طلاّب الجنة..
متى كانت أمّة محمد ضائعة؟ متى كانت اهتماماتها هوايات؟ متى كنّا نجعل الفن هواية، والكرة مهمة، والرسم إبداع؟ متى كان السفلة من الناس نجوماً، متى؟ يوم انطمست معالم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
محمد الحرندة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.
وأشهد ألا اله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، بلّغ الرسالة
وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين, فصلى
الله عليكَ يا عالم الهدى ما هبّت النسائم، ولاحت على الأيدي الحمائم
وسلّم تسليماً كثيراً أما بعد:
أيها الناس متى كانت أمّة محمد ضائعة؟ متى كانت اهتماماتها هوايات؟
متى كان ليلها ضياعاً ونهارها تفلّتٌ على منهج الله؟ متى كنّا نجعل
الفن هواية، والكرة مهمة، والرسم إبداع؟ متى كان السفلة من الناس
نجوماً، ونجومها مطاردين مبعَدين؟ متى؟ يوم انطمست معالم
{
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ
}.
أيها المؤمنون، يا عصبة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بثَّكم
ربكم شعاعاً من الفجر على الرغم من الطغيان والتمرّد، إذ الكفر ألقى
بكلاليبه وأرغى وأزبد اقرؤوا سيرة الحبيب المصطفى عليه الصلاة
والسلام.
كان أجدادنا يحبّون الجنة فدخلوها، فلما أتى خلفٌ من بعدهم تنكَّروا
للجنّة، فما أحبوا طريقها وما باعوا أموالهم وأنفسهم لله واشروا منه
السلعة.
خلق الله الجنة فقال: تكلّمي!
فقالت: {
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
}.
فخلق الله لها خلقاً قال لهم: أريد أن تدخلوا الجنة.
قالوا: ما الثمن؟
قال: أرواحكم.
قالوا: أين ميدان البيع والشراء؟
قال: المعركة.
قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل.
فقال الله: {
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الّجَنَّةَ
}
وأنا أريد أن أطوف بكم في يوم أُحُد لنرى كيف كان أجدادنا، وكيف
أصبحنا نحن، وماذا قدّمنا للإسلام؟
أراد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم القتال في الطرقات، فهتف شاب
في العشرين من عمره وقال: يا رسول الله، أخرج بنا إلى أحد لا تحرمنا
من دخول الجنة.
فوقف الرسول يستمع لهذا الكلام الحارّ، فتهتز كل شعرة من جسمه وتفور
كل قطرة من دمائه، فيعلن أن الجنة فتحت أبوابها وأن الله قد تجلّى
لعباده فيقول لهذا الشاب: «بم تدخل الجنة؟
قال: باثنتين، بحب الله ورسوله وأني لا أفر يوم الزحف.
وقبل المعركة بساعة، سلّ النبي صلى الله علي وسلم سيفه وقال:
«
من يأخذ هذا السيف؟
»
قال الصحابة: كلنا يا رسول الله.
قال: «
من يأخذه بحقّه؟»
قال أبو دجانة: وماحقّه يا رسول الله؟
قال: «
أن تضرب الكفار حتى ينحني
»
هل سمعتم بسيف ينحني من الضرب؟ نعم، إنه بكفِّ أصحاب محمد عليه
السلام.
فانطلق أبو دجانة وهو يقول:
أنا الذي عــاهدني خليلي
ونحن بالسفح لــــدى النخيل
أن لا أقوم الدهـر الكيول
أضرب بسيف الله والرسول
وقاتل به حتى ردّه منحنياً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام. وبدأ
الصحابة يقدّمون تضحيات لم يسمع بها التاريخ بمثلها.. لا والله، لا في
التاريخ النصراني ولا اليهودي ولا الشيوعي، ولا قبل التاريخ ولا بعده،
ما سمعنا أن رجلاً قدّم شجاعة كشجاعتهم ذاك اليوم.. فلماذا؟
لأنها إما حياة أو موت، إما أن يزال الدين من على وجه الأرض أو ينتصر
الحق.
عبّاد ليـــل إذا جــنَّ الظــلام بهم
كم عابـــد دمعه في الخـــدِّ أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم
هبُّوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب ابعث لنا من مثلهم نفـرا
يشيــــدون لنـــا مجـــــداً أضعنــاه
وأما اللذين جاءوا من بعدهم، فهم شهدوا الهزيمة لا النصر، والفشل لا
النجاح، والذل لا العز.. لماذا؟
لأنهم رضوا الحياة الدنيا، واستبدلوها بالآخرة.. رضوا بالزرع والتارة
والوظيفة والزوجة والأولاد، وتركوا جنّات عرضها السماوات والأرض؛
فأصبحت الشهوات مقدّمة على {
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ
}.
لقد بُعثت هذه الأمة مجاهدة ولم تُبعث مُزارِعَة لاهية لاعبة، فيا
أيها المسلمون عودوا إلى دينكم تجدوا كل الخير وكل النصر وكل العز،
وتخفّفوا قليلاً من الشهوات لتكونوا من أهل الجنة كما كان
أسلافكم.
والله أعلم، وادعوا ربكم غدواً وعشياًّ.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم وانصر الإسلام والمسلمين على
الأعداء الكافرين، اللهم وتوفّنا شهداء صالحين، ولا تتوفّنا منافقين
أو عاصين، اللهم واهدنا واهدِ جميع المسلمين.
وصلى اللهم على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى
بهديه واستنَّ بسنّته إلى يوم الدين.
- التصنيف:
محمد
منذام محمد
منذ