هذا الصيف سنقرأ

منذ 2013-08-19

إن تنمية الملكات والمواهب النافعة لدى أبنائنا وبناتنا المراهقين من أهم ما يجب على المربين أن يعينوهم عليه ويوجهونهم على النافع والمفيد فيه، وذلك حتى يشبوا على الانتفاع بأوقاتهم، خصوصاً في هذه المرحلة من أعمارهم ، فلا نتركهم فريسة للفراغ الذي إن لم نملؤه بالنافع من العمل سيكون ساحة للعبث ولأشكال الانحراف المختلفة.

 

من مذكرات أم زهرة:
"هذا الصيف.. زهرة أصبح لديها مكتبة خاصة بها.. لا تكاد تنتهي من معاونة أمها في أعمال المنزل إلا وتجلس للقراءة بهدوء وتركيز، وفي المساء كانت النقاشات الرائعة بين (زهرة) وأمها أو أبيها تفرض نفسها على الجميع، كيف لا وقد تفتح ذهن الفتاة اليافعة أكثر وأكثر مع كل  كتاب جديد تقرأه ومع كل معلومة ترد إليها عبر صفحات الكتب.. فكم كانت سعادة الوالدين بابنتهما وهي تبني عقلها وتثري ثقافتها يوماً بعد يوم؟".

أعزائي المربين:
إن تنمية الملكات والمواهب النافعة لدى أبنائنا وبناتنا المراهقين من أهم ما يجب على المربين أن يعينوهم عليه ويوجهونهم على النافع والمفيد فيه، وذلك حتى يشبوا على الانتفاع بأوقاتهم، خصوصاً في هذه المرحلة من أعمارهم ، فلا نتركهم فريسة للفراغ الذي إن لم نملؤه بالنافع من العمل سيكون ساحة للعبث ولأشكال الانحراف المختلفة، وتأتي القراءة على رأس قائمة الهوايات النافعة، ويكفي أمتنا الإسلامية شرفا أن أول ما ابتدأ به نزول القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَ‌أْ بِاسْمِ رَ‌بِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَ‌أْ وَرَ‌بُّكَ الْأَكْرَ‌مُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1ـ5]، وهذه الآيات المباركات هي أول ما نزل من كتاب الله عز وجل، فهي تشير إلى أن الإسلام نزل بالعلم وإنارة العقول بالمعرفة وإزاحة غبار الجهل عنها، فقد جمع الله تعالى في هذه الآيات المباركات بين عنصري التعلم: القراءة والكتابة بالقلم، مع العناية بذكر أدوات العلم والتعليم وتكرارها مع اللفت إلى التعريف بالخالق جل وعلا الذي علم الإنسان بهذه الأدوات وأزال عنه الجهل والضلال.

وعلى الرغم من تعدد وتنوع وسائل المعرفة في العصر الحديث الذي بدا فيه العالم كقرية صغيرة بالفعل، إلا أن القراءة تظل هي الركن الأساس في اكتساب العلم والمعرفة، نظراً لما تمتاز به من يسرٍ وسهولة في وسيلتها، وسعة وانطلاق في مجالاتها، مع عدم التقيد بزمان معين أو مكان محدد، (حنان عطية الطوري: الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة، ص: 154).

وفوائد القراءة أكثر من أن نحصيها في هذا المقال، لكن من أهم فوائدها:
- القراءة المتراكمة تكون ثقافة الفتاة المسلمة الواعية، وإن هذه الثقافة لتمثل الرصيد الفكري -بعد الرصيد الإيماني- الذي يمكنها من أن تنظر إلى الناس والأشياء من حولها والتيارات الموالية أو المعادية للإسلام بنظرة موضوعية واعية، تمكنها من دقة الحكم عليها وموالاة الصالح منها ومواجهة السيء منها، فثقافة الفتاة أشبه بالسلاح الذي يجعلها تخوض معركتها في الحياة بنجاح، وهي واثقة من مبادئها وقيمها الإسلامية الأصيلة، (د.علي عبد الحليم محمود: المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله، ص: 208).

- من فوائدها أيضاً: رفع الجهل عن النفس، وشغلها عن الخوض في الباطل وما لا يفيد.
- فتق اللسان وتدريبه على حسن الكلام، وبناء الفصاحة، وتكوين حصيلة لغوية جيدة.
- تنمية مهارات العقل وتجويد الذهن، فالقراءة من أحسن وسائل تنمية التركيز، وإثارة العقلية المتسائلة، وتوليد الأفكار الجديدة، إضافة إلى رفع مستوى الحفظ والتذكر.
- الاستفادة من تجارب الناس، واكتساب الحكمة من ألسنة وتجارب الحكماء.
- وحسبكِ يا ابنتي من القراءة أنها الوسيلة الأهم من وسائل تعلم هذا الدين وخدمته، والدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة، فعن طريقها تقرئين تفاسير القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وغيرها، وبواسطتها تعرفين خطط الأعداء وسبيلهم.

وصدق المتنبي حيث قال:
 

أعز مكان في الدُنى سرجُ سابحٍ *** وخير جليس في الزمان كِتَابُ


قال ابن الجوزيّ رحمه الله تعالى: "فسبيل طالب الكمال في طلب العلم: الاطلاع على الكتب التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة... وغني لأخبر عن حالي: ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتاباً لم أره فكأني وقعت على كنز، ولو قلت إني طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم ما لا يعرفه من لم يطالع" (د. محمد إسماعيل المقدم: عُلُوُّ الهمة، ص: 188).

نماذج رائعة للمسلمة المثقفة الواعية:
لقد ارتقى الإسلام بعقل المرأة ودعاها إلى العلم والتعلم، والترقي في ذلك، جاء في (فتوح البلدان) للبلاذري: "أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، كانت تتعلم الكتابة في الجاهلية على يد امرأة كاتبة تدعى (الشفاء العدوية)، فلما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم طلب إلى الشفاء أن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها أصل الكتابة" (د. محمد إسماعيل المقدم: عودة الحجاب، ج/2، ص: 568).   

ولم تكن إحاطة المرأة بالقراءة والكتابة وطلبها للعلم أمراً مجرداً بمعزل عن الواقع، بل كانت ثقافتها تلك تجعلها ملمة بقضايا عصرها، تستطيع أن تميز فيها بين الصواب والخطأ والحق والباطل، فقد روى محمد بن سويد الطحان، قال: كنا عند عاصم بن علي (الحافظ المحدث)، ومعنا أبو عبيد وإبراهيم بن أبي الليث وجماعة، وأحمد بن حنبل يضرب، فجعل عاصم يقول: "ألا رجل يقوم معي فنأتي هذا الرجل فنكلمه (أي: المعتصم)، قال: فما يجيبه أحد، ثم قال ابن أبي الليث: أنا أقوم معك. قال: وجاء كتاب ابنتي عاصم من واسط، وفيه: يا أبانا إنه بلغنا أن هذا الرجل (المعتصم) أخذ أحمد بن حنبل فضربه على أن يقول: القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبه، فو الله لئن يأتينا نعيك أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت" (تاريخ بغداد، وسير أعلام النبلاء).
فبأمثال هؤلاء والله ملكنا الدنيا، شرقها وغربها (ناصر بن سليمان العمر: فتياتنا بين التغريب والعفاف، ص: 5).

أعزائي المربين..
رغم عزوف كثير من الشباب عن القراءة الهادفة، إلا أن هناك عدداً من الخطوات تمكن الوالدان من ترسيخ حب القراءة في نفس الفتاة المراهقة، مثل:
- توجيه الفتاة على أن تجعل نية القراءة خالصة لله تعالى، وأن تكون هذه النية هي تعلم العلم النافع، وإزالة الجهل عن النفس، وإصلاح الغير، والمشاركة في نشرالدين والدعوة إلى الله تعالى.
- توجيه الفتاة إلى دوام اللجوء على الله تعالى أن يلهمها رشدها، ويرزقها علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً.
- تعريف الفتاة للقيمة والفائدة الفعلية الكبيرة للقراءة في إنارة العقل وتوسيع المدارك.
- تعريف الفتاة بهدْي السلف الصالح وهمتهم العالية في القراءة والمطالعة، واحترام الكتب وصيانتها عن الأذى، وأنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من جمع العلم وحفظ تراث الأمة إلا بجهد وعناء، وصبر على القراءة الدؤوب.

- مطالبة الفتاة بأن تقرأ بعين القلب والفكر لا بالعين المجردة فقط، وذلك لأن القلب وعاء الحفظ والفهم، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُ‌وا فِي الْأَرْ‌ضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46].
- تشجيع الفتاة على تكوين مكتبة خاصة بها في حجرتها، ومعونتها مادياً في ذلك، ولا بأس بتوجيهها أن تجعل جزءاً من مصروفها الخاص للإنفاق على شراء الكتب، ومتابعة المعارض والتخفيضات، والاشتراك في المكتبة العامة والذي يتيح لها فرصة الاستعارة أو القراءة داخل المكتبة.
- إتاحة الفرصة للفتاة لكي تقرأ ما تميل إليه نفسها من ألوان العلوم والمعارف النافعة، لأن ذلك يؤدي إلى الإبداع والإقبال بشغف نحو ما تقرأ.
- تعويد الفتاة على الطريقة الصحيحة للقراءة، باختيار الوقت المناسب للقراءة، والمكان البعيد عن الضوضاء وسائر الشواغل؛ حتى لا يتشتت فكرها، وأن يكون المكان الذي تقرأ فيه جيد الإضاءة.
- إرشاد الفتاة إلى بعض الفوائد المتعلقة بالقراءة من خبرات الوالدين، مثل:
- محاولة اصطحاب نوتة أو مفكرة تسجل فيها النقاط الهامة أثناء قراءتها.
- تدوين الفكرة الرئيسة التي يتكلم عنها الكتاب.
- تسجيل الكثير من الأسماء والمعلومات، مما يختصر جهدها فيما بعد إذا أرادت الرجوع إليه.
- تعويد الفتاة من خلال ذلك على الكتابة، واختزال المعلومات بطريقة مرتبة ومنظمة.
- تشجيع الفتاة على محادثة الآخرين بما تقرأ، ومناقشتهم في ذلك، فإن ذلك من شأنه أن يثبت المعلومات لديها، ويصقل لسانها، ويدربها على حسن الإلقاء، والنقاش المثمر.

وأخيراً عزيزي المربي...
ابدأ من الآن.. واشتري أجمل الكتب المناسبة لزهرتك الرقيقة، ولتكن هديتك لها هذا الصيف، كتاباً رائعاً.. فنحن هذا الصيف إن شاء الله ودائماً سنقرأ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- دور الوالدين في تنشئة الفتاة: حنان عطية الطوري.
- فتياتنا بين التغريب والعفاف: ناصر بن سليمان العمر.
- عودة الحجاب، ج2: د. محمد إسماعيل المقدم.
- المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله: د. علي عبد الحليم محمود.
- عُلُوُّ الهمة: د. محمد إسماعيل المقدم.


 

سحر محمد يسري
 

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 1
  • 0
  • 2,881

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً