ثقة المجتمع بنفسه.. كلمة السر في تقدمه
صالح بن سليمان الرشيد
في عالمنا المعاصر أصبحت الثقة بالنفس هي الخيار الإستراتيجي للفرد
والمجتمع اللذين يبحثان عن الوصول إلى بر الأمان...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
19/11/1426هـ - 21/12/2005م
المجتمع يمثل مجموعة من الناس تجمعهم ثقافة وعادات وتقاليد وتاريخ
موحد. هنا مجتمع القرية، وهناك مجتمع المدينة، وهنالك مجتمع الإقليم.
أما مجتمع الدولة فهو الذي يضم كل هذه المجتمعات وهذا ما نقصده.
المجتمع الواثق من نفسه هو المجتمع الذي يعتز بتاريخه وإنجازاته، يعتز
بعلمائه، يعتز بإمكاناته، يعتز بموقعه، يعتز بعاداته وتقاليده، يعتز
بدينه، مجتمع يتمسك بمبادئه وقيمه، مجتمع يؤثر في المجتمعات الأخرى
أكثر مما يتأثر بها.
في عالمنا المعاصر أصبحت الثقة بالنفس هي الخيار الإستراتيجي للفرد
والمجتمع اللذين يبحثان عن الوصول إلى بر الأمان، أصبحت الثقة بالنفس
طوقاً للنجاة في عالم كالبحر الهائج، أمواجه لا تتوقف عن الارتفاع
والاندفاع. وعندما يفقد المجتمع ثقته بنفسه فإنه يفقد معها قدرته على
التقدم والتطور، يفقد معها قدرته على التأثير في الأحداث، يصبح
مجتمعاً بلا هوية واضحة، عندما يفقد المجتمع ثقته بنفسه تظهر عليه
أعراض الهزال والضعف، تتفشى فيه العادات والتقاليد التي نبتت في غير
أرضه، مشكلاته تظل بلا حلول، إستراتيجياته في التعامل مع قضاياه غير
ثابتة وغير مجدية، لا يملك رؤية واضحة بشأن القضايا التي تهم
مجتمعه.
ثقة المجتمع بنفسه تبدأ من نقطة تقييم الذات، والتقييم هنا هدفه أن
يكتشف المجتمع في ذاته سمات تميزه عن غيره، يرى في ذاته القوة، يستكشف
تاريخه فيجد مواقف وشخصيات وتوجهات أثرت في العالم من حوله، وفى ذات
الوقت فإن التقييم الذاتي يتيح للمجتمع أن يدرك مواطن الضعف وأوجه
القصور، والهدف هنا ليس هو الإدراك فقط، ولكن السعي للتحسين
والعلاج.
تقييم الذات هنا سوف يؤدي إلى قبول الذات، وهناك مقولة لأحد الحكماء:
"تقبّل كل شيء فيك، اعتز بكل ما تملكه، فأنت أنت وهذه هي البداية
والنهاية فلا اعتذار ولا أسف". هذه هي البداية أن يتقبّل المجتمع ذاته
وما يملكه ويعتز ويفخر بما يملكه. الأمر الثاني يتعلق بوجود آلية ذات
عناصر واضحة ومحددة لتخفيض درجة التأثر بالعادات والتقاليد التي تسود
في مجتمعات أخرى، يجب أن يدرك الجميع والشباب على وجه الخصوص أن
تراثنا الأفضل وأن الإنسان عندما يتخلى عن موروثاته ومعتقداته، فمصيره
إلى التخبط في دروب الحياة دون هدف أو غاية نبيلة، الأمر الثالث يتعلق
بتنمية القدرة على ابتكار حلول فعّالة لمشكلات المجتمع، ودائماً يجب
أن يكون هناك يقين بأن أفضل الحلول هي التي تأتى من داخل المجتمع،
الأمر الرابع يتعلق باستنفار الطاقات الذاتية لأفراد المجتمع، ونشر
ثقافة تطوير الذات؛ إذ يسعى كل فرد في المجتمع إلى اكتشاف ذاته من
جديد وتنمية قدراته التي تزيد من درجة تفاعله مع أنشطة المجتمع
وتوجهاته. إن صناعة الذات يصنع للشخصية كياناً، وعندما يرتفع وينتشر
هذا البناء في المجتمع فنحن بصدد مجتمع تحركه طاقات ذاتية تمكنه من
الصمود والصعود.
قضية الثقة بالنفس تفرض نفسها على ساحة العمل في كل المجتمعات
الإسلامية، وفي مجتمعنا العربي على وجه الخصوص، نحن الآن في أمس
الحاجة إلى تدعيم ثقتنا بأنفسنا حتى نستطيع أن نمتلك عجلة القيادة،
وأن نسيطر على نظم التشغيل في كافة المجالات، وأن ننجح في رسم وتنفيذ
ما نخطط له. فعلى مر العصور لم يواجه مجتمعنا ما يجعله يسعى حثيثاً
إلى تدعيم ثقته بذاته كما يواجه في عصرنا هذا. وفى ذات الوقت وعلى مر
العصور لم يواجه مجتمعنا ما يجعله يفقد ثقته بذاته كما يواجه في عصرنا
هذا. والاختيار لن يُفرض عليه، ولكن سوف يفرضه على نفسه، والآثار
المترتبة على الاختيار ستسعد بها أو تشقى أجيال قادمة.
أشعر أننا بحاجة إلى مشروع وطني لبناء الثقة بالنفس، مشروع يشارك
الجميع في تخطيطه وتنفيذه، مشروع يتوجه إلى الفرد والمؤسسة والمجتمع،
مشروع هدفه الأساس أن يتمكن المجتمع من اتخاذ قراراته بنفسه. هذا
المشروع ينبغي أن يحمل الرسالة التالية:
إلى مجتمعنا الفاضل: ثقْ بأنك تمتلك التاريخ الذي يشهد له
العالم.
ثقْ بأنك تمتلك المقومات التي يحسدك عليها العالم.
ثقْ بأنك تمتلك العقيدة التي لا يستطيع أن يزعزعها العالم.
ثقْ بأنك تمتلك الأفراد الذين باستطاعتهم أن يبهروا العالم.
ثقْ يأنك تمتلك الرؤية التي ينبغي أن يحترمها العالم.
ثق بأنك تمتلك ما يجعلك أكثر تأثيراً في هذا العالم.
مجتمعنا الفاضل..تقدم..تقدم..تقدم.