التحرش.. جريمة مجتمع
أغلب المتحرشين إما مراهق أو لم يبلغ الحلم بعد؛ قصَّرت بيوتهم عن تنشئتهم على خوف الله واتقاء سخطه؛ يحتاجون من يعلمهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يُطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له»..
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
كتبت من قبل سلسلة من المقالات تتناول جريمة (التحرش الجنسي الجماعي) إبان عيدي الفطر والأضحى، متخيلا وقتها أن هذه الفعلة الشنعاء إنما ترتفع وتيرتها في موسم الأعياد دون غيره؛ وأدركتُ كم كنتُ مخطئا حينما باغتتني أخبار التحرش المتواترة من ميدان التحرير على مدار الأسبوع المنقضي.
وأكرر هنا أنني دائما ما كنت أستشعر اشمئزازًا لا يُوصف كلما وقعت عيناي على ذكر (التحرش الجنسي)؛ وكنت على يقينٍ تام أن (المتحرش) شخصٌ قد انتكست فطرته إلى حدٍ يستوجب إعادة تأهيله (إنسانيًا) قبل ما يستوعبه المجتمع في صفوفه مرة أخرى. غير أن هذا الاشمئزاز انقلب ذهولا عاتيًا لمّا تعدت هذه الجريمة حاجز الانحطاط السلوكي الفردي لأسمع عن (التحرش الجنسي الجماعي)؛ ثم انقلب الذهول بدوره فأصبح مرارة لا حدَّ لها حينما رأيت صور بعض (المتحرشين) التي نشرتها الصحف تكشف عن هوية صبيةٍ بعضهم مراهق وبعضهم لم يبلغ الحُلم. ثم تحولت المرارة غضبًا عارمًا لمَّا رأيت (مجتمعًا) إما غافلا لا يُحرك ساكنًا؛ أو عاجزًا لا يردع مجرمًا؛ وكلاهما يكفيان لوصف خللٍ واضحٍ فى منظومة القيم وشرخٍ ظاهرٍ في بنيان الهوية المصرية؛ فكيف بمن تلاشت من قلبه آخر أمارات النخوة والرجولة فيشجع المتحرش على فعلته بقوله: (يستاهلوا)؟!!
أتفهم تمامًا أن الحل لا يمكن أن يقدم في مقالٍ أو حتى سلسلة من المقالات؛ إذ إن حجم المشكلة أكبر من أن يدلي فيه عقلٌ واحدٌ بدلوه لكنه الجهد المتكامل للدعاة والعلماء والتربويين والكتاب والإعلاميين والقانونيين الذي سيصل بنا حتما إلى بر الأمان؛ بل وأنا أيضا شديد الاقتناع أن التحليل العميق لدوافع هذا السلوك الإجرامي سيساعدنا بشكلٍ تلقائي على ابتكار الحلول قصيرة وبعيدة المدى على السواء.. لكن الواجب الشرعي والمنطقي يقتضي أن نسعى فورًا للأخذ على يد المعتدي لوقف (المفسدة) ابتداء؛ لأنه وبغضِّ النظر عن الحالة النفسية التي سيطرت على المتحرش وزينت له قبح فعله؛ فإننا أمام جريمة مكتملة الأركان تتكرر بشكلٍ يومي فى شوارعنا ومواصلاتنا العامة وجامعاتنا وليس فقط في ميدان التحرير؛ لن يفلح في مواجهتها قلم مرتعش، أو أنفة من الاعتراف بالتقصير، أو دورانٌ في فلك تحليلٍ سطحي. وفي الأغلب ستكتمل منظومة القضاء على هذه الجريمة حينما يجتمع داعيةٌ نابهٌ يُوجِه؛ وتواجدٌ أمني يُكثف؛ ويقظةٌ شعبية تتقد؛ وقانون صارم يردع؛ وإعلامٌ شريفٌ يوعي.
أغلب المتحرشين إما مراهق أو لم يبلغ الحلم بعد؛ قصَّرت بيوتهم عن تنشئتهم على خوف الله واتقاء سخطه؛ يحتاجون من يعلمهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لأن يُطعن فى رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» (صحيح الجامع: 5045)، ليستشعروا فداحة الجرم الذي يعتبره أكثرهم اكتمال رجولةٍ؛ يحتاجون من يشعرهم أن الله سبحانه حليم ٌ يصبر على الإساءة لكنه ليس بغافلٍ عمّا يعمل الظالمون. ما وجدوا من يتلقفهم من على النواصي والمنتديات يبصرهم أن الله سبحانه قد حرم الأعراض كما حرم الدماء والأموال، من يدفعهم إلى التخوف من وقوع الجرم نفسه مع أقرب الناس لهم؛ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شابٍ طلب الإذن بالزنا: أترضاه لأمك؛ أترضاه لأختك؟... الحديث [1]، لعل ذلك أن يحدث الأثر المطلوب في نفس شابٍ تحلل من كل قيود الحياء بتخويفه من قانون (افعل ما شئت كما تدين تدان).
نادر بكار
الثلاثاء 5 فبراير 2013 م
__________________
[1] عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: «إنَّ فتًى شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ ائذنْ لي بالزِّنا فأقبل القومُ عليه فزجَروه وقالوا: مَهْ مَهْ فقال: ادنُهْ، فدنا منه قريبًا قال: اجلس، فجلس قال: أَتُحبُّه لِأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لأُمهاتِهم قال: أفتُحبُّه لابنتِك؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لبناتِهم قال: أفتُحبُّه لأُختِك؟ قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال: ولا الناسُ يُحبونَه لأَخَواتِهم قال: أَفتُحبُّه لعمَّتِك؟ قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهم قال: أفتُحبُّه لخالتِك؟ قال: لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَكَ قال: ولا النَّاسُ يحبونَه لخالاتِهم قال: فوضع يدَه عليه وقال: اللهمَّ اغفرْ ذنبَه وطهِّرْ قلبَه وحصِّنْ فرْجَهُ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ» (السلسلة الصحيحة: 1/712).
المصدر: موقع بوابة الشروق