رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ

منذ 2013-03-08

إنَّ من الأمور التي صارت بين البعض من المسلمين الموحدين سمت الغلظة والقسوة وجفاء الطبع ولا سيما في اللفظ أو الكلمة -وإن كانت صغيرة الحجم عظيمة المعنى- التي بها تنفر القلوب ومنها تتألف القلوب، ونسي البعض الأوامر الربانية من الله تعالى في الرحمة والرفق فيما بين المسلمين>>>


إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعدُ:

إنَّ من الأمور التي صارت بين البعض من المسلمين الموحدين سمت الغلظة والقسوة وجفاء الطبع ولا سيما في اللفظ أو الكلمة -وإن كانت صغيرة الحجم عظيمة المعنى- التي بها تنفر القلوب ومنها تتألف القلوب، ونسي البعض الأوامر الربانية من الله تعالى في الرحمة والرفق فيما بين المسلمين، قال الله تعالى في وصف ذلك: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29] وقوله سبحانه: {وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} [الحديد:27] .

وقال عز وجل: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]، فعن النّعمان بن بشير رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى» (البخاري، ومسلم [2586]. وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء» (أبو داود [4941] واللفظ له، والترمذي [1924]).

كن متواضعاً، خلوقاً، خادماً لضعفاء المسلمين، ناصراً لهم في الحق وأنت تحمل في قلبك أن الأمر كله لله بالنية الخالصة في ابتغاء مرضاة رب العالمين ولا تخشى لومة لائم ولا تتلبس بوسواس الشيطان في أنك ضعيف وعاجز بل من القوة أن تعفوا وتصفح عن ضعفاء المسلمين والهوادة والصبر مع الجهلاء علماً والبسطاء منهم، فعن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «أبغوني في ضعفائكم فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» (الترمذي [1702] والحاكم في المستدرك [2/ 106]).

وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «حرّم على النّار كلّ هيّن ليّن سهل قريب من النّاس» (المسند [1/ 415]، والترمذي [2488]). إنَّ اللّين في المعاملة يعطف قلوب النّاس ويجمعهم حول من يلين لهم، يورث المحبّة والتّعاطف بين الرّؤساء والمرؤوسين ويجعلهم صفّاً واحداً، وفي القول أدعى إلى الإجابة والقبول خاصّة في مجال الدّعوة إلى اللّه عز وجل، قال الله تعالى: {اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى . فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى} [طه: 43-45].

واعلم أن الخدمة والتواضع وسيلتان من وسائل تزكية النفس وهما علامتان على أن النفس مزكاة، لذلك نَدَبنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إليهما: «ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» (متفق عليه). وهناك نوعان: خدمة خاصة وخدمة عامة، وكلاهما له أثره في تزكية النفس:

فالخدمة العامة تقتضي صبراً وسعة صدرٍ واستعداداً للتلبية في كل حين، والخدمة الخاصة تقتضي تواضعاً وذلة للمؤمنين وعلى المؤمنين، ولذلك كانت الخدمة من أعظم وسائل التزكية لمن أداها بإخلاص وصبر عليها، وإذا كانت الخدمة مبناها على التواضع، والتواضع نفسه من وسائل تزكية النفس لما فيه من إبعادها عن الكبر والعُجْب فقد اخترنا أن ننقل بعض كلام الغزالي فيه، قال رحمه الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» (رواه مسلم).

وقال الفضيل: وقد سئل عن التواضع ما هو؟ فقال: "أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبي قبلته، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته". وقيل لعبد الملك بن مروان: أي الرجال أفضل؟ قال: "من تواضع عن قدرة، وزهد عن رغبة وترك النصرة عن قوة". وقال زياد النمري: "الزاهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر"، وقال مالك بن دينار: "لو أن منادياً ينادي بباب المسجد ليخرج شركم رجلاً والله ما كان أحدٌ يسبقني إلى الباب إلا رجلاً بفضل قوة أو سعي قال، فلما بلغ ابن المبارك قوله قال: "بهذا صار مالك مالكاً".

وقال الفضيل:" من أحب الرياسة لم يفلح أ?داً". وقال أبو يزيد: "ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر"، فقيل له: فمتى يكون متواضعاً؟ قال: "إذا لم ير لنفسه مقاماً ولا حالاً". عن قتادة في قوله تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18] قال: "هو الإعراض، أن يكلّمك الرّجل وأنت معرض عنه".

وختاماً:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله و أن لا نغفل عن قلوبنا إن قست وتيبست فلنستدرك ونسعى لردها عن الظلم والكبر بين إخواننا من المسلمين وخاصة الضعفاء منهم، فلننظر لأنفسنا ماذا كنّا و من أين أتينا والى أين تحت التراب تُبلى، فعن مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير رضي اللّه عنه أنّه رأى المهلّب وهو يتبختر في جبّة خزّ فقال: "يا عبد اللّه، هذه مشية يبغضها اللّه ورسوله فقال له المهلّب: أما تعرفني؟ فقال: بلي...أعرفك، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة، فمضى المهلّب وترك مشيته تلك" (إحياء علوم الدين). وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: " وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع".

نسأل الله الكريم حسن التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


محمد خيري الحلواني
 

  • 5
  • 1
  • 33,317

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً