إلى متى الإسراف والتبذير؟!
ولكن هذه الشعوب تفتعِل لأنفسِها الأزمات، وتكفُر بنِعمة الله عليها وتطغَى في أمْر عيشها، فلا يرضَى الفردُ بما هو عليه إلاَّ أن يصِل إلى المستوى الأفْضل بأيَّة وسيلة، فيَرغب في الحُصول على أفضلِ مسكَن وأجْمل زوجة، والسيَّارة التي يرغب في اقتنائها، وإنْ كان لا يقدِر على ذلك....
تمرُّ الأمَّة الإسلامية في كافَّة أنحاء المعمورة بكثيرٍ مِن النكبات والأزمات والكوارث، مِن حروب أهليَّة، واحتلال عدواني، وهِزَّات اقتصادية، وهزات أرضية، وفيضانات ترجِع على أثرها هذه الدولُ إلى خطِّ البداية مِن الإفلاس والمجاعة والفقر والتشرد، بينما تنعَم بعضُ الدول برفاهية كاملة وأمن وطني واستقرار اقتصادي، ينعَم فيها الفرد بالمسكن وإنْ لم يكن ملكًا خاصًّا به، ولكنَّه مناسب للعيش، وكذلك وسيلة نقْل وإنْ كانت ليستِ الوسيلة التي يحلم باقتنائها، ولكنَّها كافية بنقله إلى الأماكن التي يرغَب في الوصولِ إليها، ويستطيع الفرد أيضًا شِراء غالب ما يَشتهيه مِن الطعام والشراب..
ولكن هذه الشعوب تفتعِل لأنفسِها الأزمات، وتكفُر بنِعمة الله عليها وتطغَى في أمْر عيشها، فلا يرضَى الفردُ بما هو عليه إلاَّ أن يصِل إلى المستوى الأفْضل بأيَّة وسيلة، فيَرغب في الحُصول على أفضلِ مسكَن وأجْمل زوجة، والسيَّارة التي يرغب في اقتنائها، وإنْ كان لا يقدِر على ذلك، فحالته الماديَّة متوسِّطة، فيعمد إلى الاقتراضِ ويدخُل بسببِها إلى عالَم الدُّيون وطريق الهموم؛ جرَّاءَ ذلك، ومِن ثَم يجاري مَن هو أفضل حالاً منه، فيحاول أن يقلِّده بالسَّفر في كلِّ موسم، وإقامة الحفلات بمناسبة وبغير مناسبة، ويلبس أغْلى الملابس ويَحْوي منزله بكلِّ الكماليات، ويشترك بهذا العمَل مع صاحِب الأموال في إضاعة المال والإسراف المنهي عنه في دِيننا الإسلامي؛ قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:26، 27]، فلقدْ وصَف ربُّنا سبحانه أنَّ من اتَّصف بهذه الصِّفة -وهي التبذير- أنَّه مِن إخوان الشياطين، وهذا وصفٌ شنيع أن يكون الإنسان أخًا للشيطان! يُشابهه في الصِّفة والعَمل، وقد قيل: "إنَّ الإسراف هو صرْف المال بكثرةٍ في المباحات، والتبذير صرْف المال في الحرام!".
وإنَّ الله قد وصَف ما هم بعكس ذلك بأنَّهم عبادُ الرحمن عندما وصَف الله سبحانه عباده المؤمنين في سورة الفُرقان في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]، وهم الذين يقتصدون في المعيشة دون إسْراف أو تقتير على النَّفْس، إنَّما عيشةً وسطًا بين ذلك، والتي يجب علينا أن نتَّصف بها إذا أردْنا أن يكونَ مصيرُنا مصيرَ المؤمنين المذكورين في الآية، فيها تُحفَظ النِّعمة مِن الزوال، ويُشكر الله بالمحافَظة عليها وصرْفها واستعمالها فيما يُرضيه سبحانه؛ حتى لا يبتليَنا الله كما ابتلَى إخوانَنا المسلمين في الدُّول الفقيرة والمنكوبة -فرَّج الله عنهم الكربَ، ورفَع عنهم البلاء- وأن نحسَّ بما يُعانيه هؤلاء بسببِ فقدان النِّعمة أدامها الله علينا.
والله الموفِّق.
نايف بن ناصر المنصور
- التصنيف:
- المصدر: