ومضات من دور المرأة في نصرة دين الله

منذ 2013-05-06

كانت المرأة في ظل المجتمعات التي سبقت الإسلام تعامل معامله الرقيق المملوك، فلا اعتراف لها بأي قدر أو حق، بل تباع وتشترى وتورث، فلما جاء الإسلام أعلى قدرها، وشرع لها من الحقوق والواجبات ما جعلها تأخذ مكانها إلى جانب الرجل.


كانت المرأة في ظل المجتمعات التي سبقت الإسلام تعامل معامله الرقيق المملوك، فلا اعتراف لها بأي قدر أو حق، بل تباع وتشترى وتورث، فلما جاء الإسلام أعلى قدرها، وشرع لها من الحقوق والواجبات ما جعلها تأخذ مكانها إلى جانب الرجل، قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَ‌بُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ‌ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ‌ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرً‌ا} [النساء: 124].

وقال تعالى: {لِّلرِّ‌جَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32]. فها هو إذن حق المرأة في الاكتساب والملكية والعلم، وأوجب عليها أيضا ما أوجب على الرجال، من العلم بما تعلمت من أمور الدين والدعوة، ودليل وجوب ذلك قوله تعالى لأمهات المؤمنين: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّـهِ وَرَ‌سُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَ‌هَا مَرَّ‌تَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِ‌زْقًا كَرِ‌يمًا . يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَ‌ضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُ‌وفًا . وَقَرْ‌نَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّ‌جْنَ تَبَرُّ‌جَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِ‌يدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّ‌جْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَ‌كُمْ تَطْهِيرً‌ا . وَاذْكُرْ‌نَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرً‌ا} [الأحزاب: 31-34]. فهذه الآيات أمر صريح لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بعدم كتم ما علمهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمه لنساء المؤمنين.

وهذا أمر واجب على باقي المسلمات، لأنه توجد أمور لا تستطيع المرأة تعلمها من الرجل، أو سؤاله عنه، كما حدث في رواية عائشة رضي الله عنها: «أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض، فأمرها كيف تغتسل، قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف؟ قال سبحان الله، تطهري، فاجتبذتها إلى فقلت: تتبعي بها أثر الدم» (صحيح البخاري)، ومن هذا الحديث يتبين أنه لولا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما تعلمت النساء كيفية الطهارة من المحيض، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «نعمَ النِّساءُ نساءُ الأنصارِ لم يمنعهنَّ الحياءُ أن يتفقَّهنَ في الدِّينِ» (حسن للألباني بصحيح ابن ماجة). ومن هنا كانت الدعوة إلى الله من أوجب الواجبات، التي بها يستقيم الفرد ويصلح حال المجتمع.

فأحاديث عائشة رضي الله عنها وغيرها من أحاديث أمهات المؤمنين تدل على إن للمرأة المسلمة دور مبكر في الدعوة و نشر الدين، فالسيدة عائشة رضي الله عنها كانت عالمة مفسرة ومحدثة، تعلم نساء المؤمنين، ويسألها كثير من الصحابة في أمور الدين، فقد هيأ لها الله كل الأسباب التي جعلت منها أحد أعلام التفسير والحديث، وقد احتلت المرتبة الخامسة في حفظ الحديث وروايته؛ حيث إنها أتت بعد أبي هريرة وابن عمر وأنس بن مالك وابن عباس رضي الله عنهم، وكانت رضي الله عنها ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحديث كما هي، كما في رواية عروة بن الزبير، أنه سئل عبد الله بن عمر عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فكان فيما ذكر أن النبي قال: «إنَّ اللهَ لا ينتزِع العلمَ من الناسِ انتزاعًا. ولكن يقبض العلماءَ فيُرفَعُ العلمُ معهم. ويبقى في الناسِ رُؤسًا جُهالًا. يفتونهم بغير علمٍ. فيَضلون ويُضلون». قال عروة: "فلما حدَّثتُ عائشةَ بذلك، أعظَمتْ ذلك وأنكَرَتْه. قالت:أَحدَّثَك أنه سمع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول هذا؟ قال عروةُ: حتى إذا كان قابلٌ، قالت له: إنَّ ابنَ عَمرو قد قدم. فالْقه. ثم فاتِحْه حتى تسألَه عن الحديثِ الذي ذكره لك في العلمِ. قال فلقِيتُه فساءَلته. فذكره لي نحو ما حدَّثني به، في مرتِه الأولى. قال عروة: فلما أخبرتُها بذلك. قالت: ما أحسبُه إلا قد صدق. أراه لم يَزِدْ فيه شيئًا ولم يَنقُص" (صحيح مسلم)؛ لذلك كان بعض رواة الحديث يأتون إليها ويسمعونها بعض الأحاديث ليتأكدوا من صحتها، ومن هذا كله يتبين أنه لولا أن الله تعالى أهلها لذلك، لضاع قسم كبير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية في بيته عليه الصلاة والسلام.

والمرأة أيضا أم الرجال وصانعة الأبطال، فكانت دائما من وراء العظماء، و خير مثال على ذلك أم المؤمنين خديجة زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما يعود إليها من غار حراء يرجف فؤاده، و ترتعد أطرافه، ويقول دثروني دثروني، فتلقاه في شجاعة قلب ورباطة جأش، وتقول له: «أبشِر فواللَّهِ لا يُخزيكَ اللَّهُ أبدًا واللَّهِ إنَّكَ لتصِلُ الرَّحمَ وتصدُقُ الحديثَ وتحملُ الكلَّ وتُكْسِبُ المعدومَ وتَقري الضَّيفَ وتُعينُ علَى نوائبِ الحقِّ» (صحيح مسلم). ثم تنطلق به إلى ابن عمها ورقه ابن نوفل وكان زعيما بتفسير هذا وظلت خديجة بجانب النبي صلى الله عليه وسلم تؤازره، وتسري عنه ما يلقاه من عنت القوم، وجهلهم و سفاهة رأيهم، وكانت لقوة شخصيتها، وسعة صدرها حصنا مكينا للدعوة المحمدية في أشد محنها وأعسر أيامها .

كذلك فقد تعدى دورها إلى غيره،`فهذه أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها، والتي تعد من أكمل النساء خلقا وعقلا وسدادا في الرأي، وظهر ذلك واضحا يوم الحديبية، حينما صالح النبي صلي الله عليه وسلم أهل مكة، وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم، «فلما فَرَغَ مِن قضيةِ الكتابِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: قوموا فانحَرُوا ثم احْلِقُوا. قال: فواللهِ، ما قام منهم رجلٌ حتى قال ذلك ثلاثَ مراتٍ، فلما لم يَقُمْ منهم أحدٌ دخَلَ على أمِّ سَلَمَةَ، فذَكَرَ لها ما لَقِيَ مِن الناسِ، فقالت أمُّ سَلَمَةَ: يا نبيَّ اللهِ، أَتَحُبُّ ذلك، اخرُجْ لا تُكَلِّمْ أحدًا منهم كلمةً، حتى تَنْحَرَ بُدْنَك، وتَدْعُوَ حالقَك فيَحْلِقَكَ. فخَرَجَ فلم يُكَلِّمْ أحدًا منهم حتى فعَلَ ذلك، نحَرَ بُدْنَه، ودعا حالقَه فحَلَقَه، فلما رأَوْا ذلك قاموا فنَحَرُوا وجعَلَ بعضُهم يَحْلِقُ بعضًا، حتى كاد بعضُهم يُقْتَلُ غمًّا» (صحيح البخاري).

وأما عن حسن بلاء المرأة في ميدان الجهاد، فقد أبلت أحسن البلاء، ولم تكن كما يزعم أعداء الإسلام أنها قعيدة البيت، لا دور لها، وأنها ليست إلا خادمة تخدم سيدها، بل كانت مجاهده بنفسها ومالها، فهذه صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة الخندق، حينما خرجا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون للقاء العدو، ووضع النساء والصبيان في حصن حسان بن ثابت، قالت صفية: "فمر رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وليس بينهم وبيننا أحد يدفع عنا ورسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمون في غور عدوهم لا يستطيعون انصرافا عنهم إن أتان آت؛ قالت: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطوف بالحصن وإني والله ما آمنه إن يدل على عوراتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه فانزل إليه فاقتله؛ قال: والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا؛ قالت: فأخذت عمودا ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته ثم رجعت إلى الحصن فقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل؛ قال: مالي بسلبه من حاجه" .

فقد كان لموقفها هذا عظيم الأثر في حفظ ذراري المسلمين ونسائهم، فلقد ظن اليهود أن هذه الحصون منعه من جيش المسلمين، فلم يجترئوا على فعله ثانية؛ وبذلك كانت أول امرأة مسلمه تقتل رجلا في سبيل الله...


نهلة عبد الله - 8/8/1433 هـ
 

  • 11
  • 2
  • 14,365

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً