(حزب الله) في سوريا؛ على خطى عبد الناصر في اليمن

منذ 2013-06-08

في 2013م يُكرِّر حزب الله خطيئة عبد الناصر، ولكن هذه المرة في سوريا، ولم يمض على تدخله القاتل في سوريا سوى بضعة أسابيع حتى وصلت حصيلة قتلاه بين 68 و300 قتيل، وماكينة الحرب لا تزال تبلع المزيد...


لم يخض الكيان الصهيوني حربي 1948م وَ1967م سوى في أجواء من التوتر والحروب داخل البلاد العربية، فقد كانت معظم الأقطار العربية تحت الاحتلال في حرب 1948م، وكان الاستقطاب على أشده بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)م بين المعسكرين الشرقي بزعامة روسيا والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وكِلا الدولتين كان مخلصة للمشروع الصهيوني تعبر إحداهما عن ذلك سراً، وتعلن الأخرى ذلك جهراً.

حرب الكامبرس:
وقد تمت حرب 1948م في ظل لعبة الممالك العربية الموالية للتاج البريطاني، وذلك لإقناع شعوبها بالأمر الواقع الذي تشكل بعد خروج معظم الأراضي العربية من مظلة الخلافة العثمانية، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1914-1919)م، ذلك بدعم من بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى.

وقد كان حكام عرب التقليديون في مصر والجزيرة، ونخب عربية، يقودها نصارى الشام متفقين مع الأوروبيين ولا سيما فرنسا وبريطانيا على ترتيبات في المنطقة بعد خروج العثمانيين سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر. ولم تكن أوضاع أولئك الحكام ولا تلك النخب يسمح لها بأن تكون في موقف من يرفض الإملاءات. أو وضع احتمالات تعرضها للخداع، بل كانت على بصيرة من العمالة التي أقدمت عليها، وتاريخ القضية الفلسطينية يؤكد ذلك. فقد قاد معاركنا في حرب 1948م الجنرال جون باغوت جلوب، والعميد نورمان لاش، والعقيد ديموند غولدي، والعقيد بلاكدين، والعقيد وليام نيومان، والعميد سام سيدني، وأرثر كوك، والرائد جيمس هاوكن، والعقيد تيل آشتون، والرائد سليد، وآخرون بأسماء مختلفة!!!

حرب العرائس:
في حرب 1967م، ورّط الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة الأمريكية، عملاءها في المنطقة في حروب داخلية، كان من أفضحها وأكثرها أثراً على القضية الفلسطينية، الحرب اليمينية، والحرب بين الجزائر والمغرب، والتي تورّطت فيهما مصر عبد الناصر، بإرسال العتاد إلى الجزائر، والجنود والسلاح إلى اليمن لمناصرة الجمهوريين على الملكيين.

وقد تورّط عبد الناصر، في اليمن، واعتبر الصهاينة الذين غذوا ذلك الصراع بالتدخل المباشر فيه لإلحاق الهزيمة بعبد الناصر، تورّطه أشبه ما يكون بحرب فيتنام بالنسبة للفرنسيين ثم الأمريكان. لقد أدرك عبد الناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر يتطلب أكثر مما يتوقع، وفي بداية عام 1963م، وجد نفسه مضطراً لإرسال المزيد من القوات. وأن ليس هناك بد من مواصلة دعم الثوار مع يقينه بالخلافات التي بدأت بالنشوب بين معسكر السلال الموالي له وشيوخ القبائل المؤيدون للثورة لا سيما الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبائل حاشد، وكان عدد القوات أقل من 5 آلاف جندي في أكتوبر 1963م، وبعد شهرين ارتفع العدد إلى 15 ألف جندي، ثم 36 ألف جندي نهاية العام 1963م.

وبعد عام أي نهاية 1964م وصل عدد القوات المصرية في اليمن إلى 50 ألف جندي، وفي نهاية 1965م وصل العدد إلى 55 ألف جندي، ثم 70 ألف جندي. تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية، فرقة الدبابات والعديد من قوات الصاعقة، وألوية المضلات. ولم يلتفت عبد الناصر لتحذيرات سفيره، من أن المسألة قضية حياة أوموت لأنظمة المنطقة التي ترى في تمدد عبد الناصر على حدودها تهديداً مباشراً لها.

وكانت خسائر مصر بملايين الدولارات؛ حيث كانت الخسائر اليومية في حرب اليمن 500 ألف دولار يومياً، (لمدة 8 سنوات) علاوةً على أكثر من 15 ألف قتيل في اليمن حسب الإحصاءات الرسمية، وبلغ الدَين المصري 400 مليون جنيه، واشتعلت الأسعار في مصر(وقتل 40 ألف من اليمنيين، وكانت تلك التكاليف قادرة على تحرير فلسطين آنذاك) وما إن دقّت ساعة حرب 1967م حتى كان الجيش المصري في أسوأ حالاته من حرب اليمن، ودعم الجزائر في حربها ضد المغرب، وحقق الصهاينة نصرهم على جيش منهك ودولة متعبة وشعب يترنح من كثرة مشاكله الاجتماعية.

حرب الأغبياء:
في 2013م يُكرِّر حزب الله خطيئة عبد الناصر، ولكن هذه المرة في سوريا، ولم يمض على تدخله القاتل في سوريا سوى بضعة أسابيع حتى وصلت حصيلة قتلاه بين 68 و300 قتيل، وماكينة الحرب لا تزال تبلع المزيد. وخطورة تدخُّل حزب الله في سوريا لا يكمن في استنزاف حزب الله، ولا إضعاف قدراته فحسب، ولا امكانية اتساع رقعة الحرب لتشمل المنطقة بأسرها فقط؛ وإنما أيضاً في إمكانية اشتعال لبنان، وما سيؤدي إليه من تدخل صهيوني جديد في لبنان وعلى نطاق واسع، وهو تهديد جدي قدم لحسن نصر الله، أو خُيِّل إليه بشكل معكوس، فرأى في انتصار المعارضة المسلحة في سوريا تهديداً للمسلمين والمسيحيين على حدٍ سواء في لبنان.

إن أكبر خسائر حزب الله، ليست في عتاده ولا قتلاه في سوريا، ولكن ضياع شعبيته داخل الصف السني على امتداد العالم الإسلامي، من أندونيسيا شرقاً وحتى المغرب شرقاً. وهو العمق الشعبي الاستراتيجي الحقيقي للمقاومة، وهو غطاء لا يمكن الاستهانة به، وخسارته لا تُقدَّر بثمن.

لم يقرأ حزب الله الساحة اللبنانية، والإقليمية والدولية جيداً، وإنما انصاع للعاطفة، والاستفزاز الإقليمي، والقراءات الملغمة للحلفاء الدوليين غير المخلصين. لم يقرأ السلوك الصهيوني حيال ما يجري في سوريا، وتهديده بالتدخل لضرب المنشآت العسكرية غير التقليدية إذا ما تأكد من إمكانية إسقاط نظام الأسد. والذي يؤكد بأن الكيان الصهيوني يثق في الأسد، ولا يثق فيمن يحاربهم حزبُ الله، في القصير وفي أرياف سوريا ومدنها.

ولم يقرأ حزب الله، موازين القوى الإقليمية والدولية، التي تصب لصالح الكيان الصهيوني في حال واصَلَ تورّطَه في الحرب السورية، ليستنزف قدراته هناك، تمهيدا لغزو صهيوني للبنان قد لا يقف عند حدود لبنان.

لم يتحرَّك حزب الله، من منطلق حماية دعم المقاومة، فهو أول من يدرك أن نظام الأسد لن يسمح بأكثر من تمكينه من الدفاع عن النفس. وأن الوجود العسكري السوري السابق في لبنان، لم يكن يهدد مصالح الكيان الصهيوني، والدليل على ذلك أن خروجه لم يترك أي ثغرة على هذا الصعيد.

وهناك تحليلات صهيونية يعرفها حزب الله بالتأكيد، تعتبر نظام الأسد حليفاً، فهو لا يتبنى موقف حزب الله، المعلن من الكيان الصهيوني، ولا الأيديولوجية التي يؤمن بها هي نفس الأيديولوجيا رغم التقارب المذهبي بين العلويين والشيعة. كما أن نظام الأسد يمكن أن يبيع حلفاءه لوتوصل لاتفاق مع الصهاينة تعود بموجبه الجولان، بعد أن تخلى عن مزارع شبعة التي تخلى عنها للبنان، كما تخلى نظام الأردن عن الضفة للفلسطينيين، هروباً من المواجهة مع الصهيوني. ولو أعيدت الجولان لسوريا كما حدث مع سيناء مصر، لما كان كان الوضع على ما هو عليه اليوم في المنطقة. بل يرى الصهاينة بأن بشارًا واصل سياسة والده في المحافظة على أمن (الحدود) لمدة 40 عاماً بناء على اتفاقية 1974م.

لا يدرك حزب الله أن قوى إقليمية قادرة، وراء ثوار سوريا، وهناك قوى دولية تدعمها، مقابل قوى أخرى تدعم نظام بشار الأسد، مما يعني أن الحرب ستطول، وهي أشبه ما يكون بسياسة عض الأصابع، أو حرب الكل ضد الكل. وأنها ستستنزف موارد طائلة من الجانبين (العربيين الإسلاميين) وفي نقطة فارقة سيتدخل الكيان الصهيوني في الحرب لكنس الطرفين، أو تحقيق مصالحه مع طرف على حساب الطرف الآخر بعد أن يلزمه بإملاءات لا مفر من القبول بها.

وكان على إيران وحزب الله أن يدركوا أن نظام بشار الأسد زائل لا محالة، وأن يربطوا علاقات جيدة وقوية مع المعارضة، وأن يبحثوا عن قواسم مشتركة مع جميع فئات الشعب السوري، وأن يقنعوا بشار الأسد بالتنحي ومغادرة سوريا، وبذلك يحافظوا على سوريا قوية، يسوسها الوئام المدني، والتحاكم للقانون والدستور الحتمي المنتظر الذي يتوافق عليه جميع السوريين.

حرب التهور:
إن دخول حزب الله في الحرب الدائرة حالياً في سوريا، يعد تهوراً، فهناك خيط رفيع جداً بين التهور والشجاعة، إنها الحرب التي يخشاها الكيان الصهيوني، الذي لم يواجه أحراراً في حياته ما عدا حروبه الأخيرة في غزة وجنوب لبنان. إذ أن الفريقين في القصير وغيرها يتمتعان بشجاعة نادرة في القتال، عكس القوات النظامية التي واجه بها العرب الكيان الصهيوني في حروب 1948م و1967م وإلى حد ما حرب 1973م.

حزب الله لن يكون المنتصر في سوريا، فهو يجهل الأرض التي يقاتل فوقها، عكس المقاتلين السوريين من مختلف الألوية الذين يعرفون طبيعة الأرض، ووجود مقاتلين غير سوريين في صفوفهم يختلف عن وجود عناصر حزب الله مع الجيش السوري؛ حيث يوجد انسجام بين المقاتلين السوريين، ومناصريهم من المتطوعين، ويصعب ذلك بين عناصر حزب الله والجيش السوري، وإن تم التكتم على ذلك. فالجيش السوري يضم عِرقيات ومذاهب مختلفة، ووجود عنصر مذهبي يرفع راية مذهبية بمشاركته وليس بالضرورة بالحديث عن ذلك يقلل من فاعلية الجيش السوري ويربك أداءه وهذا ما يلاحظه الجميع على مختلف الجبهات.

وليس في سوريا فحسب، وليس على في ميدان القتال فقط؛ بل في الشارع السوري، هناك انقسامات داخل منظومة النظام نفسه سيكون له ما بعده؛ بل في لبنان هناك تململ من قبل الطوائف الأخرى، وحصلت اشتباكات وقصف لمواقع يسيطر عليها حزب الله.

ويبدو أن الوضع اللبناني مرشح لمزيد من التدهور بعد أن أعرب فؤاد السنيورة رئيس كتلة المستقبل في البرلمان اللبناني عن قلقه مما يجري في سوريا ومشاركة حزب الله في المعارك الدائرة هناك، واعتبر ما أقدم عليه حزب الله، ينطوي على خطورة بالغة، تتمثل في نصرة نظام يواجه شعبه. وتحدث عن أن سياسة حزب الله حيال ما يجري في سوريا، تضرب كل الثوابت الوطنية وتخالف الدستور والأعراف والقوانين، وأن ما يقوم به حزب الله يؤدي إلى مقتل شباب لبنانيين ومواطنين سوريين والتسبب بإيقاع ضحايا بشرية ومعاناة إنسانية ودمار لا يوصف، وهذا من شأنه أن يشرع أبواب لبنان على رياح عاتية لا قدرة للبنان على مواجهتها ما يعرض التماسك الداخلي والسلم الأهلي للخطر الشديد.

إن كلمات السنيورة، ليست مجرد كلمات، ولكنها تعبير عن قادم داهم؛ إنها الحرب، النسخة الجديدة من "حرب الصحراء" في أعمال الغربيين.

وبدل توجه عشرات الآلاف لمقاتلة الصهاينة يبرزون شجاعتهم في قتل المسلمين. وبدل أن يبعد الخطر عن القدس، يصبح قصر بشار هو العتبة المقدسة التي تراق على مذبحها الدماء.

تذكروا حروبنا السابقة.

عبد الباقي خليفة - 17/7/1434 هـ
 

  • 3
  • 0
  • 2,422

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً