من النخبة، وتثور نخوة المئات والآلاف من الشباب، والرجل ومعاونوه قد أغراهم حِلم الله، وجرأهم صمت الشعب... حتى كثرت الحركات الاحتجاجية والنظام مرتكن إلى قانون الطوارئ، بل بدأ النظام يهيئ الرأي العام إلى حالة من التوسع الشديد في استخدام قانون الطوارئ عن طريق استثمار -أو حسب ما تسرب بعد الثورة افتعال- حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية؛ ليشن حملة اعتقالات واسعة للشباب السلفي، والتعامل معهم بوحشية مفرطة؛ فمات تحت أيديهم الأخ "سيد بلال" -نسأل الله أن يتقبله عنده من الشهداء- وفي ظروف مشابهة مات تحت أيديهم الشاب "خالد سعيد" -نسال الله أن يبلغه منازل الشهداء-، ومع هذا فإن النظام لم يستشعر الحرج قط من أي جريمة كان يرتكبها؛ مما جعل الاحتجاجات تزداد...
وفي "الخامس والعشرين من يناير عام 2011م" دعت مجموعات شبابية إلى "واحدة" من المظاهرات والتي قدَّر الله فيها أن يسقط قتلى في مدينة السويس -نسال الله أن يكتبهم عنده من الشهداء- مما جعل الجمعة التي تليها 28-1-2011م" بداية ثورة حقيقية.
لم يكن استشهاد بإذن الله كل من: "سيد بلال، وخالد سعيد" والثلاثة الذين لحقوا بهم في يوم الخامس والعشرين من يناير هو السبب الوحيد لكي تخرج تلك الأعداد الغفيرة من المصريين وترفع سقف مطالبها برحيل النظام، بل كذلك من تلك الأسباب الفساد الذي كان للركب "بحسب وصف أحد صانعيه وهو الدكتور زكريا عزمي".
لقد تعددت مظاهر الفساد في عصر "مبارك"... والتي يمكن إجمالها فيما يأتي:
1- السعي لتوريث الحكم.
2- الأداء البوليسي القمعي للدولة.
3- قانون الطوارئ.
4- تفصيل الدستور بحيث لا يمكن أن يترشح أحد للرئاسة من الناحية العملية إلا من خلال الحزب الوطني "أي مبارك الأب أو الابن!".
5- تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010م.
6- تصدير الغاز المصري لإسرائيل بأقل من الأسعار العالمية!
7- تحدي مشاعر الناس الدينية، مثل: تصريحات "فاروق حسني" عن الحجاب، ومنح جائزة الدولة التقديرية "للقمني!".
8- قضية المبيدات المسرطنة.
9- استفحال أمر الرشوة إلى حد وجود تسعيرة شبه معلنة للرشاوى نظير خدمات معينة لا سيما في المحليات ".
10- تجاوزات الشرطة التي تجاوزت كل الحدود!".
11- المضي قدمًا في طريق الخصخصة الجائرة.
12- المساهمة في حصار غزة.
13- غياب أي خطة للعدالة الاجتماعية.
14- تسرب الدعم وعدم وصوله إلى مستحقيه.
15- الإهمال الجسيم؛ والذي ظهر في عشرات الحوادث للقطارات والباخرات والطائرات.
16- تدني مستوى التعليم وانتشار الدروس الخصوصية.
17- تفشي الإهمال الجسيم في مستشفيات الحكومة، بل والإضرار المتعمد مثل: قضية أكياس الدم الملوثة، ومثل: محاولات "سوزان ثابت" المتكررة للاستيلاء على "مستشفى الشاطبي للولادة".
18- ارتفاع معدلات البطالة.
19- توزيع أراضي الدولة على الطبقة الحاكمة.
هذه الأمور وغيرها الكثير... والكثير... جعل الشعب يرفع شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن الذي حدث أن "رأس النظام فقط هو مَن رحل"، ومع رحيله أقام الثوار الاحتفالات والابتهاجات ورحلوا إلى ديارهم؛ ولا أدري: هل كان كل هؤلاء الثوار يدركون وقتها أن تنحي "مبارك" بينما الذي يرأس الوزراء هو أحد رجاله معناه أننا سوف نسلك الطريق الأكثر بطئًا، ولكن الأبعد عن الدماء والذي يسميه بعضهم: بـ"الثورة القانونية" أو يسميه بعضهم: بـ"المنهج الإصلاحي" في مواجهة ما يسمونه: بـ"المنهج الثوري"؟!
وهذا التوصيف بالذات تسرب إلى الإعلام بعد بروز انحياز أغلبية الشعب إلى التيار الإسلامي؛ فبدأ البعض يتهم الإسلاميين بأنهم جروا خلف كراسي البرلمان بينما كان الجميع ينادي بحرية سياسية والتي تعني التنافس الانتخابي بين أصحاب المناهج السياسية على أصوات الناخبين، ولكنها حيلة أطلقها مَن لم يكن مستعدًا للانتخابات كما اعترف بذلك الكثيرون منهم.
وفي المقابل: نظر البعض إلى المسألة بطريقة أخرى وهي أن الإسلاميين قد حنوا إلى أصلهم "الإصلاح التدريجي" زاعمين أن هذا يخالف روح الثورة التي تُغيِّر تغييرًا شاملاً سريعًا جذريًّا، ولا أدري: أين كان هؤلاء يوم "12 فبراير 2011م" والذي قرر فيه المعتصمون في التحرير وفي كل الميادين -بصورة تلقائية عفوية- القبول بهذا التغيير الجذري على مستوى القمة بينما بقي جسم الدولة يحتاج إلى جهد إصلاحي "شاق"؟!
وعلى أي فمن الناحية الشرعية لا يكاد يوجد فرق بين الإصلاح والثورة طالما أعملنا قاعدة: {{C}{C}إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ{C}{C}} [هود: من الآية 88]، فجمع بين إرادة الإصلاح ومراعاة الاستطاعة، ومِن ثَمَّ فقد يكون الإصلاح أحيانًا أقرب إلى الثورة كما في الحديث: «{C}{C}سَيِّد الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جائرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ{C}{C}» (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، وقد يكون للدعوة الهادئة أثر يفوق الثورة {{C}{C}ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{C}{C}} [فصلت: من الآية 34]، المهم في ذلك كله أن يكون السعي إلى الإصلاح بطريقة موضوعية تراعي السنن الكونية وفي ذات الوقت تنطلق بأقصى سرعة ممكنة: {{C}{C}خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ{C}{C}} [البقرة: من الآية 63].
وفي هذا يصف الدكتور "محمد عمارة" المنهج الإسلامي بأنه إصلاحي إصلاحًا شاملاً جذريًّا قويًّا يقارب الثورة، وفي هذا الصدد يردد البعض عبارة: "الثورة مستمرة" ويتمسكون بها "تمسك السلفيين بالنصوص" بل أشد... ومع أنهم ينعون على السلفيين فعل ذلك مع الكتاب والسنة إلا أنهم يفعلون هذا مع شعارات يمكننا أن نتعامل معها بمرونة أعلى!
وفي الواقع: فإن أهم وأوجه ما يردده المطالبون بشعار: "الثورة مستمرة" هو أن مطالب الثورة لم تتحقق بعد وهذا أمر لا يماري فيه عاقل، وبهذا المعنى وإذا كنا سنقول أن الثورة مستمرة إلى أن تتحقق مطالبها فنحن نتفق مع هذا القول، ولكن هل يعني هذا أن نبقى في الميدان حتى تتحقق مطالب الثورة؟!
إن "الميدان يمثل ضغطًا على مَن في الحكم حتى يلبي المطالب"، ولكن الميدان لا يبني ما هدمه الهادمون ولا يصلح ما أفسده المفسدون.
إن هذا لن يتم إلا من خلال العمل الشاق.
والنزول إلى الميدان لن يحل مشكلة البطالة، بل سيفاقمها.
النزول إلى الميدان لن يزيد الإنتاج، بل ربما عطله.
النزول إلى الميدان لن يأتي بحق الشهداء، بل جمع الأدلة لتقديمها للمحكمة هو الطريق للحصول على حق الشهداء.
لقد استنفد الميدان أهدافه بـ"رحيل مبارك" وبقيت الثورة مستمرة "ثورة العمل والبناء"، وفي ذلك يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: "الثائر الحق هو مَن يثور ليهدم الباطل، ثم يهدأ ليبني الأمجاد".
وقد يقول قائل: ولكني مختلف مع الرئيس "محمد مرسي" كما كنت مختلفًا مع الرئيس السابق.
والجواب: إن الفرق كبير بين من وصل إلى الحكم بالتزوير، بل وهو عازم عليه وماض فيه مع غاية الظلم والفساد الاقتصادي والإداري الذي ذكرنا بعضه بحيث لم يُبقِ لكَ بابًا إلا الثورة عليه، وبين رئيس منتخب غاية ما يُنكر عليه أنه كان بوسعه من وجهة نظر البعض البدء في إصلاح التركة الثقيلة التي تركها له سلفه، ولكنه لم يفعل، ثم هو رئيس تمتلك الفرصة لكي تسقطه بالصندوق بعد أربع سنوات.
بل الأهم من ذلك أننا على مشارف انتخابات برلمانية يمكن للمعارضة فيها أن تنتزع الأغلبية إن كانت حالة السخط عامة -كما يزعمون!-، وفي هذه الحالة سوف ينتزعون الحكومة ويشاركون الرئيس قيادة البلاد وإلا فيمكنهم أن يكونوا معارضة قوية، فإن لم يحصلوا لا على هذا ولا على ذاك؛ وجب عليهم الصمت "ترى: هل يخافون من المضي قدمًا في الانتخابات حتى لا يصلوا إلى هذه النتيجة؟!".
وقد يقول قائل: وهل قمنا بالثورة من أجل أن يحكم الإخوان؟!
والجواب: هذا كلام يردده للأسف الكثير ممن يسمون بـ"النخبة السياسية"، وفيه من المغالطة ومن المخاطرة بمصلحة مصر الشيء الكثير؛ وإلا فلو أتت الصناديق بـ"حمدين صباحي" مثلاً سيخرج الباقي في الميادين على اعتبار أن الثورة لم تقم ليحكم الناصريون؟!
إننا قمنا بثورة من أجل أن يحكم من تأتي به الصناديق وكانت النتيجة فوز الدكتور "محمد مرسي" بالرئاسة بينما مجلس الشعب انتخب وحل، ونحن على أبواب انتخابات أخرى؛ فلماذا تفجير الأوضاع قبل الانتخابات؟!
النخبة تعاقب الشعب على تصويته على الدستور:
إن أعجب ما تسمعه بشأن المبررات التي يسوقها البعض لتبرير دعوته للنزول هي قولهم: "إنهم سيتظاهرون ضد الدستور!"، وهم يعلمون علم اليقين أن الدستور قد تم الاستفتاء عليه مما يجعله الآن ملك للشعب وليس ملكًا لرئيس البلاد ولا حتى للجمعية التأسيسية التي وضعت مسودته، وهم يعلمون أن الدستور قد نص على آلية تعديله وأن هذا لا يأتي إلا عبر البرلمان؛ فللمرة الثالثة الانتخابات هي الحل لكل مشاكلهم، ولكنهم يكرهونها لأسباب خفية "لا أدري لعله الورع مثلاً!".
مصر الحائرة بين الألتراسات:
وبغض النظر عن كون الجمعة يوافق "25 يناير" ذكرى يوم الثورة فقد تصادف أن حددت المحكمة جلسة السبت "26 يناير" للنطق بالحكم في قضية "مجزرة بورسعيد"، والمشكل في هذه القضية ليس فقط أن هناك من يريد أن يتدخل في أحكام القضاء، بل زاد الطين بلة بوجود هذه المباراة بين "ألتراس الأهلي" و"ألتراس المصري"؛ ففريق يرى أن تطبق أقصى العقوبات والآخر لا يرضى إلا بالبراءة، وكل يتوعد بالفوضى والإحراق ما لم تستجب المحكمة لإرادته!
ولا أدري كيف غابوا عن "الزند"؟!
كيف غابوا عنه وهو من نذر حياته للدفاع عن استقلال القضاء وهمَّ بتقديم حياته ثمنًا لذلك؟!
وأنا كنتُ أرى أن من يملك قرار تأجيل المحاكمة كان ينبغي عليه فعل ذلك مهما سخط الناس، وأتمنى أن تبذل القوى الوطنية محاولات لإقناع الألتراس من الجانبين بعدم التدخل في أحكام القضاء.
وإذا كان "الألتراس الأهلاوي" يريدون حق زملائهم... فهل حق زملائهم أن تحكم المحكمة بأقصى عقوبة على كل من يوجَّه إليه الاتهام مع وجود احتمال أن يكون البعض بريئًا؟!
وهل يسر "ألتراس مصراوي" أن يشاركوا في إثم جرائم القتل بتوفير الحماية لكل المتهمين من أن تصدر ضدهم أحكام؛ مما يهدر حق دماء أريقت؟!
يا شباب "الألتراس"... فليضع كل منكم نفسه مكان مشجعي النادي الآخر، وليضع كل واحد نفسه مكان أهالي الضحايا وكيف يحبون أن ينالوا الثأر، وليضع نفسه مكان كل متهم وكيف يتوق لمحاكمة عادلة، ثم ليحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وقبل هذا كله... فليسأل كل واحد نفسه: ما ذنب الجمهور والمارة الغادين والرائحين إلى أعمالهم؟! ما ذنب شعب تُدمر ممتلكاته العامة؟!
وإذا كان إزهاق الأرواح والاعتداء على الأبدان كما حدث في "إستاد بورسعيد" فسادًا؛ فإن إتلاف الأموال وتضييع الأوقات فساد آخر، وكل ذلك داخل في قوله تعالى: {{C}وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: من الآية 205].
وقى الله مصر شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.