الإسلاميون والفريضة الغائبة
مازالت الحركة الإسلامية تعانى من سياسة الجزر المنعزلة بحيث يحاول كل فصيل مواجهة الأزمة بمفرده وإمكانياته الذاتية، ولم نر قادة العمل السياسي سواءً على مستوى الدعوة أو على مستوى العمل الحزبي في مشهد إعلامي مشترك يقترب من مشهد قادة جبهة الإنقاذ الذين دأبوا على الاصطفاف أمام ميكروفونات الإعلام سويًا رغم الخلافات الحادة بينهم والتي تفوق بكثير نقاط الاتفاق مما أعطى لهم قوة وهمية لدى الرأي العام وهو ما يفتقده التيار الإسلامي حتى الآن!
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
لا أظن أن هناك وقتاً يحتاج إلى إحياء تلك الفريضة الغائبة كمثل هذا الوقت، فالإسلاميون في حاجة ماسة اليوم إلى تدارك تقصير العامين الماضيين والبدء الفوري في حوار فعال بين جميع القوى والفصائل الإسلامية يتسم بالشفافية والقدرة على تقييم الفترة الماضية تقييما سليماً، بحيث يتمكن من قراءة مواطن الخلل والعطب وكيف تسرب الفشل من بين أصابعنا من دون أن نلاحظه أو نراه.
كنت أتمنى وسط هذه الأزمة العاتية التي تمر بها مصر أن أرى المرشد العام للإخوان د. محمد بديع -وهو رجل أحسبه من المربين الفضلاء- يوجه دعوة لجميع القوى الإسلامية للالتقاء على طاولته لدراسة الأزمة والخروج بصورة موحدة للتعامل معها، فجماعة الإخوان هي كبرى جماعات وفصائل التيار الإسلامي ودائمًا ما تنعت نفسها بأنها الجماعة (الأم)، وهذه الحيثية تلقى عليها مزيدًا من الأعباء والالتزامات الأدبية تجاه باقي فصائل التيار الإسلامي، بحيث تكون هي المُبادرة بلم الشمل والاجتماع برفقاء الطريق وشركاء المصير.
ولكن للأسف، مازالت الحركة الإسلامية تعانى من سياسة الجزر المنعزلة بحيث يحاول كل فصيل مواجهة الأزمة بمفرده وإمكانياته الذاتية، ولم نر قادة العمل السياسي سواءً على مستوى الدعوة أو على مستوى العمل الحزبي في مشهد إعلامي مشترك يقترب من مشهد قادة جبهة الإنقاذ الذين دأبوا على الاصطفاف أمام ميكروفونات الإعلام سويًا رغم الخلافات الحادة بينهم والتي تفوق بكثير نقاط الاتفاق مما أعطى لهم قوة وهمية لدى الرأي العام وهو ما يفتقده التيار الإسلامي حتى الآن!
كنا نظن أنه بعد ثورة يناير وذهاب الأجهزة الأمنية -التي طالما اتخذها الإسلاميون مشجباً يعلقون عليه أسباب تفرقهم وتشرذمهم- أننا سنرى ائتلافاً قوياً بين كل المدارس والفصائل الدعوية، بحيث ينعكس على المجتمع دعوة وتربية ونهضة حقيقية للإنسان المصري عن طريق إصلاح ذاته وترميم منظومة أخلاقه التي تهدمت كثيراً، ولكن كنا كمن يريد الرقم على صفحة الماء!
فرغم أن محاولات كثيرة -بُذلت وما زالت- لرأب الصدع وجمع الشمل -وكاتب هذه السطور شاهد على بعضها- إلا أن النتائج التي تحققت حتى الآن على أرض الواقع مازالت ضعيفة ولم ترق حتى إلى الحد الأدنى المطلوب أمام التحولات الحضارية الضخمة التي فرضتها علينا ثورة يناير ولم تتعامل معها فصائل الحركة الإسلامية التعامل الأمثل، فمازالت الحسابات الضيقة هي المسيطرة على عقلية صانعي القرار، ومازال البعض يتوهم أن الفرصة باتت مواتية لتمكين جماعته أو حزبه دون أن يدرى أن التغيرات الكامنة في رحم الغيب من الضخامة بمكان، بحيث ينهض بها فصيل واحد أو حزب بمفرده، إذ أننا أمام لحظة نادرة لا تتكرر كثيراً فنيت من أجلها أجيال، ولقى المئات ربهم شهداء صابرين محتسبين وفُقد العشرات وقتل العدد الوفير وضحى مئات الآلاف بشبابهم في سجون الأنظمة المستبدة، وكان قدر الجيل الحالي أن امتد به العمر ليرى ويعاين تلك اللحظة فماذا فعلنا بها وفيها؟!
هذا المشروع الإسلامي العظيم الذى مازال يتشكل في عالم الغيب لا يمكن رؤيته في عالم الشهود وأصحابه والمهمومون به بهذه البعثرة وذلكم التفرق، فمتى يدرك الإسلاميون عظم الأمانة الملقاة على عاتقهم في هذه اللحظة تحديداً؟!
وما أقترحه اليوم تحديداً هو المسارعة بإنشاء مجلس رئاسي للحركة الإسلامية يمثل فيه كل التيارات والفصائل والمدارس الدعوية، بحيث يتكون مجلس أمانته من شخصيات نافذة من أصحاب القرار داخل كل فصيل حتى يتسم المجلس بالفاعلية والقدرة على اتخاذ القرارات الملزمة للجميع، وأن تكون رئاسته بالتناوب بين الجميع وفق آليات محددة ويراعى في التمثيل داخله الأوزان النسبية لكل فصيل أو جماعة ويلقى على عاتقه مهمة النهوض بالدعوة والتربية والإصلاح المجتمعي بالتعاون مع الهيئات والوزارات ذات الصلة، ويجب أن ينفصل عمل هذا المجلس عن عمل الأحزاب الإسلامية التي ربما تتفق أو تختلف، وفق المصالح السياسية والحزبية التي يراها كل حزب، وهى أمور قد نفهمها ونتقبلها في عالم الممارسة الحزبية، أما في عالم الدعوة والتربية فليس ثمة إلا الاتفاق والتوحد، وإلا فليتحمل كل فصيل مسؤوليته أمام الله وأمام التاريخ حال فشل تجربة الحكم الحالية.
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
سمير العركي
[email protected]