لم يتعلم الفرنسيون دروس التاريخ

منذ 2013-02-05

تطورات الأحداث في جمهورية مالي لا يمكن تفسيرها فقط وفق تسلسلها الزمني وإنما يشتبك أكثر من عامل في تقديم رؤية كاملة لن تكفي السطور القادمة لفك اشتباكها وعرضها منفصلة، لكنها حتماً تنذر بأن ثمة موجة جديدة من الحملات الأوروبية يجري الإعداد لها على قدم وساق لاستعادة النفوذ القديم في إفريقيا بكامل عنفوانه أمام نفوذٍ أمريكي وآخر صيني يتسع نطاقهما في القارة الإفريقية يوماً بعد آخر.


تطورات الأحداث في جمهورية مالي لا يمكن تفسيرها فقط وفق تسلسلها الزمني وإنما يشتبك أكثر من عامل في تقديم رؤية كاملة لن تكفي السطور القادمة لفك اشتباكها وعرضها منفصلة، لكنها حتماً تنذر بأن ثمة موجة جديدة من الحملات الأوروبية يجري الإعداد لها على قدم وساق لاستعادة النفوذ القديم في إفريقيا بكامل عنفوانه أمام نفوذٍ أمريكي وآخر صيني يتسع نطاقهما في القارة الإفريقية يوماً بعد آخر.

التدخل "الفرنسي ــ الأوروبي" في الشأن الداخلي لمالي أخذ أكثر الصور فجاجة ورعونة؛ فآثر تبني فلسفة المحافظين الجدد الأمريكية التي أباحت لنفسها تغيير أي واقع في أي دولة تطولها من دول العالم باستخدام آلة عسكرية لا تُبقي ولا تذر، وللأسف الشديد فإن تكريس هذه النظرية أمرٌ كارثي ينذر بتعميق حالة الفوضى في العالم بأسره ويُقرِّر منطق البلطجة الدولية وشريعة الغاب التي تعطي الدول القوية حق العبث بشئون الأقل قوة وقدرة فقط إذا ما هددت مصالحها، أما حقوق الإنسان والمواثيق الدولية فانفض يديك منها!

حتماً ستتسع مساحة الكارثة المترتبة على العدوان الفرنسي الأوروبي، ولن تقتصر فقط على قتل المدنيين الأبرياء وتدمير البيوت الآمنة وتشريد العائلات والأطفال والنساء والتسبب في مأساة إنسانية عالمية جديدة، بل ستمتد لتنشر رقعة الفقر والمجاعة على نطاق إفريقي واسع، وتنشر معها ثقافة العنف العشوائي المضاد.. وهذه تحديداً من جملة دروس التاريخ التي استعصى على الفرنسيين فهمها!

وإذا كان المُبرِّر المعلن للحملة العسكرية هو الانحياز للشرعية والتدخل لصالح الشعب المالي فلماذا لم تهب فرنسا مذعورة لنجدة شعب كامل يختطفه مجنون سادي أزهق أرواح مائة ألف أو يزيدون ودك مدنا على رؤوس أصحابها، أم أن استغاثة السوريين لم تجد من يفك شفرتها في قصر الإليزيه حتى هذه اللحظة؟

وصحيح أن الإسلام لا يُجيز خطف أو قتل أو الاعتداء على المدنيين أفراداً كانوا أو هيئات ومنشآت ما داموا موجودين في دول المسلمين بالطريقة المشروعة، لكن في الوقت نفسه من قال إن استخدام القوة العسكرية سيُفلح في حل المشكلة؟ فضلاً عن أنه يزيدها تعقيداً.

وحده الحل السلمي السياسي المعتمد على المصالحة الوطنية والتفاهم والتحاور سيُمثّل المفتاح السحري لنزع فتيل أزمة مالي، وأنا على يقينٍ أن هذا الحل لايزال ممكناً إذا صدقت النيات واستبعد التدخل الأجنبي بكل صوره، وأجزم أن هناك أطرافاً عديدة على استعداد لتغليب صوت العقل والحكمة والقبول بالمصالحة الوطنية والتحاور للوصول إلى حل سلمي عادل مُرضٍ لجميع الأطراف.

وبالمناسبة أين دور الخارجية المصرية في استغلال موقف كهذا لإعادة توصيف دور مصر القيادي الرائد بكل ما يستند إليه من ثقل لتقديم مبادرة أو القيام بدور وسيط؟ هل أدمنت الدبلوماسية المصرية أن نكون في ذيل القائمة في الوقت الذي يتبارى فيه الآخرون لتضخيم دورهم بشتى الصور؟


نادر بكار

المصدر: صحيفة الشروق
  • 0
  • 0
  • 1,887

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً