التحذير الشديد من القتل
جريمة... وأي جريمة، هي وهج الفتن، ووقود الدمار، ومعول الهدم، نعم إنها جريمة القتل. جريمة إزهاق النفس التي حرم، جريمة توجب سخط الله والنار والعذاب الأليم.
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
سنتحدّث اليوم عن أمر هام، بل عظيم وأي عظم، عن جريمة شنعاء توجب اللعنة، وتطرد من الرحمة، جريمة بالرغم من عظمها إلا أنها تتوالى عبر العصور، َبتكرُّر الأجيال، والشيطان أشدُ ما يكون حرصاً عليها، لأنه يضمن بها اللعنة للقاتل، وسخط الله وغضبه. جريمة؛ وأي جريمة، هي وهج الفتن، ووقود الدمار، ومعول الهدم، نعم إنها جريمة القتل. جريمة إزهاق النفس التي حرّم، جريمة توجب سخط الله والنار والعذاب الأليم.
أيها الناس:
لبيان عظم هذه الجريمة وهولها فقد قرن الله سبحانه وجل القتل بالشرك فقال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ} [الفرقان من الآية:68]. وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} [الأنعام:151].
وفي الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «»، قَالُوا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟" قَالَ: « ».
وعند البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « »، وعند الترمذي والنسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « ».
عباد الله:
من أجل حرمة النفس وتحريمها رتب الله على قتلها عقوبات في الآخرة وعقوبات في الدنيا.
أما عقوبات الآخرة فقال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
انظر رحمك الله إلى ما ينتظر القاتل من عذاب وعقوبة، أربع عقوبات عظيمة كل واحدة منها توجل القلب وتفزع النفس وتزلزل الكيان وترعب الجنان.
الأولى: جهنم خالداً فيها فيا ويله ما أصبره على نار جهنم وقد فضلت على نار الدنيا كلها بتسعة وستين جزءً، نار جهنم التي يستعيذ منها محمد الذي غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.
جهنم؛ نعم ألا يعلم القاتل أي دار هي جهنم؛ ألا يعلم القاتل أي دار ستستقبله، إنها دار الذلِ والهوانِ، والعذابِ والخذلانِ، دارُ الشهيق والزفرات، والأنين والعبرات، نعم؛ القاتل استحق سكنى دارٍ أهلها أهل البؤس والشقاء، والندامة والبكاء، الأغلال تجمع بين أيديهم وأعناقهم، والنار تضطرم من تحتهم ومن فوقهم، شرابهم من حميم يُصهر به ما في بطونهم والجلود، وأكلهم شجر الزقوم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم، يدعون على أنفسهم بالموت فلا يجابون، ويسألون ربهم الخروج منها فلا يكلمون، كيف لو أبصرهم القاتل -الذي سعى لإزهاق نفس مسلمة- وهم يسحبون فيها على وجوههم وهم لا يبصرون، أم كيف لو سمع القاتل صراخهم وعويلهم وهم لا يسمعون.
العقوبة العظيمة الثانية التي تنتظر القاتل: غضب الله؛ نعم وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وبئس ما حصل لنفسه من غضب الرب العظيم عليه.
العقوبة الثالثة، ويالها من عقوبة: اللعن وَلَعَنَهُ؛ ألا يدري القاتل ماهو اللعن؟ ألا يدري ما معنى وَلَعَنَهُ؟ لعنه أي طرده الله وأبعده عن رحمته.
هل يكفيه هذا؛ هل تعتقدون أن هناك بعد هذا من عقاب، نعم؛ إنها العقوبة الرابعة: وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً. الله أكبر، الله أكبر، ويل ثم ويل للقاتل المتعمد، ويل له من هذه العقوبات النار، وغضب الجبار، واللعنة، والعذاب العظيم.
إن النفس أمرها عظيم، وسفك الدم جرم عظيم، ولذلك جعل الله لها الصدارة يوم القيامة في القضاء في الحقوق، فكما للصلاة الصدارة في القضاء في أمور العبادة يوم القيامة ، فالدماء لها الصدارة يوم القيامة في القضاء في الحقوق قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ».
عباد الله:
إن مشاهد يوم القيامة مهولة مرعبة، وهاكم مشهداً مليئاً بالرعب والرهبة، مليئاً بالنكال وعلامات الخزي، يقول ابن عباس رضي الله عنهما سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم: « -أي هلكت- ».
وعند الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: « » كل هذا لحرمة دم المسلم.
أيها الناس يا أهل العقول الرشيدة:
ليس هذا كل شيء وإنما مشاهد الخزي لم تنتهِ للقاتل، فكما أن الآخرة ينتظره فيها ما سمعتم من ويل وخزي، فإن في الدنيا قبل ذلك كله ينتظره خسران وذل، وذلك مصير من عصى ربه وتعدى حدوده.
إن عقوبة القاتل في الدنيا القصاص: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَوةٌ يأُولِي الالْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:179]. النفس بالنفس جزاءً وفاقاً، كما أعدم أخاه المؤمن وأفقده حياته فجزاؤه أن يفعل به كما فعل، ولقد جعل الله لولي المقتول سلطاناً شرعياً وسلطاناً قدرياً أي قدرة في شرع الله وفي قضائه وقدرة على قتل القاتل كما قال تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَـاناً فَلاَ يُسْرِف فّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33].
فهذه الآية كما تدل على أن الله جعل لولي المقتول سلطاناً شرعياً في قتل القاتل فقد يفهم منها أن الله جعل له أيضاً سلطاناً قدرياً بحيث يكون قادراً على إدراك القاتل وقتله فيهيئ الله من الأسباب ما يتمكن به من إدراكه، والله على كل شيء قدير وبكل شيء محيط.
ولك أن تتصور يا عبد الله العاقل كيف هي ذلّة القاتل وهو يقاد إلى ساحة العدل والقصاص، كيف هو هوانه وخزيه وهو يجر إلى الموت جراً، يجر لقطع رقبته وإزهاق روحه لما تعدّى من حدود الله وأزهق روح مؤمن بغير حق شرعي، لك أن تتصور كيف هي مشاعره، وكيف هي حاله، وأظن أن لسان حاله تردد بالخزي والذلة لما هو فيه من حال وخسران، وليت هذا في الدنيا فقط، وإنما هي ضربة بالسيف لتستقبله أهوال القيامة وخسران المآل.
أيها المسلمون:
إن العوامل المؤدية إلى القتل في أيامنا هذه كثيرة، ومثيرات الفتن متعددة، وأسلحة إبليس في إذكاء نار الفتنة والزيادة في وهجها لا تحصى، ولكنني سأعرض لكم بعضاً منها مما تلمست خطره في هذا المجتمع من خلال ما أسمع وأرى من قضايا القتل.
فمن الأسباب التي توقع في سخط الربّ سبحانه وتعالى وتهون قتل النفس، تربية الأبناء على الخصومات واعتبارها من البطولات، وأن عليه أن يأخذ حقه بيده قبل أن يأخذه له غيره، فتنتشر المضاربات، وتتحفز العداوات، وتتوطن من القلب الأحقاد حتى تصل إلى القتل وإزهاق النفس المؤمنة على شيء أتفه من التافه.
ولعل مما يذكي نار الفتنة أن البعض يحمل معه في جيبه سكيناً صغيرة ويسميها سكينة الأزمات بل الويلات وربما رأيت في سيارته المشعاب أو العصى، وربما المسدس بل ربما الكلاشنكوف، لا لشيء سوى أنه يبرزه عند المضاربات والمخاصمات لينتصر على الخصم، والشيطان أحرص ما يكون في أن تشتعل نار الفتنة ويشتد وهج العداوة حتى تضغط الأنملة على زناد الخسران والندامة، زناد سخط الله واللعنة، زناد الهوان والذل في الدنيا والآخرة، لتنطلق قذيفة تتعدى حدود الله لتردي مسلماً قتيلاً على الأرض فتزهق روحه، ويزهق معها حرمة القاتل، وتحل مكانها الندامة والخسران في الدنيا والآخرة.
أي بطولة هذه تزهق النفس فيها من أجل كلمات غير مسؤولة، من شخص لا يبالي بالعواقب؟
أي بطولة هذه تُزهق نفساً من أجل ريالات معدودة، بل ولو مئات الألوف بل الملايين؟
أي بطولة هذه يستحق صاحبها بعدها اللعن والطرد من رحمة الله، والعذاب الأليم؟
بل أيُ بطولة هذه يكون بها تعد حدود الله فيستحق صاحبها البطل! قول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93].
إنك يا عبد الله أن تُضرب بل وتُكَّسر خير لك من أن يكون بجيبك سكين أو في سيارتك عصى أو سلاح يغويك الشيطان في استخدامها لإزهاق نفس ضارِبك، إنه لخير لك أن تعود إلى أهلك مضروباً فهو أولى من أن تتلطخ يدك بدم مسلم تستحق به قصاصاً في الدنيا وهواناً في الآخرة ولا تزال في فسحه من دينك ما لم تصب دماً حراماً.
نعم، أن تدافع عن عرضك ونفسك فلا بأس في كل ذلك، لكن أن ينساق المسلم مع عدوه الأول إبليس حتى يقع في مستنقع المعصية واللعن ذاك هو الخطر.
وإنها لبطولة حقاً أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، فلا يعطي الشيطان عليه سبيلاً.
ولعلكم تتفقون معي يا عباد الله في أن للأسرة وتربيتها سبب رئيس في كل ذلك، فإنك تعلم علم اليقين عندما تشهد شاباً يظن البطولات في المضاربات والمخاصمات فيما بينه وبين أقرانه، وكل ذلك تحت تشجيع الأسرة ورضاها -أقول- تعلم يقيناً أن الأسرة قد ضلت طريقها في إرشاد ذلك الشاب، ولسوف يندم الأب وتندم الأم والأسرة بأسرها عندما يقاد ابنهم إلى ساحة القصاص ذليلاً كسيراً، يدفع إلى الموت دفعاً، في ذل وهوان، وصغار!
لِم؟ من أجل بطولات زائفة؟ وعداوات باطلة؟ وسقط من متاع الدنيا الزائل؟
أيها المسلمون:
لنزرع في قلوبنا وقلوب أبنائنا وجوب الانقياد لأمر الله وتعظيم ما عظم الله والوقوف عند حدود الله، فنعظم النفس التي حرّم الله والتي هي أشد حرمة من حرمة بيت الله الحرام، ونقف عند أمر الله ونهيه فلا نزهق نفساً حرمها الله ولا نتعدى حداً حده الله.
يجب أن نعلم أنفسنا وأبناءنا أن البطولات ليست في المضاربات والخصومات وتوجيه السلاح إلى المؤمن، ولكن البطولات تكمن في الالتزام بأمر الله والوقوف عند حدوده ومقاتلة أعدائه.
في الحديث المتفق عليه عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: « ».
أقول ما تسمعون.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون: إن من أشد ما يتعد العبد لحدود الله في هذا الباب قتل نفسه، وإذا كان قتل نفس الغير محرماً، فقتل القاتل نفسه أشد حرمة، لأنك يا عبد الله لا تملك التصرف في نفسك، إنما أمرها إلى الله وليس إليك، في الحديث المتفق عَنْ الْحَسَنِ قال حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « ».
وعند البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: « ».
وفي الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « ».
وعند أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وعند أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: « ».
وعند ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « ».
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله.
خميس بن سعد الغامدي