رؤساء مصر القادمون تحت بيادة العسكر

منذ 2013-07-15

ساذج هو من ينظر لظواهر الأمور دون بواطنها خاصة في عالم السياسة، وأشد سذاجة منه من ينظر لليوم دون الغد خاصة -أيضاً- في عالم السياسة.


ساذج هو من ينظر لظواهر الأمور دون بواطنها خاصة في عالم السياسة، وأشد سذاجة منه من ينظر لليوم دون الغد خاصة -أيضاً- في عالم السياسة.

لم يكن المرء يظن أن المصريين بحاجة ليوعظوا بهاتين القاعدين الأساسيتين. فاحتفال معارضو الإخوان بالإطاحة بهم أشبه باحتفال تاجر بالسطو على محل منافسه، متناسياً الأضرار الجسيمة التي ستقع عليه وعلى جميع التجار نتيجة إنعدام الأمن على المدى البعيد.


فرئيس مصر القادم سيعلم لا محالة أن أمر إبقاءه أو الإطاحة به بيد العسكر وحدهم، وأنه إن أغضبهم أو عارضهم فلن تتعدى أيام حكمه أول مظاهرة تَحشِد بضعة ملايين من معارضيه يتخذها أسياده ذريعة لعزله ومحاكمته "باسم الشعب".

وهذا لعمري لهو الاستبداد بعينه والحكم العسكري بتعريفه، فلا يهم إن كان الرئيس القادم إسلامياً أو علمانياً، رأسمالياً أم اشتراكياً، محافظاً أم منفتحاً، فكل هذا سيكون شعار وغطاء خارجي، أما في الحقيقة فلن يعدو عن كونه ألعوبة بيد الجيش يحركها كيفما يشاء، فلم يزل العسكر يحكمون مصر لكن هذه المرة من وراء الستار.

لكن ما مشكلتنا تحديداً مع حكم العسكر؟ هل أنهم غير منتخبين فلا يمثلون الشعب ولا يمكن التخلص منهم بعد أربعة سنوات؟ هل أن عقليتهم قائمة على نظام جبري قوامه تنفيذ التعليمات دون تفاوض أو تنازل؟ هل أنهم -حتى لو تقلدوا مناصبهم مثاليين لا تشوبهم شائبة- سيفسدون من السلطة المطلقة التي لا تحدها حدود والتي تحوّل الملائكة لشياطين؟ كل هذه حقائق، لكنها معروفة للقاصي قبل الداني. ما نود تسليط الضوء عليه اليوم خصيصاً هو أمر لا يعلمه كثيرون ولا يكاد يذكره أحد: إنه إمبراطورية الجيش الاقتصادية.

فجيش مصر أوشك أن يمَر على آخر معركة خاضها أربعة عقود كاملة، وقد تفرغت أعداد متزايدة من قادته خاصة المحالين للمعاش منذ ذلك الوقت لإدارة مصانع تجميع السيارات والأدوات المنزلية، وشركات الملابس والإنشاءات، وأنشطة القرى السياحية وملاعب الكرة، ومزارع القمح وبيض النعام، ومنافذ بيع الأطعمة والوقود، والمملوكة جميعها إسمياً للدولة.


ولم يتم الإعلان أبداً عن حجم تلك الإمبراطورية الإقتصادية والتي يتراوح تقديرها لما بين 15-40% من الاقتصاد المصري بأكمله، ولا يعلم أحد من الشعب المصري ولا حتى البرلمان أو الجهاز المركزي للمحاسبات حجم النسب والعمولات والمكافآت التي يتقاضها السادة الضباط مقابل جهودهم الإدارية، بل ولم يسمع أحد من الأساس عن حجم ميزانية الجيش الرسمية إلا منذ سنة واحدة فى العام المالي 2012/2011 بعدما نص الدستور الجديد على مناقشتها علناً مخالفاً توصيات كبار الجنرالات.

ليس هذا فقط؛ فكأي إمبراطورية أخرى تزدهر إمبراطورية جيشنا العظيمة على أكتاف العبيد. فالفلاح الذى يُنتزع من أسرته وأرضه أو ورشته ليقضى أزهى سنوات عمره دفاعاً عن الوطن قد يقضيها فى الحقيقة فى السخرة لتشغيل مصانع ومزارع السادة الضباط دون مقابل. ولذا فتتمتع هذه المشاريع بميزة كبيرة؛ حيث لا تدفع قرشاً واحداً لمعظم عمالها، مما يمكنّها من منافسة القطاع الخاص المفتقر لهكذا "ميزة" متفوقة عليه في سعر السلع، وهو ما يفقد القطاع الخاص خاصة الناشىء بل والقطاع العام المدني أيضاً الكثير من الزبائن وفرص النمو لصالح شركات وأعمال السادة الضباط.

ولذا فحَسن النية هو من يظن أن دفاع العسكر عن قصر وبرلمان ومبنى إذاعة مبارك إبان الثورة -والذى حال دون سَحله فى قصره يوم السبت 29 يناير- كان من قبيل الولاء للرئيس السابق فحسب، فلا شك أن أكبر همومهم كانت حول مصير هذه المليارات السائغة والتي لا يعلمون عما لو كان الرئيس الجديد -الذين ظلوا يؤخرون موعد انتخابه قدر استطاعتهم- سيقصقص ريشهم المترف وينتزعها منهم أم لا. بل إن الكاتب لا يجد كلمة تصف قادة جيش مصر الحاليين أنسب من كلمة "مافيا".

وختاماً لابد من تذكير أبناء بلدي مصر وكافة دول الربيع العربي بالحكمة من إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية كل بضعة سنوات وليس كل سنة أو كل شهر. ففضلاً عن التكلفة الضخمة التي تقارب 27 مليار جنيه تُهدر معظمها فى الدعاية، فالحكمة السياسية اقتضت منح الحزب المنتخَب صلاحية استبداد مؤقت لإثبات نجاحه أو فشله؛
حيث قلما يظهر أثر القرارات الصائبة أو الخاطئة فورياً.

ورغم أنه لا يجادل عاقل في فشل نظام الرئيس مرسي الذريع إذا ما أخذنا أول عام كمعيار حيث لم يتغير شيء منذ عهد مبارك بل وتفاقمت بعض الأزمات، إلا أن الكلفة السياسية للانقلاب العسكري على الرئيس والمتمثلة فى رؤساء ورق خاضعين لسيطرة الجيش طيلة العقود القادمة لهي مهولة إذا ما قورنت بكلفة سوء إدارة مصر لثلاث سنوات قادمة فقط مع إرساء نظام مدني. والعاقل يحسبها.
 

المصدر: مدونة أبصر
  • 4
  • 0
  • 1,317

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً