مصر وإيران حالياً لا يجتمعان

منذ 2013-02-18

إن البداية من الداخل، إرادة سياسية، تسيطر على الداخل وتزيح هيمنة الخارج، وهذه الخطوة وحدها تكفي لتهديد الخارج والضغط عليه، وإمكانات الداخل تكفي لحياة كريمة، والسيطرة على الداخل بإيجاد توجه عام (توافق عام) على بديل من البدائل المطروحة على الساحة، وأقربها للرأي العام هو البديل الإسلامي الجاد؛ ثم تصدير الثورة، لا بالرجال والسلاح فالتطور الدولي في العقود الأخيرة حال دون سياسة الغزو الخارجي وخاصة من الدول "النامية".

 

أحدُ مَن لا يفارقون الصفَّ الإيراني يتحدث عن أن أمريكا وبعض الدول الإقليمية هي التي ترفض التطبيع بين مصر وإيران، وتفرض القطيعة بين البلدين؛ وأن الخير في اجتماع القوى الثلاث: مصر وتركيا وإيران. يغرس في حس القارئ أن الخير قد فاتنا حين لم نكن مع إيران، وأن مقاطعة إيران إرادة أمريكية صهيونية يسير في فلكها دول إقليمية وتنظيمات سلفية!!


وإيران تعتمد ما يعرف سياسياً بـ "الدبلوماسية الشعبية"، تحاول التأثير على صانع القرار عن طريق "إكرام" نفرٍ من الصحفيين والكتاب، وأساتذة الجامعة، تظن أن صانع القرار في مصر ينصت لهؤلاء، ولذا تستقبلهم وتكرمهم، ويظهر أثر كرمها في حديثهم.



ويحتاج المشهد المصري الإيراني، وكذا المشهد الإقليمي (تركيا وإسرائيل وغيرهما بجانب إيران) نظرة أعمق وأوسع وأهدئ من تلك التي يرنو بها "أصدقاء إيران"، ففي المشهد ما يخفونه، أو ما قد خفي عنهم!


إيران دولة توسعية، وذات أهداف أيدلوجية (فكرية)، وليست ذات أهدافٍ اقتصادية كما تركيا وكوريا والصين، فالبناء الإيراني ضعيف اقتصادياً، ومحاصر دولياً؛ وهب -جدلاً- أنها دولة اقتصادية قوية فإن الدول تبحث عن مصالحها، تأتينا بحثاً عن سوق استهلاكية وأرض تستثمر فيها أموالها، ومواد خام لتشغيل مصانعها، ولا يأتوننا يحملون ما نشتهي بلا ثمن؛ بل ويمارسون ضغطاً علينا كي نبقى في إطار مستهلك السلع مورد المواد الخام.

كما أن إيران دولة هجومية قَلِقَةٌ، لا تكف عن العداء ولا تثبت على حال، فلم يسلم من عداوتها غير سوريا، ولم تستقر في علاقتها مع أحد غير سوريا تفك بها الحصار المفروض عليها وتصدر من خلالها النفط لأوروبا. وإيران تتحرك بسرعة عالية بين ضدين، وحالها مع أمريكا شاهد عيان.


في المشهد الإقليمي تغيرت العلاقات الإيرانية مع كل الدول العربية فمرت بقطيعة وتوتر وتعاون إلا مصر وسوريا. ظلت دائماً على قطيعة مع مصر، تقول: لأنها مع أمريكا (الشيطان الأكبر) ، مع أن إيران تقاتل في صف الأمريكان في العراق وأرض الأفغان، وتقول لأنها تصالح يهود وسوريا قد صالحت يهود وما أنكرت إيران بغير الكلام؛ وظلت إيران على توافق مع سوريا لا حباً في الرفض، فالرفض حمار تركبه إيران، وإنما بحثاً عن مصالحها في تصدير البترول من خلال البحر، وقد انتابت العلاقة بين البلدين ما يفهم منه أنها ليست حالة من الإيمان بفكرةٍ عقدية، وإنما حالة من البحث عن المصالح القومية وهي فارسية توسعية؛ فحين كانت إيران تتحدث في كل مكان بنصرة المستضعفين من أبناء الحركات الإسلامية سكتت عن إبادة سوريا للإخوان في مذبحة حماة، وحين كانت تعلن أنها حاملة لواء الإسلام ناصرت أرمينيا الكافرة على أذربيجان المسلمة، وقاتلت في صف "الشيطان الأكبر" في العراق والأفغان، وما رمت يهود بصاروخٍ واحدٍ، ولا حركت ليهودٍ جيشاً؛ بل كانت الجعجعة على إسرائيل والطحن في دول الخليج.


والقراءة الأدق للمشهد تقول: بأن الغرب استعمل الروافض في إيران والجزيرة في غرس عداواتٍ جديدة في المنطقة تلهي العرب عن عداوتهم مع إسرئيل وتشتت جهدهم، وهو ما يعرف سياسياً بسياسة "شد الأطراف"، يوزع فائض القوة العربية على عدد من نقاط الصراع تشغلهم وتستهلك جهدهم وأموالهم، فقد كانت إيران سبباً مباشراً في إثارة القلاقل في عددٍ من المناطق: "الحوثيين"، "القطيف"، "جنوب لبنان"، "جزر أبي موسى وقبلها طمب الصغرى والكبرى"، والعراق الحبيب و"البحرين"، ناهيك عن تغلغلهم العقدي في أفريقيا. فضلاً عن أنها استعملت ضمناً كوسيلة لابتزاز دول الخليج، فكانت سبباً مباشراً في استمرار التواجد الأجنبي وإنفاق المال العربي على السلاح الأجنبي.


فحقيقة الحالة الإيرانية أنها حالة من التعاون -بشكلٍ ما- مع العدو الخارجي لتحقيق مصالح خاصة بهم، هذه المصالح توسعية استعمارية، وليست أبداً حالة من التعاون مع دول الجوار بحثاً عن مشترك تنتفع به وينتفعون؛ وحقيقة الحالة الإيرانية أنها إحدى الوسائل التي تساعد في تشتيت الجهد العربي وتوطين العدو الصهيوني.


كل يبحث عن مصلحته، وتلك بديهية في عالم السياسة، فما من كلمة تكاد تناصي السياسية غير المصلحة، ومصلحتنا أبداً ليست مع إيران، ببساطة: لأنها مثيرة للقلاقل، وتوسعية، وكذوب يخالف قولها أفعالها.


وتركيا تبحث عن مصالحها القومية، إذْ تأتي بين الدول الاقتصادية الشرقية الوافدة على المنطقة ابتداءً بالصين ومروراً بكوريا واليابان وماليزيا وانتهاءً بالهند تبحث عن مصالحها الاقتصادية (سوق استهلاكية، أرض للاستثمار، ومصدر للمواد الخام)، وتبحث عن ورقةٍ تضغط بها على الدول الأوروبية للانضمام لها، وتعلي من قيمتها بين "حلفاء الناتو" بعد أن فقدت جزءاً من قيمتها بعد أن تأخرت أهميتها كنقطة متقدمة للدول الحلف في مواجهة الكتلة الشرقية، أو تتمدد في المنطقة العربية بعد أن تعثر تمددها أوروبياً،  وإن كنا نرى الإخلاص في بعض الوجوه التركية، وإن كنا لا نحمل في ذاكرتنا كثيراً من العداوات لتركيا، وإن كانت تركيا لم تحتل أرضاً عربية (باستثناء إقليم الأسكندرون، ومطالبتها بالموصل)، ولم تعاون محتلاً إلا قليلا (في الحرب الأولى على العراق)، ولم تدخل في مشاكل مع عامة الدول العربية كما إيران، وإنما لم تتعد دولة أو دولتين في قضية أو قضيتين (مياه الأنهار، والأكراد، والأسكندرون والموصل)، وإن كانت تركيا تحمل ذكرى جميلة في حس غير قليل من أبناء الأمة الإسلامية (الخلافة الإسلامية) إلا أنها هي الأخرى تبحث عن مصالحها، ومصالح الدول لا تتغير بقليلٍ، وحالتها تُذكِّر بحالة ماليزيا حين جاءت للمنطقة ترتدي ثوباً إسلامياً ثم خلعت ثوبها أو كادت بعد رحل "مهاتير محمد".

فالحديث عن تكتل مصري تركي إيراني مما يصعب تصوره في السياق الذي نعيش فيه اليوم.


السؤال المنطقي: كيف تحقق مصر مصالحها القومية؟، كيف تنهض اقتصادياً وسياسياً بين هؤلاء الوافدين علينا من آسيا وبين القوى الدولية التي تجلس في البر والبحر والجو وبين الناس تحركهم؟!


بعضهم يقترح التوجه صوب أفريقيا، مروراً بوادي النيل، ويجلس في وادي النيل والقرن الأفريقي القوى الدولية من القرن التاسع عشر، وتتحرش بنا بمشاريعها على النيل (السدود والمشاريع الزراعية)، وقد فتت دولَ الحوض وتمكنت منهم، وباقي أفريقيا بعدت عنا وأحبت يهود وأمريكا، أو استطاع الأمريكان ومعهم اليهود إيجاد جيل جديد من الزعماء الأفارقة الموالين لها، وبذر الشقاق بين الدول الأفريقية ومن ثم إضعافهم والتحكم فيهم. فالتوجه لأفريقيا يعني صدام مع القوى الدولية أمريكا ومعها يهود، وقد دخلت الصين والأسيويون المعترك الأفريقي وخاصة وادي النيل. ولا نقوى على مصادمة هؤلاء بل ولا على مزاحمتهم.


إن البداية من الداخل، إرادة سياسية، تسيطر على الداخل وتزيح هيمنة الخارج، وهذه الخطوة وحدها تكفي لتهديد الخارج والضغط عليه، وإمكانات الداخل تكفي لحياة كريمة، والسيطرة على الداخل بإيجاد توجه عام (توافق عام) على بديل من البدائل المطروحة على الساحة، وأقربها للرأي العام هو البديل الإسلامي الجاد؛ ثم تصدير الثورة، لا بالرجال والسلاح فالتطور الدولي في العقود الأخيرة حال دون سياسة الغزو الخارجي وخاصة من الدول "النامية"، والتاريخ شاهد على أن "الثوار" في القرن الماضي لم يستطيعوا تغير بلد بالقوة بل انشغلوا بأنفسهم، فقد كان الصراع بين الدول "التقدمية" التي شبت فيها الثورة أكثر ضراوة من الصراع بين "التقدمين" و"المحافظين". إن الأقرب والأصلح هو تصدير فكرة الثورة.. فكرة الحرية.. فكرة الإمكانات الضائعة.. والقيادة المهترئة التابعة ..وأننا أمة مغلوبة، ولم تجد الخير في السير خلف الغرب أو الشرق، وأننا أغنياء نُسرق، وعشيرة تفرق. وكل شعب قادر على إزاحة الباطل -بحول ربي وقوته- بين عشية وضحاها. ثم إحياء فكرة التعاون المشترك بين الدول المحررة.


وإن هذه الفكرة تبدو بوضوح في أطروحات مَن يتحدث عن دورٍ عربي هنا وهناك، يقولون: التخلي عن الثنائية في التعامل، بمعنى أن لا تتعامل كل دولة عربية بشكل منفرد مع الخارج، ويقولون: تكوين جبهة عربية (سياسياً واقتصادياً) تتعامل مع الخارج، ولكنهم لا يتحدثون عن كيفية اتحاد العرب، وقد فشلت محاولات الوحدة وتركت لنا صفحات سود في التاريخ تحت مسمى "القومية العربية".


المشهد الحالي بما فيه إيران وتركيا وأفريقيا ومصر هو مشهد أزمة، والحل ليس بالبحث في جوانبه؛ بل بالسعي في تغييره، والبداية من السيطرة على الداخل ثم بتصدير الثورة والتمدد عربياً، والأمر هين لو يسر الله له إرادة سياسية قوية.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 3
  • 0
  • 2,559

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً