غمضت جفون الفن
- التصنيفات: الشعر والأدب -
غمضت جفون الفن والأهدابُ *** وغَفَتْ لتدفن بعدها الآدابُ
ومكامن الدرِّ النضيد تحجرتْ *** فنتاجها يأتي حصىً وترابُ
ورياضها بالأمس تُقطف زهرُها *** واليوم ألقتْ بذرَها الأعشابُ
فغدت بها الأشجار تخلع سترها *** عمداً لتصمد في الرُّبى الأخشابُ
وتنكَّر الولدُ النسيبُ فكلما *** أخفى الأصالةَ ضَلَّتِ الأنسابُ
هذا هو الأدبُ الرفيعُ وحاله *** حلَّت به الأوصابُ والأنصابُ
ماذا دهاه؟ وما الذي أرداه في *** سُعُر الجهالة يُكتوى ويصابُ
دعوى الحضارة زيّنت بردائها *** ما كان من شرِّ الفعال يعابُ
واستَحْكمت في الأرض حين استُحْكمتْ *** في العِرض أنمرُ غابةٍ وذئابُ
فتصدّر الشادين صوتٌ ناعقٌ *** من بعد أن أطروه وهو غرابُ
فبدا ببيداءِ العمى يحدو بنا *** ويجرنا نحو الهوى فيُجابُ
وغدا يؤملُنا بماءٍ باردٍ *** هيهاتَ أن يصفى لذاك سرابُ
يزهو بصوتِ السوءِ مفتخراً بِهِ *** يلهو فنتبعه!، فذاك عجابُ
قد جرَّه الشيطانُ في خطواته *** ورمتْه أسهمُ شرِّه وحرابُ
في زيِّه الغربيِّ يبدو فارِهاً *** وبزيغِه يسْتَوقَفُ الإعجابُ
خدعَ البريةَ بالغناءِ وربما *** تأتيه غانيةٌ لها أحبابُ
فيمثلون العشق في سهراتهم *** ومسلسلاتِ العهر لم يرتابوا
والقوم بين مشاهدٍ متلهفٍ *** أو تابعٍ مستعظمٍ ينْسابُ
ويرى بآلات الخناء قداسةً *** وعلى الرواقصِ تطلقُ الألقابُ
أضحتْ ثقافتُنا غِناءً ماجناً *** يسعى يشبِّبُ فحشَها الأعرابُ
وثقافةُ العصرِ الحديثِ تغرَّبتْ *** فتقطعتْ بدعاتِها الأسبابُ
نشرَ الفسادُ ظلامه فتهافتَتْ *** نحو الضلالةِ ثُلَّةٌ أذْنابُ
خلعوا عقيدتهم وولَّوا محدثَات *** العصرِ فانحلُّوا بذاكَ وخابُوا
وتغطرسَ الأعداءُ في بلدانهم *** لم تخلُ حتى الدارُ والأطنابُ
جعلوا وصايتَهم على كلِّ امرئٍ *** وتفلسفوا في الدينِ، لم يهتابوا
زعموا بأن الدين غير معالجٍ *** للمحدثات وفي هداه عذابُ
وتقَوَّلُوا كذباً ليغروا أمةً *** إنَّ التحرُّرَ منهجٌ جذَّابُ
ولهم على تلك الفتاةِ تآمرٌ *** نارٌ ولُفَّتْ حولها الأثوابُ
زوراً وبهتاناً وليس مرادُهم *** إلا لتنزعَ حشمةٌ وحِجابُ
وبوحدة الأديان قالوا منهجاً *** وتحاوراً والحرياتُ صوابُ
هذا وإن قام الخطيبُ بمنبرٍ *** يحجرْ عليهِ ويهجرِ المحرابُ
وإذا انتشى من معشرٍ أهل التقى *** صاحوا عليهم: ها هو الإرهابُ
وتعلقت تهمٌ بهم من ثلةٍ *** عجباً لهم بالإفك كيف أجابوا؟
تُرِكتْ مبادؤنا فصرنا لعبةً *** تُشرى وكنا نُتَّقى ونهابُ
باسم الثقافة غُيِّرت أفكارُنا *** فمظاهرُ الدين الحنيفِ تذابُ
يا قومِ إن شئتم سبيلاً واضحاً *** أو مسكناً لا يعتريه خرابُ
فدعوا الذي راجت به أعداؤنا *** وذروا الذي يلهو به الأحبابُ
فهنا العلوم هنا الحديث هنا النجى *** دلَّت عليه سُنَّةٌ وكتابُ
عُضُّوا عليها بالنواجذِ إنها *** حِكَمٌ يُشدُّ إلى هناك ركابُ
في المركز العلمي مركزِ دعوتي *** فيه الهدى والنورُ فيه شبابُ
فيه الكواكبُ والنجومُ زواهرٌ *** ها همْ مشايخُنا كذا الطلابُ
منهم دعاة الحق منهم أمةٌ *** يكفي حضورهم وليس خطابُ
هذي الرياض وهذه ثمراتها *** طابت بما فيها يفوح وطابُوا
علي بن أحمد المطاع