التبيان في حكم تعليق آي القرآن على الجدران
لقد ذهب جماهير العلماء إلى أنَّ كتابة وتعليق آيات القرآن على الجدران ونحوها مكروه.
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.
أمَّا بعد:
فقد كثر في هذه الأعوام تعليق الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وما عُرِف من أسماء الله الحسنى، أو بعض الأذكار، على الجدران داخل المساجد، والبيوت، والمكاتب، والسيارات، ونحوها؟ فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟
الجواب: لقد ذهب جماهير العلماء إلى أنَّ كتابة وتعليق آيات القرآن على الجدران ونحوها مكروه.
وبهذا قال بعض الحنفية:
قال العلامة ابن نجيم (ت970هـ) رحمه الله: "وليسَ بمستَحسَنٍ كتابةُ القُرآنِ على المحاريبِ وَالجدرَانِ لِما يُخَافُ من سُقوطِ الكتَابةِ وأَن تُوطأَ" (البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ج2، [ص:40]، وكذا في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، ج1، [ص:191]، للأفندي).
وقال ابن عابدين (ت1252هـ) رحمه الله: "وتُكره كتابة القرآن، وأسماء الله تعالى على الدرهم، والمحاريب، والجدران، وما يُفرش، والله تعالى أعلم" (حاشية ابن عابدين، ج1، [ص:179]).
وهو الظاهر من قول المالكية:
قال الإمام القرطبي (ت631هـ): "ومِن حرمته ألاَّ يُكتب على الأرض ولا على حائط كما يُفعل به في المساجد الْمُحدَثة، حدثنا محمد بن علي الشقيقي عن أبيه عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن محمد بن الزبير قال: سمعتُ عمر بن عبد العزيز يُحدِّث قال: "مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكتاب في أرض فقال لشاب من هذيل: « »، قال: من كتاب الله كتبه يهودي، فقال: « » ()".
قال محمد بن الزبير: "رأى عمر بن عبد العزيز ابناً له يكتب القرآن على حائط فضربه" (الجامع لأحكام القرآن، ج1، [ص:30]، وانظر: التذكار في أفضل الأذكار، [ص:120]؛ كلاهما للقرطبي).
وقال الشيخ محمد بن عليش رحمه الله: "وينبغي حُرمة نقش القرآن، وأسماء الله تعالى مطلقاً، لتأديته إلى الامتهان، وكذا نقشها على الحيطان" منح الجليل على مختصر العلامة خليل ج1، [ص:517-518]).
وقال أحمد بن محمد الدردير (ت1201هـ) رحمه الله: "وظاهره أن النقش مكروه ولو قرآناً، وينبغي الحرمة، لأنه يُؤدِّي إلى امتهانه كذا ذكروا، ومثله نقش القرآن، وأسماء الله في الجدران" (الشرح الكبير على مختصر خليل، ج1، [ص:425]).
وبه قال الشافعية:
قال الإمام النووي (ت676هـ) رحمه الله: "مذهبنا أنه يُكره نقش الحيطان والثياب بالقرآن، وبأسماء الله تعالى"، وقال أيضاً: "لا تجوزُ كتابة القرآن بشيءٍ نجسٍ، وتُكره كتابته على الجدران عندنا" (التبيان في آداب حملة القرآن، [ص:89] وَ [ص:97] للنووي. وانظر: حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم الغزي ج1، [ص:198]، لإبراهيم الباجوري).
وقال أيضاً: "ويكره كتابته على الحيطان سواء المسجد وغيره" (روضة الطالبين ج1، [ص:80]).
وقال الشيخ محمد الشربيني (ت977هـ) رحمه الله: "ويُكره كتبُ القرآن على حائط ولو لمسجد، وثياب، وطعام، ونحو ذلك، ويجوزُ هدم الحائط، ولبس الثوب، وأكل الطعام، ولا تضرُّ ملاقاته ما في المعدة، بخلاف ابتلاع قرطاس عليه اسم الله تعالى فإنه يحرمُ عليه" (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، ج1، [ص:104]. وانظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المِنهاج، ج1، [ص:38]، كلاهما للشربيني).
وقال الشيخ الشرواني رحمه الله: "يُكره كتبُ القرآن على حائط، وسقف، ولو لمسجد، وثياب، وطعام، ونحو ذلك" (حاشية الشرواني ج1، [ص:156]).
وقال العلامة السيوطي (ت911هـ) رحمه الله: "قال أصحابنا: وتكره كتابته على الحيطان، والجدران، وعلى السقوف أشدّ كراهة" (الإتقان في علوم القرآن، ج2، [ص:454]).
وقال الشيخ صديق حسن خان (ت1307هـ) رحمه الله: "قالت الشافعية: وتكره كتابته على الحيطان، والجدران، وعلى السقوف أشد كراهية، لأنه يوطأ" انتهى (أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم ج2، [ص:37]).
والحنابلة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) رحمه الله: "وأمَّا حياصة الفضة: ففيها نزاع بين العلماء، وقد أباحها الشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين، وأما كتابة القرآن عليها: فيُشبه كتابة القرآن على الدرهم، والدينار، ولكن يمتاز هذا بأنها تُعاد إلى النار بعد الكتابة، وهذا كلُّه مكروه، فإنه يُفضي إلى ابتذال القرآن، وامتهانه، ووقوعه في المواضع التي يُنزَّه القرآن عنها؛ فإنَّ الحياصة والدرهم والدينار ونحو ذلك هو في معرض الابتذال والامتهان، وإن كان من العلماء مَن رخَّص في حمل الدراهم المكتوب عليها القرآن فذلك للحاجة، ولم يُرخِّص في كتابة القرآن عليها، والله أعلم" مجموع الفتاوى ج25، [ص:66-67]).
وقال العلامة محمد بن مفلح (ت762هـ) رحمه الله: "وقال أبو المعالي: يُكرهُ كتابَةُ القُرآنِ على الدَّراهمِ عندَ الضَّرْب" (الفروع، ج1، [ص:126] لابن مفلح. وانظر: الإقناع، ج1، [ص:42] لموسى الحجاوي).
وقال الشيخ منصور البهوتي (ت1051هـ) رحمه الله: "وتُكره كتابةُ القرآن على الدرهم، والدينار، والحياصة" (كشاف القناع عن متن الإقناع ج3، [ص:272]).
وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، كما في (الفتوى رقم [2078]، مجلة البحوث عدد 43، [ص:121-125])؛ ونصُّها:
"أولاً: أنزل الله تعالى القرآن موعظة وشفاءً لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، وليكون حجة على الناس، ونوراً وبصيرة لمن فتح قلبه له، يتلوه ويتعبَّد به، ويتدبره، ويتعلَّم منه أحكام العقائد والعبادات والمعاملات الإسلامية، ويعتصم به في كلِّ أحواله، ولم يُنزل ليُعلَّق على الجدران زينة لها، ولا ليُجعل حروزاً وتمائم تُعلَّق في البيوت، أو المحلات التجارية ونحوها، صيانة وحفظاً لها من الحريق واللصوص وما شابه ذلك مما يعتقده بعض العامة، وخاصة المبتدعة وما أكثرهم، فمن انتفع بالقرآن فيما أُنزل من أجله فهو على بيِّنة من ربه وهدىً وبصيرة، ومَن كتبه على جدران أو على خرق تُعلَّق عليها ونحو ذلك زينةً أو حرزاً وصيانةً للسكان، والأثاث، وسائر المتاع؛ فقد انحرفَ بكتاب الله، أو بآية، أو بسورة منه عن جادة الهدى، وحاد عن الطريق السوي، والصراط المستقيم، وابتدعَ في الدين ما لم يأذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً أو عملاً، ولا عَمل به الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولا أئمة الهدى في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها خير القرون، ومع ذلك فقد عرَّض آيات القرآن أو سوره للإهانة عند الانتقال من بيت إلى آخر، بطرح هذه الخرق في الأثاث المتراكم، وكذا الحال عند بلاها وطرحها هنا وهنا مما لا ينبغي، وجديرٌ بالمسلم أن يرعى القرآن وآياته، والمحافظة على حرمته، ولا يُعرِّضه لِما قد يكون فيه امتهانٌ له.
وتعليقاً لِما تقدَّم في رقم (1) لا يجوز اتخاذ هذه الخرق ولا تعليقها في البيوت، أو المدارس، أو النوادي، أو المحلات التجارية، ونحوها زينةً لها، أو تبرُّكاً بها مثلاً:
أ- لِما في ذلك من الانحراف بالقرآن عمَّا أُنزل من أجله من الهداية، والموعظة الحسنة، والتعهُّد بتلاوته ونحو ذلك.
ب- لِمخالفة ما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم؛ فإنهم لم يكونوا يفعلون ذلك، والخير كل الخير في اتباعهم لا في الابتداع.
ج- سد ذريعة الشرك، والقضاء على وسائله من الحروز والتمائم وإن كانت من القرآن، لعموم حديث النهي عن ذلك، ولا شكَّ أنَّ تعليق هذه الخرق وأمثالها يُفضي إلى اتخاذها حروزاً لصيانة ما عُلِّقت فيه، كما دلَّ على ذلك التجربة وواقع الناس.
د- ما في الكتابة عليها من اتخاذ القرآن وسيلة لترويج التجارة فيها والزيادة في كسبها، فإنها خرقة لا تُساوي إلاَّ ثمناً زهيداً، فإذا كُتب عليها القرآن راجت وارتفع سعرها، وما أُنزل القرآن ليُتَّخذ آلة ووسيلة للرواج التجاري وزيادة الأسعار، فيجبُ أن يُترفَّع به عن ذلك.
هـ - في ذلك تعريض آيات القرآن وسوره للامتهان والأذى عند الانتقال من بيت إلى آخر، حيث تُرمى مع أثاث البيت المتراكم على اختلاف أنواعه، وكذلك عند بلاها فتُطرح هذه الخرقة بما فيها من القرآن فيما ينبغي، وما لا ينبغي.
وبالجملة؛ إغلاق باب الشرِّ، والسير على ما كان عليه أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية أسلم للمسلمين في عقائدهم، وسائر أحكام دينهم، من ابتداع بدعٍ لا يُدرَى ما تنتهي إليه من الشرِّ.
ثالثاً:
لا يجوز أن يكون التشويق إلى الخير ببدع تُفضي إلى الشرك، وتعريض القرآن للمهانة، واتخاذ كتابته على الخرق التي تُعلَّق على الجدران وسيلة لنفاق التجارة، وزيادة ثمنها، ولا يعدم الداعية إلى الخير وسائل أخرى مشروعة ناجحة.
رابعاً:
كثرة أمثال هذه الخرق العلاَّقات وانتشارها منذ زمن بعيد، ووجودها في بيوت كثير من الناس، وامتلاء الأسواق بها دليل على الضعف والفتور وعدم مبالاة من اتخذها أو اتَّجر فيها بارتكاب المنكر أو الجهل به، وليس دليلاً على جواز اتخاذها، فالمبتدعة المخرِّفون كثرة، والمدافعون عن البدع أكثر، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله، بل ما وقع من بعض الناس من اتخاذها منكرٌ يجبُ على العلماء التعاون على إنكاره، والقضاء عليه استيراداً واستعمالاً.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلَّم".
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن قعود (عضو)، عبد الله بن غديان (عضو)، عبد الرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة )، عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس).
وجاء في (الفتوى رقم [1683]، مجلة البحوث، [عدد:43]، [ص:125-128]):
"فالقرآنُ كتاب هداية وتشريع، ومواعظ وعبر، وبيان للأحكام، وآية بالغة، ومعجزة باهرة، وحجة دامغة أيَّد الله بها رسولَه صلى الله عليه وسلم، ولم يُنزله سبحانه ليُكتب كلمة أو آية منه على ساعات الدليل زينةً لها، أو ترويجاً لها، وإغراء بشرائها، أو ليتخذها حاملها حرزاً له إلى جانب استخدامها في معرفة الجهات، فكتابة آية من القرآن أو أكثر على ساعات الدليل أو نحوها، فيه انحرافٌ بالقرآن عما أُنزل من أجله، واستعماله فيما فيه إزراء به وإهانة له بتعريضه إلى ما لا يليق به من الأوساخ والأقذار، ودخول بيت الخلاء به ونحو ذلك، ومع هذا فهو عملٌ مُخالفٌ لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه رضي الله عنهم، ولِما كان عليه السلف الصالح، فعلى مَن آمن بالقرآن، وسنة النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وأراد الخير لنفسه أن يبتغي البركة، وصلاح شؤونه في دينه ودنياه من الله سبحانه بتلاوة كتابه الكريم، والعمل به في عباداته، ومعاملاته ليُفيض سبحانه عليه من بركاته، ويُعظم له الأجر، ويحفظه في كلِّ أحواله، ويُيسِّر له سائر شؤونه.
وكذلك الحكم في كتابة الكلمات: الله أكبر، ولا إله إلا الله، محمد رسول الله، التي جُعلت داخل إطار ساعة الدليل فإنها جُعلت في الشرع لإعظام الله وإكباره، والثناء عليه بها، ومفتاحاً للدخول في الإسلام، وعلامة على الإيمان، ويُعصم بها دم مَن قالها وماله، ولم تُجعل لتكون رسوماً على أجهزة، أو ساعات، أو آلات للاستهانة بها، فمن المعلوم أنَّ ساعات الدليل وغيرها تُؤدِّي الغرض الذي صُنعت من أجله من غير أن يتوقَّف ذلك على كتابة الآيات أو هذه الأذكار عليها أو فيها، وإنما القصد من كتابة ذلك الترغيب فيها ترويجاً للتجارة، ثم ينتهي الأمر إلى التبرك بها واتخاذها حِرزاً يُستصحب للحفظ من مكروه أو بلاء.
وبناءً على ما ذكرنا نرى منع استيرادها ما دامت مشتملة على الكتابة المذكورة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلَّم".
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن قعود (عضو)، عبد الله بن غديان (عضو)، عبد الرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة )، عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس).
وجاء في (الفتوى رقم [1706]، مجلة البحوث [عدد:43]، [ص:128-133]):
"أنزل الله تعالى القرآن ليكون موعظة للناس وعبرة، وليكون شفاء في الصدور من أمراض الشرك والانحراف عن الحق، وليهتدي به الناس في عبادتهم ومعاملاتهم، وليرحم سبحانه به المؤمنين الذين يتلونه حق تلاوته، ويسترشدون به في جميع شؤونهم، ويأخذون أنفسهم بالعمل به في كلِّ أحوالهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]، وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [الإسراء:82]، وقال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت:44].
كما أنَّ الأحاديث النبوية الصحيحة جاءت بياناً للقرآن، وهداية للناس، وتفصيلاً للأحكام، ليسترشد بها الناس في فهم كتاب الله تعالى، ويتدبروا آياته ولعلهم يتفكرون، قال الله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105].
وسمَّى تعالى نفسه بالأسماء الحسنى ليُعرِّف بها بنفسه فيُثبتوها له، ويؤمنوا بما دلَّت عليه من الكمال والجلال، ويُثنوا عليه الثناء الجميل، ويدعوه بها في السراء والضراء خوفاً ورجاءً، ويُحصوها عقيدة وعملاً، ويُحافظوا عليها لفظاً ومعنى، فلا يُلحدوا ولا يميلوا بها عمَّا قُصد منها، قال الله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري ومسلم)؛ أي: أحصاها اعتقاداً، وقولاً، وعملاً، ومحافظة على حرمتها ومقتضاها.
وقد أمر الله بالبلاغ والدعوة إلى الإسلام، وبيَّن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، فكان يخطب في أصحابه رضي الله عنهم، ويتعاهدهم بالمواعظ والتذكير، ويكتب الرسائل إلى الملوك والرؤساء، ويغشى الكفار في نواديهم ومجالسهم ليُبلِّغهم دين الإسلام، ولم يُعرف عنه أنه كتب سورة من القرآن أو آية منه، أو حديثاً له، أو أسماء الله تعالى على لوحات، أو أطباق لتُعلَّق على الجدران أو في الممرات من أجل الزينة، أو التبرُّك، أو لتكون وسيلة للتذكير، والبلاغ، أو للعظة، والاعتبار، ودرج على هديه في ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة رضي الله عنهم، وتبعهم في هذا أئمة الهدى من السلف الصالح الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون من بعده رضي الله عنهم، فلم يكونوا يكتبون شيئاً من القرآن، ولا الأحاديث النبوية الصحيحة، ولا أسماء الله الحسنى على ألواح، أو على أطباق، أو أقمشة ليُعلِّقوها على الجدران للزينة، أو التذكير والاعتبار بعد أن انتشر الإسلام، واتسعت رقعته، وعمَّت الثقافة الإسلامية البلاد والأقطار، وكثر الكتَّاب، وتيسَّرت وسائل كثيرة متنوعة للإعلام، كما لم يفعلوا ذلك من قبل، وهم أفهم للإسلام ومقاصده، وأحرص على نشره وإبلاغه، ولو كان ذلك مشروعاً لدلَّنا عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأرشدنا إليه، ولعمل به أصحابه، واستغلَّه أئمة الهدى بعدهم رضي الله عنهم.
وعلى هذا؛ فكتابة شيء من القرآن، أو الأحاديث النبوية، أو أسماء الله الحسنى على ألواح وأطباق أو نحوها لتُعلَّق للزينة، أو للتذكير، أو الاعتبار، أو لتُتَّخذ وسيلة لترويج التجارة، ونفاق البضاعة، وإغراء الناس بذلك ليُقبلوا على شرائها، وليكون نماء المال وزيادة الأرباح، عدولٌ بالقرآن وأحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن المقاصد النبيلة التي يهدف إليها الإسلام من وراء ذلك، ومُخالفٌ لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدي الصحابة، وأئمة السلف رضي الله عنهم، ومع هذا قد يَعرضُ لها ما لا يليق من الإهانة على مرِّ الأيام، وطول العهد عند الانتقال من منزل لآخر، أو نقلها من مكان لآخر، وحمل الجنب أو الحائض لها، أو مسِّها إيَّاها عند ذلك.
فعلى المسلم أن يعرف لكتاب الله تعالى منزلته، وليقدِّره قدره، وليجعل مقاصده نصب عينيه، وليتخذ منه ومن الأحاديث النبوية مناراً يهتدي به، وليحذر الذين يُخالفون مقاصد التشريع الإسلامي أن تُصيبهم فتنة، أو يُصيبهم عذابٌ أليم، ومَن آمن بالقرآن وبأسماء الله الحسنى وأحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيلتمس الهدى والبركة من الله بتلاوة كتابه الكريم، وتدبُّره، والتفقه فيه، ومعرفة بيانه بالاطلاع على سنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، والتفقُّه فيهما، ويأخذ نفسه بالعمل بذلك في عبادته ومعاملاته، ليفيض عليه من بركاته حسية ومعنوية، ويجزل له الأجر، ويحفظه في شؤونه وأحواله، ولا يلتمس ذلك فيما يُخالف هدي القرآن وسنة النبيِّ عليه الصلاة والسلام، من تعليق ما كُتب من ذلك على الجدران ونحوها، ولا يجوز التأسِّي بالكفرة من النصارى وغيرهم فيما يُخالف شرع الله عز وجل، ولِما ذكرنا فإنَّ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ترى عدم السماح بدخول مثل هذه الأطباق إلى هذه المملكة، كما ترى أنه لا ينبغي للمسلم إنتاج مثل هذه الأطباق من مصنعه محافظة على حرمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى حرمة أسمائه وصفاته عز وجل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلم".
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عبد الله بن قعود (عضو)، عبد الله بن غديان (عضو)، عبد الرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة)، عبد العزيز بن عبد الله بن باز (الرئيس).
وقال بعدم جواز تعليق الآيات القرآنية أيضاً الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله، وخلاصة ما قاله رحمه الله في أجوبة له في برنامج نور على الدرب وفي خطبة جمعة عام 1404هـ: "إنَّ مَن يُعلِّق آيات القرآن على الجدران لا يخلو من قصد أحد ستة أمور:
الأول: التعبُّد لله سبحانه، وهذا من البدع المحدَثة التي لم ترد عن الصحابة رضي الله عنهم ولا عن التابعين.
الثاني: تعظيم القرآن، وليس كتابة آية وتعليقها من تعظيم القرآن.
الثالث: دفع الشرور، وهذا ليس وسيلة له، وإنما الوسيلة أن يقرأ الإنسان ما ورد في السنة بأنه يدفع الشر، فيقرأ بلسانه، كآية الكرسي، وأمَّا تعليقها أو غيرها من الآيات فلا يُغني عنه شيئاً.
الرابع: التبرك، والتبرك بالقرآن على هذا الوجه ليس مشروعاً، وإنما يكون التبرك بتلاوته نطقاً باللسان، وإيماناً بالقلب، وعملاً بالجوارح.
الخامس: تذكُّر القرآن إذا رآه، وهذا الأمر إذا طُبِّق على الواقع لم يوجد له أثر، فلا يُرى أحدٌ من الجالسين يرفع رأسه ليتلو هذه الآية، أو ليتذكر ما فيها من الحكم والأسرار.
السادس: الزينة، والقرآن أجلُّ شأناً وأعظم قدراً من أن يُتخذ للزينة والتحلِّي به في الجدران.
وقد تكون المجالس التي عُلِّق فيها القرآن مجالس لغو محرَّم، فقد يكون فيها الغيبة والكذب والشتم والفعل المحرم، وقد تُسمع فيها الموسيقى والأغاني، فيُخشى عليهم أن يكونوا من المستهزئين بآيات الله" انتهى ملخّصاً.
أسأل الله تعالى لي ولكم تعظيم كتابه حقَّ تعظيمه، وأن يكون شاهداً لنا لا علينا، إنه سميعٌ مجيب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه وسلم.
عبد الرحمن بن سعد الشتري