في قدسية أمر الدماء وحرمتها

منذ 2013-07-26

إلى جميع الذين خرجوا في الميادين على إرادة أن ينصروا الله و رسوله ،إحذروا ان تستجيبوا لغير الله و رسوله في هذه النازلة فأنتم في عبادة و رباط فلتنطق فيكم أخلاق محمد صلى الله عليه و سلم في كل ظرف...


بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء من الآية:92].

يقول الإمام القرطبي: "هذه آية من أمهات الأحكام، ومعنى قوله تعالى فيها: {وَمَا كَانَ} ليس على النفي، وإنما هو على التحريم والنهي، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب من الآية:53]"، وليس من الخطأ المعذور فيه القاتل تصويب السلاح في وجه وصدر الذين أرادوا أن يُعبِّروا عن مواقفهم تعبيراً سلمياً بغير سلاح، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم والترمذي وأحمد واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه».

وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لايُشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار» (متفق عليه). وفي رواية: «ينزغ في يده». و معنى ينزع: أي يرمي في يده، و يدفعها، ويحقق ضربته، و من رواه بالغين فمن الإغواء والإغراء، هذا في حال اللهو فكيف إذا كان جاداً.

قال القرطبي: "وإنما خص المؤمن بالذكر تأكيداً لحنانه، وإخوته، وشفقته، وعقيدته". قال: "وَوجوه الخطأ كثيرة لا تحصى يربطها عدم القصد".

إن تحريم الدماء وتقديسها قرين سلامة الإيمان كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن دمائكم، وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمةِ يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» (متفق عليه).

وإن من حقوق الإنسان المرعية شرعاً وقانوناً وعرفاً وإنسانية أن يُمَكَّن من إبداء رأيه على وِفق ما نطق به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها".

وعليه:
فإن حرمان الإنسان -أيَّاً كان- من إبداء رأيه أو تحديد موقفه هو اعتداء على أقدس المقدسات الإنسانية حق الأمان الذي كفله الشارع الحكيم حتى لخصومه في الملة والمعتقد: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة من الآية:6]، فإذا اقترن بذلك الحرمان قتلٌ لصاحب الرأي فذلك هو الخسران المبين.

إن استباحة الدم المعصوم لاعذر فيه لمعتذر، وذلك لتساوي الدماء كلها في الحرمة عند الله: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة من الآية:32]، فلا عذر لجندى أمام الله ولا أمام التاريخ الذي يلحق الذرية ولا أمام القوانين المرعية في إزهاق روح آمنة معصومة، ما لم يصدر بحقها حكمٌ بات عليه من الله فيه برهان ويكون التنفيذ فيه إلى الدولة الممثلة في حاكمها الشرعي.

أخرج النسائي وأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً أتاه فقال: أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً؟ فقال: {جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء من الآية:93]. قال: لقد نزلت في آخر مانزل، ما نسخها شيء حتى قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ثكلته أمه رجلٌ قتل رجلاً متعمداً، يجيئ يوم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره، وآخذٌ رأسه بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجه دماً في قُبُل العرش يقول: يارب سلْ عبدك فيمَ قتلني» (المسند [1/240]).

ولهما عن معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً؛ أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً» (رواه النسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد).

يقول الحافظ ابن كثير: "إن مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة حقٌّ من حقوق الآدميين، وهي لا تسقط بالتوبة".

وليس من مهام الجيوش إدارة شئون الأمة، فإنها لم تُعَدُّ لذلك، إنما أُعِدَّت للتعامل مع أعدائنا، كما قال أبو الأعلى المودودي رحمه الله، وذلك هو عين ما نطق به خالد بن الوليد رضي الله عنه حين قال: "أنا رجل سيف"، أي: لا أصلح للسياسة.

كما أن مهمة الشرطة الأساسية هي صيانة الأمة في الداخل وتمكينها من حقوقها، وإن من أولى الحقوق حقها في الحياة الآمنة بجميع أنواعها الإنسانية. وإن التجاوز والتجوز في ذلك دمار وتدمير وفساد عظيم.

فإلى جميع الذين خرجوا في الميادين على إرادة أن ينصروا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ إحذروا أن تستجيبوا لغير الله ورسوله في هذه النازلة فأنتم في عبادة ورباط فلتنطق فيكم أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم في كل ظرف، وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل وأنتم تدافعون عن حق الأمة كلها، وأعظم الحقوق فيها صيانة أصواتها وإرادتها فموتوا على ذلك فـ «من قُتِلَ دون ماله» كما قال صلى الله عليه وسلم: «فهو شهيد ومن قُتِلَ دون عِرضه فهو شهيد» فكيف بمن قُتِلَ إن قُتِلَ دون دينه ودين الأمة كلها الذي هو العِزَّة كل العِزَّة، موتوا على ذلك تكونوا شهداء دون أن تُشهِروا السيف في وجه الظالمين.

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور من الآية:63].

صدر عن جبهة علماء الأزهر ليلة العاشر من رمضان 1434 هـ، الموافق 18 يوليو 2013م.

قد تضامن مع الجبهة في هذا البيان كل من الهيئات التالية:

- علماء ضد الإنقلاب.
- الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
- الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.
- نقابة الدعاة.
- رابطة علماء أهل السنة.
- الإتحاد العالمي لعلماء الأزهر.

 

  • 0
  • 0
  • 2,048

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً