وقفات مع عيد الفطر المبارك 1434هـ
هذا يوم عيدكم، عيد الفطر المبارك جعله الله لكم ولسائر المسلمين في أصقاع الأرض يوم فرح وسرور، بعد أن أدوا فريضة الصيام وتزودوا من الأعمال الصالحة في شهر رمضان، والتزموا أوامر الملك الديان..
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكر وكبر، الله أكبر عدد ما حمد الله حامد وشكر، الله أكبر ما سطع فجرُ الإسلام وأسفر، الله أكبر ما أقبَلَ شهرُ الصيام وأدبر، الله أكبر ما فرح الصائم بتمام صيامه واستبشر، الله أكبر عدد ما تاب تائب واستغفر، لله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم الأكبر، الذي جعل لكل شيء وقتاً وأجلا مقدر، تأذن بالزيادة لمن شكر، وتوعد بالعذاب من جحد وكفر. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، الطاهر المطهر، أنصح من دعا إلى الله وبشر وأنذر، الشافع المشفعُ في المحشر، اللهم صلى وسلم عليه وعلى أله وأصحابه ما أقبل صبح وأسفر وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
عباد الله: هذا يوم عيدكم، عيد الفطر المبارك جعله الله لكم ولسائر المسلمين في أصقاع الأرض يوم فرح وسرور، بعد أن أدوا فريضة الصيام وتزودوا من الأعمال الصالحة في شهر رمضان، والتزموا أوامر الملك الديان، واتبعوا تعاليم النبي المصطفى العدنان. فهنيئاً لكم أيها الصائمون والقائمون، هنيئاً لكم أيها المنفقون، هنيئاً لكم أيها الذاكرون لله كثيراً القارئون لكتابه، هذا يوم عيدكم وفرحكم اختصكم به ربكم دون سائر الأمم، وأي فرح أعظم من فرح عبدٍ مؤمن أطاع ربه بما شرع، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].
ولما لا تفرحون وقد منّ الله عليكم بالهداية وبلغكم رمضان، ووفقكم للصيام، وأتم الله عليكم نعمته فمنحكم الرحمة، وتفضل عليكم بالمغفرة، ووعدكم بالعتق من النار؟! لم لا يفرح الصائم وقد أكرمه الله بأن حباه لساناً ناطقاً يلهج بذكره، وأمره بالتكبير شكراً وحمداً على هديه وجعله دليلاً على شكره: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. ولما لا يفرح المؤمن وقد حقق الغاية من صيامه، وهي: التقوى، فامتنع عن الطعام والشراب، وحفظ سمعه وبصره ولسانه عن الحرام دون أن تكون عليه رقابة من البشر ذلك؛ لأنه علم أن له رباً سميعاً بصيراً؛ يحكم في ملكه ويتصرف في خلقه، يأمر وينهى، ويقضي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، شرع العبادات ليبتلي عباده، وهو غني عنهم وفي عبادة الصوم تبياناً لذلك، قال تعالى: {يَا أََيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لعلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
ولما لا يفرح المسلم في يوم العيد وهو بذلك يحقق العبودية الكاملة لله بصيامه أول شهر رمضان وفطره في هذا اليوم، وهو بذلك يمتثل أمر الله ونهيه. فكان من تمام شكر هذه النعمة الاستقامة على الطاعات والأعمال الصالحة والمحافظة عليها بعد رمضان، فهذا دليلٌ واضح على قبول العمل عند الله، وإنها لبشارة عظيمة للعبد في الدنيا فالله سبحانه وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين. ومن نكث عن الصراط المستقيم وعاد إلى التفريط والتقصير وارتكاب المحرمات والموبقات، فذلك والله هو المحروم من رحمة الله من الذين، قال الله فيهم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} [النحل: من الآية92]. فهل بعد الصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر والصدقة وأعمال الخير يكون العصيان والتقصير والتفريط؟! إن هذا والله ليس من علامات التوفيق وقبول الأعمال.
إن الله عز وجل قد أمرنا بالاستقامة على الطاعة حتى نلقاه؛ لأن العبرة بخواتيم الأعمال، ولا يدري أحدنا متى يأتيه أجله فوجب على كل مسلم رجل كان أو امرأة أن يلتزم بها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]. وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]. وقال مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112]. وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: «قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: قل آمنتُ بالله ثم استقم».
عباد الله أيها المؤمنون: إن عيد الفطر المبارك وخروج المسلمين لصلاة العيد وتكبيرهم وتوحيدهم الله في هذا اليوم وتهنئة المسلم لإخوانه المسلمين في كل بقاع الأرض؛ في القرى والمدن والأرياف، في الصحارى وعلى ضفاف الأنهار وعلى سواحل البحار والمحيطات، لدليل واضح على وحدة هذه الأمة في معتقدها وتصوراتها وقيمها، وهو دليل واضح على تآلف أفراد المجتمع المسلم، وأن رابطة الإخوة في الدين وحب المسلم لأخيه المسلم من أعظم شعائر الإسلام؛ غفل عنها كثير من الناس، وتساهل فيها كثيرٌ من المسلمين، وأعرض عنها كثيرٌ من أبناء هذه الأمة، وحل محلها القطيعة والهجران والخلاف والشقاق وسوء الأخلاق وامتلأت القلوب بالضغائن والأحقاد، والله تعالىيقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. وامتن الله على عباده، فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: من الآية103].
بل جعل سبحانه وتعالى الأخوة وسيلة لاكتساب حلاوة الإيمان التي فقدتها القلوب، فقال صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (البخاري ومسلم). وهي طريق المؤمنين وسبيلهم إلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (رواه مسلم). فأين هذه الرابطة وهذه الأخوة بين المسلمين اليوم؟ إنه ينبغي أن نعود إلى حياة الحب والتراحم ولنجعل هذا العيد بداية انطلاق للتسامح والتغافر والتآخي فيما بيننا.. هذه الأخوة التي كانت سبباً في عزة المسلمين وقوتهم وسعادتهم في يومٍ من الأيام.
لو كبرت في جموع الصين مئذنة *** سمعت في المغرب تهليل المصلين
إذا اشتكي مسلم في الهند أرَّقني *** وإن بكى مسلم في الصين أبكاني
أرى بُخَارَى بلادي وهي نائية *** وأستريـح إلى ذكرى خُرَاسان
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ *** عددت ذاك الحمى من صُلْب أوطاني
شريـعـة الله لَمَّتْ شملـنا *** وَبَنَتْ لنا معالم إحسان وإيمان
عباد الله: عندما تختفي الأخوة والمحبة من حياة الناس؛ فإنه يحل محلها التقاطع والهجران، ويظهر الحسد وتمتلئ القلوب بالأحقاد والضغائن، وينعدم الإحساس بحقوق الآخرين، قال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاط . إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 21- 23]. أيُ أنانيةٍ هذه، وأيُ أَثرةٍ هذه!! يمتلكُ تسعاً وتسعين نعجة، وبدلاً من أن يتنازلَ لأخيه، عن بعض نعاجه يريد منه أن يأخذ نعجة أخيه الوحيدة التي يمتلكها في هذه الحياة وهكذا هي حياة كثير من الناس اليوم لا يتعامل مع إخوانه إلا وفق مصلحته وما تمليه عليه نفسه.
لقد جاء الإسلام ليهذب النفوس ويربيها ويجعل من الحب والمودة والإخاء شعار المجتمع المسلم، وسبباً لسعادته. فما أحوج الأمة اليوم أفراداً وشعوباً حكاماً ومحكومين أحزاباً وجماعات إلى هذه الأخوة في زمن كثرة فيه المشاكل وزادت فيه البغضاء، وحلت الشحناء، وسفكت الدماء، وتجرأ الأخ على أخيه، وحدث التنازع، وكثرت الخلافات، ويا ليتها كانت خلافات من أجل الدين والحق والقيم العظيمة، والتنافس من أجل ازدهار الأمة ورفاهية الشعوب، بل كانت من أجل دنيا فانية ولذة عابرة فما قيمة هذه الأمة التي تملأ شرق الأرض وغربها إذا كانت أوازعا متفرقة، وإذا كانت أفراداً مختلفين، وإذا كانت جماعات متناحرة، وإذا كانت بلاداً متفرقة، وإذا كانت أجناساً مختلفة، وإذا كانت أعراقاً متباينة، وإذا كانت حميات جاهلية وعصبيات مناطقية! وإذا كان الظلم هو السائد فيها في علاقات أفرادها والعنف هو الوسيلة في تقرير الحقوق والواجبات. إن قوتها حينئذٍ تنعكس وبالاً عليها ويعتريها الضعف، فلتكن الإخوة الإيمانية رابطة كل مسلم مع إخوانه، وليسعى كل مسلم لجعلها سلوكاً عملياً في الحياة يرضي بها ربه، ويقوي بها صفه ويحفظ بها أمته ومجتمعه ووطنه.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، وقاعدين، ولا تشمت بنا العداء الحاسدين. قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة، وأصيلاً،
الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بشرا، الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيراً وذكراً، الله أكبر ما توالت الأعياد عمراً ودهراً. لك المحامد ربَّنا سراً وجهراً، لك المحامد ربَّنا دوماً وكرَّا، لك المحامد ربَّنا شعراً ونثرا.
أيها المؤمنون عباد الله: ينبغي علينا في هذا العيد أن ندخل الفرح والسرور على أهلينا وأولادنا وأرحامنا بالزيارة والهدية، وتفقد الأحوال، وما أجمل أن نمد الآخرين من حولنا بهذه الفرحة، فهناك الأيتام والأرامل والمساكين والمحتاجين والمرضى، فندخل عليهم السرور بما نستطيع تقرباً إلى الله والتزاماً بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: «أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل» (صحيح الجامع: 176).
ونُذكر أصحاب الهمم العالية والنفوس التواقة إلى جنة ربها ورضوانه بصيام الست من شوال، والتي أخبر عن فضل صيامها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر» (صحيح مسلم).
فهنيئاً لكم بالعيد يا أهل العيد، وأدام الله عليكم أيام الفرح، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء. ولا أراكم في يوم عيدكم مكروهاً، فاستقيموا على الطاعة وتزودوا من العبادة وابذلوا المعروف وقوموا بأوامر الدين، وساهموا في بناء مجتمعكم وأمتكم ونشر الخير والأمن والمحبة والتآلف فيما بينكم تسعدوا في دنياكم وأخراكم. ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اجمع شمل المسلمين، ولم شعثهم، وألف بين قلوبهم.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وسائر أعمالنا واستعملنا في طاعتك وادفع عنا، وعن المسلمين شر الشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا أرحم الراحمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حسان أحمد العماري
- التصنيف:
- المصدر: