جامع جوامع الخير

منذ 2013-03-10

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن من أجمع الدعاء ما جاء عن أَنَسٍ رضي الله عنه: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» ( متفق عليه). هذا الدعاء من أدعية القرآن الكريم، قال الله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:200-201]. والخلاق: النصيب. فأنكر الله في الآية أن يجعل الإنسان الدنيا همَّه وغايته، وندب إلى سؤال الحسنة والخير في الدنيا والآخرة.

معنى الدعاء:

{آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}: كل خير وعافية، وكل أمر تستحسنه وتحبه.

{وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}: كل خير في الآخرة، كالأمن من الفزع الأكبر، وتيسير الحساب، وتثقيل الميزان، وتبييض الوجه، وأن يعطى الكتاب بيمينه، والنجاة من عذاب الله، وأعظم ذلك دخول الجنة، ونيل رضاء الله، والنظر إلى وجهه. وما ذكره المفسرون فيهما ليس على سبيل الحصر، وإنما هو للمثال.

وأما قوله: {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}: اصرف عنا ذلك، وهذه تشمل شيئين:

الأول: العصمة من الأعمال الموجبة لدخول النار.

الثاني: المغفرة للذنوب التي توجب دخول النار.

ومن صُرِف عنه عذاب جهنم وأُدخل الجنة كان من الفائزين، قال الله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: من الآية 185].

دعوة الكليمين بها:

ذكر أنس رضي الله عنه أن هذه الدعوة كانت غالب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق.. ودعا بها موسى عليه السلام، قال الله: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} [الأعراف: من الآية 156].  

اهتمام أنس رضي الله عنه بهذا الدعاء:

كان أنس رضي الله عنه يدعو به لنفسه ولإخوانه. روى مسلم: كَانَ أَنَسٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ. وقيل لأنس بن مالك رضي الله عنه: إن إخوانك أتوك من البصرة -وهو يومئذ بالزاوية-؛ لتدعو الله لهم. فقال: "اللهم اغفر لنا وارحمنا، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار". فاستزادوه، فقال مثلها، ثم قال: "إن أوتيتم هذا، فقد أوتيتم خير الدنيا والآخرة" (رواه البخاري في الأدب المفرد).

من يكرمهم الله بما ورد في هذه الدعوة من الخير؟

المحسنون الصالحون.

قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل:30].

وقال: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل:41].

وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]

وأكرم الله بهذا الكرامة خليله عليه السلام، قال تعالى: {وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخرةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: 122]، من الصالحين: أصحاب المنازل العالية.  

ويتأكد الدعاء به في موطنين:

الأول: في الطواف بين الركنين.

ففي سنن أبى داود، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».

والثاني: عند حلول البلاء.

ففي صحيح مسلم، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ -ضعُف- فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ؟» قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا تُطِيقُهُ، أَفَلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ..

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

ربِّ صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


مهران ماهر عثمان نوري
 

  • 3
  • 0
  • 5,456

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً