الأخلاق.. بين الجاهلية والألفية الثالثة
إننا نقارن اليوم ونحن في الألفية الثالثة بين ما يتحلى به المسلمون من أخلاق، وبين ما كانت العرب تفتخر به منها، ونحن بحاجة إلى مراجعة لتلك الأخلاق والمثل، وأن نقتدي بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام، الذي وصفه ربه بأعظم وصف فقال عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين... وبعد:
فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فقد بُعث عليه الصلاة والسلام في قوم سادت فيهم خصال حميدة، وأخلاق فضيلة، وقيم وتقاليد عظيمة، وكانت بعثته لإكمال هذه الفضائل وتلك الأخلاق، فلم يبُعث لإزالتها وتغييرها، إنما بُعث لإتمامها، وكانت العرب تفتخر بتلك الأخلاق على بقية الأمم، وما أحوجنا اليوم لأن نتأمل في أخلاق الجاهلية، والتي فقدناها حتى في زمان الألفية الثالثة.
أولاً: نصرة المظلوم:
وهنا يروي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة عجيبة، يوم أن كان عمره عشرون عاماً، فقد روى أهل السير أن رجلاً من زبيد جاء بتجارة اشتراها منه العاص ابن وائل، ثم لم يعطه ماله، فذهب الزبيدي إلى بقية القوم لعلهم يعينوه فلم يجد له نصرة، وفي صبيحة اليوم التالي ارتقى الرجل على جبل أبي قبيس، وعند طلوع الشمس وقريش في نواديها ومجالسها، نادى وألقى عليهم شعراً يشكوا ظلم العاص له، فاجتمع كبار قريش في بيت عبد الله بن جدعان وصنع لهم طعاماً، ثم تحالفوا على أن لا يُظلم أحد في بيت الله الحرام، وأن يردوا المظالم لأهلها، قال صلى الله عليه وسلم كما روى البيهقي في السنن الكبرى من حديث طلحة بن عبد الله: «قد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت»، وتأمل في حال المسلمين اليوم، وكيف يظلم المسلم من بينهم فلا يجد له من ينصره ويعينه ويأخذ الحق له.
ثانيا: أخلاق الفتيان:
وهنا ربما نتأمل في أخلاق النبل والشجاعة عند عنترة رغم جاهليته، فإنه ينشد شعرا عن عفته في نظره:
وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي *** حتى يُواري جارتي مأْواها
فأين شباب المسلمين من هذا الخلق في غض الطرف، واستمع إلى شجاعته وكرامته يوم أن يقول:
لا تسقيني ماءَ الحياةِ بذلةٍ *** بل فاسقني بالعزِّ كاس الحنظل
وأين هذا من ميوعة شباب اليوم، وتفاهة أفكارهم وتصوراتهم وهمومهم.
ثالثا: أخلاق النساء:
وهنا نستعرض ما نقلته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تروي لنا قصة هند بنت عتبة فتقول: «جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه، فنظر إليها، فقال: اذهبي فغيري يدك، قالت: فذهبت فغيرتها بحناء، ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، ولا تزني، قالت: أو تزني الحرة» (مجمع الزوائد:40/ 6، خلاصة الحكم فيه من لا أعرفهن). فهي تنكر خلق الزنا، وهي تتكلم عن جاهلية، فكيف لو قارنا ذلك بحال البعض من المسلمات؟
رابعاً: أخلاق عامة:
فقد روى لنا أهل السير، أن قريشا يوم أن جاءت محاصرة لبيت النبي صلى الله عليه وسلم ومنعه من الهجرة، اقترح رجل على القوم أن يتسوروا بيت النبي ليدخلوه، فرد عليه أحدهم وقال: "ويلك ماذا عسى أن تقول العرب أننا نتسور على الناس بيوتهم؟".
وثم يذهب أبو جهل إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه، يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيطرق الباب وتخرج أسماء رضي الله عنها، فيسألها: "أين أبوك؟ فتقول: لا أدري، فيلطمها على وجهها، ثم يقول لصاحبه: إياك أن تخبر أني لطمت امرأة"، وهو أبو جهل الذي كان يعير في قريش فيقال له قاتل المرأة؛ لأنه قتل سمية أم عمار.
فأين نحن من هذه الأخلاق التي تحلى بها مجتمع الجاهلية؟
لقد نقل لنا أهل التاريخ جملة من قصص الأخلاق والنبل والكرم والغيرة على الأعراض وصيانتها، فكليب يصبح ملكاً للعرب بسبب حرب قامت من أجل لطمة لُطمت بها أخته، حتى قيل: "لطمة أورث ملكاً"، وقصة وفاء السموأل لامرؤ القيس مشهورة معروفة: يوم أن قُتل ابنه ولم يُعط أمانة امرؤ القيس، وهذه أم سلمة تروي لنا قصة هجرتها، فتقابل عثمان بن طلحة عند التنعيم وليس معها إلا صغيرها وهي تريد المدينة، فيقول لها عثمان -وهو مشرك-: "لست عثمان بن طلحة إن لم أبلغك مأمنك عزيزة حرة كريمة"، فيأخذ بخطام بعيرها وينطلق بها إلى المدينة، وقصة كرم حاتم وعبد الله بن جدعان وغيرهم من سادات العرب في الجاهلية أشهر من أن تذكر.
إننا نقارن اليوم ونحن في الألفية الثالثة بين ما يتحلى به المسلمون من أخلاق، وبين ما كانت العرب تفتخر به منها، ونحن بحاجة إلى مراجعة لتلك الأخلاق والمثل، وأن نقتدي بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام، الذي وصفه ربه بأعظم وصف فقال عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيء الأخلاق لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجميعن.
حسام الدين كاظم السامرائي
- التصنيف:
- المصدر: