تربية الأبناء في الإسلام

منذ 2013-03-27

تعددت أساليب التربية للأبناء حتى يكون هناك متسع لممارسة الأسلوب المناسب للشخصية المراد تربيتها بما يتناسب مع قدراتها، فينتج لنا شخصيات إسلامية فذة نافعة لدينها ومجتمعها. ويجب الأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفردية لكل طفل والتعامل معه بما يناسب قدراته، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستخدم أسلوباً واحداً في التربية فقد يستخدم في موقف أسلوب وفي موقف آخر أسلوب مختلف.

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...

في البداية نستمد العون بتربيتنا لأبنائنا من كتاب ربنا سبحانه وتعالى وسنة رسولنا عليه الصلاة والسلام.

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: من الآية 21]، أي قدوة، فيجب أن نضع في عين الاعتبار أن يكون قدوتنا في ذلك رسول الله وصحابته الكرام، فنسير على نهجهم كي تستقيم تربيتنا، وتكون في إطار ديني صحيح،، فهم رجال الأمة ونساء المستقبل، وهم رأس مال الأمة الإسلامية الحقيقي.

- فنحن نريد تربية أجيالاً صالحين عابدين لله، وداعين إلى الإسلام أينما كانوا وأينما حلوا، داعين في أقوالهم وأفعالهم فهذه مسؤوليتنا، وخاصة ا?أم فهي مدرسة متكاملة.

- ويجب الأخذ بعين الاعتبار الفروقات الفردية لكل طفل والتعامل معه بما يناسب قدراته، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستخدم أسلوباً واحداً في التربية فقد يستخدم في موقف أسلوب وفي موقف آخر أسلوب مختلف.

- قسم علماء النفس مرحلة الطفولة إلى أقسام:

1- مرحلة المهد: تبدأ من الولادة إلى السنتين.

2- مرحلة الطفولة المبكرة: تبدأ من 2-6 سنوات.

3- مرحلة الطفولة المتوسطة: من 6-9 سنوات.

4- مرحلة الطفولة المتأخرة: من 9-12 سنة.

وعليه تعتبر مرحلة الطفولة طويلة نسبياً إلى نسبة عمر الإنسان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من تجوز ذلك» [رواه الترمذي وابن ماجة].

يعني الطفولة خُمس عمر الإنسان وهذه لحكمة من الله عز وجل، حتى يكون هناك فترة كافية للتربية، وحتى تتأصل في النفس مبادئ التربية، ثم يكون التطبيق العملي فالطفل كالعجينة الطرية، سهل الانقياد، سريع التأثر، يتقبل التوجيه والإرشاد.

قال تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: من الآية 30]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [رواه البخاري]، فهذا إشارة إلى التأثير القوي للأم والأب على أبناءهم إذا رغبوا غرس أمر ما في نفوسهم.

- وهنا قول مفيد للإمام الغزالي رحمه الله: "يقول إن الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ثمينة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش إلى كل ما يقال فإن عُوِّدَ الخير وعمله تنشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل معلم له ومؤدب وإن عُوِّدَ الشر وأهمل شقيَ وهلك وكان الوزر في رقبة القيم والوالي له".

من أساليب التربية الإسلامية:

1- أسلوب القدوة الحسنة: هي من أهم الأساليب للتربية الإسلامية السليمة، فكل إنسان في هذه الدنيا لابد أن تكون له إما قدوة حسنة أو سيئة والطفل القدوة أمامه أمه وأبيه فلابد إذا أمرناهم بفعل إسلامي أن نكون ملتزمين نحن به أولاً، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].

فالدنيا معبر وممر للآخرة فلابد للإنسان أن يأخذ بيد من يعول من أبناء ليعبر بهم إلى بر الأمان الجنة فالمربي الأم والأب بمثابة القارب لهذا المعبر فإذا كان القارب جيداً ومتيناً عبَر به بسلام، فلا تنهى عن فعلٍ وتأتي بمثله.

مثال، الصدق: فلا نأمر أطفالنا بالصدق ونأتي بعكسه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]. والقدوة هنا مشتركة بين البيت والمدرسة، وقدوتنا جميعاً هو رسول الله ثم الخلفاء الراشدين، وأصحابه، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

وقال عليه الصلاة والسلام: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة» [حديث صحيح]، فلابد من القول والعمل على ضوء ذلك، لأن الطفل عندما يُشاهدك تقتدي بتلك القدوات سيتبعك وستأخذ معه الأجر على مر الزمان.

مثال، قدوة الرسول لأصحابه: فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقتدي برسول الله في كل كبيرة وصغيرة فلما جاء إلى الحجر الأسود فقبله وقال: "إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيتُ النبي يُقبِّلك ما قبلّتُك".

2- أسلوب الموعظة الحسنة: هو أسلوب مؤثر في تربية الطفل، وهو من أساليب الرسل والأنبياء فكلما ابتعد المربي عن أسلوب الشدة مع الطفل كلما جاءت النتائج أفضل، ولكي يتقبل الطفل هذا الأسلوب لابد أن يصدر عن شخص يحبه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فالقرآن الكريم مليء بالمواعظ والتوجيهات الكريمة التي تصلح أن تكون منهج حياة متكامل، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، ولكن لا يكثر من الوعظ كي لا يُصاب الطفل بالملل والسآمة فهذا يضعف من تأثيره.

مثال، فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الغلام -عمر بن أبي سلمة-: فقد وعظه بأسلوب لين هين سهل يفهمه فعن عمر بن أبي سلمة قال: كُنتُ غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ياغلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» [متفق عليه]، فما زالت تلك طعمتي بعد كذلك ممكن أن تكون الموعظة الحسنة بصورة غير مباشرة وتحدث تأثيراً كبيراً على الإنسان،، كذلك يجب أن يبدأ المربي في موعظة أبناءه بالأهم فالمهم "مثل الصلاة".

3- أسلوب الترغيب والترهيب:

أ- أسلوب الترغيب: يعني وعد يصاحبه تحبيب الإنسان وإغرائه بإنجاز عمل ما، قال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15]، ومن الأحاديث المرغبة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» [رواه الترمذي].

وأسلوب الترغيب ينقسم إلى قسمين:

1- تشجيع مادي؛ مثال: تقول إذا حفظت سورة معينه سوف أعطيك مبلغاً من المال.

2- تشجيع معنوي؛ كالشكر، والمدح، والتشجيع مثال: الإشادة بالطفل بما عمل أمام الناس وهاذان النوعان بحسب ما يراه المربي مناسباً للموقف وممكن أن يجمع المربي بين الطريقتين بحسب أهمية الموقف كما وأنه يجب الوفاء بالوعد من قبل المربي حتى لا يفقد الطفل ثقته، وحتى لا تصبح النتائج عكسية، فعن عبد الله بن عامر أنه قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: ها تعال وأعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أردت أن تعطيه؟» قالت: أعطيه تمراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تعطيه شيئاً كُتبت عليك كذبة» [أخرجه أحمد والبخاري].

ب ? أسلوب الترهيب: وهو وعد يصاحبه تهديد بالعقوبة إذا عصى الله سبحانه وهو أسلوب تربوي لا يمكن الاستغناء عنه في بعض المواقف.

قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: من ا?آية 124]. وقد ورد الكثير من الأحاديث في ذلك مربياً الرسول لأصحابه. عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ومازال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» [رواه مسلم]، فلا بد أن يُعلم الأبناء أن وراء كل عمل وسلوك يعمله نتائج إما سارة أو مؤلمة،، فإن عمل خيراً نال السرور والحلاوة في الدنيا والآخرة، وإن عمل شرّاً نال الألم والمرارة في الدنيا والآخرة.

4- أسلوب القصة: وهي بكثرة في القرآن الكريم لما لها الأثر في النفوس، قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك أَحْسَن الْقَصَص بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن وَإِنْ كُنْت مِنْ قَبْله لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3]، إن للقصة تأثيراً عجيباً على الإنسان بالعموم لما تثير فيه من تصورات، وخواطر، وخيالات تحرك لسانه وجوارحه وتطلق فيه القوى الكامنة، فهناك القصة القرآنية وهناك القصة النبوية؛ فالقصة القرآنية واردة بكثرة في القرآن ولها أكبر الأثر في حياة المؤمن فهناك سورة كاملة باسم سورة القصص، حيث يحمل القرآن العديد من قصص الأنبياء وكثير من قصص الأمم السالفة المكذبة، وكثير من قصص الغزوات، والأحداث التي حدثت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

أهداف القصص القرآنية:

- بيان أن الله سبحانه وتعالى هو القادر وبيده ملكوت كل شيء وأنه إذا قال للشيء له كن فيكون.

- لتثبيت وغرس العقيدة الصحيحة.

- ترسيخ مخافة الله تعالى في السر والعلن.

- تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلم.

أما القصة النبوية: والتي هي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فكلها عبر وعظات وتربية وأخلاق.

5- ومن أساليب التربية أسلوب ضرب الأمثال: وهو أسلوب فعال بحيث يساعد الطفل على فهم الأشياء الغير محسوسة بتقريبها إلى فهمه بضرب الأمثال بالأشياء المحسوسة لديه قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، كذلك كان الرسول عليه الصلاة والسلام يضرب الكثير من الأمثال في الأحاديث الشريفة لتقريب الشيئي المراد فهمه لأذهان الناس.

6- أسلوب التدرج: التدرج من الشيئي المعروف إلى الشيئي المجهول لدى الطفل، ومن الشيء السهل إلى الصعب والتدرج مطلوب ومذكور في القرآن في عدة مواضع.

مثال: تحريم الخمر لقد تدرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، ففي البداية خوفهم بالنار ورغبهم بالجنة ثم بعد ذلك نزل الحلال والحرام فلو قال لا تشربوا الخمر أبداً لقالوا لا ندع الخمر أبداً.

وهكذا تعددت أساليب التربية للأبناء حتى يكون هناك متسع لممارسة الأسلوب المناسب للشخصية المراد تربيتها بما يتناسب مع قدراتها، فينتج لنا شخصيات إسلامية فذة نافعة لدينها ومجتمعها.

أعاننا الله وإياكم على تربية أبناءنا وأثابنا وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

 

صفاء بنت محمد الخالدي

- درست على الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( من خلال الأشرطة والكتب ) - حصلت على خمس شهادات في العقيدة والفقه من معهد منارة العلوم الشرعية للدراسة عن بعد - تلقي العديد من المحاضرات والدورس الشرعية في المساجد والدور النسائية

  • 19
  • 1
  • 17,611

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً