تذكير المسلمين بصلاة الأوابين
هيا بنا نتعرف على هذه الأمور الخاصة بهذه الصلاة في هذه المقالة المتواضعة...
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
إن الصلاة عبادة من العبادات الربانية الإلهية التي فرضها الله عز وجل على عباده، والصلاة هي أول ما يُحاسب عليه يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، منها ما هو فرضٌ يعاقب الإنسان على تركه وهي الصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة، وهناك صلوات أخرى مسنونة سنها لنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعلها المسلم حصّل من وراءها الحسنات الكثيرة، وإن تركها لم يُعاقب عليها، ومن هذه الصلوات المسنونة صلاة الضحى التي سمّاها النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة الأوابين، فما هو فضلها وعدد ركعاتها ووقتها.
هيا بنا نتعرف على هذه الأمور الخاصة بهذه الصلاة في هذه المقالة المتواضعة.
أولاً: فضلها:
ورد في فضل صلاة الضحى أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها:
1- أنها وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" [خرجه البخاري في صحيحه - كتاب الصوم - باب صيام أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ? حديث رقم (1895)، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب استحباب صلاة الضحى - حديث رقم (1217)].
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: "وفي الحديث دليل على استحباب صلاة الضحى وأنها ركعتان ولعله ذكر الأقل الذي توجّه التأكيد لفعله وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها لا ينافي استحبابها لأن الاستحباب يقوم بدلالة القول وليس من شرط الحكم: أن تتضافر عليه الدلائل نعم ما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم تترجّح مرتبته على هذا الظاهر" [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: جـ(1)، صـ (2872)].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أوصاني حبيبي بثلاث لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وأن لا أنام حتى أوتر" [أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب استحباب صلاة الضحى - حديث رقم (1218)].
2- أنها تجزئ عن صدقات كثيرة:
عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «يُصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» [أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب استحباب صلاة الضحى - حديث رقم (1216)].
قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه دليل على عِظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين" [شرح صحيح مسلم: جـ(5)، صـ (234)].
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: "أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان فإن الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته والله أعلم" [شرح الأربعين النووية: جـ(1)، صـ (70)].
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: "والحديثان يدلان على عِظم فضل الضحى وأكبر موقعها وتأكد مشروعيتها، وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة، ويدلان أيضاً على مشروعية الاستكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفن النخامة وتنحية ما يُؤذي المار عن الطريق، وسائر أنواع الطاعات ليسقط بفعل ذلك ما على الإنسان من الصدقات اللازمة في كل يوم" [نيل الأوطار: جـ(3)، صـ(79)].
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "معنى الحديث على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة لأنه إذا أصبح العضو سليماً فينبغي أن يشكر ويكون شكره بالصدقة فالتسبيح والتحميد وما ذكره يجري مجرى الصدقة عن الشاكر وقوله «ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى»؛ لأن الضحى من ?لصباح وإنما قامت الركعتان مقام ذلك لأن جميع الأعضاء تتحرك فيها بالقيام والقعود فيكون ذلك شكرها" [كشف المشكل من حديث الصحيحين: للإمام ابن الجوزي جـ(1)، صـ(243) طبعة دار الوطن بالرياض ? (1418هـ-1997م) ? تحقيق: علي حسين البواب].
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته. وله عليه في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه تقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلى ربه، وإن شغله بهوى أرواحه وبطالة تأخر، فالعبد لا يزال في التقدم أو تأخر ولا وقوف في الطريق البتة قال تعالى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: من الآية 37] [الفوائد: صـ(193)].
3- حرص النبي صلى الله عليه وسلم عليها: وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "كَانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أرْبَعاً، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ الله" [أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب استحباب صلاة الضحى حديث رقم (1210)].
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: "لعله ذكر الأقل الذي يوجد التأكيد بفعله. قال: وفي هذا دليل على استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها لأنه حاصل بدلالة القول وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل، لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعلٍ مرجّح على ما لم يواظب عليه" [سبل السلام: جـ(2)، صـ(16)].
وعن أُمِّ هَانِىءٍ فاختة بنت أَبي طالب رضي الله عنها، قالت: "ذَهَبْتُ إِلَى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَامَ الفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَذَلِكَ ضُحىً" [أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجزية - باب أمان النساء وجوارهن ? حديث رقم (3016)، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحيض - باب تستُّر المغتسل بثوب ونحوه ? حديث رقم (536)].
4 - صلاة الضحى صلاة الأوابين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الضحى صلاة الأوّابين» [أخرجه الديلمي في مسند الفردوس وصحّحه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (3827)]. وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أوّاب» قال: «وهي صلاة الأوّابين» [أخرجه الحاكم في المستدرك - من كتاب صلاة التطوع - فأما حديث عبد الله بن فروخ ? حديث رقم (1116)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (7628)].
قال الإمام المناوي رحمه الله: «لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أوّاب وهي صلاة الأوّابين» فيه الرد على من كرهها وقال إن إدامتها تُورِث العمى، والأوّاب الرجاع إلى الله بالتوبة يقال آب إلى الله رجع عن ذنبه فهو أوّاب مبالغة [فيض القدير: جـ(6)، صـ(578)]. وعن القاسم الشيباني، أن زيد بن أرقم، رأى قوماً يُصلون من الضحى، فقال: "أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال» [أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ? حديث رقم (1277)].
قال الإمام النووي رحمه الله: "«صلاة الأوابين حين تَرَمض الفصال» هو بفتح التاء والميم يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء الرمل الذي اشتدت حرارته بالشمس أي حين يحترق أخفاف الفصال، وهي الصغار من أولاد الإبل جمع فصيل من شدة حر الرمل. والأواب المطيع وقيل: الراجع إلى الطاعة. وفيه فضيلة الصلاة هذا الوقت قال أصحابنا: هو أفضل وقت صلاة الضحى، وإن كانت تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال" [شرح النووي على مسلم: جـ(6)، صـ(30)].
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: "والحديث يدل على أن المستحب فعل الضحى في ذلك الوقت، وقد توهم أن قول زيد بن أرقم أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل كما في رواية مسلم يدل على نفي الضحى، وليس الأمر كذلك بل مراده أن تأخير الضحى إلى ذلك الوقت أفضل" [نيل الأوطار: جـ(3)، صـ(80)].
تكفَّل الله تعالى لمن ركع أربع ركعات من الضحى كفاه آخر النهار من المؤنة وغيرها. عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى: ابن آدم اركع لي أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره» [أخرجه الترمذي في سننه - أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبواب الوتر - باب ما جاء في صلاة الضحى حديث رقم (457) وصحّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (475)].
قال الإمام المناوي رحمه الله: "«من أول النهار أكفك آخره» أي ش?ّ ما يحدثه في آخر ذلك اليوم من المحن والبلايا فأمره تعالى بفعل شيء أو تركه إنما هو لمصلحة تعود على العبد، وأما هو فلا تنفعه الطاعة ولا تضرّه المعصية". وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "هذا من الأحاديث الإلهية وهي تحتمل أن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله تعالى بلا واسطة أو بواسطة" [فيض القدير: جـ(4)، صـ(615)].
5 - صلاة الضحى غنيمة عظيمة:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة فتحدّث الناس بقرب مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة من توضأ ثم غدا إلى المسجد لسبحة الضحى فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعة» [أخرجه أحمد في مسنده - ومن مسند بني هاشم- مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما - حديث رقم (6466)، وقال الألباني: حسن صحيح انظر: صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (668)]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة، فقال رجل: يا رسول الله، ما رأينا بعثاً قط أسرع كرةً ولا أعظم غنيمةً من هذا البعث، فقال: «ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة رجل توضأ فأحسن الوضوء ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة ثم عقب بصلاة الضحوة فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة» [رواه ابن حبان في صحيحه - باب الإمامة والجماعة- باب الحدث في الصلاة - ذكر إثبات أعظم الغنيمة لمعقب صلاة الغداة بركعتي الضحى - حديث: (2575) وقال الألباني: حسن صحيح انظر: صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (470 -669)].
7 - صلاة الضحى بعمرة:
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المُحرِم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين» [أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الصلاة - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة - حديث: (476) وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم (558) وصحيح الجامع حديث رقم (3837-6228)]. قوله: «من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج» المُحرِم أي: كما أن الحاج إذا كان محرِماً قبل الميقات كان ثوابه أتم، فكذلك الخارج إلى الصلاة إذا كان متطهراً من بيته كان ثوابه أفضل، شبه بالحاج المحرم لكون التطهر من الصلاة بمنزلة الإحرام من الحج لعدم جوازهما بدونهما. وقيل: المراد كأصل أجره، وقيل: كأجره من حيث أنه يكتب له بكل خطوةٍ أجر كالحاج، وإن تغاير الأجران كثرة وقلة أو كمية وكيفية.
وقال الطيبي: "«من خرج من بيته» أي: قاصداً إلى المسجد لأداء الفرائض. وإنما قدرنا القصد ليطابق الحج لأنه القصد الخاص، فنزل النية مع التطهير منزلة الإحرام. وأمثال هذه الأحاديث ليست للتسوية، كيف وإلحاق الناقص بالكامل يقتضي فضل الثاني وجوباً ليفيد المبالغة، وإلا كان عبثاً، فشبه حال المصلي القاصد إلى المكتوبة بحال الحاج المحرِم في الفضل مبالغةً وترغيباً للمصلي ليركع مع الراكعين، ولا يتقاعد عن حضور الجماعات. تسبيح الضحى أي: صلاة الضحى، وكل صلاة تطوع تسبيحة وسبحة".
قال الطيبي: "المكتوبة والنافلة وإن اتفقتا في أن كل واحدة منهما يسبح فيها إلا أن النافلة جاءت بهذا الاسم أخص من جهة أن التسبيحات في الفرائض والنوافل سنة، فكأنه قيل للنافلة تسبيحة على أنها شبيهة بأذكار في كونها غير واجبة. «لا ينصبه» أي: لا يُتعبه ولا يُخرجه، بضم الياء من الأنصاب وهو الإتعاب، مأخوذ من نصب بكسر الصاد أي: تعب، وأنصبه غيره أي: أتعبه، ويُروى بفتح الياء من نصبه إذا أقامه، قاله زين العرب". وقال التوربشتي: "هو بضم الياء والفتح احتمال لغوي لا أحققه رواية «إلا إياه» أي: لا يزعجه ولا يحمله على الخروج إلا ذلك، أي: تسبيح الضحى. وحقه أن يقال: إلا هو، فوضع الضمير المنصوب موضع المرفوع".
قال ابن الملك: "وضع الضمير المنصوب موضع المرفوع لأنه استثناء مفرغ يعني لا يتعبه إلا الخروج إلى تسبيح الضحى. «فأجره كأجر المعتمر» إشارة إلى أن فضل ما بين المكتوبة ولا نافلة، والخروج إلى كل واحد منهما، كفضل ما بين الحج والعمرة، والخروج إلى كل واحد منهما" [مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: جـ(2)، صـ(441)]. وقال الطيبي رحمه الله: "وإنما مدحهم بصلاتهم في الوقت الموصوف؛ لأنه وقت تركن فيه النفوس إلى الاستراحة، ويتهيأ فيه أسباب الخلوة وصرف العناية إلى العبادة، فيرد على قلوب الأوابين من الإنس بذكر الله وصفاء الوقت ولذاذة المناجاة ما يقطعهم عن كل مطلوب سواه" [المرجع السابق: جـ(4)، صـ(351)].
ثانياً: وقتها:
لا خلاف بين الفقهاء في أن الأفضل فعل صلاة الضحى إذا علت الشمس واشتد حرّها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الأوابين حين تَرَمض الفصال». ومعناه أن تحمى الرمضاء وهي الرمل فتبرك الفصال من شدة الحرّ".
قال الطحاوي: "ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار". وجاء في مواهب الجليل نقلا عن الجزولي: "أول وقتها ارتفاع الشمس، وبياضها وذهاب الحمرة، وآخره الزوال". قال الحطاب نقلاً عن الشيخ زروق: "وأحسنه إذا كانت الشمس من المشرق مثلها من المغرب وقت العصر".
قال الماوردي: "ووقتها المختار إذا مضى ربع النهار". قال البهوتي: "والأفضل فعلها إذا اشتد الحرّ". ثم اختلف الفقهاء في تحديد وقت صلاة الضحى على الجملة. فذهب الجمهور إلى أن وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس إلى قبيل زوالها ما لم يدخل وقت النهي. وقال النووي في الروضة: "قال أصحابنا الشافعية: وقت الضحى من طلوع الشمس، ويستحب تأخيرها إلى ارتفاعها". ويدل له خبر أحمد عن أبي مرة الطائفي قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله: يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات من أول نهارك أكفك آخره» [أخرجه أحمد في مسنده وصحّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (672)]. لكن قال الأذرعي: "نقل ذلك عن الأصحاب فيه نظر، والمعروف من كلامهم الأول أي ما ذهب إليه الجمهور" [انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: جـ(27)، صـ(223-225)].
ثالثاً: عدد ركعاتها:
اختلف الفقهاء في أقلها وأكثرها؛ فذهب المالكية والحنابلة: إلى أن أكثر صلاة الضحى ثمانٍ لما روت أم هانئ "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة وصلى ثماني ركعات، فلم أرى صلاة قط أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود". وصرّح المالكية: بكراهة ما زاد على ثماني ركعات، إن صلاها بنية الضحى لا بنية نفل مطلق، وذكروا أن أوسط صلاة الضحى ست. ويرى الحنفية والشافعية: في الوجه المرجوح وأحمد في رواية عنه أن أكثر صلاة الضحى اثنتا عشرة ركعة. لما رواه الترمذي والنسائي بسندٍ فيه ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصراً من ذهب في الجنة». قال ابن عابدين نقلاً عن شرح المنية: "وقد تقرّر أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في الفضائل". وقال الحصكفي من الحنفية، نقلاً عن الذخائر الأشرفية: "وأوسطها ثمانٍ وهو أفضلها؛ لثبوته بفعله وقوله عليه الصلاة والسلام وأما أكثرها فبقوله فقط، وهذا لو صلى الأكثر بسلام واحد أما لو فصل فكلما زاد أفضل".
أما الشافعية: "فقد اختلفت عباراتهم في أكثر صلاة الضحى إذ ذكر النووي في المنهاج أن أكثرها اثنتا عشرة وخالف ذلك في شرح المهذب، فحكى عن الأكثرين: أن أكثرها ثمان ركعات. وقال في روضة الطالبين: أفضلها ثمانٍ وأكثرها اثنتا عشرة، ويسلم من كل ركعتين" [انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: جـ(27)، صـ(225-226)].
كانت هذه بعض الكلمات اليسيرة عن صلاة الضحى وبيان فضلها ووقتها وعدد ركعاتها نسأل الله تعالى أن يوفقنا للقيام بهذه الصلاة والمحافظة عليها حتى ننال هذه الأجور العظيمة.
وفقنا الله تعالى وإياكم لما يحبه ويرضاه وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أحمد عرفة
- التصنيف:
- المصدر: