النهضة بغير روح الجهاد مَوَات – فتحي رضوان 1973 م
إن الجهاد هو ثمرة الإيمان الأولى، لذلك كانت رعاية رسول الله صلى الله عليه و سلم، لإيمان صحابته، و أتباعه، في المقام الأول عنده، تولَّى تربيتهم حينما كان الإسلام مُطاردًا، بالقول و بالفعل، و قبل كل شيء بالمثل يضربه..
- التصنيفات: فقه الجهاد -
تقديم
كنتُ دومًا أتعجَّبُ من تِلك الرُّوح التي حرَّكت المصريين في حرب أكتوبر عام 1973 ... !
تِلك الرُّوح التي هزَّت سماء مِصر بالتكبير حتى سَمِعَتْهُ أطقمُ المروحيات المقاتلة على ارتفاع ثلاثمئة متر عند إذاعة البيان رقم "7" الذي أعلن أن قوَّاتنا قد عبرت القناة !!...
تلكَ الروح التي جعلت جنديَّ الصاعقة يحمل 60% من الوزن الزائد على عتاده فوق ظهره و يقفز به من ارتفاع عشرين مترا إلى أرض سيناء !!..
بل تلك الروح التي جعلت المهندسين يتنافسون أيهم يركب مع جنود الصاعقة في مروحيَّات الموجة الأولى من اقتحام خطِّ النار رجاء أن يُستشهَد !!..
تِلك الرُّوح التي جعلت أحد مُقاتلي الثغرة يضرب ثلاثة عشر صارُوخًا على قاذف صواريخ يعلم جيِّدًا أنه سينصهر و ينفجر مع الصاروخ لو ضرب به مرتين فقط !!..
إنها الروح !!..
روح الجِهاد التي نُفِثَت في مجتمع النكسة فأحيته بعد مواتٍ دام سِتَّ سنين و ربما ستِّين سنة !!..
روحُ الإسلام التي أحْيَت المصريين بعد مواتِ العالمانية !!..
و رغم أن أكتوبرَ هو نصرٌ لم يكتمل بل وأدَه "وقفُ إطلاق النار" ثم "مفاوضاتُ السلام" و أشياءٌ أُخَر، إلا أنني أردتُ الكتابة عن تلك الرُّوح فبحثتُ في مكتبتي لأدعم ما سأكتبه بنُقُولٍ من تلك الفترة ... فوجدتُ ما أغناني عن الكتابة فضلا عن الاستشهاد بالنقول لتدعيمها !!..
وجدتُ مقالةً للمناضِل الكبير "فتحي رضوان" نُشِرَت ضمن مقالات شتَّى في منشورٍ لـ"المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية" بعد أسابيعٍ من الحرب عام 1973. ..
كانت المقالة كجوهرةٍ بين مقالاتٍ إحداها لشيخ الأزهر آنذاك (د.عبد الحليم محمود) و الأخرى للشيخ (محمد خاطر) مفتي الجمهورية حينها و غيرها للدكتــور (بدوي عبد اللطيف) مُدير جامعة الأزهر وقتها، و غيرها للأستاذ (عبد المنعم الصاوي) و آخرين ..
حين قرأتُ المقالة استشعرتُ أنها تُلخِّص ما أريد قوله، أن "النهضة بغير روح الجهاد مَوَات !!" و تصف المقالةُ ما ينبغي أن تكون عليه روحُ الأمة لتتَجاوز الأزمات، و تهزم أعداء الداخل و الخارج، ثم تنهض..!!.، تُلخِّص كيفية بعث تلك الروح التي قامت مصرُ معها ثم نامَت لمَّا أراد لها قادتُها السلامَ مع إسرائيل فأزهقوا تلك الروح كما أفسحوا لها من قبل !!..
و لكأن (فتحي رضوان) قد بُعِثَ اليوم ليُملي في بعض سطور مقالته على الرئيس المصري (د. محمد مرسي) ما ينبغي فِعله لتستقر البلاد استقرارًا حقيقيا مبنيا على العِزة و المَنعة، لا استقرارا مزيفا يتسلَّط فيه الرعاع و ميليشيات العالمانيين الإرهابية على البلاد و العباد !!..
إني نظرتُ إلى حال مصر الآن التي يشطرها أعداء الإسلام بسكين بارد من داخلها، و يُعاونهم التيار الإسلامي بتخاذله و تناحُرِه و تخبُّطه...!! فتحسَّرتُ على روح الجهاد تلكَ التي ذبُلت و أحببتُ أن تعودَ تلك الروحُ فيُحيينا اللهُ بها على أرض مصر، فلا نهضة حقيقية إلا بتلك الروح..!! روح الجهاد !!...
و رأيتُ أن الكلام عن الجِهاد حين يأتي من الأستاذ (فتحي رضوان) و هو غير الموسوم بالتطرُّف و لا الإرهاب، و لم يُعتقل في أبو غريب سابقًا، و لا نزل جوانتنامو، و لا وضعته أميركا على قائمة المطلوبين!!... حين يصدُر هذا الكلام منه و هو مؤسس "مجلس حقوق الإنسان المصري" و "الحزب الوطني الجديد" و "وزير الإرشاد القومي -الإعلام-" في حكومة عسكرِ الثورة !!!... وجدتُ هذا الكلام منه سيكون ضربةً ليس بعدها شفاءٌ للمُشكِّكين فيما ينبغي أن يكون عليه حال عامَّةِ المسلمين مع هذه الشعيرة التي هي ذروة سِنام الإسلام:
"الجهاد"...
و إني قد نقلتُ المقالة كما هي فلم أُعْمِل قلمي فيها غير أني قد أزلتُ كلمة أو كلمتين مما درج الناسُ على استخدامه لكنه لا يتفق مع توقير مقام النُّبوَّة فوضعتُ مكانهما معكوفتين بينهما ثلاث نقاط، و أبدلتُ كلمتين أخريين بما يليقُ فوضعتهما بين معكوفتين أيضًا... و قد تركتُ ما وجدتُه بالخط العريض كما هو بالخط العريض لعِلمي أن الكاتب رحمه الله دأب على تخصيص عبارات بالخط العريض، و كانت هذه عادتُه في كل ما نُشِرَ عنه رغبة منه في لفت انتباه القاريء إليها...
فتفضَّلُوا المقالة..
الجهاد قانون الحياة
الأستاذ فتحي رضوان
[الجهاد في الإسلام، منشورات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1973، 34-42]
"الجهاد سنة الحياة، فليس في وُسع الإنسان، أن يرفض الجهاد إلا إذا كان قد رفض الحياة نفسها، و هو يروحُ و يغدو، و يأكل و يشرب، و لكنها حياة كالعدم إذ لابد أن يُسام فيها الخسف، و أن يركبه الأقوياء بالمذلة و الهوان، ثم لا يلبث حتى يُحرم من لقمة العيش، و ما يستر العورة.
و لعل أكثر الناس لا يعلمون أن جسد الواحد منهم، ميدان معركة دائمة مستمرة لا تنتهي إلا بانتهاء حياته ذاتها: فالجسم الحي في الإنسان البالغ مجتمع يتكون من أكثر من مليون بليون خلية، و كل واحدة منها تقوم بعملها – من أجل صالح المجموع - تحت حراسة مشددة تنظمها وزارة الدفاع في الجسم الحي، فإذا تعرضت خلية واحدة للغزو أعلنت حالة الطوارئ، و تدفقت الجيوش بكل حساب" [معارك و خطوط، د.عبد المُحسن صالِح].
و لعل أكثر الناس لا يعلمون أيضًا "أن الكائن الحي بمثابة حصن منيع، يقوم و يتصارع، و يصد العدوان من خلال استحكامات رائعة في جسمه، فإذا انهارت تهدَّم الحصن أمام ضربات معاول الجراثيم" [معارك و خطوط، د.عبد المُحسن صالِح].
و ما يجري في الجسد الواحد هو صورة لما يجري في العالم الكبير، فالحياة هي صراع مستمر بين الأحياء، و لولا هذا الصراع، لما تقدمت الحياة، و لما ارتقى الأحياء، و لقد نصَّ القرآن الكريمُ على ذلك القانون العام إذ قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251] فمِن هذا الدفع، يبقى الصالحُ النافعُ، و يختفي الضعيف، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].
فكما يفسد الطعام و يتعفن، إن لم تُحسَن صيانته، و كما تزحف الحشائش على الحقل، إن لم يُتقَن حمايته، كذلك تتعفَّن الأفراد و الشعوب، فتلتف حول مصادر حياتهم حشائش و أعشاب الفساد، إذا لم يسهر الفرد، و الجماعة، على رد العوادي، من الداخل و الخارج، في صورة الفساد و التحلل، أو الغزو و الغصب.
فالجهاد ليس تفضُّلا من الأحياء، و لا رخصة لهم أن ينتفعوا بها أو ينزلوا عنها، بل إنه ركن الزاوية في بناء وجودهم، و الضمان الأول لبقائهم. و من ثم كان الجهاد في الإسلام فرض كفاية، إن استطاع أن ينهض به عن الجماعة، نفرٌ منها، فإن لم يستطع هؤلاء، كان الجهادُ فرض عين، يلزمُ كل فَردٍ، أن يُسارع إليه، و إلا عَمَّ اللهُ بغضبه الجميعَ، فشملهم منه عذابٌ في الدنيا، و خزيٌ في الآخرة.
و لما كان الإسلام قد جاء ليدعو الإنسان إلى عقيدة صالحة، فقد كان حتمًا أن ينشأ على أساس هذه العقيدة، بلا إمهال و لا تراخٍ، مجتمعٌ قويٌّ صالح، ذلك لأن العقائد الصالحة لا تدعُ للناس الذين آمنوا بها فرصة الاسترخاء و التواكُل، لأنها ما تكاد تدب في صدورهم، حتى تحملهم على العمل حملاً، فلا يطيب لهم نوم، و لا يهنأ لهم عيش، حتى يروا هذه العقيدة سائدة، فإذا ما اتسع نطاقُها، و أظلَّت أناسًا بظلِّها بدت في الحال فيهم فضائلُ الصالحين، فتواصَوْا بالحق، و تواصَوْا بالصبر و تبدَّت للناس شجاعتُهم و صدقُهم، و أمانتُهم و جدُّهم، و حسنُ تعاونهم، و ثباتُهم في المحن، و حبُّهم للعلم، و كرهُهم للذل، فتنجم عن ذلك كله أمَّةٌ أو دولةٌ، منيعةٌ و رفيعةٌ معًا، يفيض نورها على الآخرين فينجذبون إليها، و يسيرون خلفها، و تصبح للناس إماما، و ما يزال أبناؤها يبحثون في كل ناحية من نواحي حياتهم، عن عيوب بها، أو ثقوب في ثوبها، أو صدوع في بنائها، فيَرْتُقُون كل فَتْق، و يرأبون كل صدع، لا تغفل لهم عين، و لا تفتر لهم عزيمة، فإن تراخوا و أهملوا وسائل الوقاية أولا، ثم أسباب العلاج ثانيا، أخذهم اللهُ بعقابه، فضعفوا و اضمحلوا، فيطمع فيهم الطامعون، فيصبحون في أفواههم لقمة سائغة و بين براثنهم فريسة سهلة، و حلت محلهم أمةٌ أقوى منهم على الحياة، و أعظم صبرًا على شدائدها {إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: 39] {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38].
و من هُنا صاحب الجهادُ، الإسلامَ منذ كان دعوةً لم يُعلنها نبيُّها و رسولُها، فقد خاطبه اللهُ تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1-4].
و بهذه الكلمات القِصَار، وضع القرآنُ دستور الجهاد لرسوله، الذي تولَّى، بَسْطَهُ للناس، و بيانه للمُسلمين، بقوله و عمله و تقريراته، و كل لحظة من حياته.
فالإسلامُ بدأ بقيام الرسول، في ظل عقيدة وحدانية الله، التي يُمثلها لفظ "اللهُ أكبر"، و لفظ "قُم" يوصي إلى السامع الشعور بانتصاب القامة، و هو مظهر التلبية مع الانتباه و القوة و العزم. و الإنذار هو إعلان الدعوة، و بيان مخاطر إهمالها، و العمل بغير مقتضاها. أما تطهير الثوب فهو كناية عن النظافة المادية، و هجر الرِّجز، هي علامة على النظافة الروحية، و العزم و الانتباه، و التلبية و الطاعة هي جميعها جوهر الجهاد، و عُدَّته، فلن تجد إنسانًا – مهما صغُرَت مكانتُه، أو قلَّت تبعتُه، اجتمع له مضاءُ الإرادة و صدق التصميم، مع طهارة الجسد و النفس، إلا و بلغ الذروة بين إخوانه، و كان وجوده معهم، حماية لهم من الذُّل، و فساد الأمر، و دعوة متجددة للجهاد، فالناس لا تغلبها الرذائل، و لا تفشو بينها الفواحش إلا لغياب قائد ذي عزم، عفّ اللسان و اليد، طاهر النفس و الذيل، و فردٌ واحدٌ مؤمنٌ بعقيدة بريئة من آفات الطمع في الدنيا، و الخوف من زوالها، قادرٌ على أن يُحوِّل الألُوفَ إلى مثل قبضةٍ واحِدةٍ، تضرب في صرح الفساد و الظُّلم، فيتناثر أحجارًا، كل حجرٍ في ناحية.
و لما كان الإسلام هو دين الإنسانية القوية المتآخية، فقد دار كله من ألفه إلى يائه حول الجهاد، و كانت العبادات فيه، من صلاة و زكاة و حج و صوم، تهيئة للجهاد، و إعداد للمجاهدين، و كانت قواعده و أحكامه، و أصوله و فروعه، و قرآنه و سنته، و عقيدته و شريعته تقنينا للجهاد، و حثا عليه، و دفعا إليه، فلا إسلام و لا دين، بغير جهاد، بشعبه المختلفة و دروبه المتعدده: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].
و لقد تولَّى القرآنُ الكريم ثم سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بيان أحكام الجهاد، ثم بيان مواقف الناس، إقبالا و تلبية، و صدًّا و نفورًا، و صدقًا و ثباتًا، و رياءً و تردُّدًا. ثم بَيَّنَا نتائج الأخذ به و الجري على سنته، و عواقب الإهمال له، و الخروج عليه.
أما آياتُ الجهاد، فمنها:
أولا – ما يدعو دعوةً مُطلقةً إليه، و من ذلك:
{اتَّقُوا اللَّـهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} [المائدة: 35].
{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ} [التوبة: 41].
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78].
ثانيا – و منها دعوة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التحريم: 9].
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65].
ثالثًا – و منها تقرير أن الجهاد من صفات المؤمنين:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74].
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [الحجرات: 15].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ} [المائدة: 54].
رابعًا – و منها ما يقرر أن الجهاد يعود نفعه على المجاهد نفسه:
{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6].
خامسًا – أن أجر الجهاد عند الله عظيم:
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ} [البقرة: 218].
{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ} [التوبة: 20].
سادسًا – أن المؤمن المجاهد أعظم درجة من المؤمن الذي لم يُجاهِد:
{لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].
سابعًا – أن الله يمتحن عباده حتى يعرف المجاهدين من غيرهم:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: 31].
{وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التوبة: 16].
و إلى جانب هذه الآيات، آياتٌ تقرر مبادئ هي أسُّ الجهاد، و في كل زمان و مكان و ربما في ظل آية عقيدة، حتى ولو كانت غير عقيدة الإسلام.
الآية الأولى:
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
الآية الثانية:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّـهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97].
الآيتان الثالثة و الرابعة، و هما متكاملتان:
{إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111].
{وَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
أما الآية الأولى: فهي بيت القصيد في دستور الجهاد. إذ لا يثني عزم المجاهدين إلا أمر من ثلاثة: عاطفة القُربى، أو صلةُ الموَدَّة، أو حرص على الولد و الزوج، أو مصلحة مادية من تجارة أو مال، أو إيثار للراحة و العافية، فإذا رَوَّض الإنسانُ نفسه ليتحرَّرَ من هذا الضعف بأنواعه فجعل الجهاد أسمَى مقاما من المال و البنين، أي من المصالح و العواطف، فإنه لا يلبث حتى يُصبح قُوَةً لا تُردّ، فإنه ما إن يبدأ في تذوق لذة الجهاد، و يستمتع بخوض المعارك حتى تتحصن نفسه ضد الآفات النفسية، و هذا كله لا يتأتى لأحد دفعة واحدة و إنما يصل إليه المجاهد على درجات مع الصبر و المثابرة، و كلما مرَّ المجاهد في تجارب الجهاد الحلوة و المرة، أفاد منها، ففي حال الهزيمة يتعلم كيف لا يستسلم لليأس، و في حال النصر يتعلم كيف لا يستخفه الفرح، و تصبح حياته حلقات من الدروس النافعة، و التجارب البانية، التي تزيد نفسه اتساعًا، و إيمانه ثباتا و خلقه رصانة.
أما الآية الثانية: فهي مذهب في الجهاد يتميز به الإسلام، و إن كان قوامُه فهمًا صادقًا للنفس الإنسانية، فما أكثر الذين يحسبون الضعف عُذرًا، و لا يدرُون أنه ذنبٌ، ثم يَقْبَلُون على أساسِ التسليم بالضعفِ ظُلْمَ الظاليمن لهم، و عسفَهم و افتياتَهم و جورَهم عليهم، و يَقْنَعُون من دنياهم، بالدعاءِ على الظالم سِرًّا، و نقدِ سُوء عمله همسًا، و تأييدِه علنًا، و التقرُّبِ إليه جهرًا، فقد أدرك الإسلامُ أن هؤلاء الضعفاء لا يقتصر ضَرَرُهم على أنفسهم، و إنما يُشِيعُون بِمَثَلِهم السيءِ، الضعفَ فيمن حولهم، فكما أن الشجاعةَ تُغَذِّي، فالضعفَ يُغَذِّي، و رُبَّ كلمةٍ واحدة من خائفٍ، مَنْخُورِ القلبِ، تبعث في نَفْسِ مجتمعٍ هادئ مُستقرٍّ، الفزعَ، و تُلقِي به في أحضانِ الفَوْضَى و الاضطراب، فَدُعَاةُ الهزيمة في كل مجتمع، هم ألَدُّ أعدائِها، و إن كانوا من صميم أبنائِها، و لو بَرِئُوا كذلك من نقيصةِ التَّواطُؤ مع الأعداء، أو التعاون معهم، و من هنا جاء الإسلام مُساويًا في الجزاءَ و العقابَ، بين المظلوم الخانِعِ، و الظالم الباغِي، و الحق أنه لا ظالمَ مُتجَبِّرٍ بغير مظلومٍ مُسْتَخْذٍ، و الضعفاءُ جديرون بأن يتحرَّرُوا من ضعفهم لو أضاءت نفوسَهم الحقائقُ الروحيةُ التي أشعلَ الإسلامُ جذوتها في مثل آياته: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا} [التوبة: 51] {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 54] {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [المؤمنون: 43] و لو استمدُّوا زادًا من هذه الحقائق التي لا يأتيها الباطلُ من بين يديها و لا مِن خلفها، لزالَ عنهم خوفهم، و لانْتَفَضُوا مقاتلين لا يُرهِبهم سيفٌ، و لا يَثْنِي عزمهم سجنٌ، و لا تزلزل عقيدتهم مِشنقةٌ و لا نِطْعٌ.
و لقد امتلأ تاريخ المسلمين بالأمثلة على الانتفاع من هذه المبادئ و الاهتداء بها، فهاك خالد بن الوليد رضي اللهُ عنه، يموت على فراشه حتف أنفه، بين نسائه، و هو الذي قاد الجيوش، و خاض المعارك، و تناثرت حوله الجماجم، ومسَّت بدنَه مرارا ثغراتُ السُّيوف، فلما حضره الموتُ قال: "لقد شهدتُ مئةَ زحفٍ أو زَهَاءَهَا، و ليس في جسمي موضع بغير طعنة، و هأنذا أموت على فراشي كالبعير، لا نامت أعين الجبناء"، و قد استخلص أبو بكر رضي اللهُ عنه معنى هذه الكلمات و أشباهها، و هو إمام من أئمة الجهاد، عَرَفَ من شدائده و أهواله، ما لم يشهده سوى صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقد قال كلمةً أحاطها الخلودُ بإطارٍ منه: "احرصوا على الموت، توهب لكم الحياة" فكانت خلاصة حياة المجاهدين كلهم في بقاع الأرض، و حقب الزمان.
و قد توَّج القرآنُ الكريمُ، هذه المبادئ بهذا العَقْد الذي يعرضه اللهُ تعالى على المجاهدين، يشتري منهم حياتهم و ما يملكون، على أن يهبهم الجنة، و الجنة عند غير المسلمين [...]، هي خلود الاسم، و رفعة المكانة، و راحة البال، و القدوة التي لا تَبْلَى، فبدل أن يموت الإنسان على فراشه، كما يموت الكلاب و الذئاب، يموت من أجل غاية كريمة، تتشرف به أمته و أسرته، و الجنس الإنساني كله، و يذهب في التاريخ مثلا، يعلم الناس كيف يرفضون الذل، و كيف ينعمون بالعزَّة و رفعة المكانة.
و قد جاءت الآية الأخيرة إكمالا لسابقتها، و إن كانت كاملة، فيقول الله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، فهذه الآية و مثيلاتها، يزيحُ الإسلامُ آخِرَ حاجز في وجه النفس المؤمنة يفصل بينها و بين الجهاد، فالخوف من الموت غريزة من غرائز النفس، ثبتها اللهُ تعالى في النفس، إبقاءً على الفردِ، ليبقى الجنسُ و مع أن الفردَ يرى أن الموت آتٍ لا مَفَرَّ منه، و أنه لا يفرق بين غني أو فقير، أو قوي و ضعيف، و لا بين مقاتل و مسالم، أو طفل و شيخ، و لكن سلطان الغريزة غالب، لم يُعالج هذا السلطان، بما يُضعف أثره، و يُقلِّل ضرَرَه، حتى يصبح الناس قادرين على مقاومةِ الظلم، و ردِّ عاديه الفساد، و حمايةِ الوطن و العِرْضِ، و لذلك جاء الإسلامُ، مؤكدًا للمجاهدين، بأن موتهم ، لا يُعد نهايةً لحياتهم، و أن الشهادة في سبيل الله، بداية حياة أعظم و أسمى في جوار الله... و قد آمنَ المجاهدون المسلمون بهذه الآيات إيمانًا كاملا لا تشوبه رِيبَةٌ، فسقط سلطان الموت الرهيب عن نفوسهم، و أصبحت المعارك عندهم، لونا من الرياضة الروحية، يستمتعون بخوضها حقًا، و يهنؤون بالموت في حلباتها صِدقًا، و يتنافسون على طلب الشهادة، كأنما يتنافسون على عَرَضٍ من أعْرَاضِ الدنيا نفيسٍ و غالٍ، و من ثم امتلأت صفحات تاريخهم ببطولات لم يكن مُمْكِنًا أن تقع لولا هذا الإيمان.
إن الجهاد هو ثمرة الإيمان الأولى، لذلك كانت رعاية رسول الله صلى الله عليه و سلم، لإيمان صحابته، و أتباعه، في المقام الأول عنده، تولَّى تربيتهم حينما كان الإسلام مُطاردًا، بالقول و بالفعل، و قبل كل شيء بالمثل يضربه، و بالقدوة يقدمها، فقد كان لا يؤثر نفسه على المسلمين بأي شيء مهما صَغُر، يقوم بنصيبه في العمل مهما ضَؤُل، أو مهما صَعُب، و لا يخص نفسه بطعامٍ لا يجدونه، و لا بثوب لا يحصلون على مثله، بل إنه صلَّى الله عليه و سلم كان [أشدَّ] المُسلمين على نفسه حرمانًا، و تجويعًا، و سهرا [...]، فتأسَّى به كبارُ الصحابة، فذهبوا في إنكار الذات، و حُبِّ المشقَّة، و الصبر على الشدائد، مثلا غير مسبوق في تاريخ الحركات الدينية و السياسية معا، لا يُدانيهم في بذلهم و صبرهم، و حسن بلائهم حتى، و لا الذين فرضوا على أنفسهم الرهبانية، فالرهبان يلزمون البِيَعَ و الصَّوامِعَ، و أصحاب الرسول في ميادين القتال، يبذلون الروح و الدم، و ينهضون بأعباء الدنيا. و قد ذهبت حجرة الرسول الله صلى الله عليه و سلم مثلا [...] للزهد، فقد كانت مبنية من الجريد و الطين، و أكْسِيَةِ الشَّعر، تشد هذا الجريد بعضها إلى بعض، أما ارتفاع هذه الحجرة فقد كان يقول الحسن البصري، "لقد رأيت حجرات رسول الله صلى الله عليه و سلم، و أنا غلام مراهق، كنتُ أمُدُّ يدي فألمسُ السقف".
و لم يكُن [زُهد] الرسول صلى الله عليه و سلم، لكونه نبيا يحمل ما لا يحمله سواه من البشر، فقد كان من أنبياء الله مُلُوكًا كداود و سليمان و كان منهم وزراء كيوسف بن يعقوب عليهم السلام، و كان هؤلاء لا يعيشون عيشة [المساكين] لأن مقتضيات الحكم و الملك تفرض عليهم أن يعيشوا كما يعيش الملوك و الوزراء، و لكن محمدًا رسول الله عليه الصلاة و السلام، كان يُعِد أمةَ المسلمين، لتنشر رسالة، و لتحمل إلى الناس دينا، و هو ما لم يُكلَّف به داود و لا سليمان و لا يوسف عليهم السلام، محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم، كان إماما للمسلمين و قائدًا لجماعتهم، و هاديا لهديهم، و كان يعلم أن أمته لن تنهض بعبء الرسالة إلا إذا تهيَّأت فريضة الجهاد، كأحسن ما يكون التهيُّؤ، لكي تبقى نفوسًا ساهرةً يقظة، لا تغفل عن فِعلِ الشهوات بها، و عبثِ النفس الإنسانية، و النفس الأمارة بالسوء، و قد نجحت القدوة التي ضربها الرسول فحوَّلت رجالاً أصحَّاء أقوياء كعُمر بن الخطاب، و علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، إلى رُوَّادٍ في الصبر و الجوع، و احتمالا للسهر، و لو تُرِكُوا على سجيَّتهم و عاشوا عيشة أمثالهم من عِليةِ القوم في قريش، لأكلوا أفخر الطعام، و لبسوا الخزَّ و الديباج، و قد حاكاهُم من يلونهم في الحركة المحمدية – كل على قدر استطاعته ثم اقتدى بهؤلاء جميعا ألُوفٌ من المسلمين، فنشأ من ذلك مجتمعٌ سليم، يضبط نفسه، بل يُلجِمها على القناعة بالقليل، و الازْوِرَارِ عن الزُّخرُفِ، و كراهيةِ الإسراف و البَذَخِ، و لذا كانت تلبيةُ الدعوةِ إلى الجهاد عليهم سهلةً، و الهِمَمُ مُحَبِّبَةٌ، و بهذه الروح استطاع المسلمون الأوائل:
أولا – أن يتلقوا الدعوة من الرسول، و أن يفهموها، ثم يؤمنون بها، ثم ثانيا - أن يقفوا إلى جوار الرسول ينافحون عن هذه الدعوة، و يصدون معه حملات الشِّرك، و يتحملون أذى المشركين، و عسفهم صابرين، ثم ينازلون الكفر في موقعةٍ بعد موقعة، ثم ثالثًا – ينقلبون من الدفاع عن العقيدة إلى الهجوم على خصومها فيُقوِّضون سلطان قريش، بكل جاهها و مالها و سيادتها على النفوس و العقول، ثم رابعًا – ينطلقون من حدود جزيرة العرب ليحملوا راية الإسلام، و يرفعوا كلمته، و يخوضوا أقسى المعارك، و أعظمها في تاريخ العقائد و الأديان، فيثلُّون عرش الأكاسرة، و يزيلُون ملك الأباطرة، و الفرس و الرومان، وقتذاك، دولتا الحرب و السياسة، و فيهم دهاقين الفَـنِّـيـِّين، و أساطين الميدانِـيِّـين.
فالجهادُ، كما رأيتَ هو عقيدةٌ، ثم قُدوةٌ، ثم تدريبٌ و رياضةٌ و مثابرةٌ و مرابطة {َ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200].
و إذا كان داعي الجهاد، قد دعا المصريين و العرب، منذ مطلع القرن العشرين، أو حتى قبل ذلك ليدفعوا عن حِماهُم المنهوب، فقد زاد داعي الجهاد هذه الأيام إلحاحا، ليردُّوا عن ديارهم عدوا لم يَرَ تاريخُ الحروب و دسائس السياسة، عدوًا في مثل حقارته و سوءِ طويَّتِه، و عدم تورُّعِه عن استعمال أسوأ الأسلحة، و شر الوسائل، للوصول إلى غرضه...
فقد وجب علينا أن نُسارع إلى النظر في كل ما يجري في حياتنا، و أن نستلهم ما قرَّره ماضينا و تاريخُنا و دينُنا، و أن نعلم أنه لا نجاة لنا، إلا بأن نُرهف فضيلة الجهادِ في نفوسنا، و أن نوقد شُعلَتَها، فنُطهِّر حياتنا من كُل صفوف الضعفِ و الوَهَنِ، و نُنقِّي نفوسنا من كل آفاتِ الطمع في الدنيا، و التكالب عليها، و حب المال الحرام منها، و التنافس على الظهور، و كراهية الخير لغيرنا، و كراهية أن يتم الخير على غير أيدينا، و أن نُرَوِّض أنفسنا قليلا قليلا، و لكن في غير إهمالٍ، و لا تراخٍ، على تذوق الجهاد، و الفرح بنفائسه الروحية، مُدركين أن البطولات الكبيرة، ليست إلا جِماعَ أعمالٍ صغيرةٍ تُساند بعضها بعضًا، فإذا المتردد مقدامًا، و إذا الخائف مندفعًا، و إذا من ترك سلاحه، يبحث عنه، و يجلو عنه الصدأ، و يشهره في ضوء الشمس، مردِّدًا نشيد الانتصار... {إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
من منشورات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1973، 34-42
أعدَّ المقالة للنشر و قدَّم لها: إسلام أنور المهدي