قناة الدجال الفضائية

منذ 2013-03-19

السحر وحقيقة تأثيره.

 

عناصر الخطبة:

- السحر وحقيقة تأثيره.
- خطر السحرة وانتشار شرهم على مستوى الفضائيات.
- خوض السحرة في الأمور الغيبية بتلبيس وخداع.
-   من علامات السحرة والمشعوذين.
- حكم إتيان السحرة وقراءة الأبراج والتكهن بالمستقبل.
- الواجب الشرعي حيال السحرة وأفعالهم.
- بذل الأسباب الشرعية لدفع المصائب النازلة.


الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.


السحر وحقيقة تأثيره:

عباد الله..

يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم تنزيله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ   فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102].

ذكر ربنا تعالى في هذه الآية أن النتائج ليست على هوى السحرة يفعلون ما يشاءون، ويضرون عندما يشاءون، ومن يشاءون، وكيف يشاءون، ووقت ما يشاءون، بل قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} هذا السحر الذي منه ما هو عزائم ورقى يعملها السحرة، هذا السحر الذي منه ما هو عقد يقومون بعقدها لها تأثير حقيقي، ولكن   هذا التأثير لا يحدث إلا بإذن الله، وهذا يقوم على صلة بين الساحر وبين   الشيطان، هذا الشيطان الذي يتوكل بالسحر وينفذه، ويقوم على الطلاسم، والأسماء الشيطانية، فيتعاقد شياطين الإنس مع شياطين الجن بأمور لها حقيقة تؤثر ?ي بدن المسحور وقلبه وعقله.

ولا ينكر أن من السحر ما يمرض، ومنه ما يقتل، ومنه ما يمنع عن وطء الزوجة، ومنه ما يفرق بين الأحبة أو   يجمع بين المتفرقين، وهذا ما عبر عنه العلماء بقولهم: الصرف والعطف، فيصرف عمن يحبه، ويعطف على من لا يطيقه.

والسحرة دائمًا معاول هدم في  المجتمع، يهدمون عقائد الناس أولاً، وكم دمروا من البيوت، وشتتوا من الأسر،   ونهبوا من الأموال، ولقد صاروا مقصدًا للجبناء، وهذا الساحر لا يتم له السحر إلا إذا تزلف إلى الشياطين بالشركِ؛ ولذلك إذا كان السحر من نوع الأدوية فهو يختلف عما فيه استعمال للشياطين، إذ أن استعمال الشياطين أشد وأنكى من الأدوية المؤثرة، إنه يجلبُ النار، وغضب الجبار.

خطر السحرة وانتشار شرهم على مستوى الفضائيات.

وقد انتشر السحرة في المجتمعات كثيرًا وراجت بضاعتهم، وهذا بسبب واحد ألا وهو: إهمال الناس لأمور التوحيد،   وعدم صيانة التوحيد، فإن أمر التوحيد يقوم على اللجوء إلى الله، وعلى تحريم السحر، وتحريم إتيان السحرة، فكم يأتيهم اليوم من الناس، وربما يتصلون بهم إذا لم يقدروا على إتيانهم، وصار هؤلاء يتصلون من الخارج على أرقام الناس ويقولون: رأيناك ورأينا اسمك في عالم الجن والجان ونحو ذلك، وهذا يخاف المسكين ويستدرجونه لدفع الأموال، ويعدونه: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء:120].

ولما جاء عصر الفضائيات أَمِرَ أمرهم، وتعاظم خطرهم، وتطاير شررهم، واستفحل شرهم، فكم من بيوت قد هدمت وكم وقع من الناس في حبائلهم؛ ولذلك فهم فساد على الأمة، وفساد على الناس.

ومن دجلهم أنهم ربما ظهروا بمظهر المصلحين، وربما يقول: الساحر يضر وأنا أنفع، الساحر يفسد وأنا أصلح.. ونحو ذلك.

ولذلك عندما قام سوق الفضائيات الذي دخل معه كل شر على الأمة -وكان للفضائيات مؤسسات تقوم على نشر الفساد وانحلال الأخلاق، ومنها ما يقوم على تمجيد الغرب وقوته، والتشبه به، والدعوة إلى الارتماء في أحضانه، والهيمنة الغربية التي تعرض على عقول المراهقين صباح مساء، ومن هذه القنوات قنوات الأغاني التي تخدر الناس بالألحان، وتنشر الفساد عبر الكلمات، وأنواع المصورات التي تكون أثناء عرض الأغنية- ثم جاءت قنوات الدجل.. جاءت قنوات الشعوذة، جاءت قنوات السحر لكي لا يبقى كفر في الأرض إلا ويعرض عبر هذه القنوات، التي تدخل البيوت، والتي يجتمع حولها الناس من مشاهد ومتفرج، ما بين مصدق ومكذب ومتشكك، ما بين من يريد التجربة وما بين من يعرف الحقيقة، ولكن كثيرًا من الناس يجهلون ما انطوت عليه من أنواع الإلحاد والكفر والزندقة والانحلال، وما ينشر عبرها مما يصادم التوحيد الذي من أجله قامت السماوات والأرض، ولأجله خلق الله البشر، ولأجله انقسمت الخليقة إلى الأبرار والفجار، وحقت كلمة الله على العباد، لأجله جردت السيوف للجهاد، ولأجله قام النبي -صلى الله عليه وسلم- على قومه، وصار بينه وبينهم من المواجهات، كل ذلك ليقولوا لا إله إلا الله، ويلجؤوا إلى الله، ويستعينوا بالله، ويتوكلوا على الله، ولا يعبدوا غير الله، ولا يصرفوا نوعًا من العبادة لغير الله، لكي يعتقدوا أن الله هو الذي يضر وينفع، وليعتقدوا أنه لا يعلم الغيب إلا الله.

ولقد جاءت الآيات عظيمة في الدعوة إلى التوحيد "لا إله إلا الله" الذي هو دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولكن هل أبقت هذه الفضائيات من التوحيد شيئًا؟ هل أبقت هذه الفضائيات حماية للعقيدة.. بل أغارت عليها. وجاءت هذه المقابلات والهواتف المفتوحة للمشعوذين تنشر الشر والفساد...وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنكِ مريضة، وأنكَ لا تنجب، وأن حظك غير سعيد، وأن الأخبار كذا وكذا، وأن قدرها عنده نكد.

يتصل المساكين، والذين يئسوا من علاج دنيوي أو رقية شرعية بزعمهم، يتصل أهل المعاناة، يتصل الذين يعايشون أنواعًا من المصائب -وقد ابتلى الله تعالى من عباده من شاء ببلايا كثيرة- فبدلاً من أن يعودوا إليه، ويوحدوه، ويقبلوا عليه.. إذا بهم يرتمون في أحضان هذه الفضائيات، وفيها من الدجالين والمشعوذين والكهنة والسحرة الذين يتصدون بزعمهم لمكالمات الناس، يتصلون بهم والأرقام تعمل، والخطوط مشغولة لا تتوقف من جميع الأنحاء، هذا يدل على ماذا؟ خواء القلوب من أساس التوحيد الذي جعله الله سبحانه وتعالى قيامًا للناس،

خوض السحرة في الأمور الغيبية بتلبيس وخداع:

فيعرض هذا المدعي للغيب ما يعرض، ألم يقل ربنا وتعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]؟ ألم يقل ربنا وتعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [المؤمنون:92]؟ ألم يقل ربنا تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [الجن:27]؟

عباد الله:

إن قضية علم الغيب مما تفرد الله به، ولا يعلم البشر الغيب، بل هم يخرصون ويتوقعون ويستنتجون وللمستقبل يستقرئون   ويقولون: التنبؤ بالمستقبل، واكتشاف المستقبل، وقراءة المستقبل.. ونحو ذلك، وهنالك أمور متوقعة مثلاً أنت إذا رأيت الغيمة في السماء توقعت نزول المطر، ثم قد ينزل وقد لا ينزل، وهنالك أمور مفاجئة لم يدر ?ي خلد إنسان أنها ستحصل وحصلت.

وهذه الأمور قد يقوم بها الخرَّاصون بناء على بعض المقدمات باستنتاج أشياء يمكن أن يستنتجها أي ذكي أو متفرس، فيظن العامة أنه يعلم الغيب، أو يكون المرء دائرًا بين احتمالين إما أن يقع كذا أو لا يقع، فيجزم هذا العراف أنه سيقع على أحد الاحتمالين، فإذا وقع الاحتمال قال الناس: من أين عرف هذا؟ فربما أفتتن بعض الجهلة به.

وبعضهم لهم اتصال بالشياطين الذين يسترقون الخبر من السماء، فيرجمهم الله بالشهب فيحترق من يحترق، وربما تصل الكلمة من السماء إلى الأرض، وربما لا تصل، وربما يصل جزء منها كما وصل إلى ابن صياد "الدخ" جزء من كلمة الدخان، وقد اختبره النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يدري ما خبأ له؟ فقال: الدخ، فقال: «اخسأ فلن تعدو قدرك[1]».

إنه عراف من العرافين، ودجال من الدجالين، لم يستطع الحصول إلا على نصف الكلمة، ثم إذا جاءت هذه الكلمة   المسترقة -مما نجا به بعض هؤلاء المستمعين المسترقين للغيب إذا حازوها- فيخلطون معها مائة كذبة، ويتحدث الكاهن والعراف بكذا وكذا، ويخلط معه الكذب الكثير، فإذا حصل هذا الشيء الذي أخبر عنه واحد بالمائة قال الناس: حصل ما أخبر به، وينسون تسعة وتسعين كذبة قد خلطها معه.

صارت الفضائيات اليوم عبر إظهار المشعوذين طريقة سهلة لابتزاز السذج والجهلة والمساكين، وبعض الناس يتعلقون بقشة، يكون أحدهم مصابًا مبتلى واقعًا في مصيبةٍ، جرب علاجات وأطباء، وربما استخدم الرقية الشرعية أو لم يستخدمها، فإذا رأى هؤلاء قال: لأجرب حظي، أريد الخلاص، أريد النجاة، أريد الفكاك، أريد حل هذا الأمر، أريد أن تنتهي معاناتي، وأن تنتهي مأساتي.. فيتصل على هؤلاء.

من علامات السحرة والمشعوذين:

يسألونه عن اسمه وعن اسم أمه، وهذا ولا شك من علاماتهم، فإذا أردت معرفة علامات هؤلاء، فالدجال الكاهن الساحر المشعوذ من علاماته: أن يسأل عن اسم الأم.

ومن علاماتهم: الوصية باستعمال البخور.

ومن علامة الساحر: أن يأخذ أثرًا من أثر المريض المزعوم من ثوب أو شعر ونحوه.

ومن علاماتهم: طلب ذبح حيوان بصفة معينة.. ولا يذكر اسم الله عليه، وأن يلطخ بدمه أماكن الألم أو جدران البيت   أو السيارة.. ونحو ذلك.

ومن علاماتهم: كتابة الطلاسم، ومنها مربعات بداخلها حروف وأرقام.

ومن علاماتهم: كلمات غير معروفة، أو فيها استغاثة بالشياطين: يا بدوح.. يا بدوح، ونحو ذلك من أسماء الشياطين.

وربما طلبوا من المصاب أن يعتزل الناس فترة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسمونها بالحجبة، أو ألا يمس الماء مدة معينة وربما تكون أربعين يومًا، أو يوصون بدفن أشياء في الأرض، أو الدخول في قذارة أو نجاسة، أو طلب كتابة آيات بدم الحيض والعياذ بالله، وربما يطلبون كتابتها بنجاسة أخرى.. ونحو ذلك، وهؤلاء لا يتورعون عن اقتراف الرذيلة واقتراف الفاحشة، وكم من النساء ذهبن إليهم فكانت النتيجة ضياع العرض وفقد الكرامة على يد هذا الساحر أو المشعوذ والكاهن، وهم يقولون للناس عبر الفضائيات: ابحثوا عنا وستجدوننا، من سأل عنا لن يخطئنا.. ونحو ذلك، لن نقول أرقام هواتفنا الشخصية، أو اتصل بعد البرنامج لإعطاء الرقم الخاص، وهم ينهبون الناس عبر الرقم العام والرقم الخاص.

حكم إتيان السحرة وقراءة الأبراج والتكهن بالمستقبل:

ألم يعلم هؤلاء الذين يتصلون ويسألون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة[2]»؟ أفيضحي الإنسان بدينه وإيمانه وتوحيده، وأجر صلاته، ويعرض عمله للحبوط، لأجل أن يتصل على هذا العراف؟! ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أتى كاهنًا أو عرافاً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد[3]»؟، ألم يقل عليه الصلاة والسلام محذرًا: «ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له[4]»؟ وهؤلاء يطلبون أسحارًا، وفك أسحارٍ، ويستعينون بفتاوى شاذة تجيز الذهاب إلى السحرة، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "في هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين وأمثالهم،   وسؤالهم، وتصديقهم، والوعيد على ذلك، والواجب ممن له قدرة وسلطان إنكار إتيان هؤلاء، ومنع تعاطي هؤلاء، والإنكار عليهم، وعلى من يجيء إليهم، وعدم الاغترار بما يقولون".. فلا يجوز سؤالهم، لا يجوز حتى قراءة ما يكتبونه للتسلية، وكيف يتسلى المسلم بالحرام؟

لا يجوز قراءة الأبراج التي تدعي معرفة أيام السعد، وأيام النحس، والأشياء الممنوعة لمن ولد في البرج الفلاني والمسموحة؛ لأنها من ادعاء علم الغيب، وهي حرام، والتسلية بها حرام، قراءتها حرام، ونشرها حرام. وكذا اعتقاد تأثير النجوم والكواكب على حياة الناس.

إن هذا المنجم الذي يظهر ويسأل الناس عن أبراجهم وأمامه كرة الكريستال ويقول له: مد يدك، مد كفك، أرني كفك، وهذا المغفل يمد كفه في بيته وليس عنده كاميرا تنقل الصورة إلى هذا المشعوذ والعراف، مد كفك.. فيمد كفه ويكذب ويأتي بكلام، -والكلام في النهاية سيشبه بعضه بعضًا، ومن أين له أن يأتي بأجوبة مستقلة مختلفة لكل هؤلاء المتصلين؟- إن هذا كله من التلبيس على الناس وخداعهم.

وهكذا في قضية هل سيتزوج أو لا يتزوج، وهل سيكون الزواج سعيدًا أو لا يكون سعيدًا، وهل سيقع فراق، وهذه تخشى الطلاق، وأخرى ما عندها أولاد، وهذه تعيش في مشكلات عائلية.. ونحو ذلك، هل سيحصل على وظيفة، وأي الوظيفتين يقدم؟

وهذه البنت الخرساء هل ستنطق؟.. وهذه وهذه، ومن العجيب أنهم يسألون: هل قرأتم عليها القرآن؟ هل ذهبتم إلى راق؟ فإذا قالوا: نعم، قالوا: هذه هي المصيبة، هذه المشكلة، خطأ خطأ، رقيته خطأ، ونحو ذلك، إذاً صرف الناس عن القرآن هو ديدنهم وطريقتهم ووسيلتهم.

وبعض هؤلاء المحترفين للشعوذة والكهانة والعرافة والسحر في الفضائيات يقولون: لا يعلم الغيب إلا الله، نحن لا نعلم الغيب، ثم يرجمون بالغيب.. ويخبرون عن المستقبل، فيا أيها الكذاب الدجال تقول: لا يعلم الغيب إلا الله ثم تتكلم في المستقبل. وتحسين الأوضاع المالية والمعيشية والحظ وجلب السعادة وفك السحر، وفيك عين، وفيك جن، وفيك صرع، وفيك سحر، وسنقوم بفكه، وأعطنا الفرصة، وانتظر كذا يوم، سيزداد تعبك ثم ينحسر.. ونحو ذلك. وتراهم يتصيدون الأغنياء، ويتيحون المجال للمتصلين من الدول الغنية والمجتمعات النفطية.. ونحو ذلك، ومع هذا تجد لهاثًا وراء أرقام هولاء الدجالين وسعي حثيث للتواصل معهم.

وقضية الجمال، ومدح المتصلة، وأن فيها كذا، وأشياء مزرية كما أخبرنا من عاين ذلك، كما كتب في التحقيقات عن هذه القنوات.

وكذلك فإن من هؤلاء من يقول زيادة في التلبيس: اقرأ آية كذا مائة مرة، ومن آية كذا إلى آية كذا مائتي مرة، وآية   كذا أربعمائة مرة، ومئات من المرات، وكأن أمامه جدول كل ما اتصل واحد أعطاه من الآيات، والأعداد التي ما أنزل الله بها من سلطان، وقضية طلب قراءة الآيات ما هي إلا لخداع الناس، وذر الرماد في العيون.

سبحان الله! مدعو علم الغيب غزوا الفضائيات، صارت لهم برامج خاصة، طعنًا في التوحيد، واعتداء على خصوصيات رب العالمين.

{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14] لقد بقي الجن في عهد سليمان يعملون بما أمرهم به حتى بعد موته، لم يكونوا يعلمون موته، وكان قائمًامستندًا على عصا يظنونه يصلي، فلما أكلت دودة الأرض عصا سليمان التي كان متكئًا عليها خر ميتًا، وكان قد مات من قبل، فتبينت الجن عند ذلك أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

عباد الله:

{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [لطور:41] يقولون: البرج الفلاني.. والنجم الفلاني.
 


خبرا عني المنجم أني *** كافر بالذي قضته الكواكب
عالمًا أنما يكون وما *** كان قضاء من المهيمن واجب
شاهد أن من تكهن *** أو نجم زار على المقادير كاذب


عباد الله

هذا المنجم أو الرمال الذي يخط في الرمل، أو الذي يضرب بالحصى والودع، أو الذي يقرأ الفنجان، أو يقرأ الكف،   برامج لقراءة الكف، برامج لقراءة الفنجان، وهذا الحاسب أو الذي يدعي الكشف، وهذا العراف الذي يدعي علم الغيب، وهذا الذي يستخدم الشياطين أو يكذب من  عنده، وهذا الذي يزجر طيرًا أو يضرب في الأرض، وهذا الذي يستقسم بالأزلام، أو يقرأ أباجاد أبجد هوز؛ للاستدلال بها على الغيب، سُئل شيخ الإسلام -رحمه الله- عمن يعتقد أن الكواكب لها تأثير في الوجود، أو يقول إن له نجمًا في   السماء يسعد بسعادته ويشقى بعكسه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان نجمه   بالعقرب أو المريخ ونحو ذلك، فأجاب شيخ الإسلام بقوله: "الحمد لله النجوم من آيات الله الدالة عليه، المسبحة له، الساجدة له، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، بأمر الله جعل لها وظائف: هداية للمسافر في البر والبحر، ورجومًا للشياطين تسبح وتسجد، يقول: والمنجمون يدعون علم الغيب والخرافات   والأكاذيب، خاطبتهم وبينت فساد صناعتهم، فقال رئيس منهم: إنا والله لنكذب مائة كذبة حتى نصدق في كلمة واحدة، واعتقاد المعتقد أن نجمًا من النجوم   السبعة هو المتولي لسعده ونفسه اعتقاد فاسد، واعتقاد أن النجم يدبر، من   اعتقد ذلك فهو كافر بالله، ثم إن الأوائل من هؤلاء المنجمين المشركين الصابئين عباد النجوم والكواكب الذي إذا ولد المولود أخذوا طالع المولود من النجم ومن الاسم، ويتكلمون في اختيارات السفر، ومتى يكون السفر فيه فلاح أو شقاء.

ولما أراد علي -رضي الله عنه- أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسافر فإن القمر في العقرب، يعني: في برج العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك، فقال له علي -رضي الله عنه-: بل أسافر ثقة بالله، وتوكلاً على الله، وتكذيبًا لك، وإرغامًَا لأنفك، فسافر علي -رضي الله عنه- بجيشه، فبورك له في ذلك السفر، ونصره الله على الخوارج، وقتلهم شر قتلة -رضي الله تعالى عنه-".

عباد الله:
إن استدراج المتصلين، وخداع الناس، والتلبيس عليهم بقراءة بعض الآيات، والسؤال عن الأسماء والأقارب، واستعمال القرين من الجن الذي يخبر عن أشياء، هو من حيل هؤلاء الدجالين، فينبغي معرفة حيلهم، والتحذير منهم، وأن نحذر أقاربنا وأصحابنا وعموم المسلمين من هذه الطوام العظيمة التي خرجت.

اللهم إنا نسألك أن تقينا الشر وأهله، والكفر وأهله، والسحر وأهله يا رب العالمين، اللهم اجعلنا لك موحدين، لك ذاكرين، لك شاكرين، عليك متوكلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن الله لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومصطفاه وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، كما صليت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الواجب الشرعي حيال السحرة وأفعالهم:

عباد الله:

لا يجوز المشاهدة  ولا السؤال ولا التصديق لهولاء المشعوذين والعرافين، ولا التجربة بحجة: لعلهم يفعلون لي شيئًا، ومنهم من يقول: أنا أعرف أنهم دجالون ولكن لعلهم يفيدون، فكيف يلتمس الشفاء من أصحاب العطب؟

إن كشف حيل هؤلاء واجب شرعي، وإن الاحتساب في بيان باطلهم واجب لا بد منه دفاعًا عن العقيدة؛   دفاعًا عن التوحيد؛ دفاعًا عن   الإسلام، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام   نهى عن حلوان الكاهن، نهى عن إيتاء الكاهن مالاً -وهو الأجرة التي تدفع إلى هؤلاء- وبين أنها حرام بنص الحديث، فكيف يتصل هؤلاء برقم سبعمائة أو غيره   من الأرقام؛ لكي تؤخذ   أجرة الكاهن، وتستقطع من قيمة المكالمة، أليست قيمة المكالمة من حلوان الكاهن الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أليس في ذلك دعم وتشجيع لهؤلاء؟ أليس الاتصال على هؤلاء من المشاركة في الإثم والعدوان؟

عباد الله:

مهما بلغت معاناة الإنسان من مرض   مستعص، أو سحر مؤلم، أو عين مفسدة.. ونحو ذلك من أنواع الشقاء النفسي أو الخلافات الأسرية والاجتماعية أو الأمراض النفسية فمن الذي يلجأ إليه؟ أليس اللجوء إلى الله؟ أليس ربنا سبحانه هو القادر على الشفاء؟ ألا يجب علينا أن نحقق التوحيد: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ     لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [الزمر:22]؟

ألا يجب علينا الإيمان والاعتصام بالله لأجل الحياة الطيبة، إذا عملنا صالحًاأيضًا: {مَنْ عَمِلَ  صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]؟ أليس المضطر يجيب الله دعوته؟ فأين دعاء المضطرين؟ أين اعتقاد أن الله مع المؤمنين، وأنه يدافع عن الذين آمنوا، وأنه يكشف الضر؟ من الذي يكشف الضر؟ من الذي ينفع؟ من الذي بيده الأمر؟ من الذي يجير ولا يجار عليه؟ من الذي لا تسقط من ورقة     إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا يعلمه؟ من هو الشافي؟ من هو الذي يذهب الأسقام؟ أليس من أسمائه تعالى الشافي؟ ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا شافي إلا أنت»[5]؟ من الذي قال: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي   كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد:22]؟ أين الإيمان بقضاء الله وقدره؟ أين الدعاء؟ أين الإلحاح؟ أين التضرع؟ ألم يدعنا الباري للتضرع: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [   الأنعام:43] أم قست القلوب، واتجهت إلى الذين ينهبون الجيوب، ويذهبون بالعقيدة والتوحيد بعيدًا عن علام الغيوب؟
        
بذل الأسباب الشرعية لدفع المصائب النازلة:
        
عباد الله
        
أين انتظار الفرج، وحسن الظن بالله: {فَإِنَّ مَعَ   الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ   مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6]؟ أين الرضا بما قسم الله؟ أين اتخاذ الأسباب الشرعية لدفع المصائب النازلة؟ أين الرقية: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]؟ أليس هذا الكتاب العزيز شفاء؟ ألم يجعله الله سبحانه وتعالى رحمة للمؤمنين، وشفاء لما في   الصدور، وشفاء لأمراض البدن -للأمراض النفسية والقلبية والجسدية والمستعصية والعادية-؟ أين احتساب الأجر فيما يحصل من المصيبة؟ أين إنزال هذه المصيبة؟ تُنِزلها لرب رحيم يعلم حاجتك فتدخل وتلجأ وتتذلل وتنكسر وتلح وترجو، أين الاستغفار؟ أين الصلاة؟ أين الصبر؟ {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة:45]، أين التوكل على الله؟ {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]؟ أين تفويض الأمور إلى الله؟ أين البراءة من الحول والقوة؟ أليست لدينا تحصينات شرعية تقي من السحر قبل وقوعه، تقي من شر   الحاسد إذا حسد، تقي من شر النفاثات في العقد، تقي من شر الناس والوسواس الخناس؟ أين تقوى الله: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]؟ أين بذل الصدقات؟ أين     المحافظة على أذكار الصباح والمساء؟ أين إخراج ما يدخل الشيطان إلى البيت؟ أين استعمال ما ورد من العلاجات النبوية: «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر»[6] ونحو ذلك مما ورد مما في العلاج؟ أين اللجوء إلى الله بالتعويذات الشرعية: «باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم»[7]، «أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق»[8]؟
        
أين الدعاء بالشفاء: «اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا[9]»؟ أين المعوذتان؟ فما تعوذ متعوذ بمثلهما قط، ألم يجعل الله من ماء زمزم بركة وشفاء؟
        
أيها المسلمون:
        
لا يصح لا للرجال ولا للنساء، لا للصغار ولا للكبار التعامل مع هؤلاء، ولا يجوز الذهاب إليهم ولا الاتصال بهم ولا فتح القنوات التي يظهرون عليها، هؤلاء الذين يدعون الأعمال الخارقة، هؤلاء الذين يطمئنون الناس أن عندهم الحل، هؤلاء الذين يطلبون كتابة الأحجبة، وهم في حقيقتهم كذابون دجالون مفترون أفاكون.
        
عباد الله:
        
يجب أن نحتسب لبيان الحق في هذه المسألة؛ لأننا لو فرطنا فيها والله لضاع من التوحيد شيء كثير، والكلمة الواحدة خطيرة: «إن العبد يتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم».

اللهم احفظنا بحفظك، اللهم ادرأ عنا الوباء والبلاء، اللهم اصرف عنا الشقاء، اللهم عافنا واعف عنا، عافنا في ديننا   وأجسادنا وأولادنا وأموالنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تحفظنا من شر كل ذي شر، وأن تنعم علينا بالعافية، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين. اللهم اشف المرضى من المسلمين. اللهم إنا نسألك أن تذهب البلاء عمن ابتلوا يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الموحدين، اجعلنا بك موقنين، وعليك متوكلين، ولك ذاكرين شاكرين تائبين.

اللهم إنا نسألك الأمن في أوطاننا وبلاد المسلمين. اللهم إنا نسألك من خيرك وبركتك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إنا نسألك أن تغيث قلوبنا بالقرآن، وأن تحيي نفوسنا بذكرك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
      
  _______________________

[1] رواه البخاري برقم (1267)، ومسلم برقم (5207).
[2] رواه مسلم برقم (4137).
[3] رواه أحمد برقم (9171)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5939).
[4] رواه البزار في مسنده برقم (3578)، قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره.
[5] رواه البخاري برقم (5301).
[6] رواه البخاري برقم (5025)، ومسلم برقم (3814).
[7] رواه أبو داود برقم (4425)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5745).
[8] رواه مسلم برقم (4881).
[9] رواه البخاري برقم (5301).
[10] رواه البخاري برقم (5997).
 

محمد صالح المنجد

أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.

  • 5
  • 1
  • 25,359

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً