حالنا في رمضان

منذ 2013-07-07

فأول ما ينبغي علمه أن يعلم المؤمن أن أعظم أحوال المؤمنين مع رمضان التدبر والتفكر في عظمة الخالق -جل جلاله- فكم مر على من كان قبلنا من الناس رمضانات عديدة وأزمنة مديدة منذ أن خلق الله آدم إلى اليوم وسيبقى الأمر كذلك إلى قيام الساعة سنن لا تتبدل وصبغة لا تتغير تنبئ عن عظمة الجبار وعن عظمة وملكوت الواحد القهار.

 

أما بعد...
أيها المؤمنون فهذه بشائره قد أطلت وهذه أنواره قد حلت شهر ولات الشهور شهر أوجب اللهُ صيامه وشرع اللهُ قيامه نصرالله فيه جنده وأنزلَ اللهُ فيه كتابه وأعز اللهُ فيه الإسلام وأهله، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، لهُ الملكُ كله ولهُ الحمدُ كله وإليه يرجع الأمر كله{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} وأشهدُ أن لا إله إلا الله لا رب غيره ولا إله سواه لواء وشعار ودثار أهل التقوى وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته رفعَ اللهُ له ذكره وشرح الله له صدره ووضع الله عنه إزره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه اللهم وعلى آله الأخيار وأصحابه الأبرار وعلى من سلك مسلكهم واقتفى آثارهم إلى يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.


عباد الله:
إن رمضان شهركم أهل الإسلام وفخركم يا أمة القرآن قدمتم اليوم تتساءلون عن حال المسلم فيه وتتساءلون ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في نهار رمضان ولياليه.


عباد الله:
وهل حال المسلمين في رمضان إلا قلوب مشتاقة ودموع مُهراقَه وأعين إلى لقيا ربها -جل جلاله- مشتاقة حال المسلمين في رمضان دعاء وصلاة صدقات وزكاة حال المؤمنين فيه توبة واستغفار وتهليل وذكر للواحد القهار وسير على منهج وهدي سيد الأخيار -صلوات الله وسلامه عليه-.


عباد الله:
لقد شرع الله لكم صيام رمضان وقيامه وللمؤمنين مع هذا الشهر أحوال خاصة ينجيهم الله بها ويرشدهم الله إليها ويجزيهم -تبارك وتعالى- عليها فأول ما ينبغي علمه أن يعلم المؤمن أن أعظم أحوال المؤمنين مع رمضان التدبر والتفكر في عظمة الخالق -جل جلاله- فكم مر على من كان قبلنا من الناس رمضانات عديدة وأزمنة مديدة منذ أن خلق الله آدم إلى اليوم وسيبقى الأمر كذلك إلى قيام الساعة سنن لا تتبدل وصبغة لا تتغير تنبئ عن عظمة الجبار وعن عظمة وملكوت الواحد القهار {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، فسبحان مصرف الليالي والأيام ومكور الليل والنهار اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.


عباد الله:
ألا وإن من أحوال المسلم في رمضان أن يعلم يقينًا أن هذا الشهر الكريم مظهر من مظاهر رحمة الله -تبارك وتعالى- بعباده ففيه ترفع الدرجات وتكفر السيئات وتضاعف الحسنات وتفتح أبواب الجنات ففي المسند من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند اللهِ من رائحةِ المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله لهم كل يوم جنته يقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ويصلوا إليك، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون في رمضان إلى ما كانوا يخلصون إليه، في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة» قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: «لا إنما يوفى الأجير أجره إذا قضى عمله» ففي رمضان تتجلى رحمات رب العالمين -جل جلاله- أيام معدودات كم فيها من النفحات الربانية وكم فيها من الرحمات الإلهية فقل للمعرضين عن الله ورحمته من سيُآنس غدًا في القبور وحشتكم ومن سيرحم غدًا تحت الثرى غربتكم اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.


عباد الله:
هذا وإن من أحوال المسلم في رمضان أن يعلم أن شهرًا كرمضان لا يستقبل بالقناديل المضيئة ولا بالمسابقات السنوية ولا بالبرامج الدعائية ولكن شهرًا كرمضان لا يستقبله المسلمُ بأعظم من توبةٍ صادقة نصوح وأوبةٍ خالصة إلى رب الملائكة والروح فالتوبة أيها المؤمنون وظيفة العمر أمر الله بها عباده ونعت الله بها أوليائه ووصف الله بها أصفيائه فقل للجامعين المال من غير حله كفاكم ما جمعتم فإن اللهَ مطلعٌ عليكم وقل للعاكفين على الزنا والفجور والفحشاء توبوا إلى الله فإن الله يعلم ما أسررتم وما أعلنتم وقل لمن ملئت قلوبهم حقدًا وحسدًا وبغضاء توبوا إلى الله فقد كفاكم ما أفسدتم وقل للشباب الذين يؤذون المؤمنات ويلمزون الغافلات إن الموت يطلبكم والله -جل جلاله- سيسألكم وقل للمؤمنات الغافلات عن الله وذكره والعاكفات على ما حرم الله -جل وعلا- وحرم رسوله -صلى الله عليه وسلم- قل لهن صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وما فتح من الخزائن أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها أيقظوا صواحب الحجرات فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة»، وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات عليهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها».


عباد الله:
أيها المؤمنون هذا شهر التوبة فإن لم نتب في شهر رمضان فمتى نتوب؟ وإن لم نرجع إلى الله في مثل هذا الشهر فمتى نؤوب؟ فالله الله يا أخي ويا أختاه ولنتذكر جميعًا وليتذكر كل فرد منا غدًا إذا ذهبت لذته وبقيت حسرته إذا انقطع أمام الله جوابه وشهدت عليه جوارحه بما قدم وأخر ورد في بعض الآثار أنه يؤتى بالرجل العاصي يوم القيامة يؤتى بالعاصي يوم القيامة رجلاً كان أو امرأة فتغلب عليه شقوته فيقول: يا رب لا أقبل شاهدًا إلا من نفسي فيختم الله على لسانه فتنطق جوارحه بما صنع تقول العين: أنا إلى الحرام نظرت وتقول الأذن: وأنا إلى الحرام استمعت وتقول اليد: وأنا إلى الحرام تناولت حتى تقول القدم: وأنا إلى الحرام مشيت ويقول الفرج: -عياذًا بالله- وأنا فعلت وفعلت وفعلت فيقول الملك الذي على اليسار: وأنا اطلعت وكتبت فيقول الملك الذي على اليمين: وأنا اطلعت وشهدت فيقول رب العالمين: -جل جلاله- وأنا اطلعت وسترت ثم يقول: يا ملائكتي خذوه ومن عذابي أذيقوه فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ . وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ . فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} اللهم بلغنا رمضان وارزقنا فيه توبة خالصة نصوح.


عباد الله:
ألا وإن مما شرعه الله لكم في رمضان صيام نهاره فلقد ناداكم ربكم في كتابه نداء كرامة لا نداء علامة فقال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} والصيام في ذاته من أعظم القربات وأجل الطاعات فلقد صام نبي الله موسى أربعين يومًا وهو يتهيأ للقاء ربه -جل جلاله- وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يقول الله تعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، «والصوم جنة فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يسخط فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم للصائم فرحتان فرحة إذا أفطر يفرح بفطره ويفرح إذا لقي ربه بصومه»، وفي رواية لمسلم «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، وفي الحديث المتفق عليه أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: «من صام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه» فصوموا شهركم أيها المؤمنون استجابة للأمر الرباني العظيم وتقربًا إلى الله وزلفى بهذا العمل الصالح الذي دأب عليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- واعلموا عباد الله أن فئامًا من الناس اليوم يقضون نهارهم في نوم متواصل ويقضون ليلهم في لهو وعبث وتكاسل وأمثال هؤلاء لم يعرفوا من رمضان إلا تبدلاً وتغيرًا في جدول حياتهم اليومية وكفى بذلك إثمًا وخطيئة وبعدًا عن منهج الله وهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم اللهم- بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.


عباد الله:
وكما شرع الله لكم صيام رمضان ندبكم ربكم -جل وعلا- إلى جملة من الأعمال الصالحة من نوافل الطاعات التي هي في رمضان أوكد وأعظم أجرًا ولعل أظهر ذلك أن الله -تبارك وتعالى- جعل لليل مزية على النهار فأسرى الله -جل وعلا- بنبينا إلى المسجد الأقصى ليلاً ونجى الله موسى وقومه ليلاً ونجى الله لوطًا وبنتيهما مع فلق السحر وقيام الليل أمر مندوب إليه في رمضان وفي غيره {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً . إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} أما قيام رمضان فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من قام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، ولقد سن لكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج في أول ليلة من رمضان فصلى فصلى وراءهُ جمع من الصحابة فلما كان في اليوم الثاني اجتمعوا عليه أكثر ثلاث ليال أو أربع وكان من حدبه وشفقته -صلى الله عليه وسلم- على الأمة خاف أن يفرض عليها قيام ليل رمضان فامتنع عن الخروج وقال لهم علمت الذي صنعتم ولكني خفت أن تفرض عليكم ثم مكث الناس بقية عهد النبوة وفي عهد الصديق يصلون أرسالاً و فرادًا وجماعات حتى كانت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فأمر أبي بن كعب وتميم بن أوس الداري -رضي الله تعالى عنهما- أمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشر ركعة ثم مضت صلاة التراويح سنة مرضية منذ ذلك العصر الراشد إلى يومنا هذا فقيام رمضان أيها المؤمنون تراويح و غيرها من أعظم القربات وأجل الطاعات كما أن قيام العشر الأواخر منه أعظم أجرا وأكثر فضلا لأن فيها ليلة توازي عبادتها عبادة ألف شهر قال جل جلاله {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.


عباد الله:
ألا وإن مما شرعه الله لكم وشرعه رسوله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان الإنفاق من المال ابتغاء ما عند الله من الرضوان ولقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن عباس عند مسلم وغيره كان نبينا أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان إذا لقيه جبريل يدارسه القرآن كان -صلى الله علي? وسلم- أجود من الريح المرسلة وكم لله في أرضه من عباد بيوتهم مستورة وقلوبهم بائسة مكسورة لا يعلم حالهم ولا ما هم فيه إلا الله -تبارك وتعالى- وإن قيام الدولة وفقها الله بواجبها تجاه أهل الفقر والمسكنة لا يعفي أبدًا أهل الثراء والمال والجاه والغنى من أن يقوموا بواجبهم تجاه الفقراء والمساكين وذوي الحاجات فهنيئًا لمن عرف تلك الدور وأعطاها، هنيئًا لمن خاف الله فيها فأطعمها فسقاها، هنيئًا لمن دل عليها وأرشد إليها وجلاها دخل رجل على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى- عنه فقال:

 

ياعمر الخير جزيت الجنة *** اكسي بنياتي وأمهن
وكن لنا من الزمان جنة *** أقسمت بالله لتفعلنه

فقال عمر: وإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال: إذا أبا حفصة لأمضينه، قال عمر: وإن مضيت يكون ماذا؟ قال:
 


إذا أباحفص لتسألنه *** يوم تكون الأعطيات جنة
وموقف المسئول بينهن *** إما إلى نار وإما جنة


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً . إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} .
اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه.


عباد الله:
ألا وإن من المشروع في رمضان أن يأتي المسلم فيه بالعمرة فإن العمرة في أصلها أمر محمود من كفارات الذنوب ومزيلات الخطايا والمعاصي ولقد ثبت عن رسولنا -صلى الله عليه وسلم -أنه لما قدم المدينة بعد حجة الوداع سأل امرأة من الأنصار ما منعك أن تحجي معنا فشكت إليه المرأة قلة الزاد قلة الرحالة والزاد فقال -صلى الله عليه وسلم- وهو أعلم الناس بالشرع وأنصح الخلق للخلق قال: «فإذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي» -صلوات الله وسلامه عليه- فتقربوا إلى الله -جل وعلا- بهذا العمل الصالح تقربوا إليه بنية خالصة وقلوب مقبلة على الله ترجو ثوابه وتخشى عقابه -جل جلاله- ألا وإن مما شرعه الله لكم في رمضان وفي غيره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساعدة رجال الحسبة في تنبيه الغافل ورد الباطل فإن إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين التي أمر الله بها{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} بلغنا الله وإياكم ر?ضان وأعاننا على صيامه وقيامه اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ومن فجاءة نقمتك ومن تحول عافيتك ومن جميع سخطك أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنهُ هو الغفور الرحيم.


***
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد....
أيها المؤمنون:
فلئن كان معروفًا لدى المؤمنين أن رمضان مضمار للخيرات ومجال للتنافس في الطاعات ولئن كان من البدهي أن رمضان منبع للفضائل ومنهل للصالحات فإن ممن لا شك فيه ولا مرية أبدًا أن رمضان في المقام الأول شهر القرآن ففي هذا الشهر أيها المؤمنون أنزل اللهُ خير كتبه على خير رسله صلى الله عليه وسلم بواسطة خير ملك في خير ليلة {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}، فأقبلوا على القرآن أيها المؤمنون ليلاً ونهارًا سرًا وجهارًا واعلموا أن من دأب سلف الأمة الصالح أنهم كانوا يخصصون جل وقتهم في رمضان لقراءة القرآن، فقد كان مالك -رحمه الله- على جلالة قدره وحاجة الناس إلى علمه كان إذا دخل رمضان ترك الحديث وترك مجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن فأقبلوا على قراءة كتاب ربكم -تبارك وتعالى- واعلموا أن نبي الله داوود كان يقرأ كلام ربه في الزبور فتجيبه الشم الشوامخ والجبال الرواسخ وتردد الطير بترديده قال: -جل جلاله- {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ . وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ} والعزاء كل العزاء لقلوب تقرأ القرآن فلا تخشع وعيون يتلى عليها القرآن فلا تدمع {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}، وإن البكاء حال قراءة القرآن من أعظم من مناقب الصالحين فإن الله ذكر جملة من عباده الأخيار ثم أردف بقوله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} ولقد ثبت في الصحيح أن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قرأ آيات من سورة النساء على رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقال له صلى الله عليه وسلم : «حسبك» قال عبدالله: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.

عباد الله:
ألا واعلموا أن الناس اليوم وللأسف استبدل كثير منهم كتاب ربهم -تبارك وتعالى- بأغاني ماجنة ذات كلمات بذيئة ومعان مبتذلة كم هدمت من القيم! وكم أضعفت من الأخلاق! وكم أنكرت من مبادئ الشرع! يردده الشباب والفتيات صباحًا مساءًا لا يعون ما فيها ولا يدركون ما يحيط بها {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} فتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون واغتنموا بلوغ رمضان في الاستمرار في الطاعات والمنافسة في الخيرات واعلموا أن ربكم -تبارك وتعالى- أرحم الراحمين وخير الغافرين يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار أخرج الترمذي من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى- عنهما أن ابن عمر قال: إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- حدثنا بحديثٍ لم أسمعهُ مرة ولا مرتين ولا سبع مرات بل سمعته أكثر من ذلك ثم قال ابن عمر: قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «كان الكفل في بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارًا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك أأكرهتك على ذلك؟ قالت: لا ولكنه عمل ما عملته قط وما دفعني إليه إلا الحاجة فقال: أتفعلين هذا ولم تزنين قط فقام عنها وأعطاها المال وقال: والله الذي لا إله غيره لا أعصي الله بعدها أبدًا فمات من ليلته فلما أصبح وجدوا مكتوبًا على قبره إن الله قد غفر للكفل والكفل هذا غير ذي الكفل المذكور في القرآن فإن هذا رجل عابد والذي في القرآن نبي مرسل».

ألا وصلوا أيها المؤمنون وسلموا على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر خير من صلى وصام وضحى وزكى وأفطر فقد أمركم الله بذلك في كتاب يتلى إلى يوم المحشر {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} اللهم صل على محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار وصلى على محمد ما تعاقب الليل والنهار وأرضى اللهم عن أصحاب محمد من المهاجرين والأنصار اللهم وارحمنا معهم بمنك وكرمك يا عزيز يا غفار اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين، اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد أنت الله لا إله إلا أنت لا تواريك أرض أرض ولا سماء سماء لا يخفى عليك جبل ما في وعره ولا بحر ما في قعره لا تحيط بك الظنون ولا يصفك الواصفون لا تدركك الأبصار ولا تراك في الدنيا العيون، نسألك اللهم باسمك الأعظم ووجهك الأكرم أن تبلغنا رمضان، وتعيننا على صيامه وقيامه اللهم اجعل ما نقدمه فيه من عمل عملاً خالصًا لوجهك وحدك يا رب العالمين اللهم ارزقنا في رمضان وفي غيره الإخلاص لك يا رب العالمين يا حي يا قيوم اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأيدك اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك اللهم اجعل وأمراءه وإخوانه رحمة على البلاد والعباد يا رب العالمين اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
 

المصدر: موقع رمضانيات

صالح بن عواد المغامسي

عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين وأمين لجنة الأئمة بالمدينة المنورة وخطيب مسجد قباء.

  • 7
  • 3
  • 17,281

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً