المشاركة السياسية لا تعطل الدعوة إلى دين الله
مهمة المسلم الأصلية بعد عبادته لله تعالى، أن يدعو إلى الله وإلى دينه وشرعه، فهذا الذي يقوم بذلك لا أحسن منه مطلقا، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، فلا أحسن ممن أسلم ودعا إلى الله ووافق عمله ما يدعو إليه
مهمة المسلم الأصلية بعد عبادته لله تعالى، أن يدعو إلى الله وإلى دينه وشرعه، فهذا الذي يقوم بذلك لا أحسن منه مطلقا، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، فلا أحسن ممن أسلم ودعا إلى الله ووافق عمله ما يدعو إليه.
وقد كانت الدعوة إلى الله مهمة المسلمين الأولى على مدار التاريخ، وما قام به المسلمون من أعمال كالجهاد في سبيل الله تعالى، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان غرضه الأول والأساس هو الدعوة إلى الله ابتداء، والمحافظة على نتائجها بعد إذ حصلت الهداية، وكل ما يمكن أن يقوم به المسلم من أعمال دينية عامة، ينبغي أن يكون غرضه الأول والأساس منها هو الدعوة إلى الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يعقل أن يستعاض عن الأصل (الدعوة إلى الله تعالى) بفرع (وسيلة من الوسائل أياً كانت)، أو أن يتقدم الفرع عن الأصل فيسعى في تحقيق الفرع ولو أضاع الأصل، أو أن تكون الأولوية للفرع وليس الأصل، أو أن يستغرق الفرع زمان العمل كله حتى لا يبقى للأصل إلا الفتات، أو أن يهرع الجميع لتحقيق الفرع مع إهمال الأصل أو لا يبقى له من يكفي للقيام به على وجهه.
بعدما أزال الله بفضله وتوفيقه ذلك النظام الطاغي، الذي جثم على أنفاس المصريين أكثر من ثلاثين عاماً، وتنسّم الناس عبير الحرية، وأحسوا بإنسانيتهم المفقودة على مدار ثلاثين عاماً، هرع كثير من الناس للمشاركة في بناء نظامهم السياسي، وممن قام بذلك الإسلاميون الذين أجبروا بوسائل متعددة على الابتعاد عن المشهد السياسي، وربما لاح للبعض تحت وهج الدعوى للمشاركة في بناء النظام السياسي عن طريق الأحزاب ودخول الانتخابات، أن يتوجهوا بكليتهم نحو ذلك فظهرت عدة أحزاب لمرجعية إسلامية بقصد المشاركة في بناء النظام السياسي، وتكثير سواد الإسلاميين، حتى لا يستحوذ العلمانيون والليبراليون وأصحاب الملل الأخرى على المشهد السياسي، ويصوغوا النظام بما يبعده عن التوجه الإسلامي، ويصبغوه بصبغتهم العلمانية، هذا التوجه هو في حقيقته فرع وأصله الذي انبثق منه هو الدعوة إلى الله تعالى، وينبغي أن يتحلى هذا الفرع بأمور ثلاثة هامة حتى يكون له الأثر الحميد ولا يترتب عليه ما يخشى منه:
أولا: أن لا يطغى هذا التوجه على الأصل وهو الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه وشرعه، فإن وجود الإسلاميين في الشارع، والتفاف الناس حولهم، لم يكن بسبب المشاركة السياسية، وإنما وجد بسبب تمسكهم بشريعة ربهم والدعوة إليها، وقد كانت الدعوة إلى الله هي المعول الأكبر في تميزهم السياسي وليس العكس، أي لم يكن عملهم السياسي سبباً في تميزهم الدعوي، وليس من المنطق السليم في شيء أن نقبل على النتيجة، ونستمسك بها، وندع أو نهمل في العمل بالأصل الذي ترتبت عليه النتيجة، ومن لوازم ذلك أن لا يترك الدعاة المشهورين أماكنهم وينغمسوا في المشاركة السياسية، بل يحافظوا على مواقعهم ويدفعوا بإسلاميين مستمسكين بدينهم فاقهين له، ليس لهم نشاط دعوي قوي إلى المشاركة السياسية، ويحتفظ المشايخ بالتوجيه والتصويب والإمساك ببوصلة المشاركة، حتى لا ينحرف المسير عن الوجهة التي ينبغي عليه سلوكها، ومن لوازم ذلك أيضاً أن يجتهد الشيوخ والدعاة في إيجاد دراسات شرعية مؤصلة للمشاركة السياسية، حتى يكون الجميع على بصيرة، ولا تكون المشاركة عرضة للاختلاف العلمي بين أطياف الإسلاميين، فإن الاختلاف المفضي إلى الفرقة له أسوأ الأثر على المسلمين، لأنهم سوف ينقسمون في الواقع تبعاً لانقسام مشايخهم، وهذا الانقسام سوف يضعف أثرهم مما يكون سبباً في صعود الائتلاف المناوئ لشريعة الرحمن، المكون من العلمانيين والليبراليين وأصحاب الملل الأخرى، وربما فوزهم وتغلبهم على القوى الإسلامية.
ثانيا: أن يكون هذا التعدد من قبيل تعدد التنوع لا من قبيل تعدد التضاد، ومن لوازم ذلك أن يكون بين هذه القوى الإسلامية تعاون وتناصر في تحقيق أهداف المشاركة السياسية، ومن لوازم ذلك أيضا أن لا يكون هناك تنافس على المقاعد بين تلك القوى الإسلامية، بل يترك أحدهم مقعده لأخيه لأن الغرض من هذا هو الانتصار للدين وليس تحصيل مغنم، ومتى ما كان نصرة الدين هو الهدف، ولم يكن الهدف تحصيل مغنم لشخص ما، فإن العلاقة المتوقعة بين تلك القوى هي علاقة الأخوة والتساند والتعاضد.
ثالثا: الثبات على الحق وعدم التنازل عن جزء منه: إذا كان الهدف من المشاركة نصرة الدين، فليس من القبول شرعاً ولا عقلاً أن يتم ذلك عبر التخلي أو التنازل عن بعض الحق لتحقيق ذلك، بل لا بد من التمسك بالحق والإصرار عليه، وهذا لا يمنع من الاستفادة من الرخص أو المخارج الشرعية التي دلت عليها الأدلة أو القواعد الشرعية، وفي الشريعة من الأدلة والقواعد ما يمنع أن يكون للمناوئين لها سلطان أو حجة على المستمسكين بها.
اللهم مكّن لعبادك الداعين لتحكيم شرعك وانصرهم على من خالفهم أو خذلهم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- التصنيف: