أمراض القلوب: الغضب
إذا كان معظم النار من مستصغر الشرر، إذ كان معظم المشاكل في بيوتنا من لحظة غضب، ما طلق رجل امرأته إلا من لحظة غضب، لم يتحكم في غضبه، وما قتل رجل أخاه إلا في لحظة غضب، عندما تتخيل أنك أمام شيطانك ينزع من قلبك السكينة، ويشعل فيه نار الغضب والحقد على الآخرين، ألا يتطلب منا أن نقف وقفة مع أنفسنا نتعلم كيف نتمكن من هذا المرض القلبي سريع الإشعال سريع الإفساد في الأرض؟؟
- التصنيفات: تزكية النفس -
إذا كان معظم النار من مستصغر الشرر، إذ كان معظم المشاكل في بيوتنا من لحظة غضب، ما طلق رجل امرأته إلا من لحظة غضب، لم يتحكم في غضبه، وما قتل رجل أخاه إلا في لحظة غضب، عندما تتخيل أنك أمام شيطانك ينزع من قلبك السكينة، ويشعل فيه نار الغضب والحقد على الآخرين، ألا يتطلب منا أن نقف وقفة مع أنفسنا نتعلم كيف نتمكن من هذا المرض القلبي سريع الإشعال سريع الإفساد في الأرض؟؟ كثير من المشاكل بين الزوجين بسبب عصبية الزوج أو الزوجة، كثير من المشاكل بين الوالدين والأبناء بسبب غضب أحد الوالدين من أبنائهم، كثير من المشاكل في العمل بسبب الغضب للنفس، وحب الانتصار لها. لعل هذه الكلمات البسيطة تكون الماء الذي نطفئ به نيران الغضب في قلوبنا، ولنعرف أولاً: ما هو الغضب في اللغة؟
- يأتي الغضب في اللغة على معان، منها: السخط، أو عدم الرضى بالشيء، وعن الشيء، نقول: غضب عليه غضباً، ومغضبة: سخط أولم يرض، وغضب له: سخط أولم يرض على غيره من أجله.
- الغضب في الشرع: الغضب شعلة من النار، وإنه من الشيطان حيث قال: "خلقتني من نار وخلقته من طين"، شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاشتعال، أي أنت في موقف الغضب لست في صراع مع الناس، أنت في صراع مع الشيطان، إما يغلبك أو تغلبه، ولنسمع لهذه النصيحة لعلنا ندرك: ماذا يحدث وقت الغضب؟
إبليس ينصح: إبليس لعنه الله قال لموسى: "إياك والحدة فإني ألعب بالرجل الحديد كما يلعب الصبيان بالكرة".
وعموم الناس بين ثلاث درجات.. للغضب ثلاث درجات:
الأولى: درجة الاعتدال، بأن يغضب ليدافع عن نفسه أو دينه، أو عرضه أو ماله، أو ليدافع عن الحقوق العامة، ونصرة المظلوم، وتلك الحالة التي من أجلها خلق الغضب، فهو مخلوق لحكمة ضرورية اقتضتها طبيعة العمران، وطلبها نظام المجتمع الإنساني، فإن التنافس في هذه الحياة، والتزاحم على مرافقها يستدعي دفاعا قويا عن النفس والدين، والمال والعرض والحقوق العامة، ولولا ذلك لفسدت الأرض بانتشار الفوضى، وتقويض نظام الاجتماع؛ لأن من لا يغضب لنفسه كان معرضا للزوال من هذا الوجود، أو معرضاً لأن يسخره غيره تسخير الدواب التي لا تغضب لنفسها، ومن لا يغضب لدينه، فإنه يكون عرضة لتقليد القوي في كل ما يراه ويستحسنه، فينتقل من دين إلى دين بسبب التقليد الأعمى.
الثانية: درجة التفريط، وهي أن ينحط الغضب عن درجة الاعتدال، بأن يضعف في الإنسان، أو يفقد منه رأساً، وتلك الحالة مذمومة شرعاً، وعقلاً؛ لأن من لا يغضب لنفسه، أو لدينه، أو لعرضه، أو لماله، أو للمصالح العامة فهو جبان لم يجر على سنن الله في خلقه. وفي ذلك خطر عظيم على الاجتماع؛ لأنه مثار الفوضى في جميع مرافق الحياة كما علمت.
الثالثة: درجة الإفراط، وهي أن يخرج الغضب عن حد الاعتدال، ويطغى على العقل والدين، ويندفع في سبيل الشر اندفاعاً قد يؤدي إلى الهلاك من حيث لا يدري، وربما جره غضبه لأجل أمر يسير إلى ارتكاب أكبر الجرائم، وشر الموبقات، ومعلوم أن الغضب في تلك الحالة مذموم شرعاً وعقلاً، وعموماً الغضب المحمود هو ما كان للقيم والمبادئ المشتقة من كتاب الله وسنته وهو دليل على قوة الإيمان والانتصار للحق.
ولكن تُرى ماذا يحب الله فينا؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم لأشج بن قيس: {إنَّ فيكَ لَخَصْلَتينِ يحبُّهُما اللَّهُ الحِلمُ والأناةُ} (مسلم: 18)، هل تملك هذه الصفات، أم أن الحياة المادية بقسوتها والمتغيرات من حولها جعلتنا نفتقد هذه الصفات؟ هذه الصفات تجعلك قريب من الله، ألا تشتاق للقرب منه؟
كيف كان غضب النبي صلى الله عليه وسلم؟
النبي كان لا يغضب لنفسه قط، لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله، النبي الكريم ضرب وشج رأسه وكسرت رباعيته، وهو يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (البخاري: 3477)، وهذا هو يوسف بعد الذي حدث من إخوته، وبعد ما عزموا على إبعاده عن أبيه، أو قتله، تخيلوا وبعد سنوات كثيرة التقى معهم قال لهم: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92]. ولنتدبر هذا الموقف في غزوة أحد خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقُتل في المعركة خيرة أصحاب النبي، وبعد انتهاء المعركة «قام أبو سفيان وقال: أفي القوم محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه، وسأل عن ابن الخطاب، ثم قال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياءً لأجابوا، فلم يملك عمر بن الخطاب نفسه فقال: كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: أُعلُ هبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزة لكم، قال النبي: أجيبوه، قالوا: ماذا نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم، قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال» (البخاري: 4043). والآن لنتأمل متى قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم تكلموا، ومتى أمرهم ألا يجيبوه، لنتعلم أن متى نغضب، ولمن نغضب، لله، أم لأنفسنا؟
وها هو أبو بكر الصديق بعد حادثة الإفك، وما تعرضت له ابنته السيدة عائشة من خوض في عرضها، وكان ممن خاض فيه وتحدث بحديثهم مسطح بن أثاثة، وكان أبو بكر الصديق يتولى الإنفاق عليه، فلم يمنعه النفقة، ونزلت فيه هذه الآية من سورة النور: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]، ومن منا يعفو ويصفح، ومن منا يغضب إذا وجد ما لا يرضي الله؟
قيل لأحد الصحابة: "لقد شتمك فلان"، فرد قائلاً: "إنا لن نكافئ من عصى الله فينا، بأفضل من أن نطيع الله فيه". جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له: "من كسر رجل هذه؟" قال: "أنا فعلته عمداً لأغيظك، فتضربني، فتأثم، فقال: لأغظين من حرضك على غيظي، فأعتقه"! وشتم رجل عدي بن حاتم وهو ساكت، فلما فرغ من مقالته قال: "إن كان بقي عندك شيء فقل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا". ودخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمر برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: "أمجنونٌ أنت؟ فقال عمر: لا، فهمّ به الحرس، فقال عمر: مه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا". تخيلوا لو حدث ذلك لأحدنا في عصرنا هذا ماذا سيكون الرد؟ وروي أن رجلاً قال لضرار بن قعقاع: "والله لو قلتَ كلمة لسمعت عشراً، فقال له ضرار: والله لو قلتَ عشراً لم تسمع واحدة"، ولقي رجل عَلِي بن الحسين رضي الله عنهما، فسبه، فثارت إليه العبيد، فقال: مهلاً، ثم أقبل على الرجل فقال: "ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟" فاستحى الرجل، فألقى عليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك يقول: "أشهد أنك من أولاد الرسول.
ونحن كيف نتعامل مع مخدومينا؟ بل كيف نتعامل مع أبنائنا وأهلينا؟ ونرى أمهات من شدة غضبها على ابنها تحرقه أو تضع الفلفل الحار على لسانه، ألا نجاهد أنفسنا قليلا في غضبنا وسرعة انفعالنا حتى نستطيع بعون الله أن نخرج جيلاً ليس معقد نفسياً ونكتوي بناره ونتساءل: لماذا أولادنا بهذا العنف، ونحن وحدنا فقط من نملك الرد، هناك من الزوجات من تشتكي سوء خلق زوجها، وأنه سريع الغضب، أيها الأزواج ترى من أين يأتي الحب إذا دخل الغضب حياتنا؟ وكيف يشعر الأزواج بالسكينة وقد ملأ الغضب قلوبهم، أتظنون أنكم تتعاملون مع جماد! فلنعلم شيئاً مهما كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، فمن يشتري الحور بجرعة غيظ يكتمها، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين، يزوجه منها ما شاء» (رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وحسنه الألباني).
انتبه: إننا لا نحيا في الدنيا لأنفسنا، إنما لغاية أكبر هي رضا الله، وليس أنفسنا.
روشتة نبوية لمن يغضب:
النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء، إذ يقول سليمان بن صُرَد: «استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضباً قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال الرجل: أمجنون تراني» (رواه البخاري ومسلم). ولكن قول هذه الكلمات بيقين أن الله حتماً سيعيذك من الشيطان ويخرجك من حالة الغضب هذه، لا بد لك من اليقين، وإلا فشل معك هذا الدواء. وعن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبي ذر قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع» (رواه أبو داود وابن حبان). هل تكظمين غضبك مع زوجك؟ وهل الزوج يفعل ذلك؟ وماذا عن الأولاد؟ وإذا أغضبك أحد أقاربك أو جار، ماذا تفعلين؟ لا تغضب واستمع إلى نصيحة السلف الصالح، قال الحسن البصري: "يا بن آدم كلما غضبت وثبت ويوشك أن تثب فتقع في النار".
لا تجعل الغضب يملكك: وتأمل معي قول رسولك الكريم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (البخاري: 6114)، ليست القوة في ارتفاع صوتك وقت المشكلة أو التفوه بالكلمات القاسية، ولكن من يملك نفسه عند الغضب، هلا فعلت ذلك وجعلت الجنة هدفك وغايتك كم مرة حزنت؛ لأنك أغضبت الله عز وجل؟ هل استشعرت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، أم أنك ما زلت تخشى غضب المدير والزوجة، وإلا لما تستحي؟ ماذا تكسب إذا فقدت الله، وماذا تخسر إذا لم تجد إلا الله في حياتك؟
توضأ: عن أبي وائل القاص قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي، فكلمه رجل فأغضبه، فقام، فتوضأ، ثم رجع وقد توضأ، فقال: حدثني أبي، عن جدي عطية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» (السلسلة الضعيفة: 582). فالإسلامُ يدعوك إلى أن تخالط الناس وأن تعاشر الناس وإلى أن تحافظ على هذه العِشرة ولا تفرط فيها بسهولة، فلا تغضب على شخص إذا قال فيك قولاً، ولا تغضب على شخصٍ إذا آذاك بفعل، بل تدرع وتجمل بالصبر وكظم الغيظ، فإن الله تبارك وتعالى جعل كظم الغيظ من صفات المُتقين أهل الجنة، فإذا أغضبك أخوك في العمل أو في الشارع أو في أي مكان، وانتصرت على نفسك، وكظمت غيظك، ولم ترد عليه ولم تجزه السيئة بالسيئة، فيجب عليك بعد أن تعود إلى بيتك أن تتوضأ، وتصلي ركعتين وتستغفر الله سبحانه وتعالى لمن أساء إليك، وتدعو له بظهر الغيب، حتى يسلم صدرك من الحقد والحسد الذي إذ لم تعف عمن أساء إليك ملأ قلبك بالرضا والرحمة والشفقة على عباده، فالله سبحانه وتعالى يُحب العافين عن الناس.
جاهد نفسك: وتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ» (السلسلة الصحيحة: 342)، وأن هذه المجاهدة دليل القوة والشجاعة حقاً. والحلم خمسة أقسام كما قال أحد الفقهاء..
الحلم الغريزي: وهو هبة من الله تعالى للعبد به يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل به رحمه، إن قطعت، والثاني: حالم تحالم وهو أن يكظم العبد غيظه رجاء الثواب، وفي القلب كراهية، وحلم مذموم: وهو حلم العبد على من جنى عليه رياء وسمعة، وهو حاقد ساكت، وحلم كبر: وهو أن الشخص لا يراه أهلاً بأن يحاربه، وحلم مهانة ومذلة: لأنه لا يقوى على الدفاع عن نفسه، يقول الإمام السمرقندي: "عليكم بالصبر عند الغضب، وإياكم والعجلة عند الغضب، فإن في العجلة ثلاثة أشياء: الندامة في النفس، والملامة عند الناس، والعقوبة عند الله، وإن في الحلم سرور في النفس، ومحمدة عند الناس، وثواب عند الله". عندما يظهر الغضب فكر في العواقب، قد تكون العواقب طلاق زوج من زوجته، قد تكون استغنائهم عنك في العمل وأنت في حاجة إليه، قد تكون خسارة صديق عزيز عليك، وتخيل ماذا يدور في خلدك وقت الغضب، هل تحب أن يموت الطرف الآخر خلال النزاع؟ اجتهد في أن تعبر عن مشاعرك أول بأول حتى لا تتراكم وتؤدي في النهاية إلى انفجار بركان الغضب، وتذكر أن التسامح ليس هو النسيان ولكنه التذكر والتغاضي. وتذكر هذه المقولة: "أن يغضب أي إنسان، فهذا أمر سهل، لكن أن تغضب من الشخص المناسب في الوقت المناسب وللهدف المناسب وبالأسلوب المناسب، فهذا ليس بالأمر السهل" (أرسطو).
قصة:
حار أحد الآباء مع ولده، كيف يضبط نوبات الغضب عنده، فقال له ذات يوم: "أريد أن تحمل هذه المسامير، وناوله في اليد الأخرى مطرقة، وقال له: كلما غضبت اضرب مسماراً في الحائط، فلعلك تتذكر فتملك نفسك عند الغضب"، أطاع الغلام والده وبدأ يضرب مع كل موجه غضب مسمار، وبعد فترة كان المنظر مخيفاً، وكم المسامير الذي دق كبير يدل على عصبية من قام بدقها، ومع تقدم الأيام بدأ عدد المسامير بالتناقص تدريجياً حتى كان ذلك اليوم لم يضرب مسماراً قط، انطلق الطفل إلى أبيه فرحاً، وقال: "انظر يا أبي ولا مسمار اليوم"، فقال الأب الحكيم: "الآن سنقوم بعمل تعديل على التمرين، عليك القيام بالعكس، ما كنت تقوم به كل يوم يمر عليك لا تغضب انزع مسماراً من الحائط"، وبدأ الولد التمرين فانضبطت نفسه وانصلحت إلى أن بدأ العدد في التناقص، فهرع الولد إلى أبيه وعلى وجهه السعادة: "لقد زالت كل المسامير"، ابتسم الأب، واقترب من الحائط، وقال له: "ضع يدك على الثقوب الصغيرة، هل تشعر بها؟ قال: نعم، إنه ذكريات من تلك الأيام السيئة، فقال له الأب: يا بني، إن الكلمات والانفعالات جروح حقيقية وأخطاؤنا تشبه هذه الثقوب".
وليقف كل منا مع نفسه وقفة العفو والتسامح هو خلق من أخلاق الإسلام من منا يتعامل مع غيره بهذه الأخلاق قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34/ 35]. وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف لنا خيار الناس وشرارهم، عن أبي سعيد الخدري: «ألا إن بني آدم خلقوا من طبقات من طبقات، ألا وإن منهم البطيء الغضب السريع الفيء، ومنهم سريع الغضب سريع الفيء، فتلك بتلك ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء» (رواه الترمذي).
فمن أي الناس أنت؟
وفي النهاية:
لنقف مع أنفسنا قبل أن يكون الغضب وسرعة الانفعال هو سمة من سماتنا، فلا نجد من يتعامل معنا بعد ذلك ونكون قد خسرنا أهلينا بسبب هذا الداء القلبي، فلنجدد نية، ونستحضر كيف كان النبي يتعامل والصحابة، كل منا يختار موقف يعجبه عن كظم الغضب ونكتبه في ورقة وتكون أمامنا ليل نهار، ونحاول أن تردد كثيراً مع نفسك أنك هادئ ولا أحد يثيرني حتى تتغير هذه العادة وتذكر قول الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]. تمكن من مشاعرك.
إيمان الخولي