من هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- في رمضان

منذ 2013-06-26

صيام رمضان فريضة محكمة يكفر جاحدها، ويفسق تاركها، وهو عبادة عظيمة لها أثرها في تربية العقول والأرواح وتهذيب النفس وحملها على الأخلاق الكريمة إذا كان ذلك بتباع هدي الرسول الكريم.

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..

جعل الله الصيام ركناً هاماً من أركان الإسلام، فهو أحد أركان الإسلام الخمسة الواردة في حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» متفق عليه.

وقد فرض الله على عباده صيام شهر رمضان في القرآن الكريم في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185].

فصيام رمضان فريضة محكمة يكفر جاحدها، ويفسق تاركها، وهو عبادة عظيمة لها أثرها في تربية العقول والأرواح وتهذيب النفس وحملها على الأخلاق الكريمة.

ولا يجب في الإسلام من الصيام سوى صيام شهر رمضان، لكن قد حث النبي- صلى الله عليه وسلم- المؤمنين على الصوم بإطلاق وأكد ذلك في بعض أيام السنة دون إيجاب، ووعد على ذلك المغرة من الله تعالى والثواب الجزيل.

تعريف الصيام ومعناه:
كلمة الصيام في اللغة العربية تعني: الإمساك والكف عن الشيء. وأما المعنى الشرعي للصيام فهو: الامتناع عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله تعالى، فمن كان امتناعه عن المفطرات بغير نية التقرب إلى الله تعالى فلا يعتبر صائماً شرعاً.

مفسـدات الصيـام:
- الأكل والشرب: وما كان بمعناهما، من مقوٍّ، أو مغذٍّ، إذا وصل إلى الجوف، من أي طريق كان، سواء الفم والأنف أو الوريد، أو غير ذلك. وكان عن قصد واختيار فإنه يفطر به الصائم، لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]. ولقوله صلى الله عليه وسلم مخبراً عن ربه أنه قال في الصائم: «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي». فالصيام ترك هذه الأمور، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فمن تناول شيئاً منها أثناء النهار قاصداً مختاراً لم يكن صائماً.

- الجماع: فإنه مفسد للصيام بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ..} إلى قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] . فدلت الآية على حل التمتع بهذه الأمور، حتى طلوع الفجر، ثم يصام عنها إلى الليل. فإذا جامع في نهار رمضان، فسد صومه وصار مفطراً بذلك، ووجب عليه قضاء ذلك اليوم والكفارة باتفاق أهل العلم، لانتهاكه حرمة الصوم في شهر الصوم.
والكفارة هي:
‌أ- عتق رقبة مؤمنة.
‌ب- فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين.
‌ج- فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مـدّ من طعام، وهو ربع صاع مما يجزئ في الفطر، لما في الصحيح من قصة الرجل الذي جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت وأهلكت، فقال: مالك؟، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: هل تجد رقبة تعتقها؟، قال:لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟، قال: لا، قال:  فهل تجد إطعام ستين مس?يناً ؟، قال: لا،... الحديث.

وفي الحديث، أن الوطء في نهار رمضان من الصائم كبيرة من كبائر الذنوب، وفاحشة من الفواحش المهلكات، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- أقر الرجل على قوله: "هلكت"، ولو لم يكن كذلك لهون عليه الأمر.

- إنزال المني في اليقظة: إذا أنزل الصائم بمباشرة، أو تقبيل، أو بالاستمناء- وهي ما تسمى بالعادة السرية أو جلد عميرة- ونحو ذلك، فإنه يفسد صومه به وعليه القضاء؛ لأنه غاية ما يراد من الجماع وقد فعله عن عمد واختيار.

- القـيء عمداً: وهو إخراج ما في المعدة من الطعام والشراب عمداً، فعليه القضاء ويفطر بذلك، لحديث: «من استقاء فعليه القضاء».

ثم اعلم أن من معاني الصيام بالإضافة إلى ما تقدم الامتناع عن المحرمات كالغيبة والكذب وفحش القول وغيرها.

فإنه لا يتم التقرب إلى الله- تعالى- بترك هذه الشهوات المباحة في غير الصيام (الطعام والشراب والجماع) على الكمال إلا بترك ما حرم الله- تعالى- في كل حال، فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري]، وليس من معنى الحديث الإذن لمن يقول الزور بالأكل والشرب وإنما معناه تحذير الصائم من قول الزور والعمل به وتخويفه من أن يحبط أجر صومه فلا يُثاب على صومه بسبب الكذب والفحش وسوء الخلق ونحوها، وإن كان صومه مجزئاً عند أكثر العلماء بحيث لا يؤمر بإعادة الصوم إن وقع في أثنائه شيء من المحرمات.

أمور لا يفطر بها الصائم:
- الاحتلام أثناء الصيام لا يفطر به الصائم، لعدم القصد والعمد باتفاق أهل العلم.
- من حصل منه القيء دون اختيار منه وهو صائم لم يفطر بذلك بل صومه صحيح لقوله صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيء- أي: غلبه وقهره- فلا قضاء عليه».
- ما يدخل في الحلق بغير اختيار من غبار أو ذباب، ونحو ذلك مما لا يمكن التحرز منه، فإنه لا يفسد الصوم، لعدم القصد. فإن الذي لم يقصد غافل، والغافل غير مكلف لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
- خروج الدم من غير قصد: كالرعاف والنزيف والجرح، ونحو ذلك، لا يفطر به الصائم، ولا يفسد به الصيام، لعدم الاختيار.
- من أكل أو شرب ناسياً فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه».
- من أكل شاكاً في طلوع الفجر صح صومه، فلا قضاء عليه، لأن الأصل بقاء الليل.
- من أصبح جنباً من احتلام أو جماع، وضاق عليه الوقت، فإنه يصوم وله أن يؤخر الغسل إلى ما بعد السحور، وطلوع الفجر، وصومه صحيح ليس عليه قضاؤه. لما في الصحيحين: «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يصبح جنباً من جماع ثم يغتسل ويصوم». وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم». والنصوص في ذلك متوافرة، وذكر غير واحد الإجماع عليه.
- من غلب على ظنه غروب الشمس: لغيم ونحوه، فأفطر ثم تبين له أنها لم تغرب، فليمسك ولا قضاء عليه، كما هو اختيار جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمهم الله-، قال: إذا أكل عند غروبها، على غلبة الظن، فظهرت، ثم أمسك فكالناسي. لأنه ثبت في الصحيح "أنهم أفطروا على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم طلعت الشمس.. الحديث". ولم يذكر في الحديث، أنهم أمروا بالقضاء، ولو أمرهم لشاع ذلك، كما نقل فطرهم، فلما لم ينقل دلّ على أنه لم يأمرهم. أ.هـ. وثبت عن عمر- رضي الله عنه- أنه أفطر ثم تبين النهار فقال: "لا نقضي فإنا لم نتجانف لإثم". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا القول أقوى أثراً ونظراً، وأشبه بدلالة الكتاب والسنة والقياس.

مقاصد الصيام:
للصوم مقاصد كثيرة في مقدمتها ما جاء التصريح به في القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} يبين الحكمة من تشريعه وهي حصول التقوى عند المؤمن، التي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي خشية من الله- تعالى. فمما اشتمل عليه الصيام في التقوى:

- أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع التي تميل إليها نفسه متقرباً بذلك إلى الله راجياً ثوابه فهذا من التقوى.
- أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله- تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه.
- أن الصيام يضيق مجاري الدم ومن ثم تضيق مجاري الشيطان، الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي.
- أن الصائم في الغالب تكثر طاعاته، والطاعات من خصال التقوى.
- أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء والمعدمين وهذا من خصال التقوى.
- أن الصيام يرقق القلب ويلينه لذكر الله- تعالى- ويقطع عنه الشواغل.

وهناك من يرى للصيام معاني وغايات أخرى، كاعتباره رياضة صحية تستريح فيه المعدة شهراً واحداً كل عام، أو أن فيه فوائد صحية كالتخفيف من السمنة وإزالة الدهون، أو التخلص من بعض الرواسب المؤذية للبدن.. ونحو ذلك.

فهذه وإن كانت بعض فضائل الصيام العظيمة إلا أن الصيام في أصله تكليفاً إلهياً لتربية المسلم على الإخلاص والتقوى كما أنه عبادة عظيمة توجب على المسلم الامتثال لأوامر الله سبحانه والنزول على حكمه وابتغاء مرضاته.

بعض ما ورد في فضل رمضان:

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه].
معنى الحديث: أن من صام شهر رمضان مؤمناً بفرضيته وثوابه مخلصاً في صيامه وطلبه الثواب من الله وحده فإن ثوابه غفران الذنوب الصغيرة المتعلقة بحق الله- تعالى.

وعن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغُلَّقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين» [متفق عليه].
وإنما تفتح أبواب الجنة في هذا الشهر لكثرة الأعمال الصالحة، وترغيباً للعاملين، وتغلق أبواب النار لقلة المعاصي من أهل الإيمان (وتصفد الشياطين) أي :تُقيَّد فلا تصل إلى ما كانت تصل إليه في غيره.

كيف يتحدد دخول شهر رمضان:
يتحدد دخول شهر رمضان بأحد أمرين:
الأول: رؤية هلال رمضان.
الثاني: إكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً إذا تعذرت رؤية الهلال لغيم ونحوه.

فقد أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك في قوله: «صوموا لرؤيته- يعني هلال رمضان- وأفطروا لرؤيته- يعني هلال شوال- فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً». ولذلك كان المسلمون يحرصون على ترائي الهلال كما يدل عليه حديث ابن عمر الذي رواه أبو داود وغيره قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه».

وبهذا الحديث وغيره استدل كثير من الفقهاء على أن شهادة رجل مسلمٍ عدلٍ واحدٍ تكفي لإثبات دخول شهر رمضان.
وكما ترى فإن الأحاديث تُعلق دخول الشهر بثبوت الرؤية البصرية، وعليه فإن ال?عتمد هو رؤية الهلال دون الحساب الفلكي، وهذا ما أقره المجمع الفقهي في دورته المنعقدة في الفترة من (7-17) من شهر ربيع الآخر 1401هـ، كما قرر المجمع أيضاً أنه لا حاجة إلى الدعوى إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي وذلك لاختلاف المطالع.

ما ورد في الاستعداد لرمضان والفرح بقدومه:
يفرح المسلمون بقدوم رمضان ويستقبلونه بكل حفاوة وبهجة وسرور، وقد ورد عن السلف أنهم كانوا يسألون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم رمضان ليدركوا ما فيه من الخير والفضل.

كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه يقول: قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حُرم» [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني بشواهد].

قال الحافظ بن رجب: قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً.

ما ورد في الحث على قيامه:
قيام الليل: هو صلاة النافلة التي تُشرع من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر. ورد الحث عليها ومدح فاعليها في عدد من آيات القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم.

وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاثة عشرة ركعة، وكذلك كان يفعل أصحابه رضوان الله عليهم، وذلك في رمضان وغيره.

غير أنه يتأكد استحباب صلاة الليل في رمضان لما ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه».

وتُشرع صلاة الليل جماعة في رمضان وتسمى صلاة التراويح، ومن فضل الله- تعالى- أن من قام مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ليله، ولو كان قيامه جزءاً من الليل فقط، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليله» وذلك عندما صلى بهم في إحدى ليالي رمضان إلى نصف الليل فطلبوا أن يزيدهم [رواه الأربعة].

ما ورد في فضل السحور:
السحور: هو تناول الطعام وقت السحر (آخر الليل).
وقد أجمع أهل العلم على استحباب السحور، وورد في فضله عدة أحاديث منها:

- عن أنس- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «تسحروا فإن في السحور بركة» [رواه البخاري ومسلم].
ففي هذا الحديث يأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بالسحور ثم يعلل ذلك بأن فيه (بركة)، والبركة أصلها الزيادة وكثرة الخير، وسبب البركة في السحور أنه يقوي الصائم وينشطه ويهون عليه الصيام، بالإضافة إلى ما فيه من الثواب.

- وعن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [رواه مسلم].
وقد أفاد هذا الحديث سبباً آخر لاستحباب السحور وهو أن فيه مخالفة لأهل الكتاب، اليهود والنصارى، وقد ورد الأمر بمخالفة اليهود والنصارى والمشركين عموماً، كما دل هذا على أن السحور من خصائص الأمة الإسلامية تفضل الله به عليها.
وقت السحور: هو آخر الليل، وهو مأخوذ من كلمة السحر وتعني آخر الليل، وطرف كل شيء، والمستحب تأخيره، والدليل على استحباب تأخيره، فعن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قال: «تسحرنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية» متفق عليه.
فقد دلِّ هذا الحديث أن قدر ما بين سحور النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وبين قيامهم لصلاة الفجر (وذلك عند الأذان بعد طلوع الفجر) ما يساوي زمن قراءة خمسين آية من القرآن متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة، فيدل على أن من هدي النبي- صلى الله عليه وسلم- تأخير السحور.

تعجيل الفطر:
وأما تعجيل الفطر فقد ورد الحث عليه في أحاديث منها:
حديث سهل بن سعد- رضي الله عنه-، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» متفق عليه.
وقد أفاد هذا الحديث: استحباب تعجيل الفطر بعد التحقق من غروب الشمس، إذ عَلَّق بقاء الخير في الناس عليه، والمقصود: بقاء الخير في دين الناس كما تدل عليه روايات أخرى، وسبب بقاء الخير في دين الناس هو اتباعهم للسنة، ووقوفهم عند هديها وحدودها.

ما ورد في العشر الأواخر من رمضان:
خَصَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- العشر الأواخر من رمضان بمزيد من الاهتمام والاجتهاد في العبادة، وذلك لفضلها واشتمالها على ليلة القدر التي سيأتي الحديث عنها قريباً، ومن الأحاديث الواردة في ذلك:

حديث عائشة- رضي الله عنها-، قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم].

وقالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله» [رواه البخاري].
وقوله (وشد مئزره): المئزر والإزار هو لباس يغطي النصف الأسفل من البدن، وشد المئزر هنا كناية عن اعتزاله للنساء، وقيل: كناية عن شدة الجد والاجتهاد في العبادة، ولا يمتنع الأمران.
وقولها (أحيا ليله): أي: بالصلاة والذكر وقراءة القرآن وقد جاء في روايات الحديث أنه يخلط العشرين بنوم وصلاة فإذا دخل العشر أحيا ليله كله.
ومما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يخص به العشر الأواخر الاعتكاف في المسجد.

الاعتكاف:
معناه شرعاً: لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله- عزّ وجلّ-، فيلزم المعتكف المسجد ويقبل على الله- تعالى- بالذكر والصلاة وقراءة القرآن ويقطع نفسه وفكره عن الاشتغال بأمور الدنيا.

وهو مشروع في رمضان وغيره من أيام السنة، لكن يتأكد استحبابه في رمضان، وآكده وأفضله في العشر الأواخر منه.
فعن عائشة- رضي الله عنها-: «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله- تعالى-، واعتكف أزواجه من بعده» [متفق عليه].
فقد أفاد هذا الحديث: استحباب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان تأسياً بالنبي- صلى الله عليه وسلم-، وإنما كان يفعل ذلك قطعاً لأشغاله وتفريغاً لباله، وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه وتحرياً لليلة القدر.

ليلة القدر:
هي ليلة الحكم والقضاء التي يقضي فيها الله ما يشاء من أحداث العالم من رزق وأجل وغيرهما إلى بداية السنة الآتية، وذلك كل سنة.

ومن فضائل هذه الليلة:
- نزول القرآن فيها.
- يكثر نزول الملائكة فيها.
- أنها سالمة من كل آفة وشر وذلك لكثرة خيرها.
- أن العبادة فيها أفضل من عبادة ألف شهر، كما يدل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:1-3].

وقد تواترت الأحاديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في فضلها، وأنها في رمضان، وفي العشر الأواخر منه، وفي أوتاره خصوصاً، وهي باقية في كل سنة إلى قيام الساعة، ومن الأحاديث الواردة في فضل العبادة فيها والحث على تحريها.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.

وقد سبق هذا الفضل لمن قام رمضان، أعني: مغفرة ما تقدم من صغائر الذنوب، ومن عظيم فضل الله- تعالى- أن جعل هذا الثواب أيضاً لمن قام ليلة القدر وحدها موقناً بثوابها، ومخلصاً لله- تعالى- في قيامها.

وعن عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].
فقد أفاد هذا الحديث: الحث على قصد ليلة القدر والاجتهاد في طلبها في الليالي المفردة من العشر الأواخر (ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين .... إلخ).

وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- قد علمها ثم أنسيها حتى لا يتكل الناس فيدعوا العبادة في غيرها، فأمر الناس أن يتحروها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، وقد اختار بعض العلماء القول بانتقالها بين الليالي ومعنى ذلك: أنها تكون في رمضان في ليلة، وفي رمضان آخر في ليلة أخرى. والله أعلم.

صدقة الفطر:
هي الصدقة التي تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان على المسلم المالك لمقدار صاع من طعام يزيد عن قوته وقوت عياله يوماً وليلة. وقد وردت أحاديث تبين الحكمة من وجوبها ومقدارها ومم تخرج وغير ذلك من أحكامها، ومنها:

حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» [رواه أبو داود].
وقد أفاد هذا الحديث: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد أوجب على المسلم عند انتهائه من صيام رمضان أن يتصدق بصدقة، ثم علل ذلك بأنه: (طهرةً للصائم..) أي: تطهير للصيام مما قد يقع في أثنائه من الآثام وأنه أيضاً عوناً للفقراء في يوم العيد يغنيهم عن سؤال الناس، وأنها تعطي للفقراء قبل صلاة العيد، وأما بعد الصلاة فهي كغيرها من الصدقات، وليست (صدقة فطر).

وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: «فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» [ متفق عليه].
فقد دل هذا الحديث: على فرضية زكاة الفطر وعلى مقدارها، والأصناف التي تخرج منها، وعلى من تجب. فهي تخرج من الطعام كالتمر أو الشعير أو غيرهما كما تدل عليه أحاديث أخرى، ولذلك قال الفقهاء: تخرج من غالب قوت البلد بحسب اختلاف البلدان.
وقد حدد النبي- صلى الله عليه وسلم- مقدارها بـ(صاع) وهي وحدة حجم تعادل: (2.5 كيلو) إذا كانت من البر أو الأرز. وهي تجب- كما سبق- على الحر المسلم، لكنها تجب عليه عن نفسه وعن الذين يعولهم من المسلمين من أولاده وعبيده وغيرهم ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً، كما يدل عليه هذا الحديث وغيره، وأن الواجب إخراجها قبل صلاة العيد.

عيد الفطر:
هو أحد عيدي المسلمي? فقد شرع الله للمسلمين عيد الفطر في أول يوم من شهر شوال بعد الانتهاء من شهر الصيام، فيخرج المسلمون فيه لأداء صلاة العيد شكراً لله على أن وفقهم لأداء ركن هام من أركان الإسلام وهو الصيام، فمن الأحاديث الواردة في ذلك:

حديث أنس- رضي الله عنه- قال: «قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: قد أبدلكم الله- تعالى- بهما خيراً منهما يوم الفطر والأضحى» [رواه النسائي وابن حبان].
ومعنى الحديث: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة وجد للناس عيدين يلعبون فيهما، فنهى الناس عنهما، وذلك ليقطع صلة الناس بما كانوا عليه من أمور الجاهلية، وأخبرهم أن الله قد أعطاهم عوضاً عنهما ما هو خير منهما: عيدي الفطر والأضحى، وذلك لما فيهما من الأجر والثواب والفضل من الله- تعالى.

وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: «كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم» [متفق عليه].
فقد أفاد هذا الحديث: مشروعية صلاة العيد، فهي سنة مؤكدة، قد واظب عليها النبي- صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه من بعده، حتى أصبحت من شعائر الإسلام الظاهرة.
ويدل هذا الحديث على استحباب أدائها في المصلى (أرض فضاء خارج البلد) إذا لم يكن هناك مانع من مطر ونحوه، فتصلى ركعتين جماعة بغير آذان ولا إقامة، وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد شروق الشمس وارتفاعها قليلاً، ثم يقوم والناس في مصلاهم فيخطب في الناس ويعظهم.

وعن أم عطية- رضي الله عنها- قالت: «أُمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين، وذوات الخدور، فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، وتعتزل الحيض المصلى» [متفق عليه].
فدل هذا الحديث: على مشروعية خروج النساء والصبيان في العيدين للمصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض، غير أن الحائض لا تصلي، لكن يشهدن بركة هذا اليوم وتشملهن دعوة المسلمين.

وعن عائشة قالت: «إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفّفان وتضربان، والنبي- صلى الله عليه وسلم- متغش بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي- صلى الله عليه وسلم- عن وجهه، فقال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام العيد» [متفق عليه].

 

  • 13
  • 2
  • 44,652

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً