الخطر القادم مع نجاد
نحن أمة نعيش على سلسلة من الانفعالات وردود الافعال العشوائية، ويغيب عنّا عنصر التخطيط الاستراتيجي والانتفاع بما عشناه من تجارب تاريخية؛ فالتجارب لا تؤخذ من التاريخ، بل التاريخ يساعد في الانتفاع بالتجارب، واستخدام النتائج كمواد استرشادية في التخطيط وفهم وترجمة الواقع، وأيضاً لفهم الواقع الذى نعيشه الآن في مصر بعد ثورة 25 يناير، وكذلك الدول العربية بعد تلك الثورات التاريخية على الأنظمة الديكتاتورية البائدة التي جسّمت على قلب الأمة حقبة ليست بالقليلة وتركت تأثيراً كبيراً في التركيبة السياسية بل والفكرية لشعوب المنطقة.
المد الفارسي .. إعصار أتباع ابن سبأ لابتلاع الإسلام.
ليس من الحكمة الاشتغال بزرع الخير عن اقتلاع الشرّ ومحاربة الآفات..
عقيدة الخميني نموذج زائف يخالف صحيح الدين .. ولا يشترك مع السنة إلا في القبلة...
الثورة الإيرانية تعادي أهل الإسلام الحقيقيين .. والأخيار عندهم أمثال الطوسي والصَّبَّاح..
يوالون أعداء الدين على مر العصور .. وابن تيمية وصفهم بأعظم ذوي الأهواء جهلًا وظلمًا..
نحن أمة نعيش على سلسلة من الانفعالات وردود الافعال العشوائية، ويغيب عنّا عنصر التخطيط الاستراتيجي والانتفاع بما عشناه من تجارب تاريخية؛ فالتجارب لا تؤخذ من التاريخ، بل التاريخ يساعد في الانتفاع بالتجارب، واستخدام النتائج كمواد استرشادية في التخطيط وفهم وترجمة الواقع، وأيضاً لفهم الواقع الذى نعيشه الآن في مصر بعد ثورة 25 يناير، وكذلك الدول العربية بعد تلك الثورات التاريخية على الأنظمة الديكتاتورية البائدة التي جسّمت على قلب الأمة حقبة ليست بالقليلة وتركت تأثيراً كبيراً في التركيبة السياسية بل والفكرية لشعوب المنطقة.
ولابد من التأكيد على أن جميع التيارات السياسة تأثرت تأثيراً بالغاً بهذه المرحلة بما فيها التيارات الإسلامية نفسها التي سيأتي الكلام عنها بالتفصيل خاصة أنها التيارات التي تقود العمل السياسى بالمنطقة بعد تلك الثورات المشار اليها، ولابد من الرجوع ودراسة بعض التجارب في التاريخ الحديث، ولا سيما تأرجح الأمة في التاريخ الحديث بين رجل العمالقة: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي من جهة... والثعبان الفارسي الرافضي القادم ببطء من جهة أخرى.
وكلمة ثعبان هنا لها دلالاتها فالثعبان القاتل لا يأتي بضجة كبيرة وربما يتحرك ببطء شديد، وبعض أنواعه يتلون جسدها بتلون البيئة المحيطة فيأخذ أحياناً لون الشجر، أو الصخور والحجارة ... إلخ.
فمما لاشك فيه أننا يمكن الآن أن نُحدّد اللاعبين الأكثر تأثيراً في المشهد على الأقل في هذه المنطقة من العالم التي نعيش فيها والتي كانت ومازالت هى المنطقة الأكثر زخماً واهتماماً على المستوى العالمي وعبر التاريخ لأسباب منها دينية واقتصادية وجغرافية لا يتسع المجال لذكرها الآن، وخصوصاً بعد ثورات الربيع العربي.
وهؤلاء اللاعبون يمكن حصرهم على مستوى الدول والحكومات كالآتي:
الولايات المتحدة الأمريكية، والجمهورية الإيرانية، والاتحاد الأوروبى، وتركيا، وروسيا، وأخيراً الدول العربية.
وعلى المستوى غير الحكومي: المنظمات الصهيونية الدولية، وشركات الأسلحة، والشركات الاقتصادية العابرة للقارات، والجماعات والأحزاب المسلحة، والتيارات السياسية والأيديولوجية.
فما دور الثعبان الفارسي الإيراني ولا سيما بعد الربيع العربي وسط كل هؤلاء اللاعبين؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال أنقل لكم صرخة أحد العلماء المخلصين محذراً من هذا الثعبان الذي زرعه ابن سبأ اليهودي وتركه ليتوحش بين أبناء الأمة في غفلة من أبنائها عبر التاريخ.
يقول الشيخ عبدالرحمن اليوسف في كتاب "أولويات العمل الإسلامي" قبل خمسة عشر عاماً محذراً من الخطر الداهم الذي جاءت به الثورة الإيرانية، ورغم مرور هذه السنين لا تزال هذه الكلمات تصف بدقة ما تعانيه أمتنا اليوم من الثورة الإيرانية.
أمتنا الإسلامية تهاجمها اليوم مجموعة من الآفات والمصائب وليس من الحكمة أن نشتغل فقط ببذر بذور الخير دون أن نهتم باقتلاع الآفة ومحاربة الشر وباستقراء هذه الشرور والآفات نجد أن أفتكها جميعاً هو المد الباطني الخميني الذي تمثله اليوم الثورة الإيرانية وتأتي خطورة هذا المد الباطني مما يأتي:
• هذه الثورة جاءت لتقيم نموذجاً للإسلام غير النموذج الحقيقي، بل هو نموذج زائف يُخالف الإسلام الحقَّ في كل صغيرة وكبيرة فيه، فباستثناء القبلة لا يكاد يوجد شيء مشترك بين إسلام الكتاب والسنة.
• دين هذه الثورة يقوم على معاداة أهل الإسلام الحقيقيين منذ وجدوا وإلى آخر مسلم، فدينهم يقوم على سب أصحاب رسول الله، وكل مسلم خدمَ الإسلام، فكل الفاتحين بلا استثناء وكل العلماء الصالحين وكل أئمة الدين هم أعدى أعداء الشيعة، وأما كل من هدم الدين وناصر أعداءه فهم الأخيار الأبرار من نصير الدين الطوسي الفيلسوف المجوسي وزير هولاكو إلى الحسن الصبَّاح صاحب قلعة المُوت والذي جند فرق الموت لاغتيال علماء الإسلام في كل الأرض، والذي يزيد هذا الأمر خطورة أن هذا المذهب الخبيث يجعل عداوة أهل الإسلام ديناً يُتقرّب به إلى الله مما يجعل الأمي والجاهل منهم ينطلق في هذه العداوة بغريزة عقائدية ودافع إيماني -في ظنه- وتضحية دينية.
• وهذا استغلال خبيث جداً وخطير جدا للدافع الإيماني العقائدي فالشيعي الأمي ينطلق للثأر من كل من يراه من أهل السنة وهو يظن أنه ينتقم لآل بيت رسول الله ويكفر عن خطيئته في القعود عن نصرهم ويسترد -في زعمه- شيئًا من حقوقهم وكرامتهم.
• تلك العقيدة الفاسدة هذه قد والت كل أعداء الدين على اختلاف العصور ضد أهل الإسلام كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "الرافضة أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً يعادون خيار أولياء الله تعالى بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي لله عنهم ورضوا عنه، ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين فتجدهم أو كثيراً منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين والكفار".
• خرجت هذه الثورة الإيرانية على الناس بمُسمّى الإسلام العام، ولم تعلن أول أمرها أنها ثورة رافضية طائفية، ورفعت كل الشعارات التي يحبها أبناء الإسلام كاسترداد القدس ومحاربة الاستعمار وإزالة الطغاة والحكم بشريعة الله وكان العالم الإسلامي في غفلة تامة عن باطن الثورة بل كان المشتغلون بالدعوة أنفسهم في عماية كاملة عن المذهب الرافضي الباطني، هذا إلا القلة القليلة ممن يقرأون العقائد ويعلمون حقائق الأمور، ومن أجل ذلك لاقت هذه الثورة رواجاً هائلاً وقبولًا منقطع النظير وموافقة تامة من القريب والبعيد وليس أدلّ على ذلك من أن يسافر إلى زعيمها زعماء بضعٍ وعشرين منظمةً إسلاميةً فيعلنون بلا تحفظ وضع جميع إمكاناتهم تحت أقدام هذه الثورة.
• وفي زحمة هذه الضجة الهائلة ضاعت الأصوات الصادقة القليلة التي كانت تعلم يقينا ماذا تعني هذه الثورة الرافضية؟ ومن عجب أنه بالرغم من تكشف عورات هذه الثورة وظهور كثير من مستورها إلا أنه ما زال في العالم الإسلامي كثير وكثير جدًا ممن يتعاطف معها ويقف في صفوفها ويستعد للتضحية من أجلها وممن يرجو أن تعود هذه الثورة في زعمه إلى رشدها وتنصر الإسلام والمسلمين.
• هذه الثورة تملك مقدرات هائلة فقد وضعت أيديها على مقدرات أمة عظيمة العدد ومخزون ملك جبار يسعى إلى إقامة ملك ساسان وجعل إيران يومًا ما القوة السادسة في العالم!! وقد استطاعت هذه الثورة التخلص من معظم أعدائها في الداخل وبدأت بتوجيه قواها إلى الخارج وقد وضعت في مخططها السيطرة الشاملة على العالم الإسلامي وتقويض كل حكوماته القائمة وإقامة حكومات أخرى تتبع حكومة إيران وتقام على غرارها ومعتقدها بل إنها قد اتخذت خطوات عملية كبيرة في سبيل هذا؛ ففي إيران اليوم رؤساء المستقبل من كل بلد إسلامي يدربون على تولي المهام، ويتصلون بكل معارض في الداخل، وينظمون له العمل من أجل هدم الحكومات القائمة وإقامة النموذج الجديد؛ بل إن الطموح الإيراني وصل إلى حد تعيين رئيس لأمريكا وآخر لروسيا، ولكل بلد من بلدان العالم وهؤلاء الرؤساء بالطبع كل منهم يحمل جنسية بلده وينتحل الدين الإسلامي!!!
وبالمناسبة فالرئيس الأمريكي الذي يدرب في إيران (زنجي أسود..!). فلنسم هذا جنوناً ولكنه حقيقة قائمة.
• ومما يزيد الأمر كله خطورة وشرًا أن السفارات الإيرانية بدأت بتجنيد الشباب في كل أمصار العالم وترحيل الراغبين منهم في تلقي العلم إلى إيران سواءً كان العلم الديني أو الدنيوي، وقد تحوّل كثير من أبناء السنة بهذه الطريقة إلى التشيع، وتعلموا اللغة الإيرانية، ورجع بعضهم الآن إلى بلاده داعيًا ومبشرًا بدين الرافضة والتشيع والإغراءات التي يلاقيها هؤلاء الشباب لا تقاوم فمنذ نزوله في المطار يعرضون عليه زواج زوجة شهيد. ناهيك عن صب الأموال وفتح الأبواب في وجهه وبهذا الطريق جندوا جيشاً جديداً من أبناء العالم الإسلامي في خدمة أهدافهم.
• ومما يعطي هذا الأمر حجم الكارثة أن اليهودية العالمية ودولة إسرائيل وجدتا ضالتهما المنشودة في قيام هذه الدولة المعادية للعالم الإسلامي فعملت على توطيد أركانها بكل سبيل وأمدتها -وما زالت- بالسلاح والخبرة الفنية والدعم والتأييد لدى الدول الكبرى وإن كان ذلك أحيانًا من وراء وراء، وإن أخطر التقارير في ذلك ما كتبه بعض خبراء اليهود يحذر أمريكا والدول الأوروبية من أن ارتباطهم في منطقة الخليج يجب أن يكون مع الشيعة لأنهم يمثلون ثمانين بالمائة من أهل المنطقة، ويقول ليس منطقيًا أن نجعل علاقاتنا مع دول وحكومات لا تمثل إلا عشرين بالمائة فقط من السكان، ومثل هذا الكلام يجد اليوم رواجاً كبيرا في الغرب والشرق.
- من أجل ذلك كله قلنا إن هذا الخطر هو أعظم خطر اليوم يُهدّد الأمة الإسلامية.
وبعد هذا الشرح عن حقيقة الثورة الإيرانية وأهدافها الخبيثة، وعودة على ذي بدء أصبحت تلك القوة الخبيثة للأسف لاعبًا أساسيًا في المنطقة كما سبق الذكر، و ازداد نشاطها المحموم بعد ثورات الربيع العربي، وبالتأكيد على رأسها ثورة 25 يناير في مصر، ومحاولة اختطاف الثورة في بدايتها على أنها امتداد للثورة الخمينية القذرة الأمر الذي جعل مراكز الأبحاث العالمية تتسابق في عمل المقارنات بين الثورة الخمينية وثورات الربيع العربي بل تحذر بشدة وعلى سبيل المثال لا الحصر أنقل لكم جزءا مختصرا من دراسة نشرتها مجلة New English Review في عددها الأخير (يناير 2012) تحت عنوان Arab Spring and Future Scenarios (الربيع العربي وسيناريوهات المستقبل).
النموذج الإيراني:
تحت تأثير ذلك الاستدعاء لنموذج الخميني، تبدأ الدراسة بالهجوم على العقل الجمعي العربي، واتهامه صراحة بقصر الذاكرة أو التعامي عن الإفادة من موعظة التاريخ وخبرات الماضي، لأن"أي تقييم موضوعي للثورة الإيرانية بعد ثلاثة عقود، يشير بجلاء إلى فشل هذه الثورة في إنجاز ما وعدت به الجماهير على المستويات السياسية والاقتصادية واللوجيستية كافة، وإلى أن الإسلام قد أثبت أنه ليس الحل، كما زعمت القيادات والنخب الثورية آنذاك".
وتتوسع الدراسة في الحديث عن الأزمات التي يعانيها الاقتصاد الإيراني، كالركود والبطالة والفقر والفساد -تذكر الدراسة في موضع آخر أن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تجتاح إيران تأتي في ظل نظام مدعوم بعائدات نفطية كبيرة، في حين أن المغرب وتونس ومصر وهي الدول التي نجح فيها الإسلاميون في اعتلاء المشهد السياسي لا تملك هذا الخيار-.
أما على الصعيد السياسي، فالوضع لا يقل سوءًا؛ فبرغم وجود عمليات انتخابية على المستويات كافة، إلا أن ثمة إجماعًا بين المتابعين والمحللين كافة، بحسب الدراسة، على انتفاء الديمقراطية عن المشهد السياسي الإيراني الذي يرزح تحت وطأة غياب أنواع الحريات السياسية والفردية، مما دفع بمؤيدي النظام إلى الانقلاب عليه، "فالمعارضة التي تشهدها الساحة السياسية الإيرانية مؤخرًا، إنما تأتي من داخل النظام الثيوقراطي وليس من خارجه -حتى إن الرئيس محمد خاتمي كان يُطلق عليه الرئيس المعارض- مما يشي بأن هذا النظام قد استنفد فترة صلاحيته السياسية" واتخذ مسارًا يتضاد مع حركة التاريخ.
وإذا كان ملالي إيران قد وصلوا إلى سدة الحكم قبل ثلاثة عقود بفعل الثورة، وليس بخيار الشعب، وإذا كان الإيرانيون قد استوعبوا مغبة التحول من النظام العلماني إلى النظام الثيوقراطي، فإن الإسلاميين في بلدان الربيع الثوري العربي يحققون أهدافهم اليوم في الوصول إلى سدة الحكم بإرادة الشعوب وعبر صناديق الانتخاب من دون أن يتكلفوا أعباء ثورة أيديولوجية، ومن دون أن تستوعب الشعوب العربية الدرس الإيراني، على حد تعبير الدراسة.
المراكز الفاعلة:
وبرغم التأكيدات التي أوردتها هذه الورقة البحثية في بداياتها بشأن عدم إمكانية التوصل إلى النتائج النهائية لمآلات الربيع الثوري العربي، إلا أنها تحاول الاشتباك مع التطورات الراهنة لرسم الملامح المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط.
وتعتمد الدراسة في ذلك على رصد واستقراء السياسات الخارجية لما أسمته بمراكز القوة الفاعلة في المنطقة والتي تتمثل في قطر ومصر والمملكة العربية السعودية وتركيا وإيران والعراق، حيث يمتلك كل مركز من هذه المراكز أجندته السياسية وآلياته الاقتصادية والأيديولوجية لممارسة التأثير والنفوذ، فضلاً عن دوافعه التي تحركها ما تقول الدراسة إنها تحالفات مذهبية تكمن في خلفية الصورة لدى كل دولة من هذه الدول؛ ولعل أبرز هذه المراكز، وفقا للدراسة، هو المحور القطري التركي المصري، فقد أنعش الربيع الثوري العربي آمال إسطنبول في استعادة الأمجاد العثمانية للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، عبر إبرام العديد من التحالفات مع القوى السياسية الإسلامية الموجودة في الساحة، لا سيما أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هو الابن الشرعي لجماعة الإخوان المسلمين. إلا أن إسطنبول أفاقت مؤخرًا على حقيقة مؤداها: ثمة مياه أخرى تصب بغزارة في بحيرة السياسة العربية، وأن الدوحة تدخل المعترك السياسي الشرق أوسطي في المرحلة الراهنة كلاعب محوري يمتلك أدوات فاعلة وتأثيرًا واسعًا.
حيث كانت إيران من الدول التي بادرت إلى مباركة هذه الثورات منذ بدايتها، إلا أن النار تسربت إلى حليفتها الاستراتيجية (سوريا) حتى أتت عليها، ولم يتبق منها سوى النزر اليسير، فشغلت إيران بالداخل السوري، خوفًا من سقوط النظام السوري الذي بدت إرهاصاته أوضح من ذي قبل، وبدأت بوصلة الدبلوماسية الإيرانية بالتحول عن الداخل السوري، وذلك بقيام السفير الإيراني في سوريا بترحيل عائلته، وكذلك تصريح وزير الخارجية الإيراني في نصيحة متأخرة لنظام الأسد بأن يُلبِّي طلبات شعبه! وانقطاع الدعم الإيراني المادي لسوريا، وكلها تأتي في سياق سيناريو سقوط النظام السوري، الذي بات أقرب كثيرًا إلى أن يتحقق واقعًا ملموسًا، والمسألة لم تعد سوى مسألة وقت فقط.
وحين تهدأ كل هذه الإثارات لن تسكت إيران عما رأته في الكابوس السوري، ولن تمرر ما أصاب هلالها الشيعي من أفول مرور الكرام، وخسارة موقع استراتيجي يكاد يكون قضية أمن قومي، تداعت له كثير من الأجهزة الأمنية الإيرانية بمختلف تنوعاتها.
وستسعى للانتقام وإشعال الفتن في بعض دول المنطقة، وستكون أقل تعقلاً، وأكثر انفعالًا، مستغلة الأوراق التي بيدها للعب دور أكبر، تكون فيه المخرّبة ولن يكون أحد الأطراف المشاركة في اللعب مباشرة!
وهذا بدوره يؤكد لنا ما سمعناه عن تورط إيران بشكلٍ مباشر في إحداث الفوضى التي شاهدناها ونشاهدها في الداخل المصري وما يتواتر عن تورط بعض التيارات المصرية من المعارضة (جبهة الإنقاذ) وبلا شك المرشح اليساري الاشتراكي السابق حمدين صباحي وأعضاء حملته الانتخابية في اتصالات مباشرة مع الإيرانيين وحصولهم على التمويل اللازم لإسقاط نظام الحكم الجديد الذي لم يلب رغبات ملالي إيران الخبيثة.
إلا أن هناك رؤية أخرى للعلاقة المصرية الإيرانية ربما يعتمد أصحابها على السياسية الظاهرة للدبلوماسية الإيرانية والإصرار على فتح باب علاقات جيدة مع النظام المصري برغم إشارات النظام المصري المعاكس لذلك تمامًا وتأتي زيارة أحمدي نجاد الأخيرة لمصر وتعمده لزيارة الأزهر وعقد عدة مقابلات مع المسئولين المصريين على هامش القمة الإسلامية لتأكيد هذه الرؤية.
أهمية مصر لإيران:
تذهب هذه الرؤية إلى أن مصر بالنسبة للإيرانيين هي أهم دولة في المنطقة لعدة أسباب منها:
• يسود اعتقاد إيراني بأن عدم وجود علاقات طبيعية بين مصر وإيران طوال العقود الثلاثة الماضية كان بسبب ضغوط أمريكية وإسرائيلية على النظام السابق، وهذا هو ذاته رأي العديد من القوى السياسية المصرية، وكثير من مرشحي الرئاسة من الإسلاميين وغيرهم، الذين اعتبروا تدهور العلاقات (المصرية - الإيرانية) شكلًا من أشكال التبعية السياسية للولايات المتحدة، وأن تحقيق الاستقلال بالمقابل يقتضي إعادة النظر في هذه العلاقات.
• تنظر إيران إلى مصر على أنها أهم دولة عربية، متوقعة أن تسعى في وقت ما من المستقبل لاستعادة "قرارها المستقل"، ومكانتها السابقة العربية والإقليمية والدولية، وهذا لابد أن يعني التخلص من التبعية للولايات المتحدة، وإلغاء المعاهدات مع إسرائيل -أي إضعاف إسرائيل في الإقليم، كون المعاهدات أخرجت مصر من الصراع، ووفّرت بالمقابل الأمن لإسرائيل، وحدّت من نشاط ودور حركات المقاومة الفلسطينية- وكل هذا إن حدث سيقدم هدايا بالجملة لإيران(2).
• ترى إيران أن أي تحسن في علاقاتها مع مصر سيكون على حساب النفوذ الإقليمي القوي لدول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية. فإذا ما تفاهمت مع القاهرة، فإن ذلك سيغير كثيرًا من موازين القوى الراهنة في المنطقة. هذا الرأي تبنته غداة انتصار الثورة ثم تراجعت عنه قوى شاركت في الثورة المصرية كالناصريين والإسلاميين، فقد اعتبر هؤلاء أن تطوير العلاقات مع إيران يمنح مصر هامش مناورة إقليمية أكبر لحماية أمنها القومي ومصالحها العليا.
• إن اعتبار إيران ما يجري في مصر ثورة إسلامية أو دعمًا "للصحوة الإسلامية"، يعني لقطاع واسع من النخبة الإيرانية تقاربًا حتميًا مع نموذج الدولة الإسلامية في إيران، ما سيشكل بالتالي حافزًا لدى الجانبين لبناء علاقات وثيقة؛ فمرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي اعتبر ما يحدث في مصر "صحوة إسلامية" كما أطلق هذا المصطلح على ثورات الربيع العربي، داعيًا الإسلاميين المنتصرة ثوراتهم في الدول العربية إلى عدم مسايرة الفكر الليبرالي العلماني الغربي والمسارعة لتطبيق نظام إسلامي.
• بدت إيران مرتاحة لوصول الإخوان المسلمين إلى الرئاسة المصرية، ورأت أن حكم حزب له غالبية شعبية كبيرة في الشارع المصري كالإخوان المسلمين، لابد أن يُسرّع من الوصول إلى لحظة استحقاق استقلال القرار المصري واستعادة المكانة القيادية العربية؛ الأمر الذي لن يتوفر لأي مرشح رئاسي آخر غير مرشح الإخوان.
يتضح مما سبق مدى إدراك إيران لأهمية مصر بعد الثورة كدولة مؤثرة عربيًا وإقليميًا ودوليًا، أمّا أن تصبح مصر الجديدة في مواجهة أمريكا وإسرائيل ألدّ أعداء إيران فهذا أمر آخر.
ورغم توزُّع مراكز صنع القرار في إيران إلا أن القرار الأخير في الانفتاح على مصر يبقى بيد المرشد الأعلى، وحتى الآن لا يوجد في نظام الحكم الهرمي الذي يرأسه المرشد ما يمنع هذا الأمر، و لو كانت هناك تحفظات قوية على العلاقة مع مصر فقد كان من الأولى أن تظهر بعد خطاب الرئيس المصري محمد مرسي في الجلسة الافتتاحية لقمة دول عدم الانحياز التي انعقدت في طهران في أغسطس/آب 2012م؛ حيث تعمّد الرئيس المصري في خطابه من على المنبر الإيراني أن يشن هجومًا عنيفًا على الرئيس السوري بشار الأسد الحليف الأهم لطهران، مجددًا دعمه القوي للثورة السورية، ومعتبرًا الأسد فاقدًا لشرعية البقاء في الحكم.
أما تحركات إيران في الخليج أعقاب ثورات الربيع العربي كانت لها رؤية مغايرة وهي بلا شك الاستفادة من الجو العام لتلك الثورات ومحاولة تصديرها إلى دول الخليج التي تتميز بوجود شيعي مكثف من الممكن أن تحقق إيران من خلالها ما لم تستطع تحقيقه في مصر وتونس والتي مازالت تحاوله في اليمن وبعد تدهور الموقف السوري.
فالبحرين ورقة إيرانية مهمة تستطيع اللعب بها، والداخل الكويتي الذي لا يقل خطورة عن البحرين، أيضاً ورقة بالغة الخطورة، كذلك التجمعات الشيعية التابعة للمرجعيات الإيرانية في المنطقة الشرقية في السعودية خطر يجب أخذه بمحمل الجد، ورءوس الأموال الإيرانية في الإمارات العربية المتحدة لا يستهان بها، كذلك العراق وأحزابه الفوضوية السياسية والعسكرية المؤدلجة ورقة أخرى، والفراغ الأمني في اليمن ورقة خطيرة، لا سيما مع التعزيز السياسي الإيراني مع دول ساحل البحر الأحمر على الضفة الأفريقية.
بالونات اختبار:
كل هذه الأوراق ستتحرك حتمًا وقريبًا جدًا، وبعضها بدأ بالفعل ببالونات اختبار، وستسعى السياسة الإيرانية بدهائها المعروف، إلى حصد أكبر مكاسب ممكنة، وستقوم بتحالفات مع والد وقبيلة وأولاد وجيران (الشيطان الأكبر) لتحقيق مطامحها وتطلعاتها، وما حدث في البحرين مؤخراً من ثورة مزعومة، يدل على درجة التنسيق العالي بين إيران ودُمَاها الداخلية من جهة، وأمريكا وبريطانيا من جهة أخرى، فقد تحرك الأسطول الأمريكي من مكانه على الساحل البحريني، متجهًا إلى الشمال في خطوة غير مسبوقة، لغرض إجراء مناورة، في الوقت ذاته الذي تعبر فيه الزوارق الإيرانية مياه الخليج العربي متجهة إلى البحرين، تحمل الأسلحة وكوادر عسكرية إيرانية، بهدف القيام بانقلاب في مملكة البحرين، لولا لطف الله عز وجل، ثم التدخل السريع والمسئول من درع الجزيرة.
وحتى تكتمل الصورة وباستدعاء لاعبين آخرين في المنطقة وهي أمريكا وإسرائيل وكيف ترى الدور الإيراني بالطبع الشيعي والذي طالما تم استخدامه لعمل التوازنات في المنطقة.
تؤكد إحدى الدراسات المهمة في هذا الشأن أن تداعيات الربيع الثوري تجرف المنطقة سريعًا إلى هوة استقطاب مذهبي بين الفصيلين السني والشيعي، وقد بدأت تداعياته تتبلورعلى الأرض، سواءً بشكل متعمد أو عفوي؛ إلا أن حالة الاستقطاب لن تقف عند هذه الحدود حيث من المتوقع أن يتبعها انقسام داخلي في كل معسكر إلى جبهتين إقليميتين فرعيتين؛ الجبهة الأولى في المعسكر السني، وتضم جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس والمغرب، إضافة إلى حركة حماس في غزة؛ بينما تتألف الجبهة الثانية من التيارات السلفية في مصر (حزب النور) وليبيا واليمن وسوريا.
وفي السياق نفسه، ينشطر المعسكر الشيعي بدوره إلى جبهتين، تتشكل الأولى من جمهورية إيران الإسلامية ومعها حزب الله اللبناني، وتضم الثانية شيعة البحرين والمملكة العربية السعودية والعراق.
وتستطيع إسرائيل في ظل توسطها بين هذه الكيانات أن تلعب دوراً مفصلياً في الربط بين اثنتين من الجبهات الفرعية، حيث يمكن أن يكون ثمة تحالف بين الشيعة المعتدلين المدعومين عراقياً من جانب، وبين الجبهة الإخوانية المعتدلة والمدعومة تركيًا من الجانب الآخر، وتشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة تمتلك من القدرات والنفوذ ما يسهل مهمة إسرائيل في الاضطلاع بهذا الدور، كما تضيف أن تحقق هذا السيناريو على الأرض يتطلب تحسنًا كبيرًا في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.
وتختم الدراسة بأن الصورة المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى مقاربات سياسية جديدة لم تعهدها السياسة العالمية من قبل، كما تتطلب أيضاً أدوات تحليلية مغايرة، فالنتائج التي يمكن أن يصل إليها التحليل السياسي والاستراتيجي التقليدي من شأنها أن نفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات و"ممكنات مستقبلية لا حصر لها، إلا أن هذه الممكنات تتطلب أدوارًا إيجابية من بعض الدول، وعلى رأسها إسرائيل، إذا كان لهذه التطورات المتشعبة أن تسلك مساراً محدداً في خضم بدائل وخيارات لا نهائية".
وأختم بأن أقول إن الأمر معقد إلى حد ما وإن الخطوات لابد من أن تكون محسوبة بمنتهى الدقة فالأمر ليس كما يظنه البعض، فكما ورد في هذه الدراسة الأخيرة عن وجوب إيجاد مقاربات جديدة لم تعهدها السياسة العالمية من قبل، أيضاً نحتاج في أمتنا الإسلامية إيجاد سياسات جديدة أكثرعمقًا وأكثر تمسكًا بالثوابت ربما أيضاً لم نعهدها نحن من قبل.
والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
- التصنيف: