هوان المسلمين في أوروبا !
صلاح عز
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
13/1/1427هـ ،12/02/2006م
عايشت حرب البوسنة من بدايتها حتى نهايتها (1992ـ 1995) أثناء عملي في
بريطانيا، وتوصّلت إلى انطباع راسخ بأنه لا مستقبل لمسلمي أوروبا
طالما بقيت الأوضاع على ما هي عليه في العالم العربي، وأن هذا
المستقبل سيزداد قتامة كلما ساءت أحوال العرب وتدهور ما تبقى لهم من
هيبة واحترام على الصعيد الدولي.
ولهذا السبب، قررت العودة إلى مصر بعد انتهاء فترة إعارتي، على الرغم
من أن الأستاذ الذي كنت أعمل معه في جامعة أكسفورد، كان يطالبني
بالبقاء لتنفيذ برنامج بحثي جديد، وعلى الرغم من أني أحمل الجنسية
البريطانية (بحكم ميلادي في بريطانيا)، مما يعني أني لست بحاجة إلى
"إذن عمل" وتجديد إقامة اللذين يتوجب على كل أجنبي في بريطانيا
تقديمهما لكي يتمكن من الاستمرار في عمله.
رحلت عن بريطانيا نتيجة ما رأيته من تواطؤ رسمي وإعلامي مع الصرب
لتسويغ مجازرهم ضد المسلمين والتخفيف من وقعها على الرأي العام
البريطاني، وبعد ما رأيته من نجاح لهذا التواطؤ تجسّد في "لا مبالاة"
شعبية بما جرى في البوسنة..
وبمقارنة أوضاع مسلمي أوروبا بيهودها، فكنا نرى الفرق شاسعاً..
فاليهود لهم ظهر يستندون إليه، ويفرض هيبته على الجميع، وهو إسرائيل.
نعم إسرائيل مكروهة في أوروبا خاصة من جانب النخب المثقفة، ولكن لها
هيبة واحترام ينعكسان على أوضاع اليهود في كافة أنحاء أوروبا..
أما العرب والمسلمون فهم لا يلاقون إلا الازدراء والاحتقار الناتجيْن
عن ضعف حكوماتهم، وبالتالي فإنهم لا ظهر لهم ولا ينتظرهم إلا مصير
مظلم..
الشيخ رائد صلاح يستغيث بالعرب حول ما يتهدد المسجد الأقصى، ولا حياة
لمن تنادي.. والنتيجة أن الأقصى ـمثله مثل مسلمي أوروباـ متروك
لمصيره.
هذه القناعة التي توصلت إليها وقرأتُ أصداء لها في عدة مقالات نُشرت
مؤخراً بالصحافة العربية، ومنها مقال للكاتب الصحفي فهمي هويدي، ومقال
د. إبراهيم الهدبان في "الرأي العام" الكويتية؛ إذ علق كلاهما على
قرار ولاية "فورتنبرج" الألمانية إخضاع المسلمين الذين يعيشون على
أراضيها إلى "امتحان إخلاص" إذا ما أرادوا اكتساب الجنسية
الألمانية..
ويشتمل الامتحان على ثلاثين سؤلاً للتأكد من "وفاء" المسلم الوافد
للمجتمع الذي يريد الانتساب إليه، واستعداده للذوبان فيه.. ووفقاً لما
ذكرته صحيفة (ديلي تلجراف) البريطانية فإن الأسئلة شملت أموراً عدة،
بينها استطلاع رأي الشخص في مسألة تعدد الزوجات وفي أزياء النساء وضرب
الزوجات والمثلية الجنسية (الشذوذ)..
فالمسلم لن يكون مقبولاً إلا إذا انخلع من قيم دينه، وكان مستعداً
للذوبان في المجتمع الألماني.. يقول هويدي: "إن توجيه هذه الأسئلة إلى
المسلم يفترض أنه من جنس خاص، مختلف عن بقية البشر، جنس مسكون
بالتطرف، بالعنف، والرفض للآخر.. و"امتحان الإخلاص" هو أحدث تعبير عن
امتهان المسلمين في أوروبا والتوجس منهم، وهو في الوقت ذاته رسالة
منذرة بأن العالم الجديد قد يحمل في ثناياه أخباراً غير سارة للمسلمين
الأوروبيين، خصوصاً بعدما انطلقت أصوات عدة محذرة من خطر تعريب أوروبا
أو أسلمتها".
أما إبراهيم الهديان فيقول: "التجسس على تجمعات المسلمين ومكالماتهم
أصبح هو النمط السائد والطبيعي من دون مراعاة لحقوقهم، ومن دون الخوف
من التمييز ضدهم ما داموا مصدر شبهة، وما دام الهدف هو حماية
المجتمعات الغربية من الإرهاب. والمشكلة أن المسلم لا يمكن أن يذوب في
المجتمعات الغربية، فشكله مختلف، ولباسه مختلف، وعباداته مختلفة..
وبالتالي كان من السهل استهداف المسلمين من النساء والرجال؛ لأنهم
يرفضون الاندماج. وبالتالي، يشكلون مصدراً للإزعاج للحكومات الغربية،
مصدراً للخوف والإرهاب للشعوب الغربية.
منذ عامين منعت إحدى الولايات الألمانية المدرِّسات المسلمات من لبس
الحجاب داخل الفصل الدراسي.. وعندما أُثيرت قضية أن الراهبات يلبسن
غطاء الرأس تم تسويغ ذلك من قبل بعض الألمان بالقول: إن غطاء الرأس
للراهبات ليس رمزاً دينياً؛ بل هو لباس مهني!!
من جهة أخرى، فلقد كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك دعا منذ أكثر من عام
إلى منع الحجاب داخل المدارس الحكومية.. ثم انظر إلى استهداف الإسلام
والمسلمين في الدنمرك؛ إذ إنه منذ نحو شهر قامت إحدى الصحف الدنمركية
بنشر مجموعة من رسوم الكاريكاتير التي تعرض لشخص الرسول عليه الصلاة
والسلام، ودافع رئيس الوزراء عن هذه الصحيفة، معتبراً هذا العمل حرية
فكرية.
وفي أستراليا، وفي مدينة سيدني، تم التعرّض للمسلمين وأصحاب الملامح
الشرقية من قبل الأستراليين من الأصول الأنكلوساكسونية والمتعصبين،
مما جعل الأستراليين من أصول عربية وإسلامية يفضلون الانزواء في
منازلهم والاختباء خوفاً من تعرضهم للاعتداء والضرب والقتل.
وهاهي الآن ولاية "فورتنبرج" الألمانية تفرض على المسلمين فقط
المتقدمين للحصول على الجنسية الألمانية "اختبار الولاء" والذي يتم من
خلال سؤال المسلمين عن رأيهم في دور المرأة والشذوذ الجنسي ولباس
المرأة.
إن الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان لا تصلح للمسلمين؛ لأنهم وفقاً
للمعاملة التي يلقونها في الغرب أقل من مستوى البشر..
وبالتالي، وجب أن يكونوا مراقبين ومطاردين طوال الوقت؛ لأن الإرهاب
موجود في جيناتهم الوراثية.. وعليه فلن نستغرب لو أن دولاً أخرى في
العالم الغربي أعادت السيناريو الذي حدث على يد الصرب في البوسنة
والهرسك.
إن عنصرية الغرب في تصاعد، فاليوم تقوم ولاية واحدة ألمانية باختبار
ولاء المسلمين، وغداً تقوم الولايات الأخرى بالسير على خطا هذه
الولاية، ثم تقوم دول أخرى بفعل الشيء نفسه..
ولولا أن العديد من المسلمين وُلدوا في الغرب بشكل أصلي، وليس عن طريق
اكتساب الجنسية فيما بعد، لكان جميع المسلمين هجروا إلى البلد الذي
جاؤوا منه، وهذا اليوم قد لا يكون بعيداً جداً..
وهذا ما يؤكده فهمي هويدي بقوله: "صحيح أن هذه البدعة الجديدة مقصورة
على محافظة واحدة في ألمانيا، وأن هناك (15) محافظة أخرى لم تأخذ بها،
لكن من الصحيح أيضاً أن امتحان الإخلاص مرشح للتعميم، وأن الأجواء
الأوروبية مواتية تماماً للأخذ به، إلى جانب ذلك فإن إقرار مبدأ
امتحان المسلمين من دون غيرهم بهذا الأسلوب، يطالبهم بما لم يُطالب به
أي مهاجر آخر، من ثم يخضعهم لمعاملة تمييزية، تحطّ من قدرهم كثيراً،
ومن قدر قيمة دينهم التي يفترض أنهم ملتزمون بها.
إن المهاجر ليس مطالباً بأكثر من احترام قوانين وتقاليد المجتمع الذي
يريد الانتساب إليه، أما أن يُقهر ويُطالب بالتنازل عن قيمه وتقاليده
ليتمثل ويتلبس قيم المجتمع الجديد، فذلك مما يتعارض مع العقل والمنطق
ومع مواثيق حقوق الإنسان".
إن مسلمي أوروبا يحتاجون إلى ظَهْرٍ يستندون إليه ويفرض احترامهم على
الأوروبيين أنظمة وشعوباً.. وهذا الظَّهر ببساطة لن يتشكل إلا في بلاد
العرب.