من ثمرات الفقه في دين الله
عبد الله بن صالح القصير
«من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»
- التصنيفات: الفقه وأصوله -
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصاراً بحيث أنه صلى الله عليه وسلم يعبر عن المعاني الكثيرة الجليلة بألفاظ يسيرة بليغة؛ ومن ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (البخاري: 7312) فهذه الجملة العظيمة من كلامه صلى الله عليه وسلم تضمنت أن الفقه في الدين خير كله، وفيها بشارة أن من أراد الله به خيرًا فقهه في الدين؛ أي يسر له طلب العلم ورزقه الفهم وهو معرفة المراد من كلام الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والقول بمقتضاه وتحقيقه بالعمل الصالح فإن الفقه في دين الله تعالى خير كله. وبيان ذلك بما يلي:
أولاً: أن العبد بالفقه في دين الله يعرف ربه تبارك وتعالى وحقه عليه وجزاءه عنده على عمله خيره وشره.
ثانيًا: بالفقه في دين الله تعالى يعرف العبد فرائض الطاعات فيحافظ عليها وكبائر المنكرات فيجانبها ويتوب إلى الله تعالى مما اقترف منها.
ثالثًا: إذا تعارضت عنده طاعتان لا يمكن الإتيان بهما جميعا عرف أفضلهما فباشرها فحصل على ثوابها بالنية والعمل وعلى ثواب الأخرى بالنية لأن الله تعالى يعلم أنه لو قدر عليهما لفعلها.
رابعًا: وهكذا، إذا ابتلي الشخص بمعصيتين لا يمكنه السلامة منهما ارتكب أخفهما إثماً وهو كاره لفعله فكان مكرهاً لا إثم عليه لأن الله تعالى تجاوز عن الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
خامسًا: وبالفقه في دينه يدرك عظمة هذا الدين الإسلامي الحق وأنه تشريع الحكيم العليم الرؤوف الرحيم وأنه صالح مصلح للعباد في كل مكان وزمان، وأن الله تعالى قد هداهم للتي هي أقوم، وأن الله تعالى قد يسر لهم الأمر ورفع عنهم الأصار والأغلال، فهو منهاج الحياة والدليل على سعادة الأبد.
سادسًا: وبالفقه في الدين يدرك العبد أن الهداية لهذا الدين أعظم نعمة لله تعالى على من هداه إليه وأخص رحمته وأكمل إحسانه؛ فمن شكر الله على نعمته والاغتباط بفضله ورحمته والعرفان لإحسانه أن يدعى إليه من لم يهتد إليه.
سابعاً: وبالفقه في دين الله ينشط المتفقه في الدعوة إلى الله تعالى لعلمه أن من دل على خير فله مثل أجر فاعله، ومن دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ولأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم، ومن اهتدى على يديه يهودي أو نصراني كان فكاكه من النار حتى أن الله تعالى يعتق بكل عضو منه من النار حتى فرجه بفرجه.
ثامناً: وبالفقه في الدين تتحقق استقامة العبد على ما يدعو إليه وانتهاؤه عما ينهى عنه لأن الله تعالى يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2-3].
تاسعًا: وبالفقه في دين الله يتحرى العبد أفضل النوافل تكميلاً للفرائض ويدوام عليها لأنها من أسباب محبة الله تعالى وحفظه لعبده وكلاءته ورفعة درجته فيداوم عليها وتكون من أسباب محبة ربه له وإجابة دعائه وإجارته مما يخاف منه ويحاذر.
عاشرًا: ومن ثمرات الفقه في دين الله تعالى أن الفقيه يعرف الحق بدليله ولا يروج عليه شبهات الشيطان واتباعه وزخرفتهم وتضليلهم ولذا فإن فقيهاً واحداً أشد على الشيطان من ألف عابد.
حادي عشر: وبالفقه في الدين تقوى محبة العبد لربه لمعرفته قدر نعمته وتعظيم خشيته لربه لعلمه بعظمته وقوته وجبروته وعزته، فأعرف الناس بالله أتقاهم له إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.
ثاني عشر: وبالفقه في الدين يحذر المرء من ظلم الناس والتعدي عليهم بشيء من أموالهم، وأعراضهم أو دمائهم أو أي شيء من حرماتهم لعلمه بعظم تبعة ذلك وأنه سيرد مظالمهم إليهم ولا بد فإن لم يردها إليهم في دنياه ردها عليهم يوم القيامة من حسناته إن كانت له حسنات أو بأن يتحمل من سيئاتهم على قدر ظلمه وما ظلمه الله.
ثالث عشر: وبالفقه في الدين يتسع الأفق فيعرف الحكمة من الحياة، والمنتهى بعد الممات، ويمتد النظر من الدنيا إلى الأخرى فيشتغل العاقل بإصلاح آخرته ولا تغره زخارف دنياه بل يجعل الدنيا سبباً للفلاح بجزيل الأرباح في الآخرة يوم القيامة.
فقهني الله وإياك في ديننا وأصلح لنا دنيانا وآخرتنا، وجعلنا من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين وعباده المرحومين.