الحالة الإنسانية للاجئين الماليين -رؤية عن كثب-
أبت الحروب إلا أن يدفع الأبرياء أغلى أثمانها دائمًا، وأبت المحن إلا أن تكون فرصًا ثمينةً لمنح الأجر لمن يساهم في تخفيفها ابتغاءً لما عند الله. إنها آهات أنقلها لكم في هذا المقال، وهو يحمل رسالة وصراخًا من لاجئي مالي في النيجر إلى المسلمين أينما كانوا. إنها دموع ثكالى تنهمي وتنهمر، إنها أنات أيامى ودموع يتامى، إنها عثرات عجائز تزدلف نحو دول الجوار.
أبت الحروب إلا أن يدفع الأبرياء أغلى أثمانها دائمًا، وأبت المحن إلا أن تكون فرصًا ثمينةً لمنح الأجر لمن يساهم في تخفيفها ابتغاءً لما عند الله. إنها آهات أنقلها لكم في هذا المقال، وهو يحمل رسالة وصراخًا من لاجئي مالي في النيجر إلى المسلمين أينما كانوا. إنها دموع ثكالى تنهمي وتنهمر، إنها أنات أيامى ودموع يتامى، إنها عثرات عجائز تزدلف نحو دول الجوار.
زحف على الركب، وعثرات تلو الأخرى، وضحايا الحرب، وشهداء الجوع، وقتلى العطش، وأسرى الرحيل على الأقدام.
إنها الإنسانية تصرخ وتبكي وتعول في شمال مالي فتجر هتافها وأنينها إلى الخيم التي تؤوي اللاجئين في دول الجوار.
إنهم إخوانكم أبناء الإسلام يستغيثون ويستنجدون، إنهم أولئك الضعفاء والمساكين من الأبرياء، من تخطب في أنديتهم فُوَّهات المدافع الثقيلة منذ أكثر من سنة، فإما قرار في وطنهم بلا قرار أو إنصات ينتهي بهم إلى الهلاك والدمار، وإما فرار إلى أقرب الجهات ـوإن بعدت وشط المزارـ.
وكأنهم المقصود بقول القائل:
لله في النفس أنات أرددها *** لو كان في القلب نبضٌ للمساكينِ
جَرحى، ضحايا، أسارى، كم تصفد أن *** تُهدى لتذبح ذبحا بالسكاكينِ
في كل يوم لنا عيد الأضاحي بلا *** أدنى السرور ولا إطعامِ مسكين
فرب قلب هناكم يستغيث، ألا *** أنالُ للخفقاتِ بعضَ تسكين
وهل لنا في قرار الأرض من سكن *** ننال فيه قليلا بعض تمكين؟
ضاقت بنا أرضنا والله يرحمنا *** ويرحم الله من واسى بتأمين
- ترك صاحب الوظيفة وظيفته، ونجا بنفسه، وأين الوظيفة في الشمال المالي وقد انهار نظام الدولة منذ سنة؟
- ترك الطالب مدرسته، فأين الدراسة، وأوار النار يتلظى ويلفح وجهه البريء؟ وأين المدرس وقد فر في الفارين؟ وأين المدرسة وقد صارت خلاء.
إنهم إخواننا..
- تركوا ديارهم وبيوتهم، فلا ظل يؤيهم إلا ظل الشجر ـإن وجدـ وإن كوخا في الوطن في ظل الأمن والعافية لأغلى عند البعض من بيت فارهٍ في دار الغربة، فكيف وإذا به والحال أنه في انتظار سهم قد يخطئه في زحمة خيم اللاجئين وقد يلحق به مؤخرا بعد الإياس منه نظرا لكثرة قوائم التوزيع.
- تركوا آبارهم ومياههم، فلا ماء يستسقون منها إلا بقايا المستنقعات الرنقة من مياه الأمطار، والتي تشاركهم فيها حوافرُ الحمير وأخفافُ الجمال، ولربما هي من فضلات هوام السباع.
- بل تركوا مساجدهم قائمة خالية، تبكي مناراتها، وتستوحش من غياب الآذان عنها، وذلك ما كان أشد على الكثير والكثير منهم من كل ما تقدم، يا لله للمأساة، ويا لله للعناء، إنها هِجر تتوالى، وسبل سابلة بأقدام حافية.
إن لسان حالهم أفصح معبر عنهم، فقد كان سكان شمال مالي قبل الحرب يعيشون عيشة متواضعة، تعتمد في أغلبها على شظف العيش وخشونة الحال، فما ظنكم بما بعد الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، إنه أشد وأقسى، فهل بقي فيهم إلا الرمق؟ وهل يعيشون إلا على مادون الكفاف؟ تركوا ديارهم مذعورين فارين، وغادروها أفواجا نحو دول الجوار.
بعضهم على ظهور الحمير فارا من القصف،والبعض الآخر على أقدامهم، يقعدون تارة ثم يقومون والأنفاس تتصاعد، زفير وشهيق، قلة قليلة من يملك أجرة السيارة نحو جهة المخيم، ولكن الحاجة أم الاختراع، انتهوا إلى دول الجوار (موريتانيا، الجزائر، بوركينافاسو، النيجر)، وتفيد بعض التقاريرأن من انتهى إلى موريتانيا، ويقدر عددهم بـ(36000) نسمة، ومن انتهى به إلى الجزائر والذين يقدر عددهم بـ(36000) نسمة، ومن انتهى به إلى بوركينا فاسو يقدر عددهم بحوالي (90000) نسمة، ومن انتهى إلى النيجر والتي تضم أكثر من (80000).
ويتمركزون في النيجر ـوالتي قد اطلعت الجمعية عن كثب عن أوضاعهم فيهاـ في هذه المناطق الحدودية وهي:
1- باني بانغو.
2- منغَيزا.
3- إبَلَغْ.
4- آيرُو.
5- إناتَسْ.
6- بنكلارَي.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه المناطق، تمكنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من إقامة بعض المخيمات فيها، وبالرغم من ذلك فإن الكثير من اللاجئين لم يستطيعوا الوصول إلى هذه المخيمات حتى الآن، لأسباب مختلفة، حيث إن بعضهم قصدوا أقرب النقاط الحدودية إليه بغض النظر عن طبيعة المناطق التي وصلوا إليها، وما إذا كانت تحت رعاية جهة معينة أم لا،ويتمركز الكثير من هؤلاء المنقطعين في مناطق قريبة من الحدود مثل إناتس وبنكلاري.
وهذا العدد ينمو يوميا منذ انطلاق الحملة العسكرية التي تقودها فرنسا في المنطقة ـوإن تعددت الأسباب إلى نزوحهم- فإن الأسباب تكاد أن تنحصر في التالي:
1ـ الهروب من الحرب الدائرة في الإقليم منذ بداية السنة المنصرمة بين مالي والجماعات المسلحة أولا، ثم بين هذه الجماعات بعضها مع بعض، وما تلا ذلك من انعدام الأمن وانتشار ظاهرة السلب والنهب.
2- الهروب من الجماعات المتشددة التي سيطرت على المنطقة في مارس العام الماضي، وشرعت في ممارسة ضغوط مختلفة على كثير من سكان المنطقة وهو ما أحدث اضطرابات أمنية، وفوضى عارمة، لم يستطع السكان التعايش معها، فكان نزوحهم داخل وطنهم في البداية قبل أن يضطروا لاحقا إلى مغادرته، والاتجاه إلى أقرب نقطة حدودية مع إحدى الدول المجاورة (النيجر، بوركينا فاسو، الجزائر، موريتانيا).
3- الخوف من التصفيات العرقية، فما إن انطلقت شرارة الأحداث الأخيرة حتى بدأ سكان الشمال من العرب والطوارق يحزمون ما خف من أمتعتهم، ناجين بأرواحهم، ومخلفين وراءهم كل غال ونفيس من ممتلكاتهم، خوفا من أعمال عنف التي يترقبونها.
4ـ الخوف من القصف الفرنسي الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه لا يفرق بين المجرم والبريء، وأنه سيزهق الكثير من الأرواح البريئة، وسيؤدي -ربما- إلى نفوق أعداد هائلة من المواشي التي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لسكان الأرياف والصحراء.
5- الأزمة الغذائية حيث هرب الكثير من سكان شمال مالي من المنطقة خوف شبح المجاعة في ظل أزمة غذائية عصفت بالمنطقة، بدءًا بغلاء الأسعار، وانتهاء بنقص حاد في الكميات القليلة المتوفرة بعد انقطاع السبل، وتوقف الحركة التجارية، وإغلاق الأسواق الموسمية أبوابها وإغلاق المعابر الحدودية للدول المجاورة.
أبى حب الوطن إلا الحنين إليه -على كل حال- فإن أولئك المساكين مما زاد عليهم شدة الأمر أن كلما سمع بعضهم بمفاوضات جديدة بين دولة مالي وبين الجماعات المسلحة في الشمال كلما استثمنها وظن أن جذوة الحرب إلى الخمود، فيزحف مرة أخرى متجها صوب داره التي تركها مكرها لا بطلا -مكره أخاك لابطل- ولم يغنم إلا وعثاء السفر وكئابة المنقلب، فمن الذي يرضى ويطمئن إلى البقاء في الملاجئ وهو يترجى الرجوع إلى بيته.
يوما بحذوى ويوما بالعقيق ويو *** ما بالعذيب ويوما بالخليصاء
الأمر الذي جعل اللجوء من كثير منهم قد تكرر، ولم تدر الأغلبية منهم إلا تخمينا أن ثمة مفاجأة ستقصم الظهر أكثر،إنه القصف الفرنسي الذي يظلهم دكا دكا، فيصرخون بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) تحت رعوده القاصفة وتحت ركام منازلهم المدمرة، ولقد كان من أكثر البوابات استقبالا للضيوف الجدد حدود دولة النيجر التي فتحتها على مصرعيها لإخوانها -كما هو دأبها- فقد ميزها قرب الجوار بما معه من حسن الاستقبال وحفاوة اللقاء، وكرم الإيواء، إلى الالتحام الزائد بين الشعبين النيجري والمالي.فالنيجر من أخوات مالي الشقائق، وقد استقبلت بوابات حدودها المختلفة حوالي (80000) حسب ما أفادته التقارير الرسمية، -جزاها الله حكومة وشعبا خير ما يجزي المحسنين- ولا زالت زخات المطر من اللاجئين تنساب في مداخلها وبواباتها، وها هو طابور اللاجئون إليها لم ينقطع بعد.
ـ رسالة من اللاجئين الماليين في النيجر إلى من يهمهم الأمر، وهذه رسالتهم إلى إخوانهم المسلمين تنقلها جمعية المنار الخيرية بنيامي والتي اطلعت عن قرب على أحوالهم.
ـ "نحن في أمس الضرورة إلى خيمة تؤوينا، وهي من أهم الأولويات بالنسبة لمن تركوا ديارهم ومنازلهم وفروا بأرواحهم، فالكثير من اللاجئين في النيجر وبوركينا فاسو يبيتون في العراء، يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، لا كِنَّ لهم في شتاء البرد، ولا من أشعة شمس الصيف المرتقب بدايته خلال أيام قليلة سوى ظلال الأشجار، وعسى من يظلنا يظله الله في ظل الجنة، فكما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « » (صحيح البخاري، 4881).
ـ نحن في أمس الضرورة إلى لقمة عيش نسد بها الرمق، فنحن نعاني منذ بداية العام الماضي من أزمة غذائية خانقة، وقد بدأت الأمراض الناتجة عن سوء التغذية تظهر خاصة في صفوف الأطفال، ونذكر إخواننا المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح البخاري، 2486)، فيا هنيئا لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منه وهو منه.
- نحن في أمس الضرورة إلى (آبار) نستقي منها، فقد سئمنا من ماء المستنقعات، وصرعت بالمرض الكثير منا، وأصيب الكثير منا إصابات بالتيفوئيد، وحالات الإسهال والملاريا وغيرها من الأمراض الناتجة عن استعمال المياه الملوثة، ألا تريدون فينا شكران الله لكم ومغفرته، فكما في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح البخاري، 2362). وكما أخرج ابن ماجه في سننه عن عائشة رضي الله عنها « » (ضعيف جدًا، المحدث الألباني، المصدر: ضعيف ابن ماجه 487).
ـ نحن في أمس الضرورة إلى أدوية وفريق طبي يتتبع مناطق تواجدنا حيث يحتاج الآلاف منا إلى توفير العناية الصحية اللازمة، تفاديا لانتشار الأمراض الناتجة عن سوء التغذية وغيرها، بالإضافة إلى وجود أمراض مزمنة وأمراض مختلفة لدى الكثير من النازحين، نظرا إلى الظروف المحيطة برحلة النزوح الشاقة، وطبيعة الحياة في ظروف تفتقد أبسط مقومات الحياة، ألا تتذكرون فينا قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]، ففينا إحياء النفس بإنقاذها من التهلكة.
- نحن في أمس الضرورة إلى ملابس وسرابيل تقينا الحر والبرد ونذكر إخواننا المسلمين فينا -ونحن مسلمون- بما أخرج الإمام الحاكم بسنده وصححه عن حصين قال: "كنت عند ابن عباس رضي الله عنه فجاء سائل فسأل، فقال له بن عباس أتشهد أن لا إله إلا الله قال نعم، قال وتشهد أن محمدا رسول الله، قال نعم وتصلي الخمس قال: نعم، قال وتصوم رمضان قال: نعم، قال أما إن لك علينا حقا، يا غلام اكسه ثوبا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « »" -لعله يقصد-: "جاء سائل فسأل ابن عباس فقال ابن عباس للسائل: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: وتصوم رمضان؟ قال: نعم قال سألت وللسائل حق إنه لحق علينا أن نصلك فأعطاه ثوبا ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (سنن الترمذي 2484 وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي).
ـ بل نحتاج إلى خيم تصلح لأن تكون مساجد قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ فَعَسَى أُولئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]، وقد أخرج الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم « » (المحدث: ابن كثير، المصدر: الأحكام الكبير 1/414 فيه جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف لكن رواية شعبة عنه تقوية له)،نحن كما ترون عبر الشاشات الإعلامية، وما وراء العدسة أشد، مأساة في مأساة".
كانت هذه رسالة اللاجئين الماليين في النيجر إلى المسلمين، ونذكر في آخرها بما أخرجه البيهقي في شعبه عن يزيد بن الأسود قال: "لقد أدركت أقواما من سلف هذه الأمة، قد كان الرجل إذا وقع في هُوِي أو دجلةَ نادى يا لَعباد الله، فيتواثبون إليه، فيستخرجونه ودابته مما هو فيه، ولقد وقع رجل ذات يوم في دجلة فنادى يا لَعباد الله، فتواثب الناس إليه فما أدركت إلا مقاصة -جمع مقص أي المقراض- في الطين، فلأن أكون أدركت من متاعه شيئا فأخرجُه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها"، إنهم السلف ولنعم السلف سلفنا الصالح.
ونحن في (جمعية المنار الخيرية) نيامي ـ النيجر بكل قدراتنا ننتنظر خدمة المسلم للمسلم عبر بوابة هذه الجمعية ونعتبر أنفسنا هنالك سفراء لتبليغ رسالة المسلمين إلى إخوانهم مادية ومعنوية، وشرف لها أن نتعاون في الخير ونخدم في الخير.
أحمد محمد الحاج
رئيس جمعية المنار الخيرية بالنيجرـ نيامي
- التصنيف:
- المصدر: