أخطأنا التقدير ولم نكذب
محمد جلال القصاص
انتشر حديثٌ مفاده أن الإسلاميين أخلفوا الناس ما وعدوهم؛ يتحدثون بأننا رفعنا شعارات وتخلينا عنها حين "حكمنا"، فهل هذا صحيح؟
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
انتشر حديثٌ مفاده أن الإسلاميين أخلفوا الناس ما وعدوهم؛ يتحدثون بأننا رفعنا شعارات وتخلينا عنها حين "حكمنا". ونميز بين نوعين من المتحدثين بهذا الحديث:
نوع في سياق العداوة لمن حكم، فقط لأنه يريد أن يحكم هو لا غيره، ويرمي بما تطاله يده، ليس له غاية إلا انتقاص الموجودين في الحكم. وهذا النوع من خلق الله يرى الحسن قبيحًا، يُقَلِّبُ الناس وإنْ بباطل.
ونوع (وهم عامة الناس في الغالب)، تغلبهم العجلة، يرددون ما يتلى عليهم دون أن يفكروا فيه، ولا همَّ لهم إلا تحقيق أهدافهم، عاجلاً غير آجل.
دائماً هنا فرق بين النظرية والتطبيق، وهذا الفرق أضيق ما يكون في الحالة الإسلامية، وأوسع ما يكون في الحالة العلمانية (ديمقراطية، ليبرالية، اشتراكية...)؛ وسبب هذا الفرق هو المقاومة التي وجدها الإسلاميون في مصر بعد وصولهم للسلطة، فحين تحدثنا عن تحرير فلسطين لم نكذب، وحين تحدثنا عن العدالة الاجتماعية، والحرية، والكرامة الإنسانية، لم نكذب. كنا صادقين، ولكننا أخطأنا التقدير.
كنا نتصور أننا فور وصولنا للسلطة سنبدأ في التغيير!!
كنا نتصور أننا حين نوقد شمعة سيضيء المكان، حسبنا أن الظلام بلا حراس، حسبنا أن الظلام لا يخفي ثعابين وأشرار، غاب عنا أن للظلماء حراس... يبغضون النور .. يكرهون الطهر والأطهار.. يهتفون: {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف:82] يكرهون الأطهار فقط لأنهم أطهار!!
كنا نتصور أن النية وحدها تكفي للإصلاح، وغاب عنا أننا غير مؤهلين للحكم، أو أن المؤهلين فينا قلة، والحكم يحتاج أولي خبرة وتجربة، أو أولي علمٍ وتدريب!!
كنا نتخيل أن التحول من المعارضة للحكم، ومن صيغة الجماعة إلى صيغة الدولة يأتي بين عشية وضحاها!!
كنا نظن أن القوم صادقون.. يؤمنون بما يرددون من احترام رأي الأغلبية، وأنهم سيعاونوننا على القيام بأعباء الحكم، ولكننا وجدنا كذبة، يقلبون الحقائق، ويقاتلوننا لا لشيء إلا ليكون لهم الكبرياء في الأرض.
لم نكذب على الناس، ولكننا أخطأنا التقدير، وخرج علينا ما لم يكن في حسابنا: صغار في الداخل، وخائفون على كراسيهم أساؤوا الظن في المحيط العربي، ووحوش كاسرة وأفاعي وعقارب في الخارج، فكانت المعركة الأولى مع هؤلاء كي يخلى بيننا وبين الناس فنقوم بما يصلح الله به حالهم في الدنيا والآخرة، وهو منهج ربنا، لا شيء نتفضل على الناس به.
وإن العاقل يعلم صدق المقال، وصدق النية، وأننا نبذل جهدنا.
وإن العاقل لا ينسى أبداً أن من يعارضنا قد مسك بزمام الأمة قروناً من الزمان ولم تنل منه خيراً، لم تر غير الخوف والجوع.
وإن العاقل يعلم أننا لم نكذب ولكننا أخطأنا التقدير، وأننا لم ننصرف عن غايتنا فقط نخوض معركة قبل البدء، معركة فرضت علينا... نخوضها بأقصى درجات ضبط النفس وحسن الخلق.
وعما قليل سنبدأ بحول الله وقوته. بل قد بدأنا.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.