مبدأ التسامح الغربي!! من وريقات الذكريات

منذ 2013-02-07

إنهم يريدون تغريبك يا أمتي... يخافون نساءك قبل رجالك، ولكننا باقيات مجاهدات نزلزل عروش الكفر بالستر الحصين، لن نعتنق أفكاركم ما حيينا، كل أفكاركم سقيمة مهانة تحت أقدامنا ولو ألبستموها لباس التحضر والرقي ولو وضعتم في آذانها أقراط الذهب والحلي، ولو تحلت بالحرير والديباج وتعطرت بالعطور الفاخرات، فإن تحت المظاهر الخداعة جثة هامدة ذبحت في محرابكم؛ محراب الرذيلة. وإنما الإسلام هو دين السماحة لا غيره ولسنا بتاركي ديننا الحنيف عن هلاوس وضلالات لا بعر لها ولا بعير وليس لهم في الكون شر ونقير.


أنا أكره الأدب!
هذه حقيقة لا بد لي من الاعتراف بها ولا يعني ذلك أنني متحمسة لسوء الأدب!! حسنا... أنا أتحدث عن الأدب الفرنسي لا سواه؛ لأنه في الواقع ليس أدبا بل هو قلة أدب! ربما يتعجب من ذلك من يعرف أنني اخترت هذه الجامعة الأدبية بمحض إرادتي وتحديت الجميع بما فيهم العاملات في شئون الطالبات شخصيا وتحملت بشجاعة -أو بسعادة- تهمة الجنون والعته لأنني تركت كلية الهندسة وذهبت بقدمي لكلية أدبية متحدية قوانين علم النفس والاجتماع وربما قوانين نيوتن وأرشميدس!

لكن هذا لا يعني شيئا ولن يغير من الحقيقة شيئا؛ أنا أكره الأدب الفرنسي بفروعه وأغصانه وأكره الشعر الفرنسي البارد الخالي من القافية والوزن وحرف الروي والتفعيلات... ولا يقولن متذاكٍ أن في الشعر الفرنسي مثل هذا لأني عجزت عن تذوقه فضلا عن الأكل على مائدته. وأسوأ من الشعر الفرنسي أن يجبروني على دراسة فكر شخص من بني آدم يدعى مونتاسكيو!

بدا لي الشعر الفرنسي وقتها واحة خضراء في صحراء قَفْر أو (كُفْر)!! هل تصدقون أن أفر من كلية الهندسة خوفا من الاختلاط فأدرس في جامعة إسلامية غير مختلطة فكر شخص يسب الإسلام والمسلمين ويتطاول على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد يقول متحمس: وماذا في هذا؟؟ ندرسه للنقد ومعرفة فكر العدو! لا بأس... وهذا ما وقع في نفسي وقتها لأُسَرّي عن القلب الحزين. ولكن الأستاذة ذات الدكتوراة كانت مبهورة بهذا الرجل، كانت تتحدث في بساطة عن عبقريته الفذة التي جعلته يراوغ القساوسة معدومي الضمير -خوفا من بطش محاكم التفتيش- فيسخر منهم ويسبهم ولكن يكني عن ذلك بسب رجال الدين الإسلامي! وكيف أنه دافع عن حرية الفكر وأنه منشئ فكر التسامح الغربي وهو الفكر المتميز الجبار الذي يقتضي تقبل الآخر كما هو.

يد ملولة ترتفع في خمول، ونظرة عين متورمة مستيقظة لتوها من الفراش راغبة للعودة إليه سريعا، مما تسبب في مقاطعة طوفان الكلمات الفرنسية التي تهدر في القاعة، نظرت لي الأستاذة متوجسة شرا، ولا أظن إلا أنها استعاذت في سرها.
- لدي سؤال.
- تفضلي (بحماسة فاترة!).
- لماذا ينتقد مونتاسكيو الكنيسة؟؟
- لأنهم يقهرون المجتمع (لا تزال الحماسة الفاترة!).
- لماذا لم يقبلهم كما هم؟؟ أليس هو (مبدع) مبدأ التسامح؟
نظرة مصدومة ثم بحماسة غير فاترة!!:
- لأنهم على خطأ هو عنده أدلة وحجج وهم ظالمون [1].
رغبة في العودة للرسم والنوم أدت لتحول كلماتي لبرودة الثلج:
- كان ينبغي عليه أن يقبلهم كما هم طبقا لمبدئه!

محاضرة غاضبة عن عبقرية مونتاسيكو وحججه وبراهينه لم أسمعها للأسف لأني انشغلت بممارسة هوايتي المحببة في محاضرات الأدب: النوم!! كانت هذه الأستاذة تحديدا تعاني مني الأمرين لأني كنت أمارس معها هواية الطالب الكسول الذي إذا تظاهر بالاهتمام فإن هذا يعد نذيرا بالكارثة التي ستحدث... وقد كان.

انتظرت في عدم اكتراث أن تطلب مقالة النقد الأدبي إياها والتي يجب لكي نحصل على درجة محترمة أن نكتب النقد الأدبي الذي يروقها هي... يا قوم إنهم يتظاهرون بالتحضر والتسامح وقبول الآراء المختلفة لكن عند أول عقبة تظهر الأنياب والمخالب والوجه الآخر للعملة الزيوف!

كنا في أول رمضان عندما طلبت النقد الميمون، وكنت أستعد وقتها للسفر للعمرة في منتصف الشهر تماما، لم أكن رائقة المزاج لبدء هواية المشاكسة الآن ولكني توكلت على الله واحتسبت وقتي وطفقت أنتقد مونتاسكيو بأسلوب تشريح الأعصاب الدقيق... لم أكن بحاجة للسماجة والتنطع في الواقع. وقرأت ما كتبته في فخر طفولي ظنا مني وقتها أن الأستاذة ستنبهر بالنقد الشرعي للأخ الكريه وسيجعلها هذا تعترف بعبقريتي وربما جعلت هذا النقد الأسطوري المتميز هو مقرر المادة في السنوات المقبلة [2].

سلمت وريقات البحث وأنا أبتسم في سماجة محاولة أن أجعل ابتسامتي لطيفة، وشنفت أذني في رمضان بمحاضرة أخرى أو اثنتين عن زميله فولتير (أين أنت يا مونتاسكيو؟؟!) وكان أن قدر الله أن يكون يوم تسليم مقالات النقد هو يوم سعدي وهنائي فقد تغيبت يومها عن الذهاب للجامعة. وتلقيت يومها اتصالا هاتفيا من رفيقة دربي وهي ترتجف من الفزع لتخبرني أنه من الأفضل لي ألا أطأ أرض الجامعة هذه الأيام... قالت صديقتي: "اعتبرتني وأنت شخصا واحدا وانهالت على رأسي غضبا وتقريعا ولوما، وقالت عنك بالحرف: هي فاكرة نفسها الشيخ الشعراوي؟؟!!".

هذا الموقف وغيره وغيره يوضح لنا ببساطة أن كل من يعتنق مبدأ التسامح الغربي ويراه جنة الدنيا ومأوى المساكين إنما هو أعمى البصر والبصيرة، إنهم يقولون ما لا يفعلون، ويتشدقون بما لا يتفق مع الحياة والمنطق، ثم يصرخون مطالبين إياكم أيها المسلمون أن تعتنقوا هذه الآراء الخلابة ذات اللون الأخاذ، وإذا ما نظرنا لأفعالهم فهي تخالف أفكارهم لأن أفكارهم عفنة وغير صالحة للتطبيق الآدمي.

إن الإسلام أحل النقد البناء ولكن لكي تعتنق الإسلام لا بد أن تفهم ما هو الإسلام فإذا فهمت وقبل قلبك وعقلك معتقدات الإسلام فهي ثوابت في القلب قد انعقد عليها شغافه، ثم نضحت على جوارحه أعمالا، فإذا علمت وصدقت وآمنت لم يعد يحل لك أن تعترض على هذه الثوابت لأنك ببساطة آمنت أنها من عند الله، والإسلام ليس به معتقد أو عمل يخالف العقل الصريح الصحيح؛ بل ببساطة لو بدا لك التناقض فالعقل لم يفهم ويحتاج لمزيد من المدخلات. والإسلام أحل التسامح مع الآخر ولكن ليس معنى التسامح أن تقول أن كل آخر على صواب! إن هذا يا عقلاء قدح في العقول... كيف أقول أنا مسلم موحد وأقر للوثني الذي يعبد البشر والبقر أنه على صواب؟ هل تجتمع الأضداد؟ هل يصح الشيء وضده؟؟!

إن التسامح الإسلامي هو أن أقبل أن يعيش الآخر تحت ظل الإسلام في سلام، له حقوق وعليه واجبات في عدالة، ويبيح لي التسامح الإسلامي أن أناظر وأحاور الآخر وأثبت له بخطاب عقلي صريح وصحيح أن الإسلام هو دين الله تعالى وأنه من عند الله وأناقش وأفند كل شبهاته بروح سمحة وصدر رحب لا إكراه فيه ولا إجبار فقد تبين الرشد من الغي! والتسامح الإسلامي لا بد أن يحفظ للمسلم كيانه وشخصيته ، فإذا كان المسلم مأمور بغض البصر وعدم الزنا فلا بد ألا يكون التسامح داعيا لترك أتباع الديانات الأخرى يمارسون ما هو مضاد لشعائره! اعلم يا هذا أن حريتك تقف عند حدود حريتي ولا تتعداها.

ولكنهم يطالبون أن يكون التسامح هو التنازل عن الثوابت، والمرونة هي قبول الشيء وضده، والمناظرة هي تمييع النصوص وتعطيلها عن مدلولاتها، وأن نحرف قرآننا كما حرفوا دينهم، وأن يكون تسامحهم معنا هو قبول وجودنا في الحياة فقط! يجب عليك كمسلم أن تتسامح مع اليهود إذا قتلوا أطفالك واغتصبوا نساءك، فإذا طالبت بحق فأنت زنديق فاسق إرهابي قاتل لا بد من تكميم فمك وقتلك على الفور!

يجب عليك كمسلم أن تقبل بوجود العاهرات وشيوع الفواحش والزنا واللواط وإن قلت لماذا لا تقبلون فكري واعتقادي و(تتسامحون) مع رغبتي في العفة؟ قيل لك هذا تخلف ورجعية ونظرة منحطة للمرأة! ناظروني إذن بالعقل والمنطق... فرفعوا عقيرتهم منشدين: "لا حوار مع الجهلاء"!! يجب عليك كمسلم أن تقبل بوجود المتبرجات والحاسرات المتحسرات السافرات، وأن (تجبر) نسائك على هذه المدنية والتحضر، فإن قلت لهم تسامحوا مع رغبتي في الحجاب والتستر قيل لك حريتك تقف عند حدود حريتنا!! سبحانك يا ربي وهل تستري قد آذى عيونكم المريضة؟! أي حرية تلك وأي منطق مغلوط هذا؟!

إنهم يريدون تجريدي من هويتي ، يريدون أن يجعلوا إسلامي مسخا مشوها، يريدون أن يبيدوني ويقتلوني في محراب التسامح المزعوم، ويرسمون الابتسامة بريشة الخداع على مهجتي. أيها الغرب البغيض نحن أرباب التسامح الفريد، أما أنتم فما عهدناكم إلا قتلة وسفاحين، أيها التاريخ أخرج لنا من طيات صفحاتك المهترئة هل وجدتم قائدا مسلما قتل الأسارى شر قتلة بعد استسلامهم مثلما فعل نابليون؟ هل وجدتم في المسلمين مختلا مثل هتلر ينتشي برائحة الدماء؟ هلم أخبرونا ماذا فعل فرناندو وإيزابيلا في مسلمي إسبانيا يا أرباب التسامح والمحبة؟؟ أخبرونا هل عندنا في تاريخ المسلمين سفاحون مثل شارون وعصابات الصهيونية؟ هل وجدتم مسلما قد نشر الرذيلة مثل جيوشكم في حروبكم في بلاد المسلمين، هل وجدتم علماء المسلمين تردوا فيما تردى فيه القساوسة أهل الحلم والرزانة في محاكم التفتيش؟! هل عندنا سجون مثل جوانتانامو وأبو غريب أنشأناها لنعذب غير المسلمين؟؟ هل أبدنا القرى مثلما فعلت الدب القطبي الروسي بالمسلمين في الشيشان؟ هل وجدتم جيشا مسلما كان همه هدم المساجد وانتهاك الحرمات؟؟ هل وهل..؟! [3].

ما دخل جيش مسلم بلد إلا وصارت صحراءها مروجا خضراء، وما دخلتم أنتم بلادا إلا وأحرقتم الأخضر واليابس واستحللتم الحرمات، فأي الفريقين أحق بوصف التسامح؟!

إنهم يريدون تغريبك يا أمتي... يخافون نساءك قبل رجالك، ولكننا باقيات مجاهدات نزلزل عروش الكفر بالستر الحصين، لن نعتنق أفكاركم ما حيينا، كل أفكاركم سقيمة مهانة تحت أقدامنا ولو ألبستموها لباس التحضر والرقي ولو وضعتم في آذانها أقراط الذهب والحلي، ولو تحلت بالحرير والديباج وتعطرت بالعطور الفاخرات، فإن تحت المظاهر الخداعة جثة هامدة ذبحت في محرابكم؛ محراب الرذيلة. وإنما الإسلام هو دين السماحة لا غيره ولسنا بتاركي ديننا الحنيف عن هلاوس وضلالات لا بعر لها ولا بعير وليس لهم في الكون شر ونقير.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 8-9].

____________________________________
[1] هكذا يستطيع الإنسان أن يفهم ديمقراطية فرنسا في منع النقاب في الأماكن العامة!!
[2] نلاحظ أن للنية عامل مهم في نجاح الدعوة!
[3] العجيب أنه إذا فعل مجنون مهووس غير معروف الهوية شيئا سارعوا بنسبته للإسلام وأما كل أفعالهم فهي دفاعا عن هويتهم وقسوتهم هي التسامح بعينه!

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 4
  • 0
  • 2,246

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً