خَـان فـ هَـان
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
- التصنيفات: فقه الجنايات والحدود -
حرص الإسلام على كل خُلُق
فاضل، وعلى كل معنى جميل. فَحثّ على الوفاء « فوا ببيعة الأول فالأول أعطوهم
حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم » رواه البخاري ومسلم. وأمر
بأداء الأمانة « أدّ الأمانة
إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك » رواه أبو داود والترمذي.
وحرص على الوضوح والـنُّـصْح، قال جرير بن عبد الله: "بايعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم". رواه
البخاري ومسلم. ومن هنا فإن من تمسّك بتلك المبادئ السامية سَمَـا
بنفسه، وعلا شأنه، وكان عند الله أعـزّ وأعظم من بيت الله. ليس دمـه
فحسب، بل دمـه ومالـه وعِرضه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حجة الوداع: « ألا أي شهر
تعلمونه أعظم حرمة؟ » قالوا: ألا شهرنا هذا. قال:« ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟
» قالوا: ألا بلدنا هذا. قال:« ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟
» قالوا: ألا يومنا هذا. قال صى الله عليه وسلم: « فإن الله تبارك وتعالى قد حرّم
عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها، كَحُرْمَةِ يومكم هذا في
بلدكم هذا في شهركم هذا ». رواه البخاري بهذا اللفظ. ونظر ابن
عباس إلى الكعبة فقال: "ما أعظم حرمتك وما أعظم حقّك، والمسلم أعظم
حرمة منك؛ حَرّم الله ماله، وَحَرّم دمه، وَحَرّم عِرضَه وأذاه، وأن
يظن به ظن سوء".
ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك". قال سعيد بن ميناء: "إني لأطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو بعد حريق البيت، إذ قال: أي سعيد أعظمتم ما صنع بالبيت؟ قال: قلت: وما أعظم منه؟ قال: دم المسلم يُسفك بغير حقِّـه". وَحرّم الإسلام ترويع المؤمنين، فقال عليه الصلاة والسلام: « من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه » رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم:« لا يحلّ لمسلم أن يُروِّع مُسلماً ». رواه الإمام أحمد وأبو داود.
قد تعجب إذا علمت سبب وُورد هذا الحديث؛ وذلك أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا يَحِلّ لمسلم أن يُروِّع مسلماً »، كل هذا مُشعِر بعظيم قدر المؤمن عند الله، وعظيم حُرمَتِـه.
غير أن هذا القَدْر قد يَزول وتلك المكانة قد تتلاشى أو تضعف.. عندما يَنزل المؤمن من عليائه، أو يتخلّى عن عِـزِّه. فإنه ما رَفَع قَدْرَه إلا الإيمان.. وما أعلى شأنه إلا التمسّك بالمبادئ العِظام، وحين يتخلّى عن ذلك أو بعضه فإنه ينُزِل نفسه منازل المهانة، أو يُسكنها مساكن الذّلّـة.
حين يَخون الأمانة، فإنه يُهدِر قَدْرَه.. وحين حفِظ الأمانة، علا قَدْرُه؛ يَد المؤمن لو قُطِعت فإنه تُفدى بِنصف دِيَـة، وحين يَخون فإنها تُقطَع في مقابِل خمسة دراهم! ولذا حين اعترض المعرّي، وادّعى تناقض الشريعة، فقال:
يد بخمس مِئين عَسْجَدٍ وُدِيَتْ.......ما بالها قُطِعت في ربع دينار؟!
رَدّ عليه أهل العِلم، فقال قائلهم، وهو القاضي عبد الوهاب:
صيانة العضو أغلاها، وأرخصها.......صيانة المال، فافهم حكمة الباري
كان الفضيل بن عياض لِصّـاً يَقطع الطريق.. ذَكَر الذهبي في السِّيَر عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق.. هكذا كان ! كان الجميع يَحذره.. وكانوا يَخشون شَـرّه.. فتاب وأناب، ولزِم محراب العبودية، فصار أهل العِلم يُجلّونه، ويَقبَلونه ويُقبِّلونه! بل صارت أقواله مناراً لأهل الإسلام.. ونبراساً لأهل الإيمان. فإذا قال قولاً أصغى إليه الجميع، واستمع له الحاضر والبادي!
فكم بين كونه لِصّـاً يَقطع الطريق، وبين كونه صالحاً عابداً عالماً تُقطَع إليه المفاوز، وتُضرب إليه أكباد الإبل؟!
فيا بُعد ما بين الحالين! الأولى حال " خَان فـ هَان" والثانية حال "صَان فَـعَـزّ وكان".. قال ابن القيم رحمه الله: "يا مغروراً بالأماني ! لُعن إبليس وأُهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أُمِرَ بها، وأُخْرِج آدم من الجنة بلقمة تناولها، وحُجِبَ القاتِل عنها بعد أن رآها عيانا بملء كف من دم، وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحلّ، وأمر بإيساع الظهر سياطاً بكلمةِ قَذْف أو بقطرة سكر، وأبان عضواً من أعضائك بثلاثة دراهم؛ فلا تأمنه أن يَحْبِسَك في النار بمعصية واحدة من معاصيه، { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }".
ونظر ابن عمر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك". قال سعيد بن ميناء: "إني لأطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو بعد حريق البيت، إذ قال: أي سعيد أعظمتم ما صنع بالبيت؟ قال: قلت: وما أعظم منه؟ قال: دم المسلم يُسفك بغير حقِّـه". وَحرّم الإسلام ترويع المؤمنين، فقال عليه الصلاة والسلام: « من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه » رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم:« لا يحلّ لمسلم أن يُروِّع مُسلماً ». رواه الإمام أحمد وأبو داود.
قد تعجب إذا علمت سبب وُورد هذا الحديث؛ وذلك أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا يَحِلّ لمسلم أن يُروِّع مسلماً »، كل هذا مُشعِر بعظيم قدر المؤمن عند الله، وعظيم حُرمَتِـه.
غير أن هذا القَدْر قد يَزول وتلك المكانة قد تتلاشى أو تضعف.. عندما يَنزل المؤمن من عليائه، أو يتخلّى عن عِـزِّه. فإنه ما رَفَع قَدْرَه إلا الإيمان.. وما أعلى شأنه إلا التمسّك بالمبادئ العِظام، وحين يتخلّى عن ذلك أو بعضه فإنه ينُزِل نفسه منازل المهانة، أو يُسكنها مساكن الذّلّـة.
حين يَخون الأمانة، فإنه يُهدِر قَدْرَه.. وحين حفِظ الأمانة، علا قَدْرُه؛ يَد المؤمن لو قُطِعت فإنه تُفدى بِنصف دِيَـة، وحين يَخون فإنها تُقطَع في مقابِل خمسة دراهم! ولذا حين اعترض المعرّي، وادّعى تناقض الشريعة، فقال:
يد بخمس مِئين عَسْجَدٍ وُدِيَتْ.......ما بالها قُطِعت في ربع دينار؟!
رَدّ عليه أهل العِلم، فقال قائلهم، وهو القاضي عبد الوهاب:
صيانة العضو أغلاها، وأرخصها.......صيانة المال، فافهم حكمة الباري
كان الفضيل بن عياض لِصّـاً يَقطع الطريق.. ذَكَر الذهبي في السِّيَر عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق.. هكذا كان ! كان الجميع يَحذره.. وكانوا يَخشون شَـرّه.. فتاب وأناب، ولزِم محراب العبودية، فصار أهل العِلم يُجلّونه، ويَقبَلونه ويُقبِّلونه! بل صارت أقواله مناراً لأهل الإسلام.. ونبراساً لأهل الإيمان. فإذا قال قولاً أصغى إليه الجميع، واستمع له الحاضر والبادي!
فكم بين كونه لِصّـاً يَقطع الطريق، وبين كونه صالحاً عابداً عالماً تُقطَع إليه المفاوز، وتُضرب إليه أكباد الإبل؟!
فيا بُعد ما بين الحالين! الأولى حال " خَان فـ هَان" والثانية حال "صَان فَـعَـزّ وكان".. قال ابن القيم رحمه الله: "يا مغروراً بالأماني ! لُعن إبليس وأُهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أُمِرَ بها، وأُخْرِج آدم من الجنة بلقمة تناولها، وحُجِبَ القاتِل عنها بعد أن رآها عيانا بملء كف من دم، وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحلّ، وأمر بإيساع الظهر سياطاً بكلمةِ قَذْف أو بقطرة سكر، وأبان عضواً من أعضائك بثلاثة دراهم؛ فلا تأمنه أن يَحْبِسَك في النار بمعصية واحدة من معاصيه، { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا }".
المصدر: صيد الفوائد صفر - 1426 هـ .