ماذا يريد الأقباط في مصر؟
يظهر على السطح بين حين وآخر صوت صارخ لمشكلة للأقباط الأرثوذكس في
مصر، مع أنهم يتمتعون بحالة نادرة من المزايا لا توجد لأي أقلية في
العالم؛ وذلك منذ دخل الصحابي الجليل عمرو بن العاص مصر وأنقذهم من
اضطهاد الرومان الكاثوليك، وقد دخل منهم الكثير في دين الله أفواجاً
بدون أي إكراه، وعن طواعية واختيار وحب في الإسلام.
ومما يؤكد عظمة الإسلام في التسامح مع الأديان الأخرى وعدم اضطهاد
أصحابها بقاء كثير من الأقباط على دينهم حتى الآن، وهو ما لم يحدث مع
المسلمين في جميع دول العالم من اضطهاد، بل وإبادة -كما حدث في
الأندلس كمثال-.
وقد وقّع الأقباط الأرثوذكس في مصر مع الخليفة المسلم اتفاقية بابليون
عام 20 هـ، التي تضمّنت بنود عقد الذمة التي يلتزم بها النصارى. ولكن
مضت السنوات والنصارى يتمتّعون بعدل الإسلام والأمن، ولكن كانت تحدث
بعض الخروقات لعهد الذمة، كما حدث من تمرد من بعض النصارى عام 121هـ
في عهد الخليفة هشام عبد الملك وتم السيطرة عليه.
وقد تنوعت مواقف الأقباط النصارى في مصر من سعيهم وطلبهم الدائم
الحصول على امتيازات تحت دعوى حقوقهم المهضومة، وبين الانسلاخ من
الانتماء للوطن المصري والانتماء للأجنبي المستعمر. وكان أبرز موقف
لنصارى مصر، وسجّله الجبرتي في تاريخه في المجلد الرابع من تعاون
النصارى مع المحتل الفرنسي إبان الحملة الفرنسية، وذكر منهم المعلم
يعقوب حنا الذي عيّنه الفرنساوية ساري عسكر، وملطى، وجرجس الجوهري،
وأبو طاقية، وبرتيجلى.
ويرصد الدكتور محمد محمد حسين في كتابه الاتجاهات الوطنية، في الأدب
المعاصر المجلد الأول ص107 وما بعدها، ويرصد انحياز الأقباط للمستعمر
البريطاني المحتل لمصر، وكيف كانت صحيفتا الوطن لمالكها ميخائيل عبد
السيد، ومصر التي يملكها تادرس شنودة ويحررها الأقباط، عملت على تأييد
الانجليز في كل قراراتهم، بل وذهبت إلى أنهم أمة منفصلة وأنهم سلالة
الفراعنة، وأصحاب البلاد حتى عندما جاء الرئيس الأمريكي روزفلت إلى
مصر عام1910 وألقى خطبة في الجامعة المصرية غضب منها الشعب المصري كان
الوحيد الذي استحسنها الأقباط وغيرهم كثير.
ومضت السنوات، حتى لم يعد أي ذكر أو علاقة للأقباط بعهد الذمة الذي
حماهم ومتّعهم بكل العدل، وذلك لسقوط الخلافة الإسلامية وإبعاد
الشريعة الإسلامية عن الحكم وتطبيق القوانين الوضعية.
وتصاعدت أساليب الأقباط حتى عقدوا المؤتمر القبطي في أسيوط في 5 مارس
عام 1910م، وكانت لهم مطالب تناقض كل بنود عهد الذمة بل تناقض كل
مشاعر الانتماء الوطني, وكان التصاق الأقباط بالأجانب معروف للجميع؛
حتى ذكرت جريدة العلم في عدد 7 مارس1911 في مقال بعنوان "وطنيون أم
أجانب"، ذكرت إن فخري عبد النور كان متجنساً بالجنسية الألمانية, وأن
بشرى حنا كان وكيل القنصل الروسي, وأنجورجي ويصا وكيل القنصل
الأمريكي, وتادرس مقار وكيل قنصل فرنسا.
وفي أزمة وفاء قسطنطين، كان أبرز ما لفت الانتباه حينها هو عودة
الأنبا شنودة إلى استخدام سلاح الاعتكاف الذي يخرجه من مكانه كلما
استدعى الأمر؛ حرباً لتحقيق مطالبه وتطلعاته، وهو سلاح أو أسلوب دأب
على استخدامه الأنبا شنودة منذ توليه كرسي البابوية للأقباط الأرثوذكس
خلف للبابا كيرلس عام 1971، وهو رقم 117 فيمن تولى كرسي البابوية
للأقباط في مصر, وبالتأكيد فله حريته في اتخاذ ما يراه مناسباً من
مواقف، إذا كان ذلك في إطار المصلحة العامة ومصلحة الوطن.
غير أن المتتبع للأحداث لابد أن يتوقف كثيراً مع ذلك الأسلوب ومراميه؛
فهو يستفزّ أتباعه ويبتزّ الحكومة، وقد تعددت مشاكل الكنيسة مع
الحكومة منذ تولى الأنبا شنودة لكرسي البابوية. واللافت أنه يتصدّر كل
مشاكل النصارى، مع أن أتباع طائفته من الأرثوذكس الأقباط لا يتعدى على
أقصى تقدير ثمانمائة ألف نسمة.
فقد شهد عام 1977م، عندما شرعت الحكومة في تعديل الدستور بجعل الشريعة
المصدر الرئيسي في التشريع، والشروع في تقنيين الشريعة الإسلامية،
وبرز وقتها مشروع بقانون لتجريم الردة.. هنا ثارت الكنيسة واعتكف
الأنبا شنودة وبالتوازي كان هناك ثورة من أقباط المهجر وتأليب للغرب
على مصر.
ومن السبعينات حتى الآن لم يتوقف أقباط المهجر عن أسلوبهم, فتراجعت
الحكومة عن فكرة مشروع قانون الردة، ولكن الأنبا شنودة لم ينس هو ومن
معه التعديل الدستوري بجعل مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي
للتشريع..
وهنا تساؤل هام: ماذا يضير المسيحيين من قانون الردة إلا إذا كانت لهم
أغراض في التنصير؟
وتعددت المشاكل حتى وصلت إلى أحداث الزاوية الحمراء الشهيرة عام 81،
عندما قام مسيحي يدعى كمال عياد بإطلاق النار من مدفعه الرشاش على
المصلين بمسجد النذير، فاندلعت الأحداث والصدامات وسرعان ما تداركت
الدولة الموقف، غير أن نبرة العداء القبطية في المهجر كانت عالية
ومخيفة وصريحة إلى أقصى حد في الاستعانة بالغرب ضد الحكومة
المصرية.
وفي الداخل لم يكن الخطاب القبطي مختلفاً، فأدرك السادات خطورة الضغط
على مشاعر الجماهير المسلمة بالاستفزازات القبطية، وكان وقتها الشيخ
عند الحميد كشك رحمه الله، يردد على المنبر "نحن ليس لنا بابا"، فوجّه
السادات رسالة صريحة من على منبر مجلس الشعب للأقباط، أنا رئيس مسلم
لدولة مسلمة؛ وذلك لاحتواء المشاعر ولسحب البساط من تحت أرجل الجماعات
الإسلامية التي نشطت واستثمرت الأحداث. كان يقول لهم أيضاً لا دين في
السياسة ولا سياسة في الدين!
ولكن الأمور مضت بوتيرة مخيفة وتصاعدت مقولة الدولة القبطية، فقام
السادات بعزل الأنبا شنودة وتحديد إقامته بوادي النطرون، والقبض على
بعض القساوسة، وكذلك معظم رموز التيار الإسلام من إخوان وسلفيين وجهاد
وشيوخ أزهريين، وأيضاً بعض السياسيين فيما سمي بقرارات التحفظ في
5-9-1981م واغتيل السادات في 6-10-1981، وبدأت مرحلة حكم جديدة بعودة
الأنبا شنودة للبابوية، وتوقف مقولة الدولة القبطية، ومنحتهم الدولة
التصريح ببناء الكنائس كيفما يشاؤون، وتعددت الامتيازات حتى وصلت إلى
جعل السابع من يناير عيداً وعطلة رسمية بالدولة، وهو ما لم يطمح إليه
أكثر المسيحيين تطلعاً، وقيل وقتها إن طلبات النصارى انتهت بإلغاء
الخط الهاميوني الذي يحدد بناء الكنائس والتصريح ببناء الكنائس بقرار
من المحافظ.
وحدثت مشاكل كثيرة خلال تلك السنوات وكان أبرزها حادثة نشر صور جنسية
لأحد القساوسة، ثم حادثة الكشح. وفي ظل تلك الأحداث كانت الأحداث
الدولية، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، تضغط على الدول العربية
ومنها مصر -بالطبع- بالتخويف من اضطهاد الأقليات وضرورة منح الحريات
الدينية لمن يشاء. واستغل أقباط المهجر تلك الموجة الدولية للضغط
الإرهابي على الدولة، ولكن كان صبر الدولة لا حدود له، حتى مع بعض
النبرات والأصوات التي تصاعدت من بعض أقباط الداخل من استعانة بحكام
غربيين مثل بوش، وحتى شارون، أو تبرؤ من نظام الحكم المصري.. وكان
يقابل ذلك تسامح حكومي وتقديم تسهيلات وامتيازات، منها تقديم آلاف
الأفدنة من الوقف المسيحي الذي كان تحت يد وإدارة الدولة للكنيسة، في
الوقت الذي يبحث كثير من المسلمين عن أوقافهم بالسنوات في دهاليز
المحاكم.
يبقى أن الأزمة الأخيرة نبهت الكثيرين للابتزاز القبطي، فكلما حصلوا
على طلب ظهر آخر وهكذا.. مما دعا من لم يكونوا في خطوط المواجهة مع
تلك المشاكل القبطية المفتعلة إلى الظهور في خطوط المواجهة, وإلى
الحديث الآن عن مطالب اعتذارية من البابا والكنيسة ودعاوى لسبر أغوار
الكنيسة ومطالب بتحقيقات ضد قساوسة ومسؤولين كنسيين, وإلى مكافحة دولة
الكنيسة التي ظهرت في مصر؛ مستغلة ضعف النظام المصري وعدم وجود رقابة
من الدولة على ما تفعله الكنيسة، كأنها دولة داخل دولة، ورفض مسلك
الدولة في الأحداث الأخيرة، وفي تسليم النساء المسلمات إلى الكنيسة
واعتباره قبضاً واعتقالاً باطلاً، وإلى التنديد بحصول الكنيسة على
أموال تصل إلى مليار دولار سنوياً بدون رقابة مالية من الدولة على تلك
الأموال، والمطالبة بخضوع الأديرة للتفتيش القضائي والصحي والاجتماعي!
ولكن صوت الكنيسة علا بالرفض وسكتت الدولة.
ويبقى السؤال المهم ماذا يريد الأقباط في مصر؟؟؟
1- طلبوا بناء كنائس، فحصلوا على بناء كنائس في كل قرية في مصر بما لا
يتلاءم مطلقاً مع عددهم؛ فهم لا يتجاوزون سبعة مليون من سبع وسبعين
مليون مصري.
2- أصبحوا يسيطرون على أربعين في المائة من الاقتصاد المصري.
3- جرى العرف السياسي بتعيين اثنين منهم وزراء في كل حكومة.
4- لا تراقب كنائسهم ولا تتدخل الدولة فيها ولا تستطيع منع قسيس لأنه
هاجم الدولة أو حتى الإسلام بعكس ما يفعل بالمساجد من منع خطباء
ومراقبة وغير ذلك.
5- لا يتعرض من يخرق منهم الوحدة الوطنية للاعتقال كما يفعل
بالمسلمين.
6- الكنيسة يصلها مليار دولار من الخارج ولا تتدخل الدولة بخلاف ما
يجمع من النصارى في الداخل ولا يعرف أين يذهب كل ذلك.
7- يكرهون النساء اللاتي أسلمن على العودة للنصرانية، وتقوم الدولة
بمعاونتهم في ذلك.
8- يسعون بالاتفاق مع الأقباط في المهجر على توزيع الأدوار في الهجوم
الصارخ بالخارج على الإسلام والمسلمين ثم الحكومة المصرية بصفتها
حكومة أغلبها مسلمون، ويستنجدون بأمريكا بل وصل الأمر إلى "إسرائيل"
وفي الداخل نتيجة الضغط الأجنبي والابتزاز يجنون الثمرات.
9- يسيطرون على معظم الوظائف الحكومية.
10- حاولوا من قبل إنشاء دولة قبطية في أسيوط وفشلوا في ذلك.
11-يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين
الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع؛ أسوة
بما حدث في الدستور العراقي الذي وضعه بريمر.
فهل هذا يكون نهاية مطاف مطالب الأقباط في مصر القضاء على ما تبقى في
النظام المصري من مرجعية إسلامية استغلالاً للظروف الدولية، من هيمنة
الأمريكان وطغيانهم وضعف الحكومة المصرية.. أظن أن هذا المطلب بإذن
الله نهاية الخطايا العشر للأقباط في مصر، إن لم يتدارك بعض العقلاء
في الأقباط الأمر، فلن تسكت الأغلبية المسلمة أبداً على ذلك.
ممدوح إسماعيل
أمين عام رابطة المحامين الإسلاميين
- التصنيف:
saleh balqis
منذMiloud Ben
منذعمرو محمد
منذnada
منذnada
منذeemanbeallah
منذأبو سيف الدين
منذزائر
منذياسر جمال ابو جاسر
منذمحمد على المحامى
منذ