المقارنة بين الأطفال... أسف واعتذار!
رغم ميزة اجتماع الأطفال من أماكن مختلفة في مكان واحد، فيتيح لهم اللعب والتعاون، وتبادل الخبرات؛ إلا أن هناك سلبية يجب الوقوف عندها والنظر إليها بعين فاحصة، ألا وهي المقارنات التي يفصَح بها أمام الأبناء خاصة عند ظهور نتيجة امتحان أو سلوك أحدهم عادات معينة...
رغم ميزة اجتماع الأطفال من أماكن مختلفة في مكان واحد، فيتيح لهم اللعب والتعاون، وتبادل الخبرات؛ إلا أن هناك سلبية يجب الوقوف عندها والنظر إليها بعين فاحصة، ألا وهي المقارنات التي يفصَح بها أمام الأبناء خاصة عند ظهور نتيجة امتحان أو سلوك أحدهم عادات معينة، سواء أكانت طيبة أو سيئة أو اهتمام بمظهر وأناقة ملابس، أو اتباع أخلاقيات معينة أو غير ذلك من الأمور المشتركة.
ذلك قد يزيد من أحزان الكثيرين منهم، تاركاً آثاره النفسية السيئة في نفوسهم وقد ينبت الكره والإحساس بالمنافسة الحاقدة، فيحاول كل واحد منهم أن يكون أفضل من الآخر، بل ويحب لنفسه التفوق الأكثر. غير أن المؤسف والمحزن، أن من نتيجة هذه المقارنات قد يتمنى الطفل الحاقد لغيره الرسوب والفشل.
فلا شك أن هناك اختلافات متباينة في القدرات داخل أفراد الأسرة الواحدة، رغم أن المنبع واحد، أو بينهم وبين أقاربهم وأصدقائهم وذويهم وهذه الاختلافات في عدة أمور:
1- في النواحي العقلية: وتتضح من خلال ما يعكسونه من اختلافات في سرعة الفهم، والقدرة على الحفظ والمذاكرة والتركيز في وقت محدد. لكن للأسف يغفل كثير من الآباء ذلك، بل ويوبخ ابنه عندما يجد جاره مثلاً متفوقا عنه، بل ويتهمه بالتقصير، أو يتهم أمه بالإهمال، وعدم متابعتها للابن ويكون يوم النتيجة هو يوم الطامة في البيت حينذاك!!
2- من النواحي الجسمية: فالأطفال ليسوا سواء فيما يتعلق بالنواحي الجسمية، فإذا كان البعض يتميز بصحة جيدة وبنية قوية، فقد يعاني البعض من الضعف، أو قد يتميز بالطول بينما البعض يتصف بالقصر، أو البعض يتصف بضخامة البدن، والبعض الآخر يعاني من الضآلة؛ فإذا عقدت المقارنات، وجدت آثارها السلبية لدى نفوس الأبناء.
3- اختلافات من الناحية الانفعالية: فقد يتأثر أحد الأبناء تأثيراً شديداً من موقف ما، أما الآخر فيستقبله بهدوء فيكون نتيجة هذه المقارنات اتهام الأب الابن الهادئ بالبرود، وعدم الإحساس ولا يبالي بما سببه له من تلقاء ذلك.
4- الاختلافات النفسية: فمن الأطفال من يحبون التواجد مع الآخرين فهم اجتماعيون، أما الآخرين فيعرفون بالانطواء، فيميلون للعزلة، ويفضلون البقاء بمفردهم بعيداً عن الآخرين. كل ذلك قد يكون سبباً في تأخره عمن حوله تاركاً أثراً واضحاً على نفسه خاصة بعد وقوعه في مقارنات بمن حوله.
5- اختلافات من الناحية الاجتماعية: فمنهم من يعيش حياة صعبة أو متوسطة الحال، ومنهم من يعيش حياة الرغد والترفه، فاختلاف الظروف الاقتصادية المحيطة بكل طفل بجانب الظروف الاجتماعية الأخرى قد تؤثر على شخصية كل طفل عن الآخر، بل وتجعله مختلفا عن غيره ممن حوله، فكيف تتم تلك المقارنات بينهم في ظل هذه الفروق؟
إن الفروق بين الأطفال موجودة ولا شك، ومتعددة ولا شك، لكن الإغفال عن هذه الفروق من قبل الآباء يبقى مؤثرا سلبيا. وما زالت المقارنات هي الأداة الحادة عند التعامل معهم، مما يؤدي إلى مشاكل عديدة، يتأثر بها الكثير من الأطفال، عندما يضيع أمام عيونهم ميزان العدل في الحكم.
فتكون من آثاره فقدان الأبناء تقديرهم لآبائهم، بعد عقد مقارنات ظالمة بين الطفل وأخيه، أو صديقه، أو جاره، أو أحد أقاربه، هذه المقارنات تكون دون الانتباه إلى حقيقة وجود الفروق الفردية السابقة مما تجعلهم يشعرون دائماً بأنهم أقل من الآخرين؛ بل ويسبب لهم الإحباط معتقدين أن الفشل في انتظارهم.
إن ذلك كاف وباعث في شخصية الطفل بخيبة الأمل، بل ويكسبها هشاشة تحول دون صمودها أمام الصدمات والأزمات التي لا تخلو منها الحياة.
إن على الأب إذا انخفض المستوى التعليمي عند ابنه أن ينتبه ويبحث ويتتبع قدراته وهواياته، وعلى سبيل المثال نجد الكثير من رجال الأعمال الناجحين قد وصلوا لما هم فيه ببراعة من أثر ميولهم التجارية، أو عند البعض هواية رياضية كانت سبباً لتحقيق آمال كثيرة أو غير ذلك.
وعلى الأب أن يعلم أنه لن يكتمل إنسان في كل الأشياء، فإن زاد وارتفع في شيء، فينتظر أنه يقل في شيء آخر، إذن لا داعي للمقارنات الهدامة التي تخرج من صاحبها دون التفكير في آثارها.
فالعقلاء من الآباء من يعطون لأبنائهم الثقة بدلاً من تحطيمها بالكلمات اللاذعة ظناً منهم أنها ستكون حافزاً على القفز للأمام والأعلى، بل ستهوي بهم تحت الأقدام.
فلا ينبغي أن نربي أبناءنا على الكره والبغض، بل نربيهم ونوثق في قلوبهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (متفق عليه)، لكن كيف يفهم الطفل ذلك الحديث ونحن نعبث بأفكاره ونقارنه بقرينه الذي يتفوق عليه ويتقدم عنه فما الذي ننتظره بعد ذلك؟
إن أبا استطاع أن يشجع أبناءه على الطاعات، ويجعل منافستهم على عمل الخير، ويجعل فروقهم في مجال إيجابي داعما لهم في تميز كل أحد، مع تصفية نفوسهم، وتطييب قلوبهم، لهو أبٌ جدير بالتقدير والشكر.
أميمة الجابر - 19/3/1434 هـ
- التصنيف:
- المصدر: