ماذا تعرف عن حزب الله اللبناني

منذ 2013-05-27

تأسَّس حزب الله الشيعي في لبنان عام 1982م، ولكنه دخل معترك السياسة عام 1985م. وقد ولد هذا الحزب من رحم حركة أمل الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران. وقد تسمّى بدايةً باسم (حركة أمل الشيعية) ثم تسمّى بـ (أمل الإسلامية) رغبةً في توسيع نطاقه ليشمل الأمّة الإسلامية.


المبحث الأول: نشأة حزب الله في لبنان
تأسَّس حزب الله الشيعي في لبنان عام 1982م، ولكنه دخل معترك السياسة عام 1985م. وقد ولد هذا الحزب من رحم حركة أمل الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران.

وقد تسمّى بدايةً باسم (حركة أمل الشيعية) ثم تسمّى بـ (أمل الإسلامية) رغبةً في توسيع نطاقه ليشمل الأمّة الإسلامية، لأن دور حركة أمل اقتصر على النطاق الشيعي السياسي اللبناني، وتكون (أمل الإسلامية) هي من يتولّى نشر التشيّع في لبنان والعالم الإسلامي، وأخذ صورة المناضل المقاوم الذي يحمل همّ الدفاع عن الأمّة وحماية مقدّساتها. ونظراً لما اقترنت به (حركة أمل الشيعية) من أعمال وحشية وجرائم بشعة لا تخوّل وليدها (أمل الإسلامية) من استلام مهام الدفاع عن الأمة، وخشيةً من هذا فقد كُوّن حزبٌ جديد، وهو ما يُعرف اليوم بـ(حزب الله).

وبعد تغيير الاسم؛ تُلمَّع الشخصيات ويَصنع الإعلام أبطالاً وهميين لقتلة الأمس، وسفّاحي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، فهؤلاء هم المجاهدون الفاتحون اليوم!! إنّها عملية يُراد ترويجها على الأمة وعلى البسطاء، الذين لا يفقهون الدين، ولا يعلمون العقيدة الصحيحة، ولا يقرؤون التاريخ، بل يَحكمون على الناس من خلال وسائل الإعلام المضلّلة التي لا تبني الأمجاد على أسس علمية صحيحة ولا على حوادث وحقائق واقعية.
من هنا جاء الحزب ليلعب دوراً خطيراً في الأمة الإسلامية أعمّ وأشمل من دور أٍُمِّهِ (أمل الشيعية)، التي اتخذت مسار الاهتمام بالطائفة الشيعية من ناحية سياسية بلباسٍ علماني.

المبحث الثاني: مؤسس حركة أمل
مؤسس حركة أمل هو: موسى الصدر، إيراني الجنسية، من مواليد عام 1928م، تخرَّج من جامعة طهران، ووصل إلى لبنان عام 1958م، وقد حصل على الجنسية اللبنانية بعد أن منحه إياها فؤاد شهاب بموجب مرسوم جمهوري مع أنه إيراني ابن إيراني!! وهو تلميذ الخميني وتربطه أقوى الصلات به، فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت موسى الصدر، وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيدة الخميني.
لقد قام موسى الصدر بتأسيس منظمة (أمل) المسلحة في الجنوب وبيروت والبقاع، وكانت هذه المنظمة متعاونة مع القوات الوطنية:

المطلب الأول: الرؤساء المرشحون       
سعت إيران إلى تأسيس حركة جديدة تُسمّى (حزب الله) على يد محمد حسين فضل الله والملقب بـ (خميني لبنان)، وصبحي الطفيلي، وحسن نصر الله وإبراهيم الأمين وعباس موسوي ونعيم قاسم وزهير كنج ومحمد يزبك وراغب حرب. وسرعان ما تفجر الوضع بين هؤلاء بسبب محاولة كل طرف بسط نفوذه على مناطق الشيعة في لبنان؛ فاقتتل الطرفان -حركة (أمل) و(حزب الله)- قتالاً شرساً، حتى تمكَّن (حزب الله) من بسط نفوذه على أغلب مناطق الجنوب، وازدادت شعبيته بين أبناء الشيعة بسبب ما يقدمه من خدمات اجتماعية كبيرة لأبناء الشيعة في المنطقة بمساعدات سخية من الدولة الإيرانية. وهذا الحزب (حزب الله) يُعدُّ في زمننا الحاضر من أشد الفتن على أبناء السُّنة والجماعة في العالم، فظاهره جهاد أعداء الله من اليهود والنصارى، وحقيقته الدعوة إلى التشيع وتصدير الثورة الخمينية الإيرانية للعالم الإسلامي.

المطلب الثاني: مرجعية الحزب           
لا نغالي إذا قلنا إن حزب الله هو حزب إيراني في لبنان، ففي البيان التأسيسي للحزب، الذي جاء بعنوان (من نحن وما هي هويتنا؟) عرّف الحزب عن نفسه فقال: "... إننا أبناء أمّة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزيّة في العالم... نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثّل بالولي الفقيه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدّد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظلّه مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة.."، وقد عبّر إبراهيم الأمين (قيادي في الحزب) عن هذا التوجّه عام 1987م فقال: "نحن لا نقول إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران".

فقد قيل لـ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: إن دور حزبه لن ينتهي؛ لأنه حزب مستورد من الخارج، (سوريا أو إيران) فقال: لنكن واضحين ونحكي الحقائق: الفكر الذي ينتمي إليه "حزب الله" هو الفكر الإسلامي، وهذا الفكر لم يأت من "موسكو" أيام الاشتراكية ولا من "لندن وباريس" ولا حتى من "واشنطن" في زمن الليبرالية، هو فكر الأمة التي ينتمي إليها لبنان، إذاً نحن لم نستورد فكراً، وإذا كان من يقول: إن الفكر إيراني. أقول له: إن هذه مغالطة؛ لأن الفكر في إيران هو الفكر الإسلامي الذي أخذه المسلمون إلى إيران، وحتى هذا الفكر خاص بعلماء جبل عامل. اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران على المستوى الحضاري والديني في القرون السابقة؛ أين هو الاستيراد؟ هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداؤه لبنانيون.

وفي إحدى الاحتفالات التأبينية التي تقام في لبنان قال إمام جمعية مسجد الإمام المهدي الشيخ حسن طراد: "إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحد"، وكما قال أحد العلماء الأعلام: "إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعاتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً". وفي مناسبة تأبينية أخرى قال الناطق باسم حزب الله -ذاك الوقت- إبراهيم الأمين: "نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران". ويقول محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: "إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في نفس سياسته".

ويقول حسن نصر الله: "إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما إن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا". ويُؤَمِّن على كلام أمين الحزب مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والإفريقية، د. محمد صدر فيقول: "إن السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة". وقد حذر علي خامنئي مرشد الثورة من إضعاف المقاومة الإسلامية وقال: "إنه يجب التيقظ ومنع الأعداء من ذلك، إن شعلة المقاومة يجب أن لا تنطفئ؛ لأن أولئك الأبطال واجب على إيران مساعدتهم".

فهكذا يتبين الترابط المتكامل بين إيران الثورة وحزب الله وشيعة لبنان، فقد أصبحت إيران الأم الرؤوم والمحضن الدافئ والمرعى الخصيب والنموذج الذي يتطلع إليه عموم الشيعة؛ فهي القبلة الدينية والسياسية لهم.

المطلب الثالث: حسن نصر الله رئيساً للحزب
حسن عبد الكريم نصر الله من مواليد 21 أغسطس 1960م، سافر إلى النجف في العراق عام 1976م لتحصيل العلم الديني الإمامي، عيِّن مسؤولاً عن حركة (أمل) في بلدة البازورية في قضاء صور، وعيِّن مسؤولاً سياسياً في حركة (أمل) عن إقليم البقاع وعضواً في المكتب السياسي عام 1982م، ثم ما لبث أن انفصل عن الحركة وانضم إلى حزب الله، وعيِّن مسؤولاً عن بيروت عام 1985م، ثم عضواً في القيادة المركزية وفي الهيئة التنفيذية للحزب عام 1987م، واختير أميناً عاماً على إثر اغتيال الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992م، مكملاً ولاية سلفه، ثم أعيد انتخابه مرتين عام 1993 - 1995م.

وأما صلة نصر الله بمنظمة (أمل) فهي على النحو التالي:
منظمة (أمل) -كما سبق- أنشأها موسى الصدر وله من الصلة الوثيقة بالخمـيني ما له. في (8/10/1983)م، أعلن المفتي الجعفري عبد الأمير قبلان باسم المجلس الشيعي الأعلى ما يلي: "إن حركة (أمل) هي العمود الفقري للطائفة الشيعية، وأن ما تعلنه (أمل) نتمسك به كمجلس شيعي أعلى، ومن ثم فإن ما يعلنه المجلس الشيعي تتمسك به الحركة". وقد بايعت (حركة أمل) الزعيم الشيعي (الخميني) وأعلنته إماماً لها وللمسلمين في كل مكان! جاء هذا التأييد للحركة بعد الانشقاق الذي خرجت به (أمل الإسلامية) (حزب الله فيما بعد) وبعد الحضور الفعلي لـ (حزب الله) على أرض الصراع. وكان حسين الموسوي وهو نائب رئيس حركة (أمل) قد أعلن عن انشقاقه عن منظمة أمــل وأعلن (أمل الإسلامية) التي تحولت فيما بعد إلى (حزب الله).

وبهذا يتضح أنه لم يكن هناك إبعاد كبير لـ (حركة أمل) بقدر ما هو زحزحة من الصورة العسكرية والمواجهة إلى الساحة السياسية واستبقاؤها لأدوار أخرى تتوافق والمتغيرات السياسية لإيران وملفاتها في لبنان. إن قضية حسن نصر الله لا تحتاج إلى كثير بحث.. فهو شيعي جعفري ينتهج من شتم الصحابة ولعنهم ديناً وقربة إلى الله.. وقد صرّح الشيخُ يوسف القرضاوي في لقاءٍ معه أن (حسن نصر الله) شيعي متشدّد. وبعد هذه الأعمال والمخازي من حركة (أمل) الشيعية، والتي لا يمكن للناس أن يثقوا بها أو يقبلوا شيئاً منها؛ نتج منها هذا الحزب (حزب الله)، فكيف يمكن للمسلمين الصادقين أن يثقوا به؟!

وإن حصل بينهم قتال شرس وطاحن قبل سنوات، فهذا هو حال أهل الباطل وديدنهم منذ قديم الزمان، فقد قال الله تعالى عن أمثالهم -وهم اليهود-: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} [الحشر:14]، وقال أيضاً: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة من الآية:64]، وقال عن أمثالهم من النصارى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة من الآية:14].

المبحث الثالث: أهداف حزب الله   
الأهداف المعلنة للحزب: أنه حركة مقاومة إسلامية ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان ورفع شعار تحرير المقدسات الإسلامية في فلسطين للتغرير بالمسلمين وصرف أنظارهم عن مخططات الحزب الخفية، ولاستمالة قلوبهم وتعاطفهم، وقد زادت شعبية هذا الحزب بين الناس بسبب ما قدَّمه من خدمات اجتماعية وإنسانية بدعم من حكومة إيران.

أما الأهداف غير المعلنة فهي: نشر التشيع في لبنان، والحفاظ على الوجود الشيعي الدائم في هذا البلد، والسيطرة على منافذ القوة فيه، وتهيئة موطئ قدم لإيران للتدخل في المنطقة متى تشاء لتحقيق مصالحها وأهدافها القومية والدينية. وكذلك ضرب البنية التحتية للبنان، وجرّه إلى حرب ليتسنّى لهذا الحزب السيطرة على لبنان وهذا جزء من تصدير الثورة الإيرانية إلى العالم الإسلامي، ومن أجل إقامة دول الهلال الشيعي حسب ما يخططون ويسعون له.

المبحث الرابع: حزب الله وإسرائيل.. شقاق أم وفاق
اشتهر حزب الله بمقاومته للجيش الإسرائيلي، حتى حاز على إعجاب الكثير من المسلمين الطيبين الذين اعتبروه بطلاً ونموذجاً للمقاومة والتحرير، وسنحاول أن نرد هنا بعضاً من الأدلة على عدم جدية حزب الله في هذا الأمر، وأن جهاده ومقاومته هي سياسية في المقام الأول وليس من أجل تحرير الأرض، ولكن من أجل تحقيق أهداف مؤسسية، وهو ما تحاول إثباته هذه الرسالة، غير أننا نشير هنا إلى بعض منه.

تفاهما يوليو/ تموز 1993م، أبريل/ نيسان 1996م:
مما يشير إلى أن مقاومة حزب الله هي مقاومة سياسية في المقام الأول التفاهمات السياسية التي توصل إليها حزب الله مع إسرائيل، ومنها تفاهمي يوليو 1993م، وأبريل 1996م، حيث تعهد الحزب في هذين التفاهمين بعدم ضرب أهداف إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة بداية، وهو أمر كان الحزب يؤكد التزامه به، معتبراً أن إطلاق صواريخ "الكاتيوشا" على المستعمرات الإسرائيلية في الجليل ليس سوى رد فعل على الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين.

أما اتفاق تفاهم أبريل 1996م بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل، فقد تم التوصل إليه بموافقة حزب الله وعملت سوريا على الوصول إليه، وينص هذا الاتفاق على ما يلي:

إن الولايات المتحدة تفهم أنه بعد مناقشات مع حكومتي إسرائيل ولبنان وبالتشاور مع سوريا، فإن لبنان وإسرائيل سوف يكفلان التالي:

1- إن المجموعات المسلحة في لبنان لن تقوم بهجمات بصواريخ الكاتيوشا، أو أي نوع آخر من السلاح إلى داخل إسرائيل.

2- إن إسرائيل والمتعاونين معها لن يطلقوا أي نوع من السلاح على المدنيين، أو الأهداف المدنية في لبنان.

3- بالإضافة إلى هذا، يلتزم الطرفان بالتأكد من عدم كون المدنيين هدفاً للهجوم تحت أي ظروف، وعدم استخدام المناطق المدنية الآهلة والمنشآت الصناعية والكهربائية قواعد إطلاق للهجمات.

4- بدون خرق هذا التفاهم لا يوجد ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس.

5- تم تشكيل مجموعة مراقبة مؤلفة من الولايات المتحدة، وفرنسا، وسوريا، ولبنان وإسرائيل. ستكون مهمتها مراقبة تطبيق التفاهم المنصوص عليه أعلاه. وستقدم الشكاوى إلى مجموعة المراقبة.

6- ستنظم الولايات المتحدة أيضاً مجموعة استشارية تتألف من فرنسا، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، وأطراف أخرى مهتمة بهدف المساعدة على تلبية حاجات الإعمار في لبنان.

7- من المعترف به أن التفاهم من أجل إنهاء الأزمة الحالية بين لبنان وإسرائيل لا يمكن أن يكون بديلاً عن حل دائم.

8- تفهم الولايات المتحدة أهمية تحقيق سلام شامل في المنطقة، من أجل هذه الغاية، تقترح الولايات المتحدة استئناف المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وبين لبنان وإسرائيل في وقت يتفق عليه، بهدف التوصل إلى سلام شامل، تفهم الولايات المتحدة أنه من المرغوب فيه أن تجري المفاوضات في جو من الهدوء والاستقرار.

وهكذا يتضح لنا من بنود اتفاق إبريل 1996م أن حزب الله تخلى بشكل واضح عن تحرير فلسطين، بل تخلى عن مجرد شن هجمات صاروخية ضد المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة، ولقد عمل حزب الله على الالتزام بهذا الاتفاق، حتى شهدت له إسرائيل بذلك.

المطلب الأول: الانسحاب الإسرائيلي وقواعد اللعبة
أما الاتفاق الأخطر، والذي يكشف حقيقة حرب حزب الله، فهو الاتفاق الذي سبق الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000، وهو الاتفاق الذي أشار إليه حسن نصر الله في خطاباته بقواعد اللعبة، وأبرز بنود هذا الاتفاق تتمثل في النقاط التالية:

المرحلة الثانية بند (أ) يقوم الجيش الإسرائيلي بسحب قواته كافة من كامل الأراضي اللبنانية والحزام الأمني إلى الحدود الدولية في مدة لا تتعدى ثلاثة أشهر تحت إشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وفقا للقرارات الدولية المتعلقة بجنوب لبنان وإنهاء حالة الحرب هناك، كما يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بحل وتفكيك مليشيات جيش لبنان الجنوبي، ولا يشمل الانسحاب مزارع شبعا على أساس أنها أرض سورية، مرتبطة أمنيا بهضبة الجولان، وأمن دولة إسرائيل.

فقرة (ب) تقوم ميليشيات حزب الله بتسلم المواقع العسكرية والأمنية من جيش الدفاع الإسرائيلي، وجيش لبنان الجنوبي فوراً بعد إخلائها؛ للحيلولة دون وقوعها بأيدي منظمات فلسطينية أو إرهابية معادية لإسرائيل.

فقرة (ج) يتعهد الجيش الإسرائيلي بعدم استهداف أعضاء أو مؤسسات تابعة لهذا الحزب، وأن يسمح للحزب بتحريك أسلحته الثقيلة في المنطقة الحمراء للحفاظ على الأمن والهدوء.

فقرة (د) أن تعمل ميليشيا حزب الله على الانتشار في المنطقة الحمراء كلها "الحزام الأمني" حتى الشريط الحدودي بين لبنان ودولة إسرائيل وإحلالها مكان ميليشيا جيش لبنان الجنوبي بعد حل الأخرى.

فقرة (و) أن يعمل الحزب على ضمان الأمن في هذه المناطق التي ستصبح تحت سيطرته، وذلك "بمنع المنظمات الإرهابية من إطلاق الصواريخ على شمالي إسرائيل"، ووقف التسلل، واعتقال العناصر التي تهدد أمن حدود إسرائيل الشمالية، وتسليمهم إلى السلطات اللبنانية لمحاكمتهم، كما يتعهد الحزب بمنع الأنشطة العسكرية وغير العسكرية لمنظمات إرهابية فلسطينية أو لبنانية معادية لإسرائيل في المنطقة الحمراء.

فقرة (هـ) تنسق الحكومة اللبنانية والسورية مع حزب الله على تنفيذ الاتفاق كما تتعهد إيران بكونها المرجع والمؤثر القوي لحزب الله بضمان الاتفاق والمساهمة الفعالة في تثبيت الأمن في هذه المنطقة.

وتتعهد الحكومة اللبنانية والسورية بعدم ملاحقة، أو محاكمة أعضاء جيش لبنان الجنوبي وأن تقدما المساعدة على دمجهم بالمجتمع وتوفير المساعدة والحماية اللازمة لمن يرغب منهم العودة إلى بيته، وبناء عليه ستقوم كل من إيران وأمريكا بالسعي لحل مشكلة الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة التي تطالب بها إيران ا هـ. نقلاً عن مقال: "حزب الله على أي أساس يقاتل" للأستاذ عبد المنعم شفيق في مجلة (البيان، [عدد رمضان 1427]).

المطلب الثاني: حزب الله.. هل يسعى لتحرير فلسطين؟
مع أنه أتى في ميثاق حزب الله أنه "يجب إزالة إسرائيل من الوجود" ويدعو لتوحد العرب والمسلمين -كما يقولون- لتحرير فلسطين كلها "من النهر إلى البحر" إلا أن ما سبق وعرضناه من تفاهمات واتفاقيات بين حزب الله وإسرائيل، تؤكد أن فلسطين ليست على خريطة حزب الله، وهو ما أكده نصر الله في الخطاب الذي ألقاه في بنت جبيل عقب الانسحاب الإسرائيلي، حيث أشار نصر الله إلى أن حزب الله لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل لهدف تحرير فلسطين. وقد تكرس التزام حزب الله بضوابط الصراع مع إسرائيل حتى أثنت عليه إسرائيل في ذلك الشأن، حيث كانت صحيفة (هارتز) (بتاريخ 6/7/2006)م قد امتدحت الأمين العام لحزب الله بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي. وبينما اشتكى الأمين السابق لحزب الله "صبحي الطفيلي" من إعاقة حزب الله لعمليات المقاومة ضد إسرائيل عقب الانسحاب الإسرائيلي، واصفاً حزب الله بأنه خفر حدود لصالح إسرائيل.

فإننا نجد الموارنة النصارى في لبنان يمدحون هذا السلوك من حزب الله، حيث يقول ميشال سماحة وزير الإعلام اللبناني: "إن حزب الله قد جعل الحياة مستقرة في جنوب لبنان بسيطرته على الأنشطة العنيفة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين القذرة المتناثرة في أنحاء المنطقة ورصدها أحياناً". وأضاف سماحة: "إن أمريكا وقعت في خطأ بعدم سعيها إلى التفاهم مع حزب الله"، وأشار سماحة إلى أن الجماعة ملتزمة بإصرار سوريا على منعها منفذي العمليات الانتحارية الفلسطينيين المحتملين عبور الحدود إلى إسرائيل.

ولنا أن نتساءل إذا كان حزب الله يسعى لتحرير فلسطين فلماذا دوماً لا تنطلق عملياته العسكرية إلا على فترات وفي ظروف يكون مؤسسيه سواء إيران أو سوريا في حاجة لورقة خارجية تخفف الضغط عنهما. وإذا كان حزب الله يسعى لتحرير فلسطين فكيف يعد إسرائيل بعدم القيام بأية حرب أخرى كما صرح بذلك في لقائه مع فضائية (New TV) عقب انتهاء الحرب الأخيرة.

كما أن من عجيب أمر حزب الله أنه ما فتئ أيام الحرب من التهديد بضرب حيفا وما بعد حيفا، غير أننا فوجئنا بعدم إقدامه على ضرب حيفا إلا بعد قيام إسرائيل بنقل مصفاة حيفا الكيمياوية، فمصفاة حيفا وتل أبيب اللتان تقعان ضمن مدى صواريخ الحزب قد "حيّدتا" "اللفظ لحسن نصر الله" ولم تقصفا طوال الحرب. وقد كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونادليزا رايس قد طلبت من إيران الضغط على حزب الله بعدم قصف الهدفين، وهو الحلقة الأهم في هذا الصراع.

حاجة إسرائيل إلى حزب الله:
على الرغم من نزوات حزب الله الهجومية ضد إسرائيل، إلا أن حزب الله يبقى هو الأفضل لبقاء إسرائيل، أخذاً في الاعتبار ما قاله الطفيلي وأكدته صحيفة (هآرتز)، مضافاً إليه الضعف الأمني للدولة اللبنانية، فإن الاستئصال الأمني الكامل لحزب الله لن يصب في المصلحة الأمنية لإسرائيل، فزوال الحزام الأمني العازل الذي يشكله الحزب بين إسرائيل وباقي لبنان، الذي حفظ السلام في الجليل الأعلى، يعني عودة التماس الجغرافي مع قطاعات الشعب اللبناني والفلسطينيين، التي تختلف مع مدرسة الحزب السياسية والمذهبية، ومع رؤيته إلى طبيعة الصراع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي احتلت من أجله إسرائيل جنوب لبنان في عام 1982م، وأوجدت جيش لبنان الجنوبي، ذو الأغلبية الشيعية، الذي لم يثبت فاعلية في حماية مناطقها الشمالية من عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي كانت تنشط قبل وصول حزب الله وتوقفت تماماً بمجيئه.

فعلى المدى البعيد نسبياً: فإن زوال حزب الله بالكامل يعني من المنظور الإسرائيلي تحول لبنان إلى منطقة أمنية رخوة، وقبلة لفصائل المقاومة الإسلامية التي تجوب العالم بحثاً عن نقطة تماس مباشرة مع ما تعتبره العدو الحقيقي، وما تعده أيضاً تجسيداً لخطابها السياسي، الذي ينتقده خصومه على أنه ينشط بعيداً عن جغرافية المواجهة الحقيقية، وهو ما فعلته بعد سقوط العراق، وتواجه دوراً من قبل المليشيات الشيعية المحلية والوافدة شبيه بدور حزب الله؛ بعبارة أخرى، ستبقى حاجة إسرائيل قائمة إلى حزام أمني طائفي يعزلها عن محيط الأغلبية ذات المنطلقات والرؤى المختلفة.

ولابد أن نشير هنا إلى أن المقاومة الحقيقية في جنوب لبنان والعمليات النوعية التي شهدها الجنوب اللبناني لم يقم بها حزب الله، وذلك باعتراف صبحي الطفيلي أمين حزب الله في تلك الفترة، حيث نفى مسئولية الحزب عنها كما في مقابلته مع "الجزيرة الفضائية" في (23/7/2004)م.

ويقول الكاتب اليهودي "آريه ناؤور" (معاريف: 26/5/2000): "عندما بدأت حرب لبنان -أي سنة 1982م- سُمّيت "حملة سلامة الجليل" وكان يفترض بالحملة أن تستغرق 48 ساعة، على عمق 40 كيلو متراً، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن لمجموعة من كبار الضباط على مشارف بيروت: "أنتم تعرفون جيداً أنني ما كنت سأصادق على حملة تنطوي على عدد كبير من الإصابات تزيد على بضع عشرات من جانبنا، وبعد وقت قصير من ذلك ارتفع عدد ضحايانا إلى 500"، فأغلق بيجن على نفسه في بيته ولم يجد ما يواسيه، ولم يتهم أحداً، وفي آخر مرة يظهر فيها أمام مركز الليكود قال: "إنه يجري في لبنان مأساة، ومنذئذٍ ارتفع عدد ضحايانا ضعفين وأكثر...".

وهنا يثور سؤال: من الذي أوقع هذا العدد الكبير من قتلى اليهود الذين بلغوا "500"، كما يقول الكاتب اليهودي "آريه ناؤور"؟!

أما حزب الله فلم يكن قد ظهر إلى الوجود عام 1982م، وأما حركة أمل فقد كانت تقف في الطرف المعادي للذين أحسنوا إليها -منظمة التحرير-، فلم يبق إلا أهل السنة من الفلسطينيين واللبنانيين، وما كانت القوات النصيرية بقادرة على منعهم لأنها قابعة على الحدود السورية اللبنانية، بل "إن معظم العمليات النوعية قبل انسحاب الكيان اليهودي من جنوب لبنان، قام بها شباب فلسطينيون من تنظيم الجبهة الشعبية -القيادة العامة- بزعامة أحمد جبريل، حيث قدم هذا التنظيم 750 قتيلاً نحسبهم عند الله شهداء من مجموع 1500 قتيل أعلن عنهم الحزب، دون أن يذكر دور هؤلاء المقاتلين الفلسطينيين ولو بالإشارة في يوم من الأيام، فالحزب قد استغل تعطش هؤلاء الشباب لقتال عدوهم -والمغلقة في وجوههم الحدود الغربية- حتى يبني أمجاداً على جماجمهم...".

وبعد الانسحاب الصهيوني من لبنان، عمل حزب الله على تأكيد وفائه بالتزاماته مع إسرائيل، وأحبط العديد من العمليات الفدائية ضد إسرائيل، حتى اشتكى سلطان أبو العينين أمين حركة فتح في لبنان من ذلك، وقال: "لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع، وقدمهم للمحاكمة". ويقول أيضاً: "نعيش جحيما منذ ثلاث سنوات، ومللنا الشعارات والجعجعة"، وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان، والذي اعتبروه نصراً مؤزراً ومجداً تاريخياً.

المبحث الخامس: هل هناك اتفاقيات سرية بين حزب الله وإسرائيل؟
يقول ضابط إسرائيلي من المخابرات: "إن العلاقة بين إسرائيل والسكان اللبنانيين الشيعة غير مشروطة بوجود المنطقة الأمنية، ولذلك قامت إسرائيل برعاية العناصر الشيعية وخلقت معهم نوعاً من التفاهم للقضاء على التواجد الفلسطيني والذي هو امتداد للدعم الداخلي لحركتي حماس والجهاد".

واعترف الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي   فقال: "إن حزب الله هو حرس حدود لإسرائيل". وقال أيضاً صبحي الطفيلي: "مع بداية التسعينات بدأت ملامح التغيير في السياسة الإيرانية.. بتفاهم تموز 1993م، ثم بتفاهم نيسان 1996م، والذي تم الاعتراف فيه وبحضور وزير خارجية إيران آنذاك، بأمن العدو اليهودي في فلسطين.. ومن ذلك الحين بدأ العدو الصهيوني يسعى إلى الانسحاب من لبنان على ضوء هذا التفاهم، لأن التفاهم يفرض على المقاومة أن تقف.. تصل إلى الحدود وتقف". لاثم قال: "أريد أن أقول: إن النتيجة لتفاهم نيسان هو أن المقاومة تحولت من: مقاومة -هذه حقيقة- إلى حرس حدود". ولذلك فإسرائيل تحرص على النفوذ الشيعي في جنوب لبنان ليكون حامياً لها ممن يريد الهجوم على إسرائيل من الحدود الشمالية لها.

وقد جاء في صحيفة (الجروزاليم بوست) في عددها الصادر بتاريخ (23/5/1985)م: "إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح إسرائيل التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان، وجعلها منطقة خالية من أي هجمات ضدّ إسرائيل.. إن الوقت حان لأن تعهد إسرائيل إلى (أمل) بهذه المهمّة".

ويؤكّد هذا الأمر توفيق المديني فيقول: "حركة (أمل) التزمت من جانبها بمنع رجال المنظمات الفلسطينية من التسلل إلى مناطق الجنوب للقيام بعمليات مسلحة ضد الجيش الإسرائيلي وضد مستوطنات الجليل في شمال فلسطين المحتلّة". وقد أكّد هذا الأمر الأمين العام السابق لحزب الله: صبحي الطفيلي، حيث يقول: "من أراد أن يتثبّت -يعني من كون حزب الله أصبح حامياً لحدود إسرائيل كما سبق-، فباستطاعته أن يأخذ سلاحاً ويتوجّه إلى الحدود، ويحاول أن يقوم بعملية ضدّ العدو الصهيوني، لنرى كيف يتصرّف الرجال المسلحون هناك! لأن كثيرين ذهبوا إلى هناك، والآن هم موجودون في السجون!، اعتقلوا على يد هؤلاء المسلحين".

"فإسرائيل لم تكن تسعى إلى القضاء على حزب الله وتدميره، ليس لقدراته وقوته، ولكن لأنه حزبٌ منضبط، على الرغم من الانزعاج الذي يسبّبه في بعض الأحيان، إلا أن زوال حزب الله من جنوب إسرائيل كفيلٌ بصعود مقاومة سنّية بديلة، وهو أمرٌ لا تقبله إسرائيل. ومن أجمل ما قيل: أن من مصلحة إسرائيل بقاء حزب الله، ومن مصلحة حزب الله بقاء إسرائيل.

فالمشروع الشيعي -وإن كان مزعجاً للمشروع الصهيوني الأمريكي- إلا أنّه يبقى مشروعاً منضبطاً لا يرفض التعاونوالتفاوض، بل قد يبادر إلى التعاون، مثلما حدث من إيران في أفغانستان والعراق، ومثلما حدث من حزب الله قديماً عندما عمل على إحباط هجمات المقاومة من جنوب لبنان. أما المشروع السنيَّ للمقاومة، فهو مشروع مزعجٌ ولا يقبل التفاوض أو المساومة، والوقائع على ذلك كثيرة، بدءً من طالبان في أفغانستان وانتهاءً بالمقاومة الفلسطينية، ومروراً بالمقاومة العراقية".

المبحث السادس: علاقة حزب الله بإيران
بالرغم مما يؤكده قادة الحزب بأنه لبناني ونشأ لبنانياً وجاء الدور السوري والإيراني لاحقاً، إلا أن المعطيات تؤكد أن إيران لعبت دوراً أساسياً في ولادته ونشأته ونموه، وتصريحات قادة الحزب وميثاق الحزب تؤكد دوماً التبعية للثورة الإيرانية ومرشدها، وصور قادة إيران وعلمها تسيطر على مرافق وفعاليات الحزب. وتتميز العلاقة بين حزب الله وإيران بتداخل البعدين السياسي والديني فيها، فاللبنانيون الشيعة الذين يمثلون كوادر حزب الله تربطهم بالمرجعيات الدينية الإيرانية روابط روحية عميقة، ويعتبر مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامئني أكبر مرجعية دينية بالنسبة لهم، ويُسمّى أمين عام حزب الله حسن نصر الله الوكيل الشرعي لآية الله خامئني.

يقول حسن نصر الله: "إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا".

ويقول إبراهيم الأمين الناطق باسم حزب الله: "نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران".

ويقول حسن سرور أحد قادة الحزب "نعلن للعالم أجمع أن إيران هي أُمُّنا وديننا وكعبتنا وشراييننا"، ويزيد عباس موسوي: "كلنا أخوة ونقاتل من أجل القضية نفسها، وكل من يحاول التفرقة بينا وبين إخوتنا الإيرانيين أو بين المسلمين عموماً فإنه يرتكب جريمة". وفي ذكرى أسبوع أحد موظفي السفارة الإيرانية ببيروت "مصطفى توراني" قال الشيخ حسن طراد إمام جمعية مسجد الإمام المهدي بالغبيري: إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحد وكما قال أحد العلماء الأعلام إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً. وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير 1985م أن الحزب "ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة".

ويقول هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجمع تشخيص النظام والرجل القوي في إيران: تعتقد إيران أن مساعدتها لحزب الله في لبنان "واجب مذهبي وثوري" وأنها سوف تستمر في دعمه طالما ظلت أراضيه محتلة أو "مهددة" وأنها مع تقديرها للمواقف الشجاعة لشعب لبنان وحكومته في دعم جبهة المقاومة أمام محاولات التوسع للنظام الصهيوني تؤكد استمرار دعم إيران للمقاومة الشعبية في لبنان. الدعم المادي والعسكري والسياسي والإعلامي الإيراني لحزب الله واضح لا لبس فيه، وإن كان يصعب تحديد حجمه، وهناك جهات إيرانية عديدة تعمل في حزب الله: حراس الثورة، وزارة الخارجية، مؤسسة الشهيد، وزارة الإرشاد الإسلامي، وزارة الداخلية، الأجهزة الأمنية الاستخباراتية.

وبشكل عام نستطيع أن نلخص الدلائل على الدور الإيراني في نشأة حزب الله فيما يلي:
1- نشأ حزب الله في إيران بتأثير ولاية الخميني على الشيعة كافة، يقول نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم: "كان هناك مجموعة من المؤمنين... تفتحت أذهانهم على قاعدة عملية تركز على مسألة الولي الفقيه والانقياد له كقائد للأمة الإسلامية جمعاء، لا يفصل بين مجموعاتها وبلدانها أي فاصل،... وذهبت هذه المجموعة المؤلفة من تسعة أشخاص إلى إيران ولقاء الإمام الخميني "قدس" وعرضت عليه وجهة نظرها في تأسيس وتكوين الحزب اللبناني، فأيد هذا الأمر وبارك هذه الخطوات".

2- ذكرت مجلة الشراع بتاريخ (14/8/1995)م نقلاً عن (حزب الله، د. غسان عزي [ص: 34])؛ وجود عضوين إيرانيين في قيادة حزب الله!

3- حسن نصر الله يشغل منصب الوكيل الشرعي لمرشد إيران الأعلى علي خامنئي، وقد نشرت له عدة صور يقبل فيها يد خامنئي، وقد تساءل البعض ماذا لو تنازعت لبنان مع إيران فلمن سيكون ولاء نصر الله ومن ورائه الحزب والطائفة؟

4- لقد سبق في تاريخ أمل وحزب الله التحاكم إلى القيادة الإيرانية عند الاختلاف فيما بينهم.

5- أعلنت حركة أمل في المؤتمر الرابع في آذار 1982 أنها جزء لا يتجزأ من الثورة الإسلامية في إيران.

6- بسبب تبعية حزب الله لولاية الفقيه، يقرر الباحث الإيراني د. مسعود أسد الله في كتابه (الإسلامييون في مجتمع تعددي، [ص:321]) ما يلي: "بما أن حاكمية الخميني كولي فقيه لا تنحصر بأرض أو حدود معينة فإن أي حدود مصطنعة وغير طبيعية تمنع عمل هذه الولاية، تعد غير شرعية، لذا فإن حزب الله في لبنان يعمل كفرع من فروع حزب الله الواسعة الانتشار... الآراء المذكورة آنفاً توضح أن حزب الله كان مستعداً لإنجاز أي مهمة يأمر بها الولي الفقيه".

لقد كلف حزب الله إيران الكثير من الجهد والمال، غير أن إيران استفادت منه الكثير، فهي من جهة تمكنت إيران عبر حزب الله من تحسين شعبيتها أمام المجتمع السني خاصة بعد أن ساءت صورتها كثيراً خلال حربها الطويلة مع العراق، كما ساءت صورة الشيعة بشكل عام بعدما اتضح للجميع الجرائم التي يقترفها الشيعة ضد أهل السنة في العراق، لذلك فكان حزب الله هو المنقذ الذي عمل على إظهار إيران بمظهر البلد الذي يواجه إسرائيل والولايات المتحدة.

- ومن جهة ثانية؛ يخدم الدعم الإيراني لحزب الله المشروع الشيعي في الأساس والذي يحلم باستعادة إمبراطورية فارس.

وهو أمر يقر به أحد قادة حزب الله في لبنان وهو إبراهيم الأمين حيث يقول: "إن تصدير الثورة لا يعني تسلط النظام الإيراني على شعوب منطقة الشرق الأوسط، وإنما المفروض أن تعيش هذه المنطقة الإسلام من جديد -والإسلام الذي يقصده هو الإسلام الشيعي- فيكون المتسلط على هذه الشعوب الإسلام وليس الإنسان، على هذا الأساس نحن نعمل في لبنان من خلال المسؤولية الشرعية ومن خلال القناعة السياسية أيضاً، حتى يصبح لبنان جزءاً من مشروع الأمة -الأمة الشيعية بالطبع- في منطقة الشرق الأوسط، ولا نعتقد أنه من الطبيعي أن يكون لبنان دولة إسلامية خارج مشروع الأمة.

- ومن جهة ثالثة؛ يمثل حزب الله ورقة رابحة بيد إيران يستطيع أن يستخدمها وقتما شاء في الضغط على أمريكا وإسرائيل لتحقيق مآربها.
المبحث السابع: انخداع كثير من أهل السُّنة بحزب الله

إن انخداع أهل السُّنة بحزب الله يعود إلى أمور كثيرة من أبرزها:
1- جهل كثير من أهل السُّنة بعقيدة الرافضة التي تغلو في الأئمة، وتقول بتحريف القرآن، وتكفّر كبار الصحابة وأمهات المؤمنين وتكفِّر جميع الطوائف الإسلامية إلا الشيعة الإمامية الاثنى عشرية وهي الطائفة الناجية وما سواها في النار.

2- التقية؛ فحزب الله يجيد التقية والعمل بها بصورة ممتازة، وتعريف التقية عند الرافضة كما عرَّفها شيخهم المفيد بقوله: "كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا". وقال محمد العاملي المعروف عند الرافضة بالشهيد الأول في تعريف التقية: "التقية مجاملة الناس بما يعرفون، وترك ما ينكرون حذراً من غوائلهم". إنّ التقية من أهم العوامل التي جعلت كثيراً من أهل السُّنة يصدِّق تلك العبارات التي يطلقها حسن نصر الله في خطاباته المُتَلفزة في أنه سيحرر الأقصى، ولا يأتي خطاب إلا ويذكر فلسطين واليهود مما جعل أولئك يصدقون ما يقول!!

3- الإعلام، فإن له دوراً كبيراً في نقل الأحداث وتصوير الحزب بالصورة الرائعة؛ كيف لا! وهم يمتلكون قناة "المنار" الفضائية التي تلمّع في الحزب ورئيسه ليلاً ونهاراً، حتى صار حزب الله عند عوام الناس هو الحزب المجاهد في سبيل الله الذي جاء فقط من أجل طرد المحتل وتحرير بلاد المسلمين من اليهود، وصوَّر نفسه بصورة غير صورته الحقيقية التي هي تصدير الثورة الإيرانية الخمينية إلى لبنان والعالم الإسلامي.

المبحث الثامن: حزب الله والغزو الصليبي للعراق
يقول دانييل سوبلمان: "لم يُخْفِ قادة حزب الله معارضتهم للحملة الأمريكية ولنظام صدام حسين، ولكنهم حافظوا على صمتهم بشكل شبه كامل.. ولم يعلُ صوتهم إلا عندما أعلنوا بأنهم لم يرسلوا أية مساعدات إلى العراق لطرد الغازين، وعندما ذكر من بغداد أن ستة مجاهدين من حزب الله تم اعتقالهم على الحدود السورية - العراقية سارع التنظيم للإعلان عن رفض رسمي".

كما أعلنت المراجع الشيعية في اجتماعٍ عقدوه بمنزل آية الله العظمى علي السيستاني في النجف معارضتهم القتال ضد الوجود الأمريكي في العراق. بل ذكرت صحيفة الوطن الكويتية أن حزب الله اللبناني أقام قواعد له في العراق، وأرسل لها 90 مقاتلاً تسلّلوا للعراق عن طريق الأراضي السورية ، وذلك بهدف إيجاد الدعم اللوجستي ونقل الخبرات للمليشيات الشيعية من أمثال فيلق بدر، وجيش المهدي في كيفية توطين النفوذ الشيعي والسيطرة على مختلف المناطق وسحق الوجود السني وتصفيته. وفي شهر أكتوبر من عام 2006م، تم إرسال 35 قيادياً في جيش المهدي الشيعي العراقي، إلى حزب الله في لبنان بناءً على دعوة رسمية منه، وذلك بهدف التعاون العسكري وتطوير التدريب العسكري لهؤلاء وإعطائهم صورة كاملة لكيفية مقاتلة الجماعات السنية التي يرون أنها تُعيق إقامة الهلال الشيعي.

المبحث التاسع: نتائج خطف الجنديين الإسرائيليين
أولاً: تم تخفيف الضغط على إيران بخصوص برنامجها النووي فقد التفت العالم بأسره يتابع ما يحصل للبنان ولشعب لبنان.

ثانياً: استفراد جيش المهدي ومنظمة بدر الرافضيتين بقتل أهل السُّنة في العراق بأبشع أنواع القتل، وتهجيرهم، واستباحة دمائهم وأموالهم، ومصادرة مساجدهم، وكل ذلك بتغطية أمريكية وتأييد من مرجعهم الإيراني (علي السيستاني).

ثالثاً: محاولة إيصال رسالة إلى أمريكا بشأن الموضوع النووي، بأننا -أي إيران- نستطيع نقل الحرب من منطقة إيران والخليج، إلى منطقة إسرائيل ولبنان.

رابعاً: بعد خروج سوريا من لبنان، وانحسار نفوذها، وتنامي الوعي الوحدوي الوطني في لبنان، أرادت سوريا ومن ورائها إيران إيجاد طريقة لاسترجاع السيادة والتحكّم في مصالح لبنان، فقاموا باللعب بالورقة المزيّفة -سلاح مقاومة حزب الله- لخلط الأوراق لصالح النفوذ الإيراني والسوري، خصوصاً بعد مطالبة العالَم والحكومة اللبنانية لحزب الله بنزع سلاحه والدخول ضمن الجيش اللبناني العام، وهذا يسبّب حرجاً للمصلحة الإيرانية، فقاموا بهذه العملية لإيجاد مبرّر لإبقاء السلاح في يد حزب الله بذريعة المقاومة!

خامساً: خطف الأضواء عن المقاومة الفلسطينية؛ فبعد أن تورّط الشيعة باتّهامات التعاون والاتفاقية مع إسرائيل في شراء الأسلحة -فيما يُعرف بفضيحة: إيران جيت- وتورّطهم بالتعاون مع الشيطان الأكبر! في إسقاط حكومة طالبان، والتعاون مع المحتلّ الأمريكي في اعتلاء الشيعة الصفويين الطائفيين العنصريين للحكومة العراقية ودعمها المباشر للمليشيات الشيعية في تصفيتها للوجود السني والتطهير العرقي والتهجير الظالم؛ قامت بإشعال هذه الحرب حتى تكسب ورقة المقاومة ضدّ إسرائيل، وتستفيد لاحقاً في كسب الجماهير المسلمة السنّية في صراعات لاحقة لبسط النفوذ الصفوي الشيعي.

يقول الكاتب الفلسطيني غازي التوبة: "المقصود من قتال (حزب الله) للعدو الصهيوني في لبنان هو: الدعاية والترويج لإيران والطائفة الشيعية على مستوى لبنان والعالم العربي والإسلامي من جهة، ومن أجل التغطية على جرائم إيران في العراق من جهة ثانية".

المبحث العاشر: خطابات نصر الله
لمن تصقل سيفك يا نصر الله؟

في مهرجان عقده حزب الله بمناسبة أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن المقاومة تملك أكثر من عشرين ألف صاروخ وأن حزبه أقوى حاليا منه في السابق مشددا على أن لبنان صار عبر جمهور المقاومة "قوة عظمى في الشرق الأوسط". وقال خلال الاحتفال بمناسبة "النصر الإلهي" في ضاحية بيروت الجنوبية إن المقاومة "وهي خارجة من حرب ضروس استعادت كامل قوتها وراكمت عزماً جديداً"، مشددا على أنها "أقوى مما كانت عليه عشية 12 يوليو وأنها قدمت نموذجاً للتحرير والصمود الأسطوري".

تعليق:
مرة أخرى يأبى "حسن نصر الله" إلا أن يدفعنا للحديث عنه. مرة أخرى يطل علينا "حسن نصر الله" ليستعيد عقوداً من الخطب الرنانة والتصريحات الطنانة التي ما فتئت الأمة المسلمة ليلاً ونهاراً، غير أنه إذا ما تلفتت لم تر طحيناً. مرة أخرى يراهن "حسن نصر الله" على ذاكرة الشعوب الضعيفة، وعلى عواطف المسلمين المستعرة ليمحوا اعترافاته التي لم يمر عليها شهر.

"نصر الله": أول ما يطالعنا في مهرجان "نصر الله" حديثه عن "النصر الإلهي" الذي تحقق في حربه الأخيرة مع "إسرائيل" ويبدو أن "نصر الله" لم يكفيه الحديث نيابة عن أهل الأرض، فأراد أن يتحدث نيابة عن "أهل السماء"، ترى هل رأى "نصر الله" الملائكة وهي تقاتل بجانبه عندما كان مختبئاً في قصر "إميل لحود" كما قال البعض أو في السفارة الإيرانية كما قال آخرون.

"الصمود الأسطوري": بعد أن تحدث "نصر الله" نيابة عن "أهل السماء"، عاد وارتدى زي زعماء ما فتئوا يحدثون الأمة عن انتصاراتهم الأسطورية وبطولاتهم الخارقة، والتي ما أن تمر الأيام حتى ينقشع الغبار وترى أن مطية الأمة لم تكن سوى حمار هزيل جبان. عاد "نصر الله" ليتحدث عن "نموذج التحرير"، ولكن أي تحرير يا نصر الله؟، هل حررت الجنوب اللبناني من الوجود "الإسرائيلي"، أم أنك حررت الجنوب اللبناني بوجود أجنبي جديد؟

أي تحرير ذلك يا نصر الله ودبابات فرنسا وألمانيا واليونفيل تخطو على أرض لبنان، ولا تكلف نفسك سوى أن تطالبها بعدم التدخل في الشأن اللبناني، أي شأن لبناني لا تتدخل فيه، وقد أدخلتها وأقامتها في لبنان؟ أي تحرير ذلك يا نصر الله، وقد تحدثت التقارير عن نقلك لمقار قيادة حزب الله من الجنوب اللبناني إلى منطقة البقاع، فأي تحرير ذلك يا نصر الله. لقد سئمنا يا نصر الله تلك البطولات الأسطورية، وهي أسطورية بحق فلا يقبلها عقل، لا يقبل عقل أن يمر "البطل" بين أشلاء شعبه وبقايا وطنه ويصر مع ذلك على رفع علامة النصر.

لمن تصقل سيفك يا نصر الله:
يجد "حسن نصر الله" الفرصة سانحة للحديث مجدداً عن سلاح حزبه، ذلك السلاح الذي ما عاد يستخدم في ميدان المعارك، ولكن يستخدم في ميدان الخطب فقط. لقد قال نصر الله إن حزبه يملك عشرين ألف صاروخ، ولنا أن نعيد السؤال الذي سألناه من قبل لماذا لم يستخدم حزب الله هذه الصواريخ؟، وأي نصر حققه حزب الله إذا كان عاجزاً عن استخدام أسلحته وصواريخه؟

لنا أن نتساءل لمن هذه الصواريخ يا نصر الله وقد قلت في خطابك الماضي أنك لن تخوض حرباً أخرى مع "إسرائيل"، معتبراً أن من يفكر في ذلك فهو يخدم "إسرائيل". لمن هذه الصواريخ يا نصر الله؟

"لمن تصقل سيفك يا عباس؟
لوقت الشدة
إذا، اصقل سيفك يا عباس".

إن حديث "نصر الله" عن صواريخ حزبه، يعيد لنا التذكير مرة أخرى بالفارق بين مقاومة السنة ومقاومة الشيعة، فالمقاومة الفلسطينية على ضعفها لم تتوان عن ضرب "إسرائيل" بالصواريخ ليل نهار رغم ما عرض عليها لإيقاف هذه الصواريخ، والمقاومة الشيعية في لبنان لم تتوان عن تكويم تلك الصواريخ ولم تستخدمها إلا في ميدان السياسة، فشتان بين من يقاتل من أجل التحرير وبين من يقاتل من أجل صفقات السياسة وألاعيبها.

الحرب الأهلية:
وقال نصر الله في خطابه إن حرباً أهلية جديدة لن تشهدها لبنان، وقد صدق نصر الله وذلك لأن الحروب الأهلية لا تندلع إلا بين جهتين متساويتين في القوة ومختلفتين في المصلحة، وقد اجتمع المشروعان الشيعي والأمريكي على إجهاض القوى السنية في لبنان حتى صار سنة لبنان ما بين قوى مهيضة الجناح، وما بين قوى مرتبطة بمشروع أمريكي، وصفا الجو أمام الشيعة ليجعلوا من لبنان "قوة عظمى في الشرق الأوسط"، ولكن لصالح المشروع الإيراني.

خلا لك الجو فبيضي واصفري *** وانقري ما شئت أن تنقري

المبحث الحادي عشر: فلسطين بين "نصر الله" و"صلاح الدين"
في ظل الأحداث المتصاعدة التي تشهدها لبنان، تعلقت قلوب بعض المسلمين بحزب الله، وانهالت بعض وسائل الإعلام في إسباغ المديح والثناء على الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" حتى وصفه البعض بأنه "صلاح الدين" الأمة، وبعيداً عن التحليلات السياسية، نود أن نتساءل هل حقاً يرقى "حسن نصر الله" أن يكون مثل "صلاح الدين الأيوبي"؟، والإجابة عن هذا السؤال تدور حول محورين؛ الأول: بيان موقف الشيعة قديماً وحديثاً من صلاح الدين الأيوبي، والثاني: بيان ما قدمه كل منهما لفلسطين.

موقف الشيعة من صلاح الدين قديماً وحديثاً:
ظهر "صلاح الدين الأيوبي" في عهد كثرت فيه دول الشيعة واستعلنت بقوتها، ومن أبرز تلك الدول الشيعية والتي احتك به "صلاح الدين الأيوبي" الدولة الفاطمية العبيدية في مصر، ولما ضعفت دولتهم في أيام آخر خلفائهم العاضد وصارت الأمور إلى الوزراء، وتنافس شاور وضرغام، فكر شاور في أن يثبت ملكه ويقوي نفوذه، فاستعان بنور الدين محمود؛ فأعانه ولما خلا له الجو لم يفِ له بما وعد، بل أرسل على أمنلريك ملك الفرنجة في بيت المقدس يستمده، ويخوفه من نور الدين محمود إن ملك الديار المصرية، فسارع إلى إجابة طلبه، وأرسل له حملة أرغمت نور الدين على العودة بجيشه إلى الشام، ولكن سرعان ما عاد نور الدين المحاولة في عام 562هـ، فاستنجد شاور بالفرنجة مرة ثانية وكاتبهم، وجاءت جيوشهم خشية أن يستولي نور الدين على مصر ويضمها إلى بلاد الشام فيهدد مركزهم في بيت المقدس.

ولما وصلت عساكر الفرنجة إلى مصر انضمت جيوش شاور والمصريين إليها والتقت بجيوش نور الدين بمكان يعرف بالبابني "قرب المنيا" فكان النصر حليف عسكر نور الدين محمود، ثم سار بعدها إلى الإسكندرية، وكانت الجيوش الصليبية تحاصرها من البحر وجيوش شاور وفرنجة بيت المقدس من البر، ولم يك لدى صلاح الدين -القائد من قبل نور الدين- من الجند ما يمكنه من رفع الحصار عنها، فاستنجد بأسد الدين شيركوه فسارع إلى نجدته، ولم يلبث الفرنجة وشيعة شاور إلى أن طلبوا الصلح من صلاح الدين فأجابهم إليه شريطة ألا يقيم الفرنجة في البلاد المصرية، غير أن الفرنجة لم تغادر مصر عملاً بهذا الصلح بل عقدت مع شاور معاهدة كان من أهم شروطها وجود حامية صليبية بالقاهرة، وتكون أبوابها بيد فرسانهم، وما أن ذهب الفرنجة في هذا العام حتى عادوا مرة أخرى عام 564هـ، حتى دخل صلاح الدين الأيوبي مصر ونجح بعد سنوات من إنهاء الدولة الفاطمية الشيعية، غير أن هذا الأمر لم يرض فلول النظام الشيعي في مصر الذين حاولوا اغتيال "صلاح الدين" أكثر من مرة ولم يجدوا حرجاً في الاستعانة بالصليبيين للقضاء على "صلاح الدين"، ونذكر هنا بعضاً من تلك المحاولات.

- كانت أولى هذه المؤامرات في عام 564هـ عندما شغل "صلاح الدين" منصب الوزارة للخليفة الفاطمي العاضد، وكان يقود هذه المؤامرة مؤتمن الخليفة العاضد "المسؤول الأول في القصر" واعتمدت الخطة على قدوم الصليبين لغزو دمياط وإذا ما خرج "صلاح الدين" لمقاتلتهم انقلب عليه مؤتمن الخليفة ومن معه من بقايا الشيعة، غير أن الله سلم وانكشفت هذه المؤامرة.

- ثانية هذه المحاولات كانت في عام 569هـ بعد وفاة العاضد حيث تجمعت مجموعة من بقايا الشيعة ووضعوا خطة مماثلة للخطة الأولى عبر الاستعانة بالصليبيين، غير أن هذه الخطة فشلت كسابقتها، يقول المقريزي: "وفيها اجتمع طائفة من أهل القاهرة على إقامة رجل من أولاد العاضد، وأن يفتكوا بصلاح الدين، وكاتبوا الفرنج، منهم القاضي المفضل ضياء الدين نصر الله بن عبد الله بن كامل القاضي، والشريف الجليس، ونجاح الحمامي، والفقيه عمارة بن علي اليماني، وعبد الصمد الكاتب، والقاضي الأعز سلامة العوريس متولي ديوان النظر ثم القضاء، وداعي الدعاة عبد الجبار بن إسماعيل بن عبد القوي والواعظ زين الدين بن نجا، فوشى ابن نجا بخبرهم إلى السلطان.. فأحيط بهم وشنقوا في يوم السبت ثاني شهر رمضان بين القصرين".

- وشهد عام 570هـ المحاولة الثالثة والتي قادها أحد قادة الشيعة من أجل القضاء على صلاح الدين وإزالة الحكم السني، يقول المقريزي: "وفيها جمع كنز الدولة والي أسوان العرب والسودان وقصد القاهرة يريد إعادة الدولة الفاطمية، وأنفق في جموعه أموالاً جزيلة، وانضم إليه جماعة ممن يهوى هواهم، فقتل عدة من أمراء صلاح الدين، وخرج في قرية طود رجل يعرف بعباس بن شادي، وأخذ بلاد قوص، وانتهب أموالها؛ فجهز السلطان صلاح الدين أخاه الملك العادل في جيش كثيف ومعه الخطير مهذب بن مماتي فسار وأوقع بشادي وبدد جموعه وقتله؛ ثم سار فلقيه كنز الدولة بناحية طود، وكانت بينهما حروب فر منها كنز الدولة بعدما قتل أكثر عسكره، ثم قتل كنز الدولة في سابع صفر، وقدم العادل إلى القاهرة".

- وفي سنة 571هـ، كانت محاولة أخرى لاغتيال صلاح الدين الأيوبي أثناء حصاره لحصن عزاز، يقول المقريزي: "وفي سنة 571هـ في رابع عشر ذي الحجة، وثب عدة من الإسماعيلية على السلطان صلاح الدين فظفر بهم بعدما جرحوا عدة أمراء والخواص...".

- وقد تكررت هذه المحاولة مرة أخرى أثناء حصار السلطان صلاح الدين الأيوبي لحلب.

- وفي سنة 584هـ بعد تحرير المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين "ثار اثنا عشر رجلاً من الشيعة في الليل ينادون: يال علي! يال علي! وسلكوا الدروب وهم ينادون كذلك ظناً منهم أن رعية البلد يلبون دعوتهم، ويقومون في إعادة الدولة الفاطمية فيخرجون من في الحبوس ويملكون البلد فلما لم يجيبهم أحد تفرقوا".

هذه بعض المحاولات التي قام بها الشيعة في القديم للقضاء على صلاح الدين الأيوبي، أما شيعة اليوم فإنهم وإن فشلوا في اغتيال "صلاح الدين" جسدياً، فإنهم يسعون إلى تشويه تاريخه واغتياله معنوياً، فما من نقيصة إلا وألحقوها بصلاح الدين، وأوضح مثال على ذلك كتاب (صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين) لحسن الأمين أحد مؤرخي الشيعة ومنظري حزب الله في لبنان.

والقارئ لهذا الكتاب المذكور يخرج منه بالنتائج التالية عن "صلاح الدين الأيوبي":

- جميع من ترجم لصلاح الدين وأشاد بأعماله وأخلاقه إنما خدرتهم انتصاراته.
- صلاح الدين الأيوبي طالب للسلطة والملك، وقد حازهما بكل خسة ونذالة، وطامح لمجد شخصي ناله بالغدر والخيانة.
- صلاح الدين الأيوبي خائن ومستسلم.
- صلاح الدين الأيوبي متعطش للدماء ونهاب الأموال.
- صلاح الدين الأيوبي رجل سكير ومدمن للخمر.
- والأخطر أن صلاح الدين الأيوبي كان ميالاً للنصرانية واليهودية.

إلى غير ذلك من الدعاوى الباطلة التي اعتمد المؤلف في ذكرها على مصادر غربية أو يهودية أو شيعية أو روايات مرسلة لا سند لها، فضلاً عن منهجه في ليّ الحقائق وطمس الواضحات وتضخيم الصغائر ولا أدل على منهجه الفاسد من أن نعلم أن هذا المؤلف ذاته ذهب في كتابه (موسوعة المعارف الإسلامية الشيعية) إلى إنكار وجود أخريات لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوى فاطمة رضي الله عنها وما ذلك إلا لدعم فكرة الإمامة لدى الشيعة الاثنى عشرية.

ويدافع المرجع الشيعي العراقي "ناصر الأسدي" عن كتاب "حسن الأمين" زاعماً أنه لم يأت بشيء من عنده إنما هي المصادر والوقائع التاريخية، الأمر الذي يؤكد أن هذا الموقف من صلاح الدين الأيوبي ليس موقفاً منفرداً، بل هو موقف جماعي لدى الشيعة. ونرى كاتباً آخر من كتّاب الشيعة، وهو الشيعي المصري "صالح الورداني" يعتبر صلاح الدين الأيوبي" هو واحد من أولئك الذين غطت السيوف على انحرافاتهم وحجبت عن أعيننا مساوئهم وغمرت بالدماء التي أسالتها جسد الحقيقة"، ثم يفيض في السب والهجاء لصلاح الدين الأيوبي حتى يصوره لنا مجرماً سفاكاً لدماء المسلمين متساهلاً مع اليهود والنصارى، محارباً للعلم والعلماء.

وهكذا نرى أن الشيعة المعاصرين لم يبقوا شيئاً لصلاح الدين الأيوبي حتى أنهم شككوا في إسلامه وألمحوا إلى ردته، وليس ذلك بمستغرب على من تطاول على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أمهات المؤمنين.

ماذا قدّم الشيعة لفلسطين؟
ما قدّمه "صلاح الدين الأيوبي" لفلسطين أمر لا ينكره إلا جاهل أو مكابر، وما كنا نتصور أن يأتي يوم ندافع فيه عن "صلاح الدين" ذلك البطل الذي صار رمز الأمة غير أن سعي الشيعة الدؤوب لهدم رموز الأمة لم يترك لأحد مقالاً، غير أنه بدلاً من الدفاع عن "صلاح الدين" نتساءل ما قدمه الشيعة لفلسطين، لقد سقطت فلسطين إبان وجود الدولة الفاطمية في مصر وكانت أقوى دولة موجودة في ذلك الوقت على الساحة العربية، فماذا فعلت لفلسطين.

ذكر ابن الأثير في كتابه (الكامل) في حوادث عام 491هـ أنه لما بدأ الصليبيون في التوجه نحو بيت المقدس، ولما رأى "أصحاب مصر من العلويين قوة الدولة السلجوقية، وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم، خافوا، وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه، ويكونوا بينهم وبين المسلمين".

هكذا كان موقف الفاطميين الاتفاق على تسليم بلاد المسلمين للصليبين، غير أنه لما سقط بيت المقدس في أيدي الصليبين وما تبع ذلك من دوي هائل في الشعوب المسلمة، كان لابد من الدولة الفاطمية من عمل تحفظ به ماء وجهها، وقد كان، حيث يذكر ابن الأثير في حوادث عام 492هـ "في هذه السنة، في رمضان، كانت وقعة بين العساكر المصرية والفرنج، وسببها أن المصريين لما بلغهم ما تم على أهل القدس، جمع الأفضل أمير الجيوش العساكر، وحشد، وسار إلى عسقلان، وأرسل إلى الفرنج ينكر عليهم ما فعلوا، ويتهددهم -شجب واستنكار ولا مزيد- فأعادوا الرسول بالجواب ورحلوا على أثره، وطلعوا على المصريين، عقيب وصول الرسول، ولم يكن عند المصريين خبر من وصولهم، ولا من حركتهم، ولم يكونوا على أهبة القتال، فنادوا إلى ركوب خيالهم، ولبسوا أسلحتهم، وأعجلهم الفرنج، فهزموهم، وقتلوا منهم من قتل...". وهكذا نرى أن ما فعله الفاطميون لا يعدو الاستعراض الإعلامي لذلك لم يعدوا للأمر عدته ولم يستعدوا لهذه الحرب استعداد من يرغب في التحرير والنصر، لذلك لم يكن غريباً أن تتسع الإمارات الصليبية في بلاد الشام على الرغم من قرب الدولة الفاطمية وقوتها في ذلك الوقت.
يقول ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالاً، وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة، وأخبثهم سريرة، ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات، وكثر أهل الفساد، وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد، وكثر بأرض الشام النصيرية والدرزية والحشيشية، وتغلب الفرنج على سواحل الشام بأكمله، حتى أخذوا القدس ونابلس، وعجلون والغور وبلاد غزة وعسقلان وكرك الشوبك وطبرية وبانياس وصور وعكا وصيدا وبيروت وصفد وطرابلس وأنطاكية، وجميع ما والي ذلك إلى بلاد إياس وسيس واستحوذوا على بلاد آمد والرها ورأس العين... وبلاد شتى، وقتلوا من المسلمين خلقاً وأمما لا يحصيهم إلا الله، وسبوا ذراري المسلمين من النساء والولدان مما لا يحد ولا يوصف وكل هذه البلاد كانت الصحابة قد فتحوها، وصارت دار إسلام، وأخذوا من أموال المسلمين ما لا يحد ولا يوصف.
وحين زالت أيامهم -يعني الفاطميين- وانتقض إبرامهم أعاد الله عز وجل هذه البلاد كلها إلى المسلمين بحوله وقوته وجوده ورحمته".

وقد  أشرنا في المحور الأول إلى محاولات الفاطميين الاستعانة بالصليبين للقضاء على صلاح الدين الأيوبي والذي كان يعمل في ذلك الوقت على توحيد الجبهة المسلمة من أجل تحرير فلسطين. أما في العصر الحديث فإن ما قدمه الشيعة لفلسطين فلا يزيد عن تلك الخطب الرنانة والتصريحات سواء من طهران أو جبل عامل أما على أرض الواقع فالحقائق تنطق بغير ذلك، ودلائل ذلك كثيرة نحصرها فيما يلي:

- في عام 1982 ومع الاجتياح الإسرائيلي للبنان يعلم الجميع أن حركة أمل الشيعية تعاونت مع اليهود في القضاء على منظمة فتح الفلسطينية، وعن ذلك قالت صحيفة (الجراوزاليم بوست) في عددها بتاريخ (23/5/1985)م: "إنه لا ينبغي تجاهل تلاقي مصالح أمل وإسرائيل، التي تقوم على أساس الرغبة المشتركة في الحفاظ على منطقة جنوب لبنان وجعلها منطقة آمنة خالية من أي هجمات ضد إسرائيل...".

- وفي مذكراته اعترف "أرييل شارون" قائلاً: "ومن دون الدخول في أي تفاصيل، لم أر يوماً في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد".
(مذكرات أرييل شارون، [ص:583-584]).

-  وبعد عام 1982م ونشوء "حزب الله" لم نسمع عن عملية عسكرية واحدة نفذتها تلك الحركة في فلسطين بل كانت جل عملياتها تدور على أرض لبنان.

- وبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000م عمل "حزب الله" كما شهد بذلك أمينه الأول "صبحي الطفيلي" حارس حدود لحماية إسرائيل من أية هجمات تأتي من جهات غير منضبطة، ولا تتحرك وفقاً لقواعد اللعبة بين الطرفين، يقول الطفيلي في حواره مع الشرق الأوسط: "إن العمليات الفلوكلورية التي تحصل بين حينٍ وآخر لا جدوى منها لأن الإسرائيلي مرتاح، وهل هناك فرق بين الإسرائيلي في مزارع شبعا والإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ هذا اعتراف بالاحتلال.. وما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدنا شبابها على الموت في سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة، تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون".

- ويقول سلطان أبو العينين وهو أمين سر حركة فتح في لبنان: "لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع، وقدمهم للمحاكمة، إننا نعيش جحيم منذ ثلاث سنوات ومللنا الشعارات والجعجعة". وقبل الوعد الصادق بأيام، اعتبرت (هأرتز) الإسرائيلية حزب الله حزباً منضبطاً لا يتحرك إلى وفق قواعد اللعبة، وهو يبدو ما لم يتغير حتى بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان.

- وحتى عملية "الوعد الصادق" التي اندلعت بسببها حرب لبنان فقد اتضح أنها لم تكن لفلسطين بل كانت من أجل قواعد جديدة للعبة بين حزب الله وإسرائيل، بل إن هذه العملية وما أعقبها من أحداث عتمت تماماً على ما يجرى في فلسطين، حتى اشتكت حماس من ذلك وطالبت بالتوازن الإعلامي بين ما يجري في فلسطين ولبنان.

- وإذا كان هناك من يرى في "نصر الله" صلاح الدين الجديد، فلنا أن نتساءل ما الذي ينتظره "نصر الله" حتى يضرب "تل أبيب" وقد استباحت إسرائيل لبنان كلها من شمالها إلى جنوبها، وهل ما يتردد عن امتناع حزب الله عن ضرب تل أبيب وضرب الكيمياويات في حيفا إنما هو خضوعاً لأوامر إيرانية بعدم تخطي هذا الحاجز، وإلا فما الذي ينتظره حزب الله، ونكاد نجزم أن إسرائيل لم تقدم على مذبحة قانا الثانية هي وتعلم أنها في أمان من صواريخ حزب الله. هذا ما قدّمه الشيعة لفلسطين، وهذا موقف الشيعة من صلاح الدين، فكيف يوصف "نصر الله" بهذا البطل المجاهد "صلاح الدين الأيوبي" رحمه الله، بل إننا نؤكد أنه لن يحرر فلسطين من يطعن في صلاح الدين ويسب عمر أمير المؤمنين.

المبحث الثاني عشر: فلسطين فتحها عمر ولن يحررها من يتخذ من لعن عمر عقيدة:
تعيش الأمة المسلمة اليوم حروباً ثائرة وشروراً متطايرة، تشتت نظامها، وتشعب التئامها، حروب قذرة، يقودها قوم كفرة فجرة، لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة. فالأرض المباركة فلسطين الجريحة، تصبح وتمسي تحت مرارة الفادحة وصور المأساة، ومشاهد المعاناة، وصرخات الصغار، وصيحات التعذيب والحصار، ولوعات الثكالى، وآهات اليتامى.

تصبح وتمسي على صفوف الأكفان المتتالية، والجنائز المحملة، والبيوتات المهدمة، والحرمات المنتهكة.. أحداث جسام، تدمي القلوب وتفطر الأكباد، ويقشعر لهولها الفؤاد. وأرض دجلة والفرات، تشكو إلى الله حالها، فهي بين قطبي الرحي؛ ما بين صليبيين محتلين، ورافضة حاقدين، قد دنست ديارها وهدمت مساجدها وانتهكت حرماتها، واستبيح حماها، ورفعت في رباها رايات الصليب.

أحداث تنادي المسلمين وتستنفرهم، تستصرخهم وتستنصرهم. فهل من مجيب لهذا النداء؟! وهل من مغيث لتلك الدماء والأشلاء؟!


أحل الكفر بالإسلام ضيماً *** يطول به على الدين النحيب
فحق ضائع وحمى مباح *** وسيف قاطع ودم صبيب

وكم من مسلم أمسى سليباً *** ومسلمة لها حرم سليب
وكم من مسجد جعلوه ديراً *** على محرابه نصب الصليب

أمور لو تأملهن طفل *** لثار في مفارقه المشيب
أتسبى المسلمات بكل ثغر*** وعيش المسلمين إذا يطيب

أما لله والإسلام حق *** يدافع عنه شبان وشيب؟
فقل لذوي البصائر حيث كانوا *** أجيبوا الله ويحكمو أجيبوا


في خضم هذه الأحداث الدامية والمآسي المتتالية والفواجع النازلة يتطلع المسلمون لمخرج من هذا الواقع الأليم، ولمنقذ ينتشل الأمة مما هي فيه من ذلة وهوان، ولقائد يقف في وجه الطغيان، ويوقف زحف الأعداء ونزيف الدماء. وفي مثل هذه الظروف حين يدلهم الخطب وتتوالى المحن، يشتبه الأمر على كثيرين فلا يميزون بين صديق وعدو، فيعظمون من حقه الإذلال ويخفضون من حقه الرفع، وحين ينبلج الصبح وتتضح الأمور يعضون أصابع الندم ولات ساعة مندم. ولا ننسى قصيدة أحمد شوقي في تبجيل مصطفى كمال أتاتورك التي سماها تكليل أنقرة وعزل الآستانة أي تكليل الكمالية وعزل السلطان والخلافة، عندما ادَّعى أتاتورك الانتصار على اليونان في حربه التمثيلية ضدهم وأطلق أحمد شوقي أبياته المشهورة:

الله أكبر كم في الفتح من عجب *** يا خالد الترك جدد خالد العرب
يوم كبدر فخيل الحق راقصة *** على الصعيد وخيل الله في السحب

ولكن أحمد شوقي أسقط في يده بعد ذلك عندما فوجئ بأن خالد الترك بدلاً من أن يجدد خالد العرب، بدد مجد الترك ومجد العرب. ومما يزيد الطين بلة أنه في مثل هذه الظروف يصغي الناس لكل ناعق ويتكلم في قضايا الأمة الكبار من ليس أهلاً لذلك فيضلون ويضلون، بل ويسخر الناس من دعاة الحق المستترين بهدي الكتاب والسنة. ومهما ادلهمت الفتن واختلطت الأمور ونشط دعاة الضلال فإن أهل الحق يجب عليهم أن يصدعوا بالحق وأن يقولوا ما يمليه عليهم دينهم مهما كان اغترار الناس بالباطل ودعاته ومؤيديه.

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام من الآية:55]؛ أي: نخبرك بمعالم التوحيد، ومعالم الرسالة، وأسس العقيدة، ليتبين لك الحق من الباطل والهدى من الضلال. فلزاماً على كل داعية، وكل عالم وطالب علم أن يوضح للناس المشارب والمذاهب.

ولا شك أن ما يجري على أرض فلسطين ولبنان من اعتداء سافر من اليهود، لا يقره شرع ولا عقل، ولا يرضى به ذو ضمير حي، ولكن مع ذلك لابد أن تقال كلمة الحق ويحذر من دعاة الضلال، وممن يرفعون الشعارات البراقة التي يخفون وراءها الحقد الدفين والكفر البواح، مستغلين غياب أهل الحق عن القيام بما يجب عليهم. ومن الخطأ في الفهم أن يظن ظان أن الإنسان حين يحذر من الرافضة وخطرهم أنه يؤيد اليهود أو يقف في صفهم، أو يرضى بما يحدث على أيديهم من سفك للدماء وأنهم لا يفرقون في حربهم بين طفل وشيخ وامرأة. وأنه لا يكترث برؤية الشيوخ والنساء والأطفال تتطاير أشلاؤهم وتنتثر دماؤهم.

فهذا فهم خاطئ، لأن الإسلام دين الرحمة وقد حرم على أتباعه حين يخوضون حرباً مع أي عدو لهم أن يقتلوا أو يعتدوا على غير المحاربين. روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».

وروى أبو داود عن رباح بن ربيع قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً فقال: «انظر علام اجتمع هؤلاء» فجاء فقال: على امرأة قتيل فقال: «ما كانت هذه لتقاتل». قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، فبعث رجلاً فقال: «قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً». هذه هي تعاليم الإسلام السمحة التي تبين أنه دين الرحمة حتى مع الأعداء.

فكفرهم بالله تعالى لا يحل لنا أن نسفك دماءهم أو نظلمهم أو نعتدي عليهم بأي لون من ألوان الاعتداء، فلا يجوز قتل غير المحاربين المحادين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذين يصدون عن سبيله ويؤذون أهل دينه. والتحذير من حزب الله ومن الشيعة عموماً واجب على كل من عرف عقيدة التوحيد، وخصوصاً حين يغتر بهم كثير من المسلمين ممن لا يعرفون عقائدهم، وحين يدعون أنهم حماة الإسلام والمدافعون عنه وأنهم يحاربون من أجل عقيدة التوحيد ونصرة الدين، فيلتبس الحق بالباطل، ويغتر بشعاراتهم كثير من الدهماء، وربما أدى الأمر ببعض الجهال إلى تصحيح عقائدهم والثناء عليهم.

وحريٌّ بنا ونحن نعيش في هذا الوضع أن نتذكر أحد علماء الإسلام ممن كان له موقف مشهود مع أحد سلف الرافضة وهو الحاكم العبيدي "المعز" وكيف أن هذا العالم لم يغتر بالشعارات والخطب الرنانة والبطولات المزعومة فقال كلمة الحق ولم يداهن ولو كلفه ذلك حياته. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في ترجمة الحاكم العبيدي المعز، المدعي أنه فاطمي: "وحين نزل الإسكندرية تلقاه وجوه الناس، فخطبهم بها خطبة بليغة ادعى فيها: أنه ينصف المظلوم من الظالم، وافتخر فيه بنسبه، وأن الله قد رحم الأمة بهم، وهو مع ذلك متلبس بالرفض ظاهراً وباطناً".

كما قاله القاضي الباقلاني: "إن مذهبهم الكفر المحض، واعتقادهم الرفض، وكذلك أهل دولته ومن أطاعه ونصره ووالاه، قبحهم الله وإياه. وقد أحضر إلى بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي فقال له المعز: بلغني عنك أنك قلت: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة: ورميت المصريين "أي العبيديين" بسهم. فقال: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله. فقال: كيف قلت؟ قال: قلت: ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. وقال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم، فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً، ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله". فكان يقال له: الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من أهل نابلس إلى اليوم، ولم تزل فيهم بقايا خير.

إن فلسطين قد فتحها عمر رضي الله عنه فهل يمكن أن تفتح ثانية على يد من يتخذ من لعن عمر رضي الله عنه عقيدة وديناً؟

أقول: كلا والله. إن أرض فلسطين وغيرها لن يعيدها إلى حوزة الإسلام إلا أتباع عمر الذين يترضون عنه ويتلمسون هديه ويقتدون به. أما أعداء الصحابة ومن يلعنون عمر فوالله الذي لا إله غيره لن يزيدوا الأمة إلا خبالاً ولن تجني منهم غير الحسرة والندامة، وسيكشرون عن أنيابهم حين يستتب لهم الأمر، وسيظهرون حقدهم ويصبون جام غضبهم على أهل السنة، فيستبيحون أرضهم وينتهكون عرضهم ويخرجونهم من ديارهم، كما يحدث الآن في العراق وإيران. عندها يفيق النائمون ويندم المفرطون ولكن بعد فوات الأوان.

ولذلك ينبغي لكل من عرف عقيدة التوحيد وآمن بما جاء في كتاب الله تعالى من الأمر بموالاة المؤمنين ومحادة الكافرين، أن يتبرأ من حزب الله وألا يغتر به وبقيادته، مهما طبل له المطبلون، وأن يقول كما قال العالم أبو بكر النابلسي للمعز العبيدي: "ينبغي أن نرمي حزب اللات بتسعة ثم نرمي اليهود بالعاشر".
 

محمد البراك

قارئ صغير من دولة الكويت، و أحد أئمة صلاة القيام في المسجد الكبير- سابقا.

  • 19
  • 7
  • 60,332

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً