دَهَنَتْنِي بالطِّـيب !

منذ 2006-06-03
النفس البشرية تُحب الجمال وتتعلّق به. ولذا حُبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم النساء والطِّيب. فليس من نفس إلا وهي تُحب الجمال، وتكره الابتذال. وما مِن نفس طَيّبة إلا وهي تُحبّ الطِّيب. قال ابن القيم رحمه الله: فإن الطَّـيِّب لا يُناسبه إلا الطِّيب، ولا يَرضى إلا به، ولا يَسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلاَّ به.. وكذلك لا يَخْتَار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها، ومن الرائحة إلا أطيبها وأزكاها، ومن الأصحاب والعُشراء إلا الطيبين منهم؛ فَرُوحُـه طيب، وبَدَنه طيب، وخُلُقه طيب، وعمله طيب، وكلامه طيّب، ومطعمه طيّب، ومشربه طيّب ، وملبسه طيّب، ومنكحه طيّب، ومدخله طيّب، ومخرجه طيّب، ومُنْقَلبه طيّب، ومثواه كله طيّب.. اهـ.

والنساء شقائق الرجال، فإنهن يُرِدْن ما يُريده الرِّجال.. وليس تجمّل الرَّجُل للمرأة عيباً أو بِدعاً من الأفعال. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسِّواك -كما في صحيح مسلم- ليكون صلى الله عليه وسلم طـيّب الفـمّ، زَكيّ الرائحة. وكان عليه الصلاة والسلام يتطيّب لنسائه. قالت عائشة رضي الله عنها: "كنت أُطـيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه، ثم يصبح مَحْرِماً ينضخ طِيباً". رواه البخاري ومسلم. قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يُكثِر التطيب ويُحِبّ الطيب. وقال: وكان يُكثِر التطيّب، وتشتدّ عليه الرائحة الكريهة، وتشقّ عليه، والطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى تتضاعف وتزيد بالطِّـيب، كما تزيد بالغذاء والشراب والدَّعَـة والسرور ومُعاشرة الأحبة وحدوث الأمور المحبوبة..

والمقصود أن الطِّـيب كان من أحب الأشياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله تأثير في حفظ الصِّحة، ودَفْع كثير من الآلام وأسبابها، بسبب قوة الطبيعة به.اهـ .
قال ابن عباس: "إني لأتزين لامرأتي كما تتزيّن لي، وما أحب أن أستَنَظِف كل حقي الذي لي عليها، فتستوجب حقها الذي لها عليّ، لأن الله تعالى قال: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }. والشاهد وله: "وما أحب أن أستَنَظِف كل حقي الذي لي عليها"، فهو ينظر للمسألة نَظْرَة موازنة، فإنه إذا أخَذَ الحقّ كاملاً لزِمه أداء الواجب كاملاً. ومعنى "أستنظِف" أي آخذ حقي كاملاً . قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: أتيتُ محمد بن الحنفية، فَخَرَجَ إليّ في ملحفة حمراء، ولحيته تَقْطُر من الغَالِيَة، فقلت: ما هذا؟! قال: إن هذه الملحفة ألْقَتْها عليّ امرأتي، ودَهَنَتْنِي بالطيب، وإنهن يَشْتَهين منّا ما نَشْتَهيه مِنْهُنّ. قال القرطبي في التفسير: " قال العلماء: أما زينة الرجال فعلى تفاوت أحوالهم، فإنهم يَعْمَلون ذلك على اللَّبَق والوفاق، فربما كانت زينة تَلِيق في وقت ولا تَلِيق في وقت، وزينة تَلِيق بالشباب، وزينة تَلِيق بالشيوخ ولا تَلِيق بالشباب، ألا ترى أن الشيخ والكهل إذا حفّ شاربه ليق به ذلك وَزَانَه، والشاب إذا فعل ذلك سَمج ومُقِت، لأن اللحية لم توفر بعد، فإذا حفّ شاربه في أول ما خَرَجَ وجهه سمج، وإذا وفرت لحيته وحفّ شاربه زانَه ذلك، وكذلك في شأن الكسوة، ففي هذا كله ابتغاء الحقوق فإنما يُعْمَل على اللبق والوفاق، ليكون عند امرأته في زينة تَسُرّها، ويُعِفُّها عن غيره من الرجال. وكذلك الكحل من الرجال، منهم من يَلِيق به، ومنهم من لا يليق بهم. فأما الطيب والسِّواك والخلال والرَّمي بالدَّرن وفُضُول الشَّعر والتطهير وقَلْم الأظفار، فهو بَيِّنٌ مُوافق للجميع، والخضاب للشيوخ، والخاتم للجميع من الشباب والشيوخ زِينة، وهو حُليّ الرجال.. ثم عليه أن يَتَوخَّى أوقات حاجتها إلى الرجل فيُعفها ويُغنيها عن التطلّع إلى غيره". اهـ .
و "الخِلال" هو إخراج ما بين الأسنان من بقايا الطعام، وفي الحديث: « حبذا المتخلِّلُون من أمتي ». رواه الطبراني في الأوسط ، وهو في صحيح الترغيب.

فالنّفس لا شك تُحب الجمال ، وترغب في الروائح الزكيّة، فالزوج يَسُرّه أن تكون زوجته عَطِرَة، وهو يَبِيت بروائح تتقزز منها النفوس، وتَنْفُر منها الطِّباع، بل وتأباها السباع !! أو يكون ممن لا يَعتَنِي بأسنانه فتَفُوح منها روائح تُسبب في نُفُور زوجته منه. فينبغي للأزواج العناية بمظاهرهم، والتّجمّل لنسائهم، فكما يُريد الرجل من زوجته أن تتجمّل له فليتجمّل لها ليكون ذلك أدعى لغضّ بصرها، وإعفاف نفسها.

وقد بلغتني شكوى غير واحدة من النساء أن أزواجهن يتجمّلون ويتطيّبون عند خروجهم فحسب. حتى قالت إحداهن: اشتريت طيباً وأهديته لزوجي، وقلت له: تطـيّب منه لي !
والأمر كما قال محمد بن الحنفية رحمه الله: "وإنهن يَشْتَهين منّا ما نَشْتَهيه مِنْهُنّ".

فتجمّل لزوجتك لتكسب قلبها.. وأحبّها، تُبادِلك الشّعور.. وأغنِها عن النّظر إلى غيرك، فإن الحياة الزوجية بمثابة الرّصيد البنكي ! إن أَخَذْتَ منه، ثم أَخَذْتَ منه.. فإن مآله إلى الـنّفاد، ومصيره إلى الانتهاء.. حينها تَطلب المال فلا تحصل عليه، وتبحث عن عَصَب الحياة فلا تجده.
وهكذا الحياة الزوجية إذا أخَذّتَ فأعْـطِ وإذا أُعطِيتَ فقابِل وهذا من شُكر المعروف، ومُكافأة الْمُحسِن، وفي الحديث: « من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تُروا أنكم قد كافأتموه ». رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. صفر 1426 هـ
المصدر: صيد الفوائد

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة الرياض

  • 1
  • 0
  • 6,377
  • نادية مجتهد

      منذ
    [[أعجبني:]] جزاك الله شيخنا الفاضل عبد الرحمن السحيم الجزاء الأوفى على ما تبذله من جهد في سبيل تبليغ الرسالة أنار الله دربك ويسر أمرك وسددخطاك موضوع هادف ومميز وأكثر ما أعجبني فيه كلماتك الأخيرة : فتجمّل لزوجتك لتكسب قلبها.. وأحبّها، تُبادِلك الشّعور.. وأغنِها عن النّظر إلى غيرك، فإن الحياة الزوجية بمثابة الرّصيد البنكي ! إن أَخَذْتَ منه، ثم أَخَذْتَ منه.. فإن مآله إلى الـنّفاد، ومصيره إلى الانتهاء.. حينها تَطلب المال فلا تحصل عليه، وتبحث عن عَصَب الحياة فلا تجده. وهكذا الحياة الزوجية إذا أخَذّتَ فأعْـطِ وإذا أُعطِيتَ فقابِل وهذا من شُكر المعروف، ومُكافأة الْمُحسِن، وفي الحديث: « من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تُروا أنكم قد كافأتموه ». رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. صفر 1426 هـ جعل الله أيامك في ظل طاعته تتبارك [[لم يعجبني:]] موضوع هادف ياشيخ وكلمات معبرة فلا شيء فيه لم يعجبني أرجو أن يأخذ به كل زوج لبيب فطن

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً