المسلمون ضحية الإرهاب المذموم والمدلل
لماذا يتم التحرك والتدخل السريع في مالي رغم بساطة الخسائر -مقارنة بما يحدث في سوريا- وسوريا منذ سنتين تعاني ولا تدخل أو منع لدعم الإرهاب الذي يمارسه النظام الأسدي بدعم إيراني وروسي؟
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
فجأة وبدون سابق إنذار تقصف المقاتلات الفرنسية الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال مالي، وذلك بعد يوم من انتصارهم على الجيش ودخول مدينة كونا، ويخرج الرئيس الفرنسي علينا بتصريحات على شاكلة: "التدخل العسكري لفرنسا في مالي سيستمر ما تطلب الأمر ذلك حتى يتم القضاء على الإرهاب في المنطقة".
أما الرئيس الأمريكي فيعلق على عملية اختطاف الرهائن في منشأة ميناس الجزائرية بقوله: "أفكار الشعب الأميركي وصلواته تتجه نحو عائلات جميع الذين قتلوا أو جرحوا في الهجوم الإرهابي في الجزائر"، ومتعهدا بأن تتعاون بلاده مع السلطات الجزائرية لعدم تكرار (ذلك العمل الإرهابي).
وهذا الموقف الغريب في سرعته وقوته وصراحته جعلت حتى أصدقاء الغرب والليبرالية مثل طارق الحميد في مقاله (وماذا عن إرهاب النظام السوري؟) (الشرق الأوسط 21/1/2013)، يتساءل: "وماذا عما يحدث بحق السوريين؟ الإشكالية هنا أن نظام الأسد يواصل الليل بالنهار قتلا بالسوريين، ويستعين بجماعات طائفية محسوبة على إيران من العراق ولبنان، لقتال الشعب السوري، وهذا ليس كل شيء، بل إن الأسد يستخدم الطائرات الحربية لقصف المدنيين... فماذا عن أكثر من ستين ألف قتيل سوري على يد الأسد؟ وماذا عن حالات الاغتصاب الجماعي بحق النساء؟ وماذا عن قتل الأطفال؟".
وهنا لب الموضوع وعقدة القضية، لماذا يتم التحرك والتدخل السريع في مالي رغم بساطة الخسائر -مقارنة بما يحدث في سوريا- وسوريا منذ سنتين تعاني ولا تدخل أو منع لدعم الإرهاب الذي يمارسه النظام الأسدي بدعم إيراني وروسي؟
العلة أصلاً في مفهوم الإرهاب الذي لمحاربته تقصف الطائرات الفرنسية في مالي ولمحاربته تقصف طائرات الأسد الشعب السوري كما في خطبة بشار في دار الأوبرا!!
الإرهاب، هذه الشماعة الكبيرة التي تعلق عليها كثير من الجرائم والسياسات المجرمة من أطراف متعددة ولكن ضحيتها دوماً هم المسلمون، فالإرهاب ليس له تعريف متفق عليه قانونياً، ولكنه دوماً تعريف يجرّم المسلمين فحسب ويقع ضحيته المسلمون أيضاً!!
فمفهوم الإرهاب في القانون المعاصر كان يقصد به فعل الدول، ونصت عليه لجنة الفقهاء المنبثقة عن مؤتمر لاهاي للسلام عام 1919م تحت عنوان (الإرهاب المنظم)، أما لجنة القانون الدولي فقد نصت في المادة 6 من مشروع تقنين الجرائم ضد سلام وأمن البشرية سنة 1954م على أن أفعال الإرهاب تتضمن: (مباشرة سلطات الدولة أنواعاً من النشاط الإرهابي في دولة أخرى أو تشجيعها أو السماح لها بنشاط منظم الغرض منه تنفيذ أفعال إرهابية في دولة أخرى)، لكن مع تصاعد الإرهاب في الستينيات والسبعينيات الذي تنفذه منظمات وجماعات ثورية أو أفراد ماركسيون، تم التنصيص في المعاهدات الدولية على تجريم هذه الأفعال مثل خطف الطائرات وما شابه في اتفاقيات طوكيو 1963، لاهاي 1970، مونتريال 1971، روما 1973، فنصت هذه الاتفاقيات على أن الإرهاب جريمة دولية.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2011 أصبح هناك تركيز كبير على محاربة الإرهاب، لكن ثمة كثير من الغموض في مفهوم الإرهاب المقصود، فأمريكا والغرب وإسرائيل وروسيا تسعى لربط الإرهاب بالأفراد والجماعات دون الدول، وذلك من أجل استثناء إسرائيل وروسيا من جرائم الإرهاب وكذلك من أجل التجاوز عن السياسات الاستعمارية القديمة والحديثة في فلسطين والشيشان مثلاً، وحفاظاً على بعض الأنظمة المرتبطة بمصالحها كالنظام السوري فبرغم كل هذه الجرائم لم يقدم بشار ونظامه للمحكمة الجنائية الدولية بسبب الفيتو الروسي في مجلس الأمن.
وأما إسرائيل فقد حرص نتنياهو على تقليص مفهوم الإرهاب ليقتصر على أعمال المقاومة الفلسطينية فحسب من خلال تعريفه للإرهاب بأنه: "الإقدام عمداً وبصورة منظمة على ارتكاب جرائم قتل الأبرياء وتشويههم وتعريضهم للخطر وذلك لبث الخوف من أجل غاي?ت سياسية"، ويفصل كاتب إسرائيلي يدعى (أي ميرا ري) تعريف الإرهاب على مقاس الفلسطينيين فيقول: "هو الاستعمال المنتظم للعنف من قبل أفراد أو جماعات أدنى من الدولة خدمة لأغراض سياسية أو اجتماعية أو دينية والذي يتجاوز واقعه النفسي المقصود النتائج المادية إلى حد بعيد"، وبذلك لا يتعلق الإرهاب بممارسات الدول كإسرائيل.
ولهذا نجد أن بعض الإرهابيين المطلوبين للقضاء بسبب جرائمهم الإرهابية مثل بيغن وإسحاق شامير يصبحان رئيسي دولة معترف بهما ويتم استقبالهما في الغرب كرئيسين شرعيين، بينما الرئيس السوداني عمر البشير يتنقل بين الدول كشخص مطارد وفار من العدالة!!
وعلى نفس الشاكلة قطعان المستوطنين الإسرائيليين المدججين بالأسلحة والذين يقتلون ويسرقون المنازل والأراضي يومياً بالقوة فلا شأن لقوانين الإرهاب بهم، ولكن أعضاء المقاومة الفلسطينية هم هدف مشروع للاغتيال في أي أرض وتحت أي سماء!!
وفي بورما تقوم ميلشيات البوذيين رهباناً -وهم مدربون على الفنون القتالية- وعسكريين بأبشع المجازر ضد الأقلية المسلمة ولكن المجتمع الدولى لا يحرك ساكناً.
ولماذا الميلشيات العسكرية الشيعية الطائفية تعربد وتمارس كافة أشكال الإرهاب في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وغيرها، ومن ثم لا تجد من يدينها أو يلاحقها أو يجمد حساباتها على غرار كثير من الجمعيات الخيرية السنية المسالمة؟
وحتى تنظيم القاعدة وما يلحق به من جماعات فإن غالب ضحايا عملياتهم هم المسلمون، ولو أجريت إحصائية لعدد المسلمين من قتلى القاعدة وأخواتها لتفوقت على أعداد غير المسلمين، والضرر الاقتصادي وتدمير البنية التحتية للمسلمين التي نتجت عن عمليات القاعدة لا تقارن بحجم خسائر الغرب الذي تحاربه القاعدة، والتضييق على الدعوة الإسلامية والعمل الخيري في كل العالم لا يقارن بأي نتائج حققتها القاعدة.
وفي المقابل فإن القاعدة وما يلحق بها من جماعات متطرفة ما لقيت من دعم واحتضان إلا من قبل الأعداء أنفسهم، فالجزائر لعبت بورقة الإرهاب والجماعات سنين طويلة، وجهاز أمن الدولة المصري كان يفتعل بعض الجرائم الإرهابية ويلصقها بالجماعات الإسلامية وآخر ما كشف عنه حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية 1/1/2011، أما سوريا وإيران فكانتا نعم الحاضنة لكثير من كوادر القاعدة في السنوات الماضية، وحتى القذافي وبشار ألم يحذرانا من قدوم القاعدة إذا ذهبا، ويبدو أن هذا يجرى ضمن مخطط أكبر يستهدف إبقاء مصدر خطر إسلامي في المنطقة تتهدد به بعض الأنظمة القائمة، ويبرر بعض السياسات الأمنية ويشرعن كثيرا من صفقات السلاح التي تتغذي عليها لوبيات السلاح والمال والسياسة (الأوليغارشية/ الأوليغار?ية).
الإرهاب مرفوض في الإسلام ومن قبل المسلمين، ولكن أن يحارب الإرهاب والمزعوم في كثير من الأحيان على حساب المسلمين فهذا مرفوض، فلماذا حين يقوم إرهابي غير مسلم بقتل العشرات من الطلاب لا يتم إهانته أو اتهام طائفته ودينه ومهاجمة المؤسسات التي يتبع لها؟ بينما يحصل ذلك فقط مع الإرهابي المسلم!
لماذا حين يكون المسلمون هم الضحايا لا يحاكم الإرهابي؟
لماذا المسلم هو ضحية الإرهاب دوما سواء كان قتيلاً أم قاتلاً؟
متى يشعر المسلمون أن الإرهاب ليس مذموما ومحاربا إلا حين ينسب لهم، في حين هناك إرهاب مدلل لا يحاسبه أحد وهو الإرهاب الذي يقتلهم ويفجرهم كل يوم وأمام كاميرات الإعلام المباشر؟
إنه قانون القوة لا قوة القانون، فمتى كان لك ظهر قوي لا تكترث بإرهاب أو غيره طالما الضحية هو مسلم ضعيف، ودع عنك الشعارات البراقة بالعدالة الدولية ومجلس الأمن، وصدق المتنبي حين قال:
أسامه شحادة - 14/03/34